قرار بريطانيا بالحظر الجزئي لتسليح إسرائيل: تحليل سياسي وقانوني
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
أصدرت الحكومة البريطانية قرارًا بتعليق 30 رخصة لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مستندة إلى تقييم يشير إلى وجود "خطر واضح" من احتمال استخدام المعدات المصدرة، مثل: الطائرات العسكرية، والمروحيات، والطائرات بدون طيار، ومعدات الاستهداف، في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
جاء هذا القرار بعد مراجعة دقيقة لمخاطر تلك الصادرات، وكان رمزيًا إلى حد كبير، حيث لم تتجاوز نسبة الحظر 10% من إجمالي الرخص.
لاقى القرار البريطاني ردود فعل متباينة؛ فقد وصف الحاخام الأكبر في بريطانيا القرار بـ"الغريب"، بينما تساءل رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون علنًا عن مدى توجه كير ستارمر، ، نحو تحقيق نصر لحركة حماس.
وفقًا للمتابعين، يُعد القرار غير كافٍ وغير فعال، إذ تم الإبقاء على نحو 350 رخصة تصدير دون تغيير. وتعتبر منظمة العفو الدولية القرار "سيئًا للغاية"، مشيرة إلى استمرار تزويد إسرائيل بقطع غيار لطائرات "إف-35" ولو بشكل غير مباشر، بينما وصفته حملة مناهضة تجارة الأسلحة بـ "المخزي وغير المبرر".
لماذا اتخذت بريطانيا القرار؟ أولًا: الضغوط الشعبية والحراك الحقوقي: شهدت بريطانيا في عام 2024 مظاهرات ضخمة دعمًا للفلسطينيين في غزة، حيث اجتذبت هذه الاحتجاجات أعدادًا كبيرة من المتظاهرين في عدة مدن. ففي لندن مثلًا، قُدرت الأعداد في بعض المظاهرات الكبرى بما بين 50,000 إلى 500,000 شخص، وفقًا لتقارير إخبارية. وشهدت مدن أخرى مثل مانشستر، غلاسكو، وبرمنغهام أيضًا تجمعات كبيرة، تجاوزت أعداد المتظاهرين فيها عشرات الآلاف. كما شهدت العديد من مصانع السلاح الشريكة مع إسرائيل احتجاجات شعبية رافضة. ثانيًا: فوز حزب العمال في الانتخابات: في الانتخابات البريطانية الأخيرة عام 2024، حقق حزب العمال بقيادة كير ستارمر فوزًا كبيرًا منح الحزب أغلبية قوية في البرلمان، مما مكّنه من تشكيل حكومة جديدة، وتنفيذ سياساته الخارجية. أدى هذا الانتصار إلى تحول جزئي ملحوظ في السياسة البريطانية، حيث أعاد الحزب تقييم سياسات الحكومة السابقة، بما في ذلك قرار فرض حظر جزئي على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وكذلك سحب الطلب من المحكمة الجنائية الدولية والمشكك في وضع دولة فلسطين القانوني. ولعل فوز حزب العمال في الانتخابات جاء كردة فعل سلبية من البريطانيين على سياسة حزب المحافظين الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل في حربها على غزة. القانون الدولي يحظر تسليح دول ترتكب جرائم حربانتهاكات القانون الدولي لا تقتصر على الأفعال المباشرة على أرض المعركة، بل تمتد لتشمل الدول التي تساهم بشكل غير مباشر في تأجيج النزاع من خلال تزويد أطراف الصراع بالأسلحة والمعدات. وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، فإن توريد الأسلحة إلى دولة أو طرف منخرط في نزاع مسلح، كما هو الحال مع إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، مع العلم بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المسؤولية الدولية.
في حالة المملكة المتحدة، فإن تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، في ظل وجود أدلة واضحة على استخدام هذه المعدات في عمليات عسكرية قد تشكل جرائم حرب أو حتى إبادة جماعية، يضع على عاتقها مسؤولية قانونية دولية. فالقانون الدولي يشدد على ضرورة منع تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع عندما يكون هناك خطر واضح بأن هذه الأسلحة ستستخدم في انتهاكات جسيمة. يُعد هذا الالتزام جزءًا من المبادئ العامة التي تُلزم الدول بالامتناع عن أي عمل من شأنه أن يساهم في تأجيج الصراع، أو تعزيز انتهاكات القانون الدولي.
موقف القانون الدولي من تزويد الشعوب المحتلة بالسلاحأثيرت مجموعة من التساؤلات حول إمكانية تلقي الشعوب المحتلة أو الخاضعة لنظام فصل عنصري معونة عسكرية من الغير؛ لتسهيل مهمتها في بلوغ ما ترمي إليه. وقد انقسمت الدول في هذه المسألة، كما هو الحال بالنسبة إلى موقفها من تمتّع الشعوب المستعمرة أو المحتلة بالكفاح المسلح.
أما فيما يتعلق بمقررات الأمم المتحدة، فيمكن القول إن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة "بالتوافق أو التراضي" أكدت حق تقديم المعونة اللازمة للشعوب المناضلة للحصول على استقلالها وحريتها، إلا أنها لم تشر إلى تقديم المعونة العسكرية. فانبرت دول عديدة، أغلبها من الدول الغربية، إلى تفسير هذه التوصيات تفسيرًا ضيقًا، مقتضاه أن المعونة المقصودة هنا هي المعونة الإنسانية لا العسكرية.
يتّسم القانون الدولي بالحيادية تجاه تقديم دولة ثالثة معونة عسكرية لحركات التحرر الوطني. فلا تمتلك الدول الحق قانونيًا في تقديم هذه المساعدة، لكنها لا تخالف أحكام القانون الدولي إذا قامت بذلك. ومع ذلك، يجب ألا تصل هذه المعونة إلى مستوى التدخل العسكري المباشر. إذ إن إعلان مبادئ العلاقات الودية لعام 1970 يقرّ بحق حركات التحرر الوطني في طلب الدعم بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه.
التدخلات العسكرية المباشرة قد تهدد السلم الدولي، في حين أن التدخل المحدود وغير المباشر قد لا يكون له تأثير كبير. لذلك، تحتفظ الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، أو أنظمة الفصل العنصريّ بحقّها في استخدام القوة؛ لاستعادة حقها في تقرير المصير. كما يمكن لهذه الشعوب الاستفادة من الدعم الإنساني والمالي وحتى العسكري، شريطة ألا يتخذ شكل تدخل عسكري مباشر.
ولا شك أن جميع فصائل المقاومة في الأراضي الفلسطينية هي حركات تحرر وطني وفق القانون الدولي، وأكدت ذلك قرارات دولية عديدة، منها القرار رقم 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، الذي ساوى بين العنصرية والصهيونية وعدّ المقاتلين الفلسطينيين ضمنًا أفراد حركات تحرر وطني.
وقد اشترطت إسرائيل إلغاء القرار 3379 شرطًا لمشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وأُلغي القرار بموجب القرار 46/86 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 1991.
كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى تقديم المساعدات والدعم المادي والمعنوي لحركات التحرر الوطني، منها القرار رقم (xx/2105) لعام 1965، وقرارات أخرى تطالب أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة بتقديم مثل هذه المساعدات لحركات التحرر الوطني، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة.
وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، فإن توريد الأسلحة إلى دولة منخرطة في نزاع مسلح، مثل إسرائيل، مع العلم بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المسؤولية الدولية
وأسبغ القانون الدولي الإنساني حمايته على الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفراد الشعب الفلسطيني كله، بمن فيهم فصائل المقاومة التي هي حركات تحرر وطني، وذلك في مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في جنيف بتاريخ 15 يوليو/تموز 1999، الذي قرر تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية، حيث عدّ إسرائيل قوة احتلال.
كذلك تدعو الفقرة الرابعة من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 بوضوح إلى مساعدة "الشعوب التي تكافح ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية".
كل القواعد الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين أصبحت معترفًا بها من قبل المجتمع الدولي، دولًا ومنظمات دولية وإقليمية. فهذه القواعد أصبحت من النظام العام في القانون الدولي، وكل سلوك يخالفها يُعد باطلًا بطلانًا مطلقًا لا يُصححه حتى اتفاق الأطراف على مخالفته.
إن العلاقات الدولية، وخصوصًا فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، قائمة بشكل رئيس على اعتبارات سياسية واقتصادية، ولا تستند إلى قواعد القانون الدولي العام، بما في ذلك الالتزامات الدولية للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة.
حركات المقاومة الفلسطينية تناضل من أجل هدف واضح ومحدد منذ عشرات السنين، وهو تقرير المصير، وبناء دولة مستقلة عاصمتها القدس، واسترداد كافة الحقوق التي انتهكها الاحتلال الإسرائيلي. الكفاح المسلح واحد من الوسائل المتاحة لاسترداد الحقوق.
إن السلوك الإسرائيلي الميداني على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومحاولات التمييع المتواصلة لقواعد القانون الدولي الإنساني، والتواطؤ الدولي الواضح حيال كل ذلك، لا تقدح بأي حال من الأحوال في قانونية أعمال المقاومة الفلسطينية، ولا تقلل من قيمة الحقوق التي يسعى الفلسطينيون إلى استردادها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القانون الدولی الإنسانی الجمعیة العامة الأمم المتحدة الأسلحة إلى جرائم حرب قرار ا
إقرأ أيضاً:
تحليل معمق- 40 يوماً من المواجهة: جردة حسابات وتقييم استراتيجي للحملة الأمريكية ضد الحوثيين
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
ملخصخلال 40 يومًا من العمليات العسكرية، شنت الولايات المتحدة حملة جوية مكثفة ضد الحوثيين تحت اسم “عملية الفارس الخشن”. استهدفت الغارات البنية التحتية العسكرية للجماعة، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ والطائرات المسيّرة. بلغت عدد الغارات أكثر من 1200 وفقًا لتقديرات الحوثيين، ما يعادل خمسة أضعاف الحملة السابقة التي نفذتها إدارة بايدن. الحوثيون يظهرون ثقة في مواجهة الحملة، لكنهم يواجهون تحديات داخلية وشعبية قد تؤثر على استقرارهم. أبرز النقاط: – الأهداف العسكرية: القضاء على القدرات العسكرية الحوثية وتقويض إمكانياتها الهجومية في البحر الأحمر. – كثافة الغارات: استهدفت صنعاء وصعدة والحديدة ومأرب بشكل رئيسي، مع التركيز على مواقع تخزين الأسلحة ومنصات الصواريخ. – استهداف القادة: رغم المحاولات المستمرة، لم تحقق الحملة نجاحًا كبيرًا في تصفية قادة الصف الأول والثاني، واقتصرت الخسائر البشرية على القيادة الوسطى والميدانيين. – رد الحوثيين: أظهرت الجماعة قدرة على امتصاص الصدمة، حيث أعادت ترتيب أوراقها بسرعة وأجرت تغييرات على تحركات القادة والاتصالات العسكرية والأمنية. وتعمل على تطوير دفاعات جوية – تأثير محدود على القرار الحوثي: رغم الضربات الجوية، لا تزال الجماعة تواصل عملياتها، ولم تتعرض لإضعاف كبير في بنيتها العسكرية. |
منذ منتصف مارس/آذار، ألقى الجيش الأمريكي صواريخ وقنابل وقذائف صاروخية على صحاري اليمن وجبالها النائية، فيما أطلق عليه وزير الدفاع بيت هيغزيث، اسم “عملية الفارس الخشن” لتدمير جماعة الحوثي. واستهدفت مخازن أسلحة، ومعامل ومنصات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وقادة الحوثيين.
أعلن ترامب أنه يهدف إلى “القضاء التام” على الحوثيين، الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر منذ ثمانية عشر شهرًا، ظاهريًا بدعوى الدفاع عن الفلسطينيين. وتُعدّ الغارات الجوية الجديدة أشد وطأة بكثير من تلك التي نفذتها إدارة بايدن العام الماضي، وتشمل اغتيال قادة حوثيين (وُرد أحد هؤلاء القادة في سلسلة رسائل سيجنال، وإن لم يُذكر اسمه لكن أشير إلى أنه خبير صواريخ الحوثيين والذي اُستهدف في الموجة الأولى من الغارات بينما كان يدخل منزل عشيقته -كما قالت الرسائل المسربة-).
بعد 40 يوماً ما الذي حققته إدارة ترامب في العملية العسكرية، وهل جرى إضعاف الحوثيين؟ وما هي مآلات العملية العسكرية في ظل تحديات عميقة تواجها؟ يجيب هذا التقرير عن التساؤلات
ارتفاع مهوّل في عدد الغارات الأمريكية
شنت القيادة المركزية الأمريكية حتى 26 ابريل/نيسان (863) غارة جوية معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين -حسب وحدة الرصد في “يمن مونيتور” التي اعتمدت على إعلانات وسائل إعلام الحوثيين. لكن الحركة المسلحة تقول إن عدد الغارات يتجاوز 1200 غارة جوية وهو ما يعني خمسة أضعاف الحملة التي قامت بها الولايات المتحدة العام الماضي.
تعرضت صنعاء وأمانتها إلى (225) غارة، تليها محافظة صعدة معقل الحوثيين ب(213) غارة، ثم محافظة الحديدة الساحلية الاستراتيجية (203) غارات، تليها محافظة مأرب ب(96) غارة. ومن الواضح أن الغارات تركزت على صنعاء وأمانتها حيث وسع الحوثيون مخازن أسلحة كانت في عهد نظام علي عبدالله صالح، وبُنيت مخازن أسلحة أخرى. فيما تركزت الغارات في الحديدة لاستهداف أجهزة الرصد ومنصات الإطلاق البحرية وأيضاً -إلى جانب مأرب- تركزت الغارات على الخطوط الأمامية للقتال مع الحوثيين.
ومن الواضح أن حملة ترامب أكثر تدميراً عن تلك التي أطلق عليها “حارس الإزدهار” من قِبل الإدارة السابقة (يناير/كانون الثاني2024- فبراير/شباط 2025)، إذ لم يُحاول جو بايدن بجدية التعامل مع الحوثيين، مفضلًا عدم استهداف الحوثيين وقواعدهم الرئيسية وقياداتهم بل ممارسة الضغوط على الجماعة لوقف عمليات البحر الأحمر.
وبمقارنة حملة ترامب ضد الحوثيين بتلك التي كانت في عهد بايدن فقد تميزت باتّساع النطاق الجغرافي للأهداف فأصبحت تستهدف محافظات ومناطق بعيدة عن المعسكرات ومصانع ومعامل تحت أرضية لم تكن موجودة في قائمة الأهداف السابقة. الاستمرارية في تنفيذ الضربات وليست ملزمة أن تكون كردة فعل لإطلاق الحوثيين الصواريخ والمسيّرات على السفن التجارية واستهداف صواريخ ومنصات الاطلاق. تفويض قائد القيادة المركزية الأميركية بالتحكم في توقيت الضربات وإيقاعها دون العودة إلى البيت الأبيض، وهو ما يعني السماح باستهداف قادة الجماعة وأصولها المالية والعسكرية.
حددت الولايات المتحدة، إن الحملة العسكرية ضد الحوثيين تهدف لتحجيم القدرات العسكرية للحوثيين من خلال استهداف مخازن الأسلحة ومراكز القيادة، وفرض عقوبات صارمة على الحركة. واستهداف قادة الجماعة المسلحة. من أجل تأمين التجارة العالمية، رغم التكاليف المرتفعة للعملية التي بلغت مليار دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى. لأجل إعادة ترسيخ الردع الأمريكي تجاه الحوثيين وإيران، مع رسائل مبطنة تهدد برد عسكري في حال عدم التوصل لاتفاق نووي؛ حيث تلعب تعليقات ترامب دورا في نقاش طويل الأمد حول مدى عمل الحوثيين كأداة للسياسة الإيرانية. وفي حين حقق الحوثيون تقدما كبيرا في تطوير إنتاج الأسلحة محليا، فإن ترسانتهم لا تزال تعتمد على الدعم من إيران.
ومن الصعب تقييم التأثير الكلي لهذه الضربات على عملية صنع القرار لدى الحوثيين. وبدراسة مناطق الاستهداف الأمريكية خلال الـ40 يوماً الماضية، يمكن ملاحظة التالي:
أ)قدرات الحوثيين: استهدفت الغارات مخازن أسلحة تحت الأرض في محافظتين رئيسيتين صنعاء وأمانتها (225) غارة، وصعدة معقل الحوثيين ب(213) غارة. في صنعاء كانت معظم الغارات التي استهدفت مخازن تحت الأرض في مديرية بني حشيش (شرق)، وفي جبل نُقم، ومنطقة براش في مديرية سنحان (شمال)، ومنطقة عطان (وسط)، وهي إما مخازن ومعامل أسلحة كان الحوثيون قد قاموا ببنائها خلال السنوات الثلاث الماضية أو جرى توسيع مخازن الأسلحة السابقة التي كانت في عهد علي عبدالله صالح.
وفي محافظة صعدة تركزت الغارات شرق وشمال مدينة صعدة (96) غارة وفي مديرية كتاف، وهي مخازن ومعامل أسلحة متقدمة قام الحوثيون ببنائها خلال الحرب بعد 2015-2024، وهي بيئة جبلية صعبة للغاية.
تعتبر ضواحي مدينة صعدة أكثر منطقة تعرضت للغارات ب96 غارة جوية أمريكية استهدفت -على ما يبدو- مخازن أسلحة ومعامل تحت الأرض
التفاصيل في تحليل يمن مونيتور الجديدhttps://t.co/FPfOP3YbqK
**تظهر صور الأقمار الصناعية الغارات جنوب المدينة pic.twitter.com/o1S0grcwFy
— يمن مونيتور (@YeMonitor) April 28, 2025
مع ذلك قالت مصادر مطلعة لـ”يمن مونيتور” إن الغارات لم تؤدي إلى تدمير مخازن واسعة للحوثيين أو معامل للأسلحة. على سبيل المثال غارات في ابريل/نيسان وقعت في “منطقة براش”، وأخرى في “كتاف” أدت فقط إلى إغلاق مداخل بعض مخازن الأسلحة وكان الخبراء والعاملون موجودون في الداخل لكنهم تمكنوا من الخروج على قيد الحياة دون تضرر عبر مخارج طوارئ كان الحوثيون قد قاموا بتطويرها بعد هدنة ابريل/نيسان 2022م.
أعاد الحوثيون ترتيب أوراقهم في الأسبوعين الأولين للهجمات، شملت الإجراءات إعادة بناء تحركات القادة العسكريين وتفعيل منظومة الاتصال الداخلية بمستوياتها العسكرية والأمنية والعملياتية ومع الحاضنات الشعبية التابعة لها.
قال مسؤول قريب من الحوثيين: تمكنا من امتصاص الصدمة، على الرغم من أن الهجمات لم تكن مفاجئة وكانت متوقعة لكن التوقيت الذي تم تقديره أبعد من موعد 15 مارس/آذار.
وقال مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (هيئة توازي رئاسة الجمهورية) إن حجم الضرر العسكري أقل من (1%). لكن خبراء عسكريين قريبون من الحوثيين يقولون إن النسبة أعلى من ذلك بكثير لكنها تبقى غير مؤثرة في الوقت الحالي.
ب) استهداف القادة: من المرجح أن تكون الضربات الجوية الأميركية الواسعة النطاق مدفوعة بعد أشهر من العمل الاستخباراتي المضني خلال إدارة بايدن. لكن حسب مصادر مطلعة في صنعاء فإن الحوثيين غيروا التكتيكات الأمنية والاتصالات التي جرى اتباعها خلال الهجمات الأمريكية في عهد بايدن، مستفيدين من الدرس الذي تعرض له حليفهم اللبناني حزب الله، وإيران. لذلك يبدو أن الولايات المتحدة فشلت حتى الآن من إسقاط قادة الصف الأول والثاني في الجماعة ومعظم من جرى استهدافهم من القيادة الوسطى.
ولا يعلن الحوثيون عن خسائرهم البشرية، كما لم تعلن القيادة المركزية الأمريكية عن الأهداف البشرية التي استهدفتها في الغارات. ونشر ترامب مقطع فيديو قال إنه لغارات اغتالت قادة ومسؤولين حوثيين خلال اجتماع لتحضير شن هجمات بحرية، ويوجد في المقطع 74 شخصاً، ويبدو أن الاستهداف حدث في مديرية التحيتا جنوبي محافظة الحديدة في الثاني من ابريل/نيسان-كما تقول الحكومة-. وأكد الحوثيون وقوع الغارة لكنهم قالوا إنها استهدفت “فعالية اجتماعية” خلال عيد الفطر المبارك.
وقال مركز أبعاد للدراسات والبحوث في تقييم للعمليات الأمريكية خلال 30 يوماً: وعلى الرغم من تعتيم الحوثيين على الخسائر البشرية، تشير عائلات موالية للحوثيين في شبكات التواصل الاجتماعي إلى مقتل أبنائها . وتشير المصادر إلى مقتل قادة في الجماعة بينهم مسؤولون عن صناعة الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية قتلوا في غارات على صعدة وصنعاء: عبده الهلالي، محمد شوقي جياش، عبده محمد الحمران، حسين الخطيب، يحيى رضوان الحمزي، عبدالرؤوف العربجي، تركي الطاهري. استهدفت القوات الأمريكية أربعة أهداف متحركة في صنعاء وصعدة، فيما استهدفت ستة منازل في صعدة وصنعاء ومأرب لما يعتقد أنها اجتماعات لقادة الحوثيين، وأدت بعضها إلى قتلى وجرحى بين المدنيين. ومعظم هؤلاء من القيادة الوسطى والميدانيين في الجماعة وليسوا من قادة الصف الأول أو الثاني باستثناء “عبده الهلالي” المسؤول الكبير في صناعة صواريخ الحوثيين.
وأضاف أبعاد: بناءً على التقديرات أن الحملة قد تستمر 6 أشهر، من المرجح أن تُعيق محدودية المعلومات الاستخباراتية الميدانية في اليمن قدرة الولايات المتحدة على تتبّع قادة الحوثيين. وتكرر هذا الواقع في أوائل العام الماضي عندما واجهت الولايات المتحدة صعوبةً في تقييم نجاح عملياتها وترسانة الجماعة الكاملة بسبب نقص المعلومات الاستخباراتية.
هجوم بري- الخطوط الأمامية
ولوحظ على نطاق واسع منذ مطلع ابريل/نيسان أن القيادة المركزية الأمريكية تقوم باستهداف مواقع الحوثيين في الخطوط الأمامية للقتال مع الحكومة اليمنية وحلفاؤها، على سبيل المثال: في “التحيتا” بالحديدة شنت الولايات المتحدة 40 غارة جوية، وفي جزيرة كمران ب56 غارة جوية، وهي منطقة خطوط أمامية للقتال مع قوات “المقاومة الوطنية” التي يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح. و130 غارة استهدفت مواقع الحوثيين ومعسكراتهم في المديريات الخاضعة للحوثيين على جبهات القتال في محافظتي مأرب والجوف المتجاورتين شمال شرق البلاد حيث يتمركز الجيش الوطني اليمني.
وتهدف هذه الغارات بشكل أساسي إلى ضرب القيادة والسيطرة الأدنى في الجماعة وقطع الاتصالات مع القيادة العليا. وقد تسفر هذه الضربات عن مقتل قادة ميدانيين من الرتب المتوسطة، مما يتيح فرصاً للقوات الحكومية لاستغلالها، شريطة تنسيق الضربات الأمريكية مع تحركات تلك القوات.
وتشير تقارير أمريكية إلى أن الحكومة اليمنية تخطط لشن هجوم بري على الحوثيين من الجنوب والشرق والغرب، بينما تدرس الولايات المتحدة نوايا الفصائل اليمنية المناوئة للحوثيين وتقدم استشارات عسكرية لدعم الهجوم البري الذي تؤيده الإمارات وتعارضه السعودية.
ومع ذلك، فإن تعويض هؤلاء القادة متوسطي الرتب سيتم بسرعة ما لم يُنفَّذ تحرك سريع ومنسق يحظى بدعم دول الخليج ومساندة من تحالف غربي أوسع. في الوقت نفسه، يؤكد الحوثيون استعدادهم لمواجهة أي عمليات برية من خصومهم بقوة كبيرة.
العملية الجوية الأمريكية التي أعلن ترامب أن هدفها “القضاء التام” على الحوثيين- الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر منذ ثمانية عشر شهرًا، بهدف ظاهري هو الدفاع عن الفلسطينيين- لا يمكنها تحقيق نجاح ضد الحوثيين.
في الجانب المأسوي للعملية الأمريكية تُتهم الولايات المتحدة بقتل وإصابة مئات المدنيين، مع رفض شعبي واسع لها خاصة في مناطق الحوثيين، رغم أن سكاناً في صنعاء وذمار وريمة والحديدة وعمران تحدثوا لـ”يمن مونيتور” يشعرون أن عودة الحوثيين للحرب في البحر الأحمر سبب في بدء العملية الأمريكية ضدهم.
أبرز الهجمات التي استهدفت مدنيين كان استهداف ميناء رأس عيسى النفطي التي أدت إلى مقتل 80 وإصابة 173 آخرين معظمهم من عُمال وموظفي الميناء وسائقو شاحنات النقل، خلال تنفيذ الهجمات، قالت القيادة الوسطى الأمريكية في إن الهدف من الهجمات “الهدف من هذه الضربات هو إضعاف مصدر القوة الاقتصادية للحوثيين”، وهو توسيع للأهداف الأمريكية في اليمن من استهداف القيادات والبنية التحتية العسكرية التي تستخدم في تهديد الملاحة الدولية إلى استهداف مصادر تمويل الحوثيين.
واستخدم الحوثيون الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية والخسائر البشرية الناجمة عن الغارات الجوية لتعزيز خطابهم السياسي وكسب تأييد داخلي وخارجي، إذ يدعم الدعاية الحوثية بأن الحركة تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل وأن الهدف الأساس للغارات قتل المدنيين واحتلال أراضيهم، وأن خصومهم هم “أدوات للأمريكيين”!
رد الحوثيين
رداً على الهجمات الأمريكية الجديدة أعلن الحوثيون عن أكثر من 20 عملية في البحر الأحمر وباتجاه إسرائيل. وأعلنت الجماعة إسقاط 7 طائرات مسيّرة طراز MQ-9 منذ بدء عملية ترامب. هذه الطائرات مهمة للغاية في العمليات الأمريكية لجمع المعلومات المخابراتية وارسالها إلى القيادة المركزية لاتخاذ القرار وقصف الأهداف، وتمكن الحوثيين من تطوير صواريخ دفاع جوي لاستهدافها يُعقد جمع المعلومات المخابراتية.
لذلك بدأت القيادة المركزية الأمريكية باستخدام طائرات أكثر تطوراً، وظهرت صور لطائرة هجومية إلكترونية نادرا ما ترى وهي (EA-18G Growler) أثناء استعدادها للانطلاق وقصف مناطق الحوثيين. وهو يشير إلى أن الولايات المتحدة تشعر أن تفاصيل الدفاعات الجوية للحوثيين والرادارات وأجهزة الاستشعار المرتبطة بها لا تزال غامضة، وأن الدفاعات الجوية للجماعة تمثل تهديد للمقاتلات الأمريكية. وهذا النوع من المقاتلات الحديثة مصممة لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي للعدو، لكنها ليست مجهزة للرد الذاتي المباشر على منصات إطلاق الدفاعات الجوية بأسلحة هجومية تقليدية. بدلاً من ذلك، تعتمد على التشويش الإلكتروني والتعطيل باستخدام أنظمة مثل AN/ALQ-99 وAN/ALQ-218، التي تمكنها من كشف وتحديد إشارات الرادار المعادية والتشويش عليها أو حتى خداعها. كما لوحظ أن المقاتلة كانت تحمل صواريخ مضادة للإشعاع والتي يبدو إنه لتوجيهها لاستهداف رادارات الحوثيين.
يَعرف الحوثيون التحديات التي تواجه العملية الأمريكية لذلك يبدون واثقين من فشلها؛ لكنهم يشعرون بقلق أكبر من انفجار شعبي في مناطق سيطرتهم حيث يحكمون بالحديد والنار ويواجهون أبسط الانتقادات بتُهم “الخيانة”؛ أو هجوم بري مدعوم من الغرب يقوده خصومهم في جنوب وغرب وشرق البلاد. وبدأوا بالفعل بالإجراءات الداخلية من خلال الدعوات لتفعيل وثيقة “الشرف القبلية” التي تمنع شيوخ ورجال القبائل من القتال أو التواصل مع الحكومة المعترف بها دولياً واعتباره “خيانة كبرى” ودعم لما يصفونها قوات الاحتلال “الأمريكية الإسرائيلية”. وقال مهدي المشاط: سنكون صارمين، هذه المعركة لا عنوان لها لا مسلم يقتل مسلم، ولا شرعية ولا شيء، الآن يهودي ومسلم.
الفشل يرسخ الحوثيين
نادرًا ما تكسب القوة الجوية وحدها الحروب، ويتمتع الحوثيون بميزة وجودهم في منطقة نائية وجبلية، حيث يُحتمل أن يكون جزء كبير من ترسانتهم في مأمن من الأذى. إذا صمد الحوثيون في وجه الحملة الحالية المتصاعدة، “فسيخرجون منها أقوى سياسيًا وبقاعدة دعم أكثر رسوخًا”، وسيفرضون أجندتهم على اليمن ودول المنطقة لسنوات طويلة قادمة.
واستنادًا إلى تجارب المنطقة، فإن غياب تحالف إقليمي ودولي فاعل، مع دور أكبر للإقليم، إلى جانب عملية عسكرية برية محلية تحت مظلة هذا التحالف، يجعل تحقيق العملية الأمريكية لهدفها المتمثل في إنهاء تهديد الحوثيين للملاحة أكثر تعقيدًا مما يتصوره الاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا من خلال توحيد الفصائل المكوّنة لمجلس القيادة الرئاسي تحت قيادة وزارة الدفاع، بما يضمن الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية اليمنية وبدء معركة برية ضد الحوثيين دون تدخل عسكري من الولايات المتحدة أو الغرب.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةرسالة المعلم أهم شيئ بنسبة لهم ، أما الجانب المادي يزعمون بإ...
يلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...
نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...