جمهور ترامب وضارب الطبل الأوّل
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
للمشاركة في إحياء الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، شاء دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي لانتخابات الرئاسة المقبلة هذا العام، اصطحاب مستشارته لورا لومر؛ التي كانت وراء هوس ترامب بحكاية المهاجرين آكلي الحيوانات الأليفة من كلاب وقطط، وصاحبة التعليق الأكثر عنصرية ضدّ كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالية والمرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي (فوز الأخيرة سوف يعني أنّ البيت الأبيض لن يعبق إلا بروائح الكاري، تلميحاً إلى أصول هاريس الهندية من جهة أمّها).
وهذه السيدة ليست كارهة للفلسطينيين والعرب عموماً، على نحو مطلق التصريح وجلف الإعلان، فحسب؛ بل هي تتباهى بلقب «الفخورة بكراهية المسلمين»، وكانت تغريداتها في هذا المنحى قد اضطرت إدارة تويتر إلى حجبها، إلى أن أعادها إيلون ماسك بعد شراء المنصة.
أكثر سوابقها دراماتيكة في مضمار الإفراط في التشديد على كراهية المسلمين أنها، في سنة 2017، اشتكت من كثرة وجود سائقين مسلمين لدى شركة النقل «أوبر»، وغردت بأنها لن تستقلّ أية مركبة يقودها مسلم؛ فكان أنّ الشركة قررت حجب الخدمة عنها نهائياً، وعممت القرار على سائر مستخدميها.
لكنّ هذا الجانب ليس نادراً لدى المقرّبين من ترامب وكوادر حملته الانتخابية، فجلّهم كاره للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والمهاجرين من كلّ جنسية ولون في أمريكا الراهنة. لكنّ ما يميّز لومر، في شأن ذكرى 11 أيلول /سبتمبر تحديداً، هو أنها تنتمي إلى صفّ مروّجي نظريات المؤامرة حول الواقع، وأنها «عمل داخلي» من تدبير الحكومة الأمريكية.
وهذه السيدة ليست كارهة للفلسطينيين والعرب عموماً، على نحو مطلق التصريح وجلف الإعلان، فحسب؛ بل هي تتباهى بلقب «الفخورة بكراهية المسلمين»
ولأنها أيضاً تصرّ على إعلان «هوية يهودية صلبة»، تهاجم لومر كلّ وأيّ يهودي أمريكي يمكن أن يصوّت للحزب الديمقراطي، سواء في الرئاسيات أم في انتخابات الكونغرس والولايات؛ الأمر الذي يبتهج له ترامب، متغافلاً عن حقيقة أنّ مجموعة ضغط يهودية فاعلة مثل «رابطة مناهضة التشهير» ADL، سعت إلى النأي بيهود أمريكا عن مواقف لومر؛ بالنظر، أوّلاً، إلى علاقاتها الوطيدة مع منظمات ترفع لواء التفوّق العرقي الأبيض، هذه التي تضمر العداء للسامية استطراداً.
وفي سنة 2020 ترشحت لومر لانتخابات الكونغرس عن مقاطعة بالم بيش، ذات نسبة التصويت اليهودي الأعلى في أمريكا، ضدّ المرشح لويس فرانكل اليهودي بدوره، وساندها ترامب رغم أنّ حملتها نهضت على مقولة وحيدة هي أنّ خصمها ينحاز إلى حقوق السود أكثر من اليهود، وأنّ انتخابه سيكون كارثة لأبناء ديانته، وتعمدت أن تتضمن إعلاناتها المضادة مشاهد من الهولوكوست ومفردات باللغة اليديشية. يومها خسرت لومر بمعدّل 59 إلى 39%، لكنّ حظوتها لدى ترامب تضاعفت بدل أن تتناقص.
ويصعب الافتراض بأنّ ترامب لا يدرك العواقب السلبية لانضمام لومر إلى فريق مستشاريه ومساعديه المقرّبين، وأنّ سلوكها أخذ يجبر بعض الأقرب بين هؤلاء (مثل النائبة عن الحزب الجمهوري مارجوري تايلور غرين) على الانخراط علانية في نقد حضور لومر الدائم إلى جانب ترامب.
يصعب الافتراض، في المقابل، أنه لا يستطيب ذلك السلوك تحديداً لأنه يُكسبه أصوات غلاة أنصار مبداً الـMAGA، «لنجعل أمريكا عظيمة من جديد»، وعتاة المؤمنين بالتفوّق العرقي الأبيض، وأتباع نظريات المؤامرة الشعبوية، فضلاً عن المتطرفين المتدينين اليهود.
ولهذا فإنّ ترامب لا يوجّه أيّ لوم إلى لومر، ولا يجد حرجاً في امتداحها: إنها «شخصية قوية وصاحبة آراء قوية» وهي «روح حرّة». والأرجح أنه لن يتردد في التضحية بشرائح من ناخبيه، وربما بحفنة من أنصاره في الكونغرس والحزب الجمهوري، لقاء ما يضخّه نموذج لومر في نفوس جماهيره من استنقاع عنصري وأخلاقي وإنساني؛ ليس البتة غريباً عن أهواء ترامب نفسه، في العميق من دواخله.
فما شيمة رهط ترامب سوى الرقص، على أنغام ضارب الطبل الأوّل!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب لورا لومر عنصرية كراهية امريكا كراهية عنصرية ترامب لورا لومر مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
لا تزال أمريكا التي أحببتها موجودة برغم ترامب
ترجمة: أحمد شافعي -
يبدو الأمر محتوما بقدر حتمية الفوضى الاقتصادية التي أطلق دونالد ترامب عقالها بسيل تعريفاته الجمركية الجنوني: انخفاض حاد في عدد السياح الزائرين للولايات المتحدة، ومن المتوقع الآن أن يزداد ذلك سوءا عما كان متوقعا في البداية. ففي فبراير، انخفض السفر إلى الولايات المتحدة بنسبة 5% مقارنة بالعام السابق، والآن، يتوقع خبراء توقعات ذوو مصداقية انخفاضا يقارب ضعف هذا الحجم. وكلنا نعرف السبب. فالكلمات العدائية التي وجهها ترامب لكندا والمكسيك أثرت سلبا على أكبر سوقين سياحيين للولايات المتحدة. ويلاحظ أيضا سيل من التقارير عن غرباء وقعوا ضحية الصرامة القاسية التي يبدو أنها تسيطر الآن على السلطات الأمريكية، إذ تعرضت امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما من شمال ويلز للاحتجاز لمدة تسعة عشر يوما في مركز احتجاز واقتيدت مقيدة بالسلاسل في طائرة إلى بلدها، وتم منع عالم فرنسي من دخول الولايات المتحدة دونما إجراءات قضائية بعد العثور في هاتفه على رسائل تنتقد الرئيس. وهذه الأخبار تؤكد جو الوحشية والعدائية السائد في إدارة ترامب، ويؤدي إلى بروز مخاوف مألوفة إلى السطح: من قبيل المخاوف من الأسلحة والبلطجة السياسية والبلد الذي يعيش حالة تقلب مخيفة. والنتيجة هي انتشار فهم فجائي للولايات المتحدة بوصفها مكان قد يحسن عدم زيارته، بما يؤدي إلى خسائر أليمة لملايين من الناس.
ولقد تشكل فهم كثير منا للعالم، في نهاية المطاف، على يد ما يسميه البعض بالقوة الناعمة الأمريكية. فلقد بدأ إحساسي الأول بجاذبية الولايات المتحدة الأمريكية عندما كنت في الرابعة من عمري وأنا أشاهد برنامج «شارع سمسم» التعليمي الرائع، إذ افتتنت بفريق عمله متعدد الأعراق، وتقديمه لرؤية مثيرة للحروف والأرقام ـ والحياة ـ تفوق إثارة البرامج التقليدية التي كنا نشاهدها على قناتي بي بي سي وآي تي في. ثم حدث بعد ذلك بقليل أن كان بعض أصدقاء الطفولة المحظوظين يرجعون من إجازات في أمريكا ـ هي في فلوريدا عادة ـ وهم يحملون معهم قصصا مصورة وحلوى زادت من إحساسي بالولايات المتحدة بوصفها أرض الأحلام الساحرة. ثم جاءت اللحظة الحاسمة: جبل ضخم من الموسيقى، لا يزال يشكل جوهر فهمي لماهية الولايات المتحدة، وكيف إنها قد تكون قادرة على تجاوز أزمتها الحالية.
وليس أفضل الموسيقى الأمريكية بشيء ما افتقر إلى الصدق: فهي، بالنسبة لي، بمثابة تصحيح لأي أفكار وردية كانت لدي عن الولايات المتحدة، كما أنها جعلتني، في الوقت نفسه، أكثر افتتانا. وينطبق هذا تماما على سلسلة من التسجيلات التي صدرت بين أواخر الستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي، وما زلت أعود إليها مرارا وتكرارا: من قبيل موسيقى صاحب الرأي الاجتماعي البارع كورتيس مايفيلد، أو المزيج من الآراء السياسية البسيطة والتحقيق المبهج للذات الذي يتخلل ذروة أعمال ستيفي وندر، من ألبوم «موسيقى عقلي» (1972) إلى ألبوم «أغاني على إيقاع الحياة» (1976). فعن طريق الاستماع إلى ذلك الشيء شديد الاختلاف، عندما انغمست في الموسيقى الريفية للمرة الأولى، استمعت إلى نوع آخر من الحقيقة الأمريكية في صوت رجال يبحثون عن مساحة للجرح والانكسار والضعف، فذلك يبدو ـ بأثر رجعي ـ النقيض الصارخ للرجولة الهشة التي استولى عليها ترامب.
ثم ذهبت في نهاية المطاف إلى هناك: فزرت أولا المدن الكبرى المعتادة، ثم مناطق غالبا ما يغفلها السائحون. فقبل نحو عشرين عاما، رحلت مرارا إلى أقصى الجنوب، أي الميسيسيبي، وألاباما، ولويزيانا، وجورجيا، فوجدت نفسي في الوقت نفسه أسير تيارين من الأفكار المتناقضة تماما. أحدهما يتعلق بالتقاطع المروع بين العنصرية ـ الممأسسة واليومية ـ والفقر، وحقيقة صارخة تقول: إن أغنى دولة في العالم قد تركت الكثير من الناس للغرق. والتيار الآخر هو الشعور بأن بعض هذه الأماكن على الأقل يحرز تقدما متقطعا ومترددا إلى ما هو أفضل. وقد جاء في أحد أدلتي السياحية حديث عن منطقة تمر بما يشبه الرحلة التي خاضتها جنوب إفريقيا بعد نهاية نظام الأبارتيد: وفي يوم جميل، كان من الممكن تصديق ذلك.
من أكثر ذكرياتي وضوحا ذكرى ليلة خانقة في بلدة كلاركسديل في دلتا المسيسيبي، ولا تزال هذه البلدة تعد رمزا لزراعة القطن والعبودية، وإرثهما الطويل والمروع. في حانة مملوكة للممثل مورجان فريمان، شاهدت مراهقة من الشرق الأوسط - تنتمي إلى أسرة من اللاجئين ـ وهي ذات موهوبة مذهلة، تعلمت بفضل برنامج تعليمي يديره متحف البلوز في المدينة عزف الجيتار الرئيسي بأسلوب آسر على طريقة نجوم مثل بادي جاي وألبرت كينج. وكانت تؤدي عروضها أمام حشد مختلط، لم يصبهم الذهول وحسب، بل بدا أنهم يشاركوننا فكرة أن ما نشاهده يمثل رمزا صغيرا لتحسن الأوضاع.
ولم يمض وقت طويل حتى بدا أن وصول باراك أوباما إلى الرئاسة قد جسد بشكل مذهل بعضا من الشعور نفسه بالأمل وبذلك القول الأمريكي المقتبس من ديباجة الدستور حول التقدم إلى اتحاد أكثر كمالا. ومهما يكن معنى ذلك ـ وبرغم كل الكراهية والنفاق والمجازر والقسوة الداخلة في نسيج التاريخ الأمريكي ـ فإنني لا أزال أشعر بقوته.
لكن من الواضح أن ترامب يريد أن يأخذ بلده في الاتجاه المعاكس، وذلك جزئيا من خلال محاولة إعادة تشكيل ثقافة البلد والصورة التي يقدمها للعالم. ومن بين عشرات الإجراءات الأخرى يعني هذا إزالة الأمريكيين السود من المواد التعليمية التي تنتجها مقبرة أرلينجتون الوطنية، وهجماته على «الأيديولوجية غير اللائقة أو المثيرة للانقسام أو المعادية لأمريكا» داخل شبكة متاحف سميثسونيان، وتنصيبه نفسه رئيسا لمركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية في واشنطن العاصمة. بل إن بعض المشرعين الجمهوريين، مثل عضوة الكونجرس مارجوري تايلور جرين، صاحبة الغباء السريالي، يريدون سحب التمويل من برنامج «شارع سمسم». وفي خضم كل تلك السياسات الاقتصادية غير المنضبطة والهجمات على العلوم والأوساط الأكاديمية، قد يكون هناك خطر بألا ينتبه الناس إلى هذه التحركات، برغم أنها لا تقل أهمية.
تبلغ ابنتي من العمر خمسة عشر عاما، وهي مهتمة بالولايات المتحدة بقدر ما كنت مهتما بها وأنا في مثل سنها، وهو أمر يعززه أن الولايات المتحدة في ما بين عامي 1789 و1900 جزء من منهجها الدراسي للتاريخ في شهادة الثانوية العامة. وهي ترغب في زيارة متحف الحقوق المدنية في ممفيس بولاية تينيسي، واستوديوهات صن التي انطلقت موسيقى الروك أند رول منها للمرة الأولى. وعندما تصل في النهاية إلى نيويورك، ستشمل أولى محطاتها متحف الفن الحديث وما تبقى من قرية جرينتش القديمة.
ولكنني أتساءل الآن: هل يجدر بنا أن نذهب؟ وبرغم هذا أعتقد أننا سوف نذهب، لسبب شديد الوجاهة: ففي النهاية، كل ما تمثله هذه الأماكن والمؤسسات سيثبت أنه سبب هلاك ترامب. بعبارة أخرى، ترامب ليس أمريكا. وبالنسبة لنا نحن الذين ما زلنا مفتونين بالولايات المتحدة، فإن أفضل رد على سوء حكمه ليس الانصراف عن الولايات المتحدة، بل الحفاظ على الثقة بالأمريكيين الذين يدركون ذلك، لا بوصفنا غرباء منبهرين، بل بوصفنا بشرا يعتمد مستقبلهم على ما هو أفضل.
جون هاريس من كتاب الرأي في صحيفة ذي جارديان