صحيفة الاتحاد:
2025-02-03@10:24:03 GMT

الثورة الرقمية والشرط الإنساني

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

محمد نجيم 
كتاب «الإنسان العاري، الديكتاتورية الخفية للرقمية» لمارك دوغان وكريستوف لابي، وهو كتاب بالغ الأهمية، يتناول كل القضايا الخاصة بالآثار الكارثية التي خلفتها الثورة الرقمية على الشرط الإنساني، ما يعود إلى علاقة الفرد بالزمان وبالمكان، وعلاقته مع نفسه ومع الآخرين، بل امتد تأثيرها ليشمل مجمل الأنوات التي بها يحيا الفرد، وهي ما يشكل «هوياته» الموزعة على فضاءات لا يلعب فيها الواقعي سوى دور بسيط، وعادة ما يكون مجرد ممر نحو عالم افتراضي لا حد لامتداداته، فعوض أن يبحث الناس في الحياة الحقيقية عن أصدقاء حقيقيين، راحوا يلهثون في الشبكات الاجتماعية وراء «صداقات» وهمية خالية من أي دفء إنساني.

وهذا دليل آخر على أن الفضاء الحميمي يجنح الآن إلى الاختفاء، «فالحياة الخاصة أصبحت مختلفة كلياً»، كما يؤكد ذلك صاحبا الكتاب.
ويرى مترجم الكتاب سعيد بنكراد، أن الثورة الرقمية جاءت بالخير، و«كسب الإنسان بفضلها أشياء كثيرة: في المعلومة ومعالجتها وتداولها وفي الصحة والأمن والسرعة، ولكنه خسر كل شيء أيضاً، الحميمية والحياة الخاصة والحرية والحس النقدي. 
إنها مفارقة غريبة، يقول بنكراد «فلم تقُد هذه الثورة بإنجازاتها الكثيرة، كما كان مؤملاً، إلى تجدد الإنسانية وتطورها، وإلى بلورة المزيد من القيم التي تحتفي بروح الأخوة والصداقة والكرامة، بل أعلنت ميلاد «فرد فائق» (hyper individu) يتحرك ضد نفسه وضد المجموع ضمن ممكنات «واقع فائق» (hyper realité). إنه إنسان «مزيد» بالافتراضي والبدائل الاصطناعية، ولكنه مُفرغ من الداخل. لقد اختفى الحلم والمتخيل والفعل الاستعاري عنده لتحل محله «الرغبة» و«الاتصال الدائم»، كل ما يتحقق في «اللحظة»، كما يمكن أن تُعاش في زمنية تنتشر في «فضاء أفقي» مصدره كل الشاشات: التلفاز والحاسوب واللوحات والهواتف المحمولة».

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في اجتماع وزراء الثقافة لدول «بريكس» تجليات الغربة والاغتراب

لا يتعلق الأمر بتمثيل مزيف للواقع، كما كانت تفعل ذلك الإيديولوجيا قديماً، بل هو الإيهام الدائم «بأن الواقعي ليس هو الواقعي»، كما يقول جان بودريار، فعالم الحياة الفعلية لا يُدرك إلا من خلال مضاف افتراضي يُعمق غربة الفرد عن نفسه وعن واقعه، ويستدرجه إلى وحدة «ينتشي» بها وسط الجموع. إن الواقعي ناقص، وتلك طبيعته، كما هو الإنسان ناقص أيضاً، وتلك عظمته وذاك مصدر قوته. ولكن النقصان في الحالتين معاً لا يمكن أن يعوض بالافتراضي، بل يجب أن يتجسد في فعل إنساني واقعي يسعى فيه الإنسان إلى التغطية على جوانب النقص في وجوده، وذاك كان مسعاه منذ أن استقام عوده وانفصل عن محيط صامت ليخلق تاريخه الخاص.
لقد امتدت سيطرة الافتراضية في عصر الرقمية لكي يشمل كل شيء. فهي الثابت في وجودنا. فنحن لا نكف عن اللعب بهواتفنا أو لوحاتنا، إننا لا نحس بالآخرين حولنا، بل نبحث عن سلوان ومواساة وفرحة ونشوة، أو حالات استيهام، في ما تقوله الصورة في أجهزتنا. لقد تغير كل شيء في حياة إنسان القرن الحادي والعشرين، لم يعد الناس يعيشون ضمن هذه الثورة باعتبارهم كينونة مستقلة تتغذى من القيم وتنتشي بكل مظاهر العزة والكرامة والاستقلالية في القرار، وفي العواطف.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الملحق الثقافي الثقافة الثورة الرقمية

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب يُناقش سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب

شهدت "قاعة الصالون الثقافي"؛ ندوة بعنوان "سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب"، وذلك ضمن "المحور الثاني" للفعاليات، حيث شارك فيها كل من: الدكتور خيري دومة، الدكتور قحطان الفرج الله، الدكتور محمود الضبع، وأدار الجلسة؛ الدكتور محمود عبد الغفار.

أعرب الدكتور محمود عبد الغفار؛ عن سعادته بالمشاركة في لقاء يحتفي بشخصية عظيمة؛ مثل؛ الدكتور سليمان العطار؛ وأكد أن العطار؛ جمع بين الإنسانية والأكاديمية في جميع مراحل حياته، ما انعكس إيجابيًا على كل من تعامل معه، سواء في الإطار الأكاديمي أو الإنساني. كما عبّر عن سعادته بتنظيم ندوة تناقش هذه الشخصية النقدية والأكاديمية الفريدة في تاريخنا الحديث؛ وأشار إلى أن العطار؛ قد تميز بجوانب حياتية زاخرة بالمواقف الإنسانية والأخلاقية النادرة، مؤكدًا أنه لم يكن يهتم بالمال، وكان يرى أن ما في جيبه ليس ملكه وحده؛ وأوضح أنه كان يدفع أجورًا مرتفعة للسائقين، تفوق الأجرة الطبيعية، فقط لرؤية السعادة على وجوههم.

ومن جانبه، أوضح الدكتور محمود الضبع؛ أنه يحسب نفسه من المحظوظين في مصر؛ لأنه عاشر وتعرف على أساتذة كبار؛ مثل؛ الدكتور سليمان العطار؛ ووصفه بأنه إنسان مسالم؛ لم يخض صراعات مع أحد، ما جعله يترك إرثًا علميًا وإنسانيًا عظيمًا؛ وأشار  إلى جوانب غير معروفة عن العطار، منها صداقته مع الملك "خوان كارلوس"، والتي دفعته إلى إهداء مكتبته، كما تحدث عن حرص "العطار"؛ على جمع المفردات والتعبيرات عند زيارته قرى البرتغال، ما مكّنه من تقديم ترجمات دقيقة تعكس المعنى الحقيقي للنصوص؛ وليس مجرد ترجمة حرفية؛ وأن أحد أهم كتب العطار هو "مقدمة في تاريخ الأدب العربي"، الذي يتناول مفهوم "الشعرية الصحراوية"؛ وأن "العطار"، رغم كونه خريج كلية الزراعة، التحق بعد ذلك بكلية الآداب؛ وتخصص في اللغة العربية، مما أتاح له الجمع بين البحث العلمي والإنسانيات.

وتابع الضبع؛ حديثه؛ عن فلسفة "العطار"، مشيرًا إلى تأثره العميق بـ الإمام الغزالي، وهو ما انعكس في رؤيته للعالم والإنسان، حيث كان يؤمن بأن "جحيم الإنسان الحقيقي يكمن في عقله"، وأن "عالم الموت يسكن داخل الفكر البشري"؛ كما عبّر عن تأثره الشديد بالجانب الإنساني للعطار، موضحًا أنه كان الشخص الوحيد الذي استطاع إخراجه من عزلته.

أما الدكتور خيري دومة، فقد أشار إلى صعوبة الحديث عن شخصية مثل "سليمان العطار"، نظرًا لتعدد جوانبها الموسوعية؛ وذكر أنه كان أحد طلاب "العطار" عندما عاد من الخارج، وأشاد بقدرته على التدريس بأسلوب فريد، خاصة في "مقدمة ابن خلدون"، مؤكدًا أنه كان عابرًا للتخصصات، وترك بصمة واضحة في مختلف المجالات التي تناولها؛ وقد وأشار إلى أن "العطار" كان قادرًا على الجمع بين العلوم الطبيعية والإنسانية، مما جعله واحدًا من أهم أساتذة قسم اللغة العربية، موضحًا أنه، رغم التزامه بالأسس الأكاديمية، كان يفتح آفاقًا تأملية واسعة، ويتميز بحس متفرد في تقديم رؤاه الفكرية والعلمية؛ وأوضح  أن "العطار"؛ لم يقتصر على الإطار الأكاديمي، بل كان دائم البحث عن أفق فكري جديد، وحرص على تجاوز الحدود التقليدية في الدراسة والتأمل، ما انعكس على أسلوبه في التعامل مع طلابه وتلامذته.

من جهته، أعرب الدكتور قحطان الفرج الله؛ عن مشاعر متناقضة بين السعادة والحزن وهو يتحدث عن أستاذه "سليمان العطار"، مشيرًا إلى الخسارة الكبيرة التي يمثلها رحيله؛ وسرد العديد من المواقف الإنسانية التي جمعته بالعطار، ومنها حرصه على شراء الصحف بشكل دائم، حيث كان يقول له: "يجب أن نشتري الصحف حتى لا تنقرض هذه المهنة"، كما وصفه بأنه كان أنموذجًا نادرًا لـ "الإنسان الموسوعي" الذي فرّق بوضوح بين الفكر؛ ومصادر الفكر، وساهم في تطوير "نظرية التبعية" في العالم العربي؛ وأشار إلى أن "العطار": في أيامه الأخيرة كان منعزلًا بشكل ملحوظ، حيث ندر تواصله مع الآخرين، وعندما اتصل به "الفرج الله"؛ في آخر أسبوع من حياته، كانت مكالمته الأخيرة تحمل نبرة وداع مؤلمة.

واختتم "الفرج الله"؛ حديثه؛ بالتأكيد على أنه قام بجمع جميع ما كتبه "العطار"؛ على وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لقيمة كتاباته الفكرية والإنسانية العميقة، مشددًا على فخره الكبير بأنه كان أحد طلابه.

مقالات مشابهة

  • السليمانية وكركوك.. قاتل امرأة يسلم نفسه في والعثور على جثة شاب
  • التحليق في عالم متجدد
  • دار الإفتاء: لا يجوز الصلاة قبل رفع الأذان لانشغال الفرد (فيديو)
  • دعما للعمل الإنساني للعام 2025
  • معرض الكتاب يُناقش سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب
  • ???? نعى قائد التمرد نفسه ومليشيته وهو يخطرف ويهذي على مسرح السخرية
  • مساعدات مصرية مستمرة لتحسين الوضع الإنساني والصحي في غزة
  • هل يُؤسر الوعي؟!
  • استمرار دخول المساعدات المصرية إلى غزة عبر معبر رفح لتحسين الوضع الإنساني
  • التشهير وتشويه السمعة!