يمانيون:
2025-04-07@08:06:46 GMT

المولدُ النبوي وسؤالُ التغيير والبناء

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

المولدُ النبوي وسؤالُ التغيير والبناء

عبدالرحمن مراد

في عالم اليوم ثمة تناقضات في جوهر الأشياء وفي ظواهرها العامة، فالكثير من أفراد المجتمع المسلم يعد العدة للاحتفال بعيد الكريسمس، وهو احتفال ديني عند المسيحيين يبالغون فيه إلى درجة عالية من الترف، وهو احتفال متعدد الوجوه بين طقوس دينية وقداس الميلاد، وبين احتفالات عائلية وتبادل للهدايا واستقبال رمزهم الديني البابا نويل وبين طقوس رمزية كوضع شجرة الميلاد ومغارة الميلاد، ويقف العالم المسيحي إجلالاً واحتراماً لهذه المناسبة، والكثير من أفراد المجتمع المسلم يفرح بهذه المناسبة ويذهب إلى الغرب حتى يشارك في مباهجها، وتقف دولة الإمارات على رأس الدول العربية التي تبتهج بالمناسبة وتنفق أموالاً كبيرة في مظاهر الاحتفال وفي الألعاب النارية وتوظف الإعلام العالمي لتغطية الحدث في دبي، وهذه الدولة نفسها تقف ضد الاحتفاء بذكرى المولد النبوي ولا تكاد تنفق على مظاهر الاحتفال به سنتاً واحداً، بل يذهب الكثير من تيار الوهَّـابية إلى القول إن الاحتفال بالمولد بدعة، وفي السياق بدأت الوهَّـابية في سنوات هيئة الترفيه في السعوديّة تحتفي بالكريسمس مجاراة للعالم.

العالم المسيحي يحتفل برموزه الدينية ومثل ذلك أمر مستحسن عند الوهَّـابية لكنها تقف ضد المولد النبوي الشريف الذي يشكل بعداً تحوليًّا وقيميًّا في حياة العرب والمسلمين، هذا البعد التحولي هو من ترك أثراً محمودًا على الحضارة الإنسانية المعاصرة، فعصر النهضة الأُورُوبية بدأ من عند المسلمين، وهو الذي أحدث كُـلّ هذا التحول عند الغرب بشهادات رموزهم الفكرية، بل يمكننا القول إن التقنيات الحديثة التي تعتمد الخوارزميات يعود الفضل فيها للمسلمين، وما يزال المصطلح دال على أسسه الأولى التي ابتكرها العرب والمسلمون.

لقد كان الإسلام ثورة عميقة أحدثت تحولاً عميقاً في التاريخ البشري كله، ولذلك يقف العالم الرأسمالي ضد فكرة الإسلام؛ لأَنَّه يرفض رفضاً قاطعاً فكرة الاستغلال والعبودية ويدعو إلى الحرية والاستقلال وإلى كرامة الإنسان، وقد كانت تلك المبادئ جوهرية في الفكر الإسلامي وفي الفقه التشريعي، في حين ظل العالم غير المسلم يعاني من العبودية ومن الاستغلال ومن التمايز الطبقي إلى عهد قريب، وعلى إثر ذلك نشأ تيار الاشتراكية الذي اصطدم مع النظم الاجتماعية القائمة على الاستغلال والتمايز الطبقي، وقد استفاد مفكرو الاشتراكية من ثورة الإسلام التي جاءت كي تنتصر لكرامة الإنسان وتحرّره من العبودية والاستغلال وقالوا بفكرة العدالة الاجتماعية وهي فكرة أصيلة في حركة وتاريخ الرسالة المحمدية.

ما يحدث اليوم في عالمنا الإسلامي هو انصهار في ثقافة الغالب ظناً منهم أنه يقود الحضارة الإنسانية المعاصرة، وتناسى هذا الجمع المعنى العظيم للثورة المحمدية التي قادت هذا التحول العميق في حياة البشر كلهم، وما يزال الكثير يجهل حجم التحول الذي أحدثته الثورة الإسلامية ويجهل ظلالها وفضلها على الحضارة المعاصرة، فحركة التجهيل كانت مشروعاً استعماريًّا غربيًّا يهدف إلى التيه والتضليل للعرب والمسلمين حتى لا يستعيد العرب والمسلمون دورهم الرائد في التحكم بمقاليد الحياة المعاصرة القائمة على أسس ومنطلقات قيمية وأخلاقية ذات تواشج عميق مع مقاصد الله في التشريعات السماوية للبشرية جمعاء.

ومن هنا يصبح الاحتفال بذكرى المولد النبوي من ضرورات العصر حتى يستوعب المسلمون والعالم من حولهم القيمة المثلى للثورة المحمدية، ويدركوا أثرها ويعوا دورهم الريادي في الحياة القائمة على مبادئ الحق والخير والعدل والحرية وعلى مكارم الأخلاق، وهو دور لا بُـدَّ أن يتحول إلى سؤال دائم يحفر في الوعي الجمعي الذي أمسى ضحية التعسف ورهن التضليل الذي يمارسه النظام الرأسمالي على البشر اليوم.

فما الذي يحدث اليوم؟

لماذا يبدو الواقع الإسلامي اليوم ضبابيًّا ومتوحشاً وغابيًّا بعد أن عملت فيه الجماعات التابعة للجهات الاستخبارية العالمية على تفكيكه وتشويه صورته المثالية في الأذهان؟

إن الجماعات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام وتعمل باسمه وتحت رايته هي من يفت في عضده، وهي من تعمل على تقويضه من خلال أخلاق التوحش والغابية والفوضى التي ساد منطقها وتداولها الإعلام منذ مطلع العقد الأول من الألفية، تلك الصورة التي تسيطر بقتامة مشهديتها على العقول اليوم هل تمثل الجوهر الحقيقي للإسلام؟

نحن نرى أن فقهَ التمدن في الإسلام، وفكرة الحريات العقائدية، وفكرة التدافع بين الجماعات سياقات ذات تجذر وعمق في الفكر الثوري الإسلامي الذي قاد مرحلة انتقال من أصعب المراحل ليبدع واقعاً اجتماعيًّا وثقافيًّا جديدًا في عهد الرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام.

لقد أصبحنا أمام واقع حضاري جديد، ودلت التفاعلات أن الفكر الإسلامي بحاجة إلى حركة تدافع لتحديد المفاهيم الحضارية الجديدة والمستجدة عليه ليكون أكثر ديناميكية مع واقعه، فالتمدن ما يزال يأخذ بعداً نظريًّا جامداً في تصورات البعض، والتدافع ما يزال يأخذ بعداً نظريًّا متوحشاً عند الكثير، والحريات تأخذ بعداً نظريًّا إلغائيًّا إلى حَــدّ الفناء عند البعض، والوقوف أمام هذه المصطلحات لتحديد مفاهيمها هو البداية الصحيحة للولوج إلى العصر للتأثير فيه لا التأثر به وخَاصَّة في اليمن الذي عمل الصراع فيه كما لم يعمل في غيره من البلدان.

وأمام هذا الواقع المعاصر يصبح الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ضرورة اجتماعية وثقافية؛ فالقراءة الواعية وفق منهج جدلي للسيرة النبوية قد تبعث سؤالاً دائم التجدد وقادراً على البعث وإحياء ما اندثر.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: المولد النبوی ما یزال

إقرأ أيضاً:

مرحلة لن تعود.. خطيب المسجد النبوي يوصي بالمداومة على 6 أعمال بعد رمضان

قال الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، إمام وخطيب المسجد النبوي ، إن  صفحاتُ اللَّيالي تُطْوَى، وساعات العُمُرِ تنقضي، وقد مُضي أيَّامٌ مباركات من شهر رمضان المبارك، قَطَعَتْ بنا مرحلةً من مراحل العُمُرِ لن تعود. 

مرحلة لن تعود

وأوضح “ القاسم” خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر شوال اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، مَنْ أحسن فيها فَلْيَحمدِ اللَّه وَلْيُواصلِ الإحسان، وأن الطَّاعة ليس لها زمنٌ محدود، بل هي حَقٌّ للَّه على العباد، إذ قال الله تعالى: “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِين”.

وأكد على أهمية المداومة على فعل الأعمال الصالحة من صلاة، وذكر، وصيام، وتلاوة القرآن الكريم، وصدقة، ودعاء، منوهًا بأن العبد المؤمن لا ينقطع عن أداء الطاعات والعبادات على مرّ الأزمان.

ونبه إلى أن مَن قَصَد الهدايةَ يَهْدِهِ الله إليها، ويثبِّته عليها، ويزدْه منها، فقال سبحانه: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ"، مشيرًا إلى أن مَن عمل صالحًا، فَلْيَسألِ اللَّهَ قَبولَه.

وتابع: إذا صاحَبَ العملَ الصالحَ الدَّعاءُ والخوفُ من اللَّه رغَبًا ورهبًا، كان مَحَلَّ ثناءٍ من اللَّه، والمؤمن يجمع بين إحسانٍ ومخافة، فإذا أتمَّ عملًا صالحًا فَلْيَخْشَ من عَدَمِ قَبولِه، حَالُه كما قال سبحانه: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ".

محل ثناء من الله

وأضاف أن الأعمالُ الصَّالحةُ إذا لم تكن خالصةً عن الشَّوائب لم تكن عند اللَّه نافعة، فَلْيَحْذَرِ العبدُ بعد رجاءِ قَبولِ عَمَلِه من إحباطِه وإفسادِه، إذ أنَّ السَّيِّئاتِ قد يُحْبِطْنَ الأعمالَ الصَّالحاتِ.

وأشار إلى أن من مفسدات العمل الصَّالح العُجْبُ به، لما يورثه من التقصير في العَمَل، والاستهانةِ بالذُّنوب، والأَمنِ مِنْ مَكْرِ اللَّه، فالعبدُ مأمور بالتَّقوى في السِّرِّ والعلن، ولا بُدَّ أن يقع منه أحيانًا تفريطٌ في التَّقوى، فأُمِر أن يفعل ما يمحو به هذه السَّيِّئة وهو إتباعها بالحسنة.

واستشهد بما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". (رواه أحمد)، فإذا تقبل الله عملَ عبدٍ وفقه لعمل صالح بعده.

وبين أن الاستقامةُ على طاعة اللَّه في كلِّ حين من صفات الموعودين بالجَنَّة، فأَرُوا اللَّهَ مِنْ أنفسِكم خيرًا بعد كلِّ موسمٍ من مواسم العبادة، واسألوه مع الهداية الثَّباتَ عليها، وسَلُوه سبحانه الإعانةَ على دوام العَمَلِ الصَّالح، فقد أَوْصَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذًا أن يقول في دُبُرِ كلِّ صلاة: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" (رواه أحمد).

خير العمل

وحذّر من الانقطاعَ والإعراضَ عن الطاعات، موضحًا أن خير العمل وأحبّه إلى اللَّه ما داوم عليه العبدُ ولو كان قليلًا، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى: أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ" (متفق عليه).

وأضاف أن كلُّ وقتٍ يُخْلِيه العبدُ من طاعةِ مولاه فقد خَسِرَه، وكلُّ ساعةٍ يَغْفَلُ فيها عن ذِكْرِ اللَّه تكونُ عليه يوم القيامة ندامةً وحسرة، ومَنْ كان مُقَصِّرًا أو مُفَرِّطًا فلا شيءَ يَحُولُ بينه وبين التَّوبة ما لم يُعايِنِ الموت، فاللَّيالي والأيَّام خزائنُ للأعمال يجدها العِباد يومَ القيامة. مبينًا أن الأزمنةُ والأمكنةُ الفاضلةُ لا تُقَدِّسُ أحدًا ما لم يعمل العبدُ صالحًا، ويَسْتَقِمْ ظاهرًا وباطنًا.

وأشار إلى أنه إذا انقضى موسمُ رمضان؛ فإنَّ الصِّيامَ لا يَزالُ مشروعًا في غيرِه من الشُّهور، ومن ضمن الأعمال الصالحة والطاعات أن يُتبع صيامَ رمضان بصيامِ سِتٍّ من شوَّال، وإن انقضى قيامُ رمضان، فإنَّ قيامَ اللَّيلِ مشروعٌ في كلِّ ليلةٍ من ليالِ السَّنَة، كما أن القرآن الكريم كثير الخير، دائم النفع، وكذلك الدُّعاءُ لا غِنَى عنه في كلِّ حين، والذِّكْرُ لا حياةَ للقلوبِ إلَّا به، والصَّدَقةُ تزكّي الأموالَ والنفوسَ في جميع الأزمان، داعيًا إلى المبادرة إلى الخيرات إذا فتحت أبوابها، فالمَغْبُونُ مَنِ انصرفَ عن طاعة اللَّه، والمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ رحمة اللَّه.

مقالات مشابهة

  • إعلام بلا وجوه جديدة… لماذا نخشى التغيير؟
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • محافظ الغربية يترأس اجتماعاً موسعاً لمناقشة ملف الإزالات والتعديات على الأراضي الزراعية والبناء المخالف
  • الجماز ينتقد إدارة الهلال بعد السقوط أمام النصر: وجب التغيير
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 5 أبريل 2025.. لا تخشى التغيير
  • المولد يحدد موعد انطلاق الدورات والمدارس الصيفية
  • يوم اليتيم .. لماذا حرّم الإسلام التبني وأجاز كفالة اليتيم؟
  • مرحلة لن تعود.. خطيب المسجد النبوي يوصي بالمداومة على 6 أعمال بعد رمضان
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي