يمانيون:
2024-09-18@13:00:28 GMT

المولدُ النبوي وسؤالُ التغيير والبناء

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

المولدُ النبوي وسؤالُ التغيير والبناء

عبدالرحمن مراد

في عالم اليوم ثمة تناقضات في جوهر الأشياء وفي ظواهرها العامة، فالكثير من أفراد المجتمع المسلم يعد العدة للاحتفال بعيد الكريسمس، وهو احتفال ديني عند المسيحيين يبالغون فيه إلى درجة عالية من الترف، وهو احتفال متعدد الوجوه بين طقوس دينية وقداس الميلاد، وبين احتفالات عائلية وتبادل للهدايا واستقبال رمزهم الديني البابا نويل وبين طقوس رمزية كوضع شجرة الميلاد ومغارة الميلاد، ويقف العالم المسيحي إجلالاً واحتراماً لهذه المناسبة، والكثير من أفراد المجتمع المسلم يفرح بهذه المناسبة ويذهب إلى الغرب حتى يشارك في مباهجها، وتقف دولة الإمارات على رأس الدول العربية التي تبتهج بالمناسبة وتنفق أموالاً كبيرة في مظاهر الاحتفال وفي الألعاب النارية وتوظف الإعلام العالمي لتغطية الحدث في دبي، وهذه الدولة نفسها تقف ضد الاحتفاء بذكرى المولد النبوي ولا تكاد تنفق على مظاهر الاحتفال به سنتاً واحداً، بل يذهب الكثير من تيار الوهَّـابية إلى القول إن الاحتفال بالمولد بدعة، وفي السياق بدأت الوهَّـابية في سنوات هيئة الترفيه في السعوديّة تحتفي بالكريسمس مجاراة للعالم.

العالم المسيحي يحتفل برموزه الدينية ومثل ذلك أمر مستحسن عند الوهَّـابية لكنها تقف ضد المولد النبوي الشريف الذي يشكل بعداً تحوليًّا وقيميًّا في حياة العرب والمسلمين، هذا البعد التحولي هو من ترك أثراً محمودًا على الحضارة الإنسانية المعاصرة، فعصر النهضة الأُورُوبية بدأ من عند المسلمين، وهو الذي أحدث كُـلّ هذا التحول عند الغرب بشهادات رموزهم الفكرية، بل يمكننا القول إن التقنيات الحديثة التي تعتمد الخوارزميات يعود الفضل فيها للمسلمين، وما يزال المصطلح دال على أسسه الأولى التي ابتكرها العرب والمسلمون.

لقد كان الإسلام ثورة عميقة أحدثت تحولاً عميقاً في التاريخ البشري كله، ولذلك يقف العالم الرأسمالي ضد فكرة الإسلام؛ لأَنَّه يرفض رفضاً قاطعاً فكرة الاستغلال والعبودية ويدعو إلى الحرية والاستقلال وإلى كرامة الإنسان، وقد كانت تلك المبادئ جوهرية في الفكر الإسلامي وفي الفقه التشريعي، في حين ظل العالم غير المسلم يعاني من العبودية ومن الاستغلال ومن التمايز الطبقي إلى عهد قريب، وعلى إثر ذلك نشأ تيار الاشتراكية الذي اصطدم مع النظم الاجتماعية القائمة على الاستغلال والتمايز الطبقي، وقد استفاد مفكرو الاشتراكية من ثورة الإسلام التي جاءت كي تنتصر لكرامة الإنسان وتحرّره من العبودية والاستغلال وقالوا بفكرة العدالة الاجتماعية وهي فكرة أصيلة في حركة وتاريخ الرسالة المحمدية.

ما يحدث اليوم في عالمنا الإسلامي هو انصهار في ثقافة الغالب ظناً منهم أنه يقود الحضارة الإنسانية المعاصرة، وتناسى هذا الجمع المعنى العظيم للثورة المحمدية التي قادت هذا التحول العميق في حياة البشر كلهم، وما يزال الكثير يجهل حجم التحول الذي أحدثته الثورة الإسلامية ويجهل ظلالها وفضلها على الحضارة المعاصرة، فحركة التجهيل كانت مشروعاً استعماريًّا غربيًّا يهدف إلى التيه والتضليل للعرب والمسلمين حتى لا يستعيد العرب والمسلمون دورهم الرائد في التحكم بمقاليد الحياة المعاصرة القائمة على أسس ومنطلقات قيمية وأخلاقية ذات تواشج عميق مع مقاصد الله في التشريعات السماوية للبشرية جمعاء.

ومن هنا يصبح الاحتفال بذكرى المولد النبوي من ضرورات العصر حتى يستوعب المسلمون والعالم من حولهم القيمة المثلى للثورة المحمدية، ويدركوا أثرها ويعوا دورهم الريادي في الحياة القائمة على مبادئ الحق والخير والعدل والحرية وعلى مكارم الأخلاق، وهو دور لا بُـدَّ أن يتحول إلى سؤال دائم يحفر في الوعي الجمعي الذي أمسى ضحية التعسف ورهن التضليل الذي يمارسه النظام الرأسمالي على البشر اليوم.

فما الذي يحدث اليوم؟

لماذا يبدو الواقع الإسلامي اليوم ضبابيًّا ومتوحشاً وغابيًّا بعد أن عملت فيه الجماعات التابعة للجهات الاستخبارية العالمية على تفكيكه وتشويه صورته المثالية في الأذهان؟

إن الجماعات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام وتعمل باسمه وتحت رايته هي من يفت في عضده، وهي من تعمل على تقويضه من خلال أخلاق التوحش والغابية والفوضى التي ساد منطقها وتداولها الإعلام منذ مطلع العقد الأول من الألفية، تلك الصورة التي تسيطر بقتامة مشهديتها على العقول اليوم هل تمثل الجوهر الحقيقي للإسلام؟

نحن نرى أن فقهَ التمدن في الإسلام، وفكرة الحريات العقائدية، وفكرة التدافع بين الجماعات سياقات ذات تجذر وعمق في الفكر الثوري الإسلامي الذي قاد مرحلة انتقال من أصعب المراحل ليبدع واقعاً اجتماعيًّا وثقافيًّا جديدًا في عهد الرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام.

لقد أصبحنا أمام واقع حضاري جديد، ودلت التفاعلات أن الفكر الإسلامي بحاجة إلى حركة تدافع لتحديد المفاهيم الحضارية الجديدة والمستجدة عليه ليكون أكثر ديناميكية مع واقعه، فالتمدن ما يزال يأخذ بعداً نظريًّا جامداً في تصورات البعض، والتدافع ما يزال يأخذ بعداً نظريًّا متوحشاً عند الكثير، والحريات تأخذ بعداً نظريًّا إلغائيًّا إلى حَــدّ الفناء عند البعض، والوقوف أمام هذه المصطلحات لتحديد مفاهيمها هو البداية الصحيحة للولوج إلى العصر للتأثير فيه لا التأثر به وخَاصَّة في اليمن الذي عمل الصراع فيه كما لم يعمل في غيره من البلدان.

وأمام هذا الواقع المعاصر يصبح الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ضرورة اجتماعية وثقافية؛ فالقراءة الواعية وفق منهج جدلي للسيرة النبوية قد تبعث سؤالاً دائم التجدد وقادراً على البعث وإحياء ما اندثر.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: المولد النبوی ما یزال

إقرأ أيضاً:

احتفالية المولد النبوي: إحياء لرسالة النبي وتكريم للعلماء

أكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو إحياء لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والبعثة والدعوة، حتى نتعلم منها ونعبر عن إيماننا به صلى الله عليه وسلم. تأتي هذه الاحتفالية لتعزيز القيم النبيلة التي جاءت بها رسالة الإسلام ولتجديد العهد بالالتزام بتعاليم النبي الكريم.

 إهداء كتاب الله للرئيس السيسي


خلال احتفالية المولد النبوي الشريف التي أقيمت في مركز المنارة للمؤتمرات، حرص الدكتور أسامة الأزهري على إهداء الرئيس عبد الفتاح السيسي "كتاب الله". هذا الإهداء يعكس أهمية القرآن الكريم في حياة المسلمين ودوره المركزي في توجيه الأمة نحو الخير والصلاح.

 حضور الشخصيات الدينية البارزة


شهدت الاحتفالية حضور عدد من الشخصيات الدينية البارزة، بما في ذلك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، وعدد من علماء الأزهر والأوقاف. هذا الحضور الكبير يعكس أهمية المناسبة وتقدير المجتمع لعلماء الدين ودورهم في نشر تعاليم الإسلام الصحيحة.

تكريم الشخصيات المؤثرة في الفكر الإسلامي


وتم خلال الاحتفال تكريم بعض الشخصيات التي أثرت في الفكر الإسلامي الرشيد بعلمهم وجهدهم، وتقديرًا لتفانيهم في العمل الدعوي. هذا التكريم هو اعتراف بجهود هؤلاء العلماء في نشر الفكر الإسلامي المعتدل وتعزيز قيم التسامح والاعتدال في المجتمع.

السيسي: الاحتفال بذكرى المولد النبوي يبعث في قلوبنا معاني الإنسانية الحقيقية وزير الأوقاف يهدي الرئيس السيسي نسخة من القرآن الكريم بذكرى المولد النبوي تعزيز القيم النبوية


ختامًا، تأتي احتفالية المولد النبوي الشريف كفرصة لتجديد العهد بتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتعزيز القيم النبيلة التي دعا إليها. كما تمثل هذه المناسبة فرصة لتكريم العلماء والدعاة الذين يواصلون العمل على نشر رسالة الإسلام السمحة وتعزيز روح التآخي والتسامح في المجتمع.

مقالات مشابهة

  • بين مؤيد ومعارض.. جدل حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي في المغرب
  • الدرقاش: من فوائد المولد النبوي نشر فتوى دار الإفتاء بخصوص الاحتفال به
  • محافظ الدقهلية: أسعد أيام حياتي هو يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي
  • احتفالية المولد النبوي: إحياء لرسالة النبي وتكريم للعلماء
  • السيسي: المولد النبوي فرصة للتأمل في سيرة النبي واستحضار مفاهيم الإسلام
  • عاجل| السيسي يكرم عددا من النماذج التي أثرت الفكر الإسلامي من مصر والعالم الإسلامي
  • الرئيس السيسي يشهد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.. بث مباشر
  • بعد تكريمه في احتفالية المولد النبوي.. علام: الرئيس يولي اهتماما كبيرا للعلم والعلماء
  • أزهري يرد على واصفي الاحتفال بذكرى المولد النبوي بـ "البدعة"
  • حكومة التغيير والبناء تبارك نجاح الفعاليات الكبرى للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف