أزمة جديدة قد تغرق ليبيا في الفوضى مرة أخرى
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
الوضع في ليبيا متجه نحو أزمة أعمق نتيجة النزاع المستمر حول السيطرة على البنك المركزي والنفط، ما أدى إلى شلل في الاقتصاد وتفاقم معاناة المواطنين، وزاد من حدة الأزمة الصراع المتواصل بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة واللواء المتقاعد خليفة حفتر، بجانب تدخل قوى إقليمية ودولية.
وقال إيشان ثارور في تقرير لصحيفة واشنطن بوست إن التقارير الأخيرة تشير إلى أن صدام حفتر، ابن خليفة حفتر، يعمل على تعميق الأزمة، ويسعى إلى إشعال الفتنة بين فصائل غرب ليبيا وشراء دعم قادة مليشيات مختارين، كما أبلغ والده دبلوماسيين غربيين الشهر الماضي عن خطته لشن محاولة أخرى للاستيلاء على طرابلس.
وتقول الصحيفة إن الأزمة بدأت في أغسطس/آب الماضي عندما اعتقلت قوات موالية للدبيبة مسؤولين في البنك المركزي، وعلى الفور هرب محافظ البنك المركزي الصديق الكبير إلى تركيا، وأدت هذه الخطوة إلى تعليق عمليات البنك المركزي، مما عرقل المعاملات مع أكثر من 30 مؤسسة مالية دولية وعزل ليبيا عن النظام المالي العالمي.
وكان الأثر الاقتصادي على المواطنين الليبيين وخيما، إذ نتج عن إغلاق البنك انخفاض حاد في صادرات النفط، ووضع قيود على سحب النقود، وتكرار انقطاع الكهرباء، وصعوبة تحصيل النفط في البلاد.
ونقلت واشنطن بوست عن محللين قولهم إن "الكبير جنى على نفسه، فقد تمكن بعد سقوط معمر القذافي من شراء ولاء خصومه على الطرفين والحفاظ على السيطرة، كما دعم واردات الوقود مما جعل الوقود الليبي الأرخص عالميا، وسهّل تهريبه حول العالم وإلى أوروبا مقابل أرباح ضخمة، لكن نفوذه تدهور مع الوقت، ما أدى به لوضعه الحالي".
وبحسب الصحيفة تعود جذور أزمة البنك إلى صراع أوسع بين الدبيبة في الغرب وقوات حفتر في الشرق، مؤكدة أن حفتر -الذي يمتلك سيطرة كبيرة على موارد النفط في ليبيا ولديه علاقات قوية مع روسيا والإمارات- في صراع مع الدبيبة منذ محاولة فاشلة للسيطرة على طرابلس خلال الحرب الأهلية.
وتسلط الفوضى الحالية الضوء على الصراع المستمر في ليبيا وتداعياته الاقتصادية، ومع استمرار انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى عالمية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية وحرب إسرائيل على غزة، فإن ضرورة التدخل الدبلوماسي الفعال وإيجاد حل للنزاعات الداخلية في ليبيا أهم الآن من أي وقت مضى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات البنک المرکزی فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
أزمة الجزائر ودول الساحل تفاقم معاناة سكان شمال مالي
فاقمت الأزمة التي اندلعت بين الجزائر وثلاثة من بلدان الساحل الأفريقي، أوضاع سكان الشمال المالي، وسط مخاوف من حدوث مجاعة في المنطقة التي تعاني داعيات الصراع الداخلي بمالي منذ سنوات والذي تسبب في نزوح عشرات الآلاف إلى الأراضي الموريتانية.
فقد تسببت الأزمة في تدهور غير مسبوق للأوضاع المعيشية لسكان الشمال المالي وغالبيتهم من مدن إقليم أزواد المطالب بالانفصال عن الحكومة المركزية في بماكو، حيث تشترك مالي والجزائر في حدود برية تزيد على 1300 كيلومتر تنتشر فيها الجماعات المسلحة وتعد معقلا لشبكات التهريب في منطقة الساحل الأفريقي.
ومطلع نيسان/أبريل الجاري انفجرت أزمة دبلوماسية بين الجزائر وثلاثة من دول الساحل الأفريقي هي مالي والنيجر وبوركينافاسو التي تحولت مؤخرا إلى كونفدرالية، وذلك عقب إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة المالية، بالقرب من مدينة تين زاوتين الحدودية.
وبالرغم من أن التوتر طبع علاقات الجزائر والبلدان الثلاثة منذ بداية العام الجاري، إلا أن إسقاط الطائرة المسيرة كان سببا مباشرا لأزمة يرى متابعون أن لها تداعيات كبيرة على منطقة الساحل التي تعتبر واحدة من بين أكثر المناطق توترا في شمال وغرب أفريقيا.
فقدت تسببت الأزمة في استدعاء متبادل للسفراء، وإغلاق المجال الجوي والبري، وتقدم شكاوى لدى الهيئات الدولية، وسط غياب شبه كامل لأي وساطة قد تحتوي الأزمة المتفاقمة بين الجزائر وهذه البلدان.
توقف كامل لحركة الشاحنات
ووفق نشطاء من شمال مالي تسببت الأزمة في توقف تام لعبور الشاحنات بين الجزائر والدول الثلاثة، حيث كان سكان الشمال يعتمدون بشكل أساسي على السلع والمنتجات التي تدخل إلى المنطقة من الجزائر سواء بالطرق القانونية أو عبر شبكات التهريب التي تنشط في المنطقة.
وتعتمد كافة الأسواق الشعبية في الشمال المالي على المواد التي تتدفق من الجزائر، خصوصا في ظل العقوبات التي تفرضها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، على مالي والنيجر وبوركينافاسو، بسبب الانقلابات التي عرفتها هذه البلدان.
شح في المواد الأساسية
وقال نشطاء من شمال مالي، إن الأزمة بين الجزائر وبلدان الساحل، فاقمت الظروف المعيشية لسكان شمال المالي، وتسببت في شح في المواد الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار، ما فاقم معاناة السكان الذين يعانون أصلا جراء الحرب والنزوح المستمر.
وقال رئيس الحكومة المالية السابق موسى مارا، إن سعر لتر الوقود في مدنية غاو شمال مالي ارتفع بسبب الأزمة من 1000 فرنك افريقي، إلى 2000 فرنك أفريقي، ومعرض للارتفاع من جديد في ظل توقف حركة العبور من شمال مالي إلى الجزائر.
وأضاف في منشور عبر حسابه على فيسبوك: "لقد تم بيع لتر الوقود في غاو بحوالي 2000 فرنك افريقي، وهو ضعف السعر الرسمي، أطالب من السلطات بذل كل جهد من أجل توفير الضروريات الأساسية مثل الوقود".
أما الصحفي المالي الذي يعمل في إذاعة محلية في باماكو، محمد آغ ديده، فقال إن سعر لتر البنزين وصل في مدينة تمبكتو التاريخية شمال مالي إلى 3000 افرنك افريقي، بدلا من 1200 فرنك افريقي.
ولفت في تدوينة عبر حسابه على فيسوك، إلى أن تمبكتو كان يتم تزويدها بالوقود من الجزائر، مضيفا أن الوقود الجزائري هو الأكثر مبيعا في المنطقة وقد توقف بسبب الأزمة.
وأوضح أن الظروف الأمنية المتوترة على الحدود المالية الجزائرية، جلعت مهربي الوقود يتوقفون عن التوجه إلى الجزائر تفاديا لاستهدافهم من طرف الطيران الجزائري.
بدوره قال الصحفي المالي حسن لنصاري، إنه "نتيجةً لتدهور العلاقات بين الجزائر ومالي، ارتفعت أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية في المدن الشمالية إلى درجة أنها أصبحت سلعة نادرة في بعض المناطق".
وأضاف في منشور عبر فيسبوك: "لتر البنزين الذي كان يباع بـ700افرنك افريقي، أصبح سعره الآن 4000 فرنك في بعض المدن".
مخاوف من مجاعة
وذكرت تقارير إعلامية، أن المواد الأساسية بدأت تنفد من الأسواق في شمال مالي رغم أنه لم يمر سوى أسبوع واحد على الأزمة، حيث بات هناك شح كبير في العجائن والسكر والزيت، والتي كانت تصل المنطقة بشكل خاص من الجزائر.
وحذر متابعون من أن استمرار الأزمة قد يتسبب في مجاعة بمناطق الشمال المالي، وموجات نزوح جديدة نحو الأراضي الموريتانية التي تستضيف عشرات الآلاف من سكان إقليم أزواد.
وقبل الأزمة الحالية كانت السلطات الجزائرية تسمح للتجار في ستة ولايات جزائرية بالتصدير إلى شمال مالي عبر نظام "المقايضة" التجارية بديلاً للمعاملات المالية النقدية (مقايضة سلعة بسلعة) مع تجار النيجر ومالي تماشياً مع ظروف تلك المناطق الحدودية، وهو ما توقف مع بدء الأزمة.
كما أن عشرات الشاحنات كانت تخرج يوميا من مدن الجنوب الجزائري باتجاه مدن شمال ووسط مالي، أغلبها بطرق غير رسمية (التهريب)، تنقل السلع والمواد التموينية من الجزائر إلى مدن تمبكتو وغاو وكيدال وغيرها، وهي مدن تعتمد بالكامل على التموين من الجزائر.
اتهامات متبادلة بمجلس الأمن
وفي آخر تطورات الأزمة تبادلت مالي والجزائر، الاتهامات في رسائل وجهتها حكومات البلدين إلى مجلس الأمن الدولي.
فقد وجهت مالي في 7 نيسان/أبريل الجاري رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تحيطه علما بما قالت إنها أعمال عدائية تقوم بها الجزائر ضدها.
وقالت الرسالة إن القوات الجوية الجزائرية أسقطت طائرة مسيرة تابعة لمالي بشكل متعمد وعدائي في منطقة تيزواتن خارج حدود الجزائر يوم 31 آذار/مارس الماضي.
وفي اليوم نفسه أرسلت الجزائر برقية إحاطة إلى مجلس الأمن تقول فيها إن اللجنة العسكرية الانتقالية في مالي تقوم باستفزازات واختراق للأجواء، وتتعمد الكذب والتلفيق، لكن لا تعد هذه الرسائل شكوى قضائية، إذا لم يتقدم أي من الطرفين بطلب جلسة خاصة في الموضوع.
توتر متصاعد
وشهدت الحدود المالية الجزائرية منذ آيار/مايو الماضي، توترا متصاعد، واشتباكات ضارية بين الجيش المالي مدعوما بقوات "فاغنر"، والحركات المسلحة الأزوادية "الطوارق" التي يعتقد أنها تتلقى دعما جزائريا.
ودارت المواجهة بشكل خاص في منطقة تينزاواتين الواقعة على بعد 233 كلم شمال شرق كيدال على الحدود مع الجزائر، وأسفرت عن مقتل العشرات من المقاتلين الطوارق ومن الجيش المالي.
وقد أثارت الهجمات التي شنها الجيش المالي مدعوما بفاغنر، ضد المسلحين الأزواديين قرب الحدود مع الجزائر استياء السلطات الجزائرية.
وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي أنهى العام الماضي اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه بوساطة جزائرية في عام 2015 بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية "الطوارق".
وبررت باماكو حينها إنهاء العمل بالاتفاق بـ"عدم التزام الموقعين الآخرين بتعهداتهم" وما قالت إنها "أعمال عدائية تقوم بها الجزائر" الوسيط الرئيسي في الاتفاق.
وكان الاتفاق ينص على جملة من القضايا بينها دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق الشمال المالي.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان إقليم أزواد بالانفصال عن الحكومة المركزية في باماكو، وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.
ويضم الإقليم عدة مدن من أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.