حكم التزام المقامات في التلاوة.. جائز مع الكراهية لهذه الأسباب
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
تلاوة القرآن وترتيله من الأشياء التي يحرص عليها كثير من المسلمين، ويلتزم البعض بورد يومي من كتاب الله عز وجل، إلا أن هناك أمر ما يشغل بال الكثيرين، وهو التزام المقامات في التلاوة وحكمه الشرعي.
وتحدث مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، في فتوى له عن هذا الأمر، موضحًا جميع الجوانب الخاصة بالموضوع لمنع الوقع في خطأ.
وقال مجمع البحوث، إن البخاري قد أخرج في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، مشيرة إلى أن النبى دعا إلى تحسين الصوت عند تلاوة القرآن، وكان أبو موسى الأشعري - رضى الله عنه - صوته حسن استمع إليه النبى ﷺ وقال: «لقد أوتى هذا مزمارًا من مزامير آل داود»، فقال أبو موسى - رضي الله عنه: «لو علمت أنك تستمع إلىّ لحبرته لك تحبيرًا»، متفق عليه.
وتابعت البحوث الإسلامية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «الصوت الحسن يكون سبباً في التأثر بسماع القرآن، ومع القول بأن جمال الصوت وحسنه فطريًا إلا أن ربما يكتسب باتباع المقامات ولذا كان تعلم قراءة القرآن بالمقامات جائزًا ولا حرج فيه».
وقالت دار الإفتاء المصرية فيما يتعلق بحكم التزام المقامات في التلاوة، فاستخلاص هيئة النِّسَب التأليفية من قارئٍ ما ورصد طريقته في التلاوة ثم تحويلها إلى صوت يصدر من المعازف هو أمرٌ مباحٌ في ذاته؛ لأنه يعدُّ تقليدًا لذلك الأداء أو حكايته بواسطة الآلة، وإن كنا نكرهه لأنه قد يجرُّ إلى الحرام.
وأضافت أما الجمع بين المعازف وبين تلاوة القرآن فمحرم شرعًا بإجماع الأئمة، ومعلوم تحريمه بضرورة الدين، بالإضافة إلى اشتماله على نقص من شأن القرآن في صدور الناس، والحط به إلى مستوى الكلام الفاسد السائر بين العباد، وهذا حرام، وفعله كبيرة،.
ماهي المقامات الموسيقيةالمقام الموسيقي هو مجموعة من النغمات أو الدرجات الموسيقية التي يتم صياغتها بأبعاد محددة لتشكيل نغم بمذاق موسيقي خاص، سواء كانت لتلاوة القرآن، أو الإنشاد، أو الغناء، ويتكون من 8 درجات وهم:
الصبا.
النهاوند.
العجم.
البياتي.
السيكا.
الحجاز.
الراست.
الكورد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التلاوة البحوث الإسلامية
إقرأ أيضاً:
الكراهية في ضوء العلوم التجريبية
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
رُبما تعد الكراهية من أخطر الأمراض النفسية التي قد تعصف بالمجتمعات البشرية، ولا شك أن المجتمعات الإسلامية والعربية عانت الأمرين من هذا المرض النفسي، فلقد عانت من هذه الكراهية من مُدّعي الحضارة والتحضّر من الغربيين، واتضح ذلك جليًا في مواقف تلك الدول من الحرب على غزة والموقف اللاأخلاقي لتلك الدول من هذه الحرب الظالمة، كما عانت هذه الشعوب من الحركات العنيفة والمتعصبة والتي زرعت الحقد والبغض في نفوس منتسبيها؛ فشنوا حربًا لا هوادة فيها، وحاولوا زعزعة الأمن الاستقرار في بلداننا الإسلامية.
اليوم.. ومع تطوُّر المعرفة العلمية، فإنَّ فهمنا لميكنة حدوث الكراهية أو على أقل تقدير فهمنا لحدوث التغيرات العقلية المصاحبة لها- والتي لها أثر واضح على تنامي هذا المرض النفسي أو نقصانه- قد نمت بصورة أفضل؛ مما يُسهِّل علينا التعامل معها وضبطها بضوابط القيم الإسلامية الأصيلة.
وسوف أستعينُ فيما سأطرحه، بكتابٍ جديدٍ نُشر في يناير 2025، لعالِم مُتخصِّص في علم الأعصاب يدعى دواين دبليو جودوين، وهو عميد إحدى كليات الطب المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعنوان الكتاب "ما لا يخطر ببالك.. أكبر الأمور الغامضة في العقل البشري"، وقد شاركه في الكتابة جورج شام، وهو كاتب مُتخصِّص في تبسيط المعارف العلمية.
ومن أهم الدراسات التي أُجريت في دراسة الكراهية في سياق علم النفس، ما توصل اليه أحد العلماء النفسيين ويدعى روبرت سترنبرج، والذي طرح ما يُعرف بـ"مثلث الكراهية"؛ إذ طرح نظريةً مفادها أن للكراهية 3 أضلاع؛ هي: النفور وهي الحالة التي تنشأ من محاولة الهروب من الشخص، ويكون سبب النفور منه إما الخوف أو الغضب من ذلك الشخص. وإذا نتج عن الخوف والغضب، ازدراء الشخص، فقد اكتملت الأضلاع الثلاثة للكراهية (النفور والغضب والازدراء)، وعندما تصل هذه المشاعر الثلاثة الى أقصى مدياتها، فإنها تُوَلِّد ما يُعرف بالكراهية الشديدة، والتي قد تصل لدرجة محاولة إبادة ذلك الشخص. والابادة هنا لا تقتصر على القتل؛ بل قد تظهر بمظاهر مختلفة كمحاولة قتله اجتماعيًا من خلال حط قيمته الاجتماعية أو منزلته العلمية، فكل ذلك هو نوع من كراهية الإبادة.
وأشارت بعض الدراسات التي أجرت عمليات رصد للعمليات الدماغية من خلال أجهزة تصوير مخصصة، إلى أن حالة الكراهية التي تتوَلَّد عند الإنسان تُسبِّب ضعفًا ظاهرًا في مناطق التفكير العقلاني عند الإنسان. ولذا فإن تفكيره أثناء شعوره بالكراهية قد يَغلُب عليه مجافاة الإنصاف والعدالة في الحكم على الآخرين؛ بل قد تودي به الى أن يتصرف بشكل غير لائق أو يتفوَّه بعبارات غير لائقة في حق من يكرهه، وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي جعلت الإسلام من خلال القرآن الكريم، يُركِّز على هذا الأمر، كما هو ظاهر في قوله تعالى "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" (المائدة: 8).
أما سبب نشوء الكراهية عند الإنسان، فهو شعوره بالانتماء إلى فئة مُعيَّنة، وهذا الشعور للانتماء يُوَلِّد لديه شعورًا بحب الأفراد الذين ينتمون لنفس الفئة، وبالمقابل يُوَلِّد كراهية عند البعض للفئات الأخرى المنافسة. ومن المهم التأكيد على أهمية الشعور بالانتماء؛ فهو أمر جُبل عليه الإنسان وله فوائد جمة، ولا يمكن أن يستغني عنه أي مجتمع إنساني، غير أن التركيز على الانتماء والانغلاق على الذات هو الذي يُوَلِّد نوعًا من التحسُّس من الفئات الأخرى، وربما يتصاعد الأمر ليصل الى حد الكراهية بمدياتها المختلفة.
ثمَّة دراسة مهمة تُوضِّح كيف أن الانكفاء على الذات وانغلاق المجتمعات على نفسها له أثر سلبي على تفكيرها وعلى تفسيرها لنوايا الآخرين؛ ففي دراسة أُجريت في الولايات المتحدة على أطفال لمدارس في مناطق تكاد ينحصر فيها الوجود على أصحاب البشرة البيضاء، قام العلماء بعرض صورة لطفل أبيض البشرة يبكي لأن طفلًا أسمر البشرة بجواره يُمسك بلعبة، لكن الصورة غامضة لا تُوضِّح هل الطفل أسمر البشرة يسحب من الطفل الآخر اللعبة أم إنه يُقدمها له. وقد أشار أغلب الأطفال إلى أن الطفل أسمر البشرة يسحب اللعبة من يد الطفل أبيض البشرة، لكن الأطفال أنفسهم عندما عُرِضَت عليهم صورة أخرى؛ حيث تم تغيير الصورة بحيث يأخذ الطفل أسمر البشرة مكان الطفل أبيض البشر، أوضحوا أن الطفل أبيض البشرة يُهدي الطفل الآخر اللعبة ولا يأخذها منه!
وعندما قام هؤلاء العلماء بنفس التجربة، لكن في مدارس مختلطة؛ حيث يدرُس في تلك المدارس خليطٌ من أصحاب البشرة البيضاء والسمراء، كانت النتيجة مغايرة تمامًا، ولم يكن هناك انحياز لدى الأطفال؛ سواءً أكانوا من أصحاب البشرة البيضاء أو السمراء. تشير هذه الدراسة ودراسات أخرى مُشابهة إلى أن التعرُّف على الآخرين من خلال مصاحبتهم والاحتكاك بهم، له أثر بالغ في التخفيف من هذا النوع من التحيُّزات وتفسير النوايا بصورة سلبية، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي من أجلها حث القرآن الكريم على التعرف على الشعوب الأخرى في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحُجُرات: 13).
لكن من الأمور التي تلفت النظر أن كلمة "لِتَعَارَفُوا" والتي وردت في هذا النص القرآني، لم يُسلَّط عليها الضوء كثيرًا؛ فالتركيز عادة يكون على مفهوم السواسية بين البشر، وأن التفاضل بين بني البشر هو بالتقوى وليس بالعرق أو النسب، بينما نلاحظ أن كلمة "عَرِفَ" في القول المنسوب الى الامام علي بن أبي طالب "من عَرِفَ نفسه فقد عَرِفَ ربه"، شكَّلت قاعدة ركينة في المنظومة الفكرية للعُرفاء والمُتصوِّفة في تاريخنا الإسلامي، بحيث أُثقلت هذه الكلمة بمفاهيم عميقة، وهو أمر فيه بعض الغرابة؛ إذ إن الكلمة نفسها ظهرت في نصين مختلفين، أحدهما قطعي الصدور، والآخر منسوب للإمام علي، ومع ذلك فقد شكَّل الثاني منطلقًا مُهمًا لبناء منظومة فكرية متكاملة، بينما لم يُلتفت إلى الأول كثيرًا.
إنَّ الاختلاف الحقيقي بين المجتمعات البشرية ليس في أجناسها وانتماءاتها القومية؛ بل في اختلاف ثقافاتها وتنوعها، وربما هذا ما تشير اليه الآية الكريمة؛ فالتعارف هنا لكي يكون تعارفًا حقيقيًا فلا بُد أن يكون الآخر مختلفًا عنَّا بصورة نستطيع أن نستفيد منه، وإلّا عُدَّ التعارف لغوًا ولا فائدة تُرجى منه. والاختلاف في الجنس أو اللون لا يُضيف الى رصيدنا المعرفي أو السلوكي شيئًا، وأن ما يضيف الى رصيدنا المعرفي والسلوكي هو التعرف على ثقافة الآخرين، ولا نعني بالثقافة الجانب الفكري فقط؛ بل السلوكي والاجتماعي لتلك المجتمعات، وهذا التعارف هو الذي يخفف من سلبيات الشعور بالانتماء الذي أشارت له الدراسات النفسية.
وقد أظهر العديد من الدراسات أن التخلُّص من الكراهية أمرٌ في غاية الصعوبة؛ فالكراهية تُوَلِّد رضًا ذاتيًا؛ بل قد تُوَلِّد نوعًا من المُتعة الخاصة؛ لأنها توهم الشخص بالانتصار والنيل من عدوه، ولهذا فالدماغ يُفرز مواد عصبية مُحفِّزة تدفع ذلك الإنسان وتُشجِّعه على المُضي قُدمًا في إظهار كراهيته لذلك الشخص، ولهذا يُشبهها البعض بالمواد المُخدِّرة والتي قد تتحكم في الإنسان، يحتاج بعدها إلى فترات نقاهة طويلة الأمد للتعافي منها، وربما خضوع الإنسان لعلاج نفسي لفترات طويلة لكي يستطيع أن يتخلص من حالة الكراهية التي تولَّدت عنده.
وفي دراسة أُجريت على أفراد كانوا يؤمنون بتفوُّق العرق الأبيض على غيرهم من البشر، لكنهم تراجعوا عن تلك الفكرة، إلّا أن تراجُعَهم عن تلك الأفكار لم يُغيِّر مشاعرهم تجاه الأعراق الأخرى مباشرة؛ بل احتاج الأمر لسنوات طويلة للتخلص من هذه المشاعر السلبية، وكانت مواقف بسيطة تُرجع لهم مشاعر الكراهية التي تعودوا عليها سابقًا، وتحدث البعض عن احتياجهم لسنوات للتعافي مما وصفوه بالإدمان على الكراهية.
إنَّ هذه الدراسات تُشير إلى أهمية الحرص في تربية أجيالنا على مفاهيم لا نشُك في أصالتها كمفاهيم الولاية والبراءة، والحب والبغض في الله بعناوينها العريضة، إلّا أن دراسة هذه المفاهيم لا بُد ألا تقتصر على بُعدها الفقهي؛ بل لا بُد من أن تُلامِس الواقع المُعاش، من خلال دراستها بأبعادها الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، لِمَا لهذه المفاهيم من أثرٍ على سلوك أفراد مجتمعاتنا الإسلامية وتوجهاتهم الفكرية؛ فالكراهية التي تتولَّد من الوازِع الديني قد تصل إلى ما أسميناه بـ"ثقافة الإبادة"، وخاصةً في مجتمعاتنا الإسلامية؛ وذلك لِمَا للدين من قيمة عُليا في نفوس أفراد المجتمع، وقد انعكس ذلك وبوضوح في تلك الفئات التي مُلِأت قلوبها كراهيةً وحقدًا على أبناء جلدتهم؛ لدرجة سمحت لهم أن يُردُوهم قتلى، دون أدنى شعور بالذنب؛ بل على العكس كانوا يقومون بذلك بغرض التقرُّب من الله ونيل رضاه!!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر