أربع أساليب مبتكرة يتّبعها البنك الدولي لمكافحة الفساد
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
سبتمبر 14, 2024آخر تحديث: سبتمبر 14, 2024
أرتورو هيريرا – غوتيريز جان بيسمي
للفساد أثر شديد على أشد الفئات فقراً، وضعفاً، واحتياجاً، وتعرضاً للمخاطر في العالم. وهذا يزيد التكاليف ويحد من سبل الحصول على الخدمات الأساسية. فالفساد يقوض الثقة في الحكومات، كما أنه أحد محركات الصراع والهشاشة، ويساعد على مخالفة ضوابط البيئة والسلامة، مما يسهم في التلوث، والأضرار البيئية، وأضرار البنية التحتية.
ولهذا السبب، فإن مكافحة الفساد غاية في الأهمية لسد فجوة التمويل وأولوية رئيسية في إطار رسالة البنك الدولي المتمثلة في إنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك على كوكب صالح للعيش. ونعمل حاليا على تدعيم أسلوب عملنا لتحسين التصدي للتدفقات المالية غير المشروعة الناجمة عن الفساد بما في ذلك من خلال مساندتنا للبلدان المتعاملة معنا لمساعدتها على مكافحة الفساد، والعمل مع الشركاء الدوليين، وتفعيل مبادرات السياسات العالمية، ومن خلال آليات قوية تحمي نزاهة وسلامة الأنشطة التي نمولها.
وعلى الرغم من إحراز تقدم في مكافحة الفساد، فقد كان هذا التقدم بطيئاً ومتفاوتاً، ولا تزال ممارسات الفساد آخذة في التطور. ويمكن أن يتخذ هذا الفساد أشكالا عديدة، من مجرد “تسيير المعاملات”، ومبالغ الرشوة الصغيرة، والتربح من النفوذ والمحسوبية إلى اختلاس الموارد العامة على نطاق واسع والسيطرة على مفاصل الدولة من جانب من يمسكون بمقاليد السلطة على أعلى مستوى في الحكومة. ويخفي الفاسدون حصيلة فسادهم وكسبهم غير المشروع في مؤسسات وهمية بالخارج، فضلاً عن الاستثمار في الأصول الفارهة، لا سيما العقارات، في البلدان الأجنبية. وهذا يتطلب مساعدة من البنوك، أو المحامين، أو غيرهم من الخبراء المهنيين، أو “جهات الدعم والمساعدة”.
وبناء عليه، ينبغي استكمال هذه الجهود بأخرى تعالج جوانب الفساد الأخرى العابرة لحدود الدولة الوطنية. وقد تطور عمل البنك الدولي لمعالجة هذا التعقيد المتزايد للفساد، بما في ذلك تناول أبعاده وجوانبه العابرة للحدود الوطنية وتحسين تكييف عملنا مع مختلف السياقات. كما أننا نتبنى أسلوباً أكثر تكاملاً لتدعيم تركيزنا على تحقيق النتائج والنواتج، وحشد المعارف، وجمع البيانات والأدوات، وإقامة الشراكات الجديدة، وربط عملنا بالمجالات الرئيسية المعرضة للفساد.
ونطرح فيما يلي على وجه التحديد أساليب العمل الأربعة لدينا:
البيانات والتكنولوجيا. يمكن أن يؤدي تسخير التكنولوجيا والبيانات إلى إيجاد أدلة وشواهد لتوجيه جهود مكافحة الفساد والمساعدة في تطوير هذه الجهود وإصلاحها لجعل هذا الإصلاح أكثر استدامة عند تفعيله من جانب المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني. ويمكن أن يساعد ذلك أيضا في تقوية الضوابط وأدوات الرقابة وميكنتها، وتطبيق أساليب تستند إلى المخاطر في أعمال المراجعة والتدقيق، وتعزيز شفافية النفقات والمشتريات وتقديم الخدمات. ويمكن لمنصات البيانات المستندة إلى المخاطر أن تساعد المؤسسات الرقابية على توجيه مواردها المعنية بالتحقيقات على نحو أكثر فعالية، كما تعمل مراصد المجتمع المدني على إشراك المواطنين في أنشطة الرصد والمتابعة، والمطالبة بمزيد من المساءلة بشأن أنشطة المشتريات العامة. فعلى سبيل المثال، تجري تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي لميكنة ترتيب أولويات أعمال التدقيق والمراجعة من جانب السلطات الضريبية في جورجيا، حيث حددت دوائر الإيرادات المتهربين المحتملين من الضرائب بمعدل دقة بلغ 63%. كما يمكن لنظام تقييم مخاطر الحوكمة (GRAS)، الذي تمت تجربته على ثلاثة مستويات حكومية في البرازيل، تحديد حوالي 200 علامة تحذيرية على الاحتيال المحتمل في الإنفاق العام.
تقليص الفساد في المشتريات العامة وإدارة العقود. تتجاوز آثار الفساد في أنشطة المشتريات التكاليف والجودة والقيمة مقابل المال. وبالتالي، يساند البنك الدولي الحكومات في اعتماد وتدعيم أنظمة المشتريات الإلكترونية واستخدام بيانات المشتريات لتحسين القيمة مقابل المال وتحقيق النزاهة والسلامة في الإنفاق العام. ويؤدي الحد من التواطؤ وتوجيه العقود نحو متعاقدين مفضلين وغير ذلك من أشكال الفساد في المشتريات إلى تقليص سيطرة الشركات التي لها علاقات بأصحاب النفوذ السياسي، مما يخلق أسواقاً أكثر شمولاً للجميع وفرصاً للشركات الصغيرة.
تفعيل دور مؤسسات الرقابة والمساءلة. يجري توطيد دعائم النزاهة والمساءلة لدى الحكومة من خلال مجموعة متنوعة من التدابير والمؤسسات. وبناءً عليه، ينبغي تصميم الحلول بما يتلاءم مع السياق المحلي ومخاطر الفساد القائمة في إطار هذا السياق. وتساعد الاستخدامات الجديدة للبيانات والتكنولوجيا، وأدوات مكافحة غسل الأموال الأكثر قوة، وسياسات النزاهة المالية على ضمان التنفيذ الفعال لآليات مثل إقرارات الذمة المالية للموظفين العموميين، وحماية المبلغين عن المخالفات، وإدارة تعارض المصالح. وبفضل أعمال المراجعة والتدقيق المستندة إلى المخاطر، تضطلع المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات بدور أكبر. وهناك تطورات مثيرة في تحليل نظام بيانات المشتريات (ProAct) تدعم كل هذه الأهداف.
الشفافية بشأن أصحاب الملكية الحقيقيين ومكافحة التدفقات المالية غير المشروعة. لما كان المال هو الدافع الرئيسي للفساد الكبير، فمن المهم معالجة نقاط الضعف المؤسسية التي تشجع هذه الممارسات وتتبع الأموال بعد ارتكاب أعمال الفساد. ويتطلب ذلك وضع أنظمة شفافة بشأن أصحاب الملكية الحقيقيين لمنع وكشف الطرق المعقدة التي يستخدمها أصحاب النفوذ لاستغلال الكيانات المؤسسية، لا سيما الشركات الوهمية والكيانات القانونية الشكلية، للتلاعب في العطاءات والمناقصات، واختلاس الأموال الحكومية، وتهريب ثرواتهم المنهوبة للخارج. كما يتطلب تنظيما أقوى “لجهات الدعم والمساعدة”، وجهاز له خبرة طويلة في إنفاذ القوانين وتطبيقها لتتبع الأموال عبر الحدود والمشاركة في جهود التعاون الدولي. فعلى سبيل المثال، تقوم وحدة الاستقرار المالي والنزاهة المالية بالبنك الدولي بمساعدة البلدان في تقييم المخاطر الوطنية لغسل الأموال، وتضع أنظمة قوية لمكافحة هذه الممارسات. وتعمل مبادرة استرداد الأموال المسروقة (ستار)، وهي مبادرة مشتركة بين البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على تسهيل إعادة حصيلة الفساد إلى البلدان المتضررة.
وتحقيق النمو الاقتصادي طويل الأجل والرخاء المشترك يتطلب أن نعمل ونتعاون مع شركائنا في الحكومات، والمنظمات الدولية، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، والمجتمع المدني من أجل التصدي للفساد وآثاره المدمرة. ولهذا أطلقنا الشراكة العالمية لمكافحة الفساد من أجل التنمية، التي تضم 250 شريكاً يستهدفون مكافحة الفساد بكل إمكاناتهم. ونسهم أيضاً في إعداد وتطوير المعايير العالمية لمجموعة العمل المالي (فاتف) بشأن الشفافية لكشف أصحاب الملكية الحقيقيين، وإجراء التقييمات، ومساندة البلدان في تنفيذ الحلول الفعالة. كما تقود مجموعة العمل المالي، وهي هيئة حكومية دولية، العمل العالمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي إطار التعاون وتضافر الجهود مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ونيابة عن مجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد التابعة لمجموعة العشرين برئاسة البرازيل، يوصي البنك الدولي باتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد تنطبق على بلدان مجموعة العشرين وغيرها من البلدان.
وسيتطلب ذلك تمويلاً هائلاً للتصدي للتحديات المرتبطة بالمناخ، والصحة، وأوضاع الهشاشة، وغيرها من قضايا التنمية الرئيسية. وبالتالي، علينا توظيف كل الأدوات المتاحة لمواجهة آثار الفساد المتمثلة في تحويل الموارد التي تمس الحاجة إليها إلى غير أغراضها، وتقويض نواتج التنمية، والاستفادة من العوائد الإيجابية لبناء الثقة، وتعبئة الموارد من أجل التنمية، وحماية نزاهة وسلامة الاستثمارات العامة.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: مکافحة الفساد البنک الدولی
إقرأ أيضاً:
التخطيط: نحث البنك الدولي على تعزيز أجندة التوظيف عبر التنمية
ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى مجموعة البنك الدولي؛ كلمة محافظي مجموعة الدول الأفريقية لدى البنك، وذلك خلال اجتماع المجموعة مع أجاي بانجا، رئيس مجموعة البنك الدولي. جاء ذلك خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والمنعقدة بواشنطن حتى 26 أبريل الجاري.
وفي كلمتها؛ أشارت الدكتورة رانيا المشاط إلى أحد أكبر التحديات التي تواجه أفريقيا، وهي ضرورة ضمان وجود مسارات رئيسية لخلق فرص العمل وتجهيز القوى العاملة بالمهارات اللازمة التي تتطلبها السوق، لافتة إلى أن نحو ثلث الأفراد في سن العمل الذين لا يمتلكون وظائف يعيشون في أفريقيا.
وقالت «المشاط»، إنه بالرغم من الجهود التي تقوم بها مجموعة البنك الدولي لخلق فرص عمل، إلا أننا بحاجة لحجم أكبر من تلك الوظائف بما يتناسب مع التحديات الحالية، ولذلك، نحث مجموعة البنك الدولي على تعزيز أجندة الوظائف والتحول الاقتصادي من خلال بعض المسارات الحيوية، ومنها تمويل البنية التحتية المادية والرقمية، من خلال تقديم مجموعة البنك دعم إضافي في بناء وتجديد وتوسيع وتحديث السكك الحديدية، والطرق، والجسور، والموانئ والمطارات، وأنظمة إمداد المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، أنظمة الري وغيرها من البنى التحتية في مجال التكنولوجيا الزراعية، وشبكات الاتصالات الرقمية وخدمات الإنترنت، المنصات، الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ومراكز الابتكار التي ستفتح الفرص في قطاعات التكنولوجيا والخدمات.
كما أشارت "المشاط" إلى أهمية تمويل التصنيع المحلي، مطالبة كذلك بدعم مجموعة البنك الدولي لتطوير مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية، وتعزيز الصناعات المحلية مثل المنسوجات، والإلكترونيات، والكيماويات، وكذلك المصانع الخاصة بمكونات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، والتوربينات الهوائية والمائية، وأنظمة القياس.
وأكدت أن تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة تمثل كذلك فرصة رئيسية، فمن الممكن أن يقوم البنك أيضًا بدعم تلك الأنشطة، خاصة في القطاعات الاستخراجية، الزراعية، والطاقة لمعالجة المواد الخام محلياً للحفاظ على القيمة المحلية؛ وكذلك في مجالات السياحة البيئية وإدارة النفايات لتوليد فرص العمل مع الحفاظ على الأهداف البيئية، هذا فضلًا عن أهمية تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومبادرات ريادة الأعمال في أفريقيا، والتي يمكن دعمها من خلال الدعم المالي، والائتمان الميسر، والمصادر التمويلية البديلة (مثل رأس المال الاستثماري) التي يمكن أن تساعد الشركات على توسيع فرص العمل، وتمكين رواد الأعمال الأفارقة الشباب من الحصول على الأدوات اللازمة لبدء وتطوير أعمالهم الخاصة.
وحول تقرير "مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يسلط الضوء على التركيز المشترك على المهارات المعتمدة على التكنولوجيا والقدرات البشرية؛ قالت "المشاط" إنه من المهم أن تكون تدخلات مجموعة البنك الدولي في مجال رأس المال البشري متعددة القطاعات وفعالة في الاستفادة من نهج التعاون المتكامل داخل مجموعة البنك الدولي، من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، موضحةً أنه بالنظر إلى أن خلق فرص العمل يتطلب قوة عاملة ماهرة، لذا من الضروري أن تقوم مجموعة البنك بتمويل برامج التدريب المهني والإرشاد لتمكين الأفراد والمجتمعات من تلبية احتياجات الصناعة، مما سيحول الوظائف غير الرسمية إلى رسمية، ويعزز الديناميكية الاقتصادية.
وأوضحت "المشاط"، أنه من الضروري معالجة الحاجة إلى جمع وتحليل بيانات دقيقة وقوية لدعم اتخاذ القرارات السياسية والتنموية، مطالبة مجموعة البنك الدولي بتسريع تنفيذ وتقديم البيانات والتحليلات الجديدة ضمن "جدول أعمال المعرفة" لمواكبة التطورات الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية. ولفتت إلى أنه استنادًا إلى تحليل مجموعة البنك الدولي نفسه، يجب أن نأخذ في الاعتبار نتائج تقرير التنمية العالمية لعام 2023 حول "المهاجرين، واللاجئين، والمجتمعات" للتأكيد على الحاجة إلى إدارة فعالة للهجرة الاقتصادية للمساعدة في موازنة التباينات السكانية وضمان التنمية المستدامة.
وفي ختام كلمتها؛ أكدت "المشاط"، أن نجاح هذه المسارات يتطلب التعاون القوي، معربة عن تأييد مجموعة محافظي الدول الأفريقية استمرار تعاون مجموعة البنك الدولي مع "مختبر استثمارات القطاع الخاص" و"المجلس الاستشاري رفيع المستوى المعني بالوظائف" لتطوير وتنفيذ الأدوات المبتكرة وأدوات تقليل المخاطر، مع ضمان تحديثات منتظمة وتواصل شفاف، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات والفرص للتعاون والتكامل من خلال منصات التمويل المشتركة الحالية والجديدة.