أحمد علي سليمان يكتب: موت الأم وآلام الفقد
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
الموت يسطو على الحياة في جُنح الليل، وفي وضح النهار، وفي أي وقت، وفي كل مكان... ولا يُفرق هذا القدر المقدور بين صغير أو كبير، ولا بين طفل أو شيخ، ولا بين رجل أو امرأة... الكل أمام هذا القدر سواء... إنه تجلِّى للحكمة الإلهية من الموت، ومظهر من مظاهر مساواة كل البشر أمام هذا القانون.
????وفي المصائب والشدائد والمحن تظهر معادن الرجال والنساء.
وإن تضافر القلوب والنفوس واصطفاف الناس وتلاحمها حول المكلومين؛ للتخفيف من آلام الفقد، لمظهر من مظاهر رحمة الله بذوي الفقيد... ذلك أن الفقد، والإحساس به، ومعايشته، والشعور به أليم ومؤلم...
وتأتي التعازي بأشكالها المختلفة:
• المباشرة مثل: (المشاركة في تجهيز الميت، وصلاة الجنازة، والعزاء، ومساعدة أهل الميت في بعض الأمور، والوقوف بجوارهم، وتفقد أحوالهم، والإمعان في مواساتهم وخدمتهم...).
• أو غير المباشرة كـ: الاتصال الهاتفي، أو عبر وسائل التواصل، أو تلغرافيا، أو نشر أخبار، وبرقيات عزاء، أو التعليقات، أو الدعاء...إلخ)..
تأتي هذه التعازي لتخفف الآلام... وتُشغل العقل والقلب والوجدان عن آلام الفقد وفجيعة المصيبة.
ولا ريب في أنها رحمة من الله تعالى يرسلها للمكلومين والمحزونين من خلال هؤلاء المعزين.
????أما فَقْد الأم فهو أليم ومؤلم... فَقْدُ الأم مصيبة بل هو أم المصائب...
وهذا ما أحسست به وعايشته واقعا يوم توفيت والدتي الغالية الحسيبة الشريفة سليلة آل بيت النبوة الحاجة/ زاهية توفيق الجندي، شقيقة العلامة الكبير مؤرخ الأزهر الشريف أ.د/ مجاهد توفيق الجندي (رحمهما الله وأحسن إليهما)، والتي لبَّت نداء ربها ولحقت بجواره فجر الاثنين 6 من ربيع الأول 1446هـ الموافق 9 من سبتمبر 2024م.
وقديما قالوا: "مَن فَقَدَ أباه فهو يتيم، ومَن فَقَدَ أمه فهو لطيم".
إنها الأم التي تحمل كل معالم ومعاني ومباني الرحمة واللين والرفق والحنان وتمنحه لأولادها، بداية من الحبل السُّري، مرورًا بالرضاعة، ثم العناية والرعاية على مدى الأيام.
إنها الأم التي تعبت، وحملت، ووضعت، وأرضعت، وأشبعت، وسهرت، وربت، وكبَّرت، وعلَّمت، وهذَّبت، وتابعت، وسكبت طوفان الرحمة، وسيول الحنان على أولادها...
إنها الأم التي تعد غيثًا وتجسيدًا لرحمة الله على الأرض.
إنها الأم المهمومة دومًا بمشكلات أولادها وأحفادها (صغارهم وكبارهم)، وبشكل متواتر لا ينقطع على مدى الأيام...
إنها الأم التي تتمنى لك كلَّ خير، وكلَّ سعادة أكثر مما تتمناه لنفسها، تتمنى لك الحياة... الصحة... الراحة... السكينة... الأمن.. الأمان... الإيمان... السكينة.. الغنى... الاطمئنان... راحة البال...
إنها الأم... وبموتها يموت الحنان... يموت ويُدفن ويُطوى حتى يكون في خبر كان...
***
???? رسالة شكر وتقدير????
وفي هذا المقام أبعث بأسمى آيات الشكر والتقدير والدعاء لكل مَن استطاع أن يواسينا في وفاة أمنا الغالية، وأيضًا الشكر لكل مَن لم يستطع (ونلتمس الأعذار للجميع).
فشكر الله لكل مَن حضر الجنازة، ولكل مَن حضر العزاء، ولكل مَن اتصل أو نشر أو كتب، ونعتذرُ لآلاف المتصلين الذين لم نتمكن مِن الرد على اتصالاتهم أو رسائلهم (وأرجو أن تلتمسوا العذر)..
كما أشكرُ كلَّ من تفضل بمواساتنا من السادة: الوزراء، والمفتين، والشخصيات العامة، والعلماء من مصر وخارجها، والسفراء، والدعاة، ورجال القضاء، والإعلاميين والصحفيين، وأهلنا الغالين في مسقط رأسي قرية بِلُوس الهوى القبلية، وقُرى مركز السنطة ومراكز محافظة الغربية، وإدارة أوقاف السنطة، وأصدقائنا في المحافظات المختلفة، وأعضاء بيت العيلة المحمدي، وغيرهم من أصدقائنا المنتشرين حول العالم في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية.
????وأشكر رؤسائي وزملائي الكرام في الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد..
أشكر كل واحد باسمه وصفته..
ونعاهد الله يا أماه أن نسير على خطاكِ، وعلى كلِّ ما تعلمناه منك، وسنظل ندعو الله لك.. (اللهم لا تحرمنا أجرها، ولا تفتنا بعدها، واغفر اللهم لنا ولها) يارب.
شكر الله تعالى لحضراتكم جميعا، وأحسن الله عزاءكم، وجبر خواطركم.
وأسأل اللهَ ألا يفجعكم ولا يحزنكم، ولا أراكم الله مكروهًا في عزيز لكم.
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا
د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل
حدَثٌ غريبٌ يستحق منَّا النظرَ والتأمل.. إنه ذلك الحضور الحسىّ لأمين الوحى سيدنا جبريل عليه السلام، فى صورة رجل غريب رآه الصحابة كما يرى بعضُهم بعضاً، وسمعوه كما يسمع بعضُهم بعضاً.
وقد جاءت أحداث هذا الحدَث جاذبة لكل الجالسين، بحيث تلفت انتباههم لكل ما يُقال، فالحاضر رجلٌ غريب تتطلع لمعرفته الأنظار، له وجه حسَنٌ لا تلتفت عنه العيون، طيّبُ الريح بحيث تأنسُ له النفوس، ثيابه نظيفة لا يُرى عليها شىء من آثار السفر كالغبار والعرق! رغم أنه غريب غير معروف، فليس من أهل المكان وليس ضيفاً على بعض أهله! إنه شأن يجذب الحواسّ.
ثم هو يسلم على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه فى الاقتراب منه مراراً، وقد جاء وصف هذا فى رواية الإمام النَّسَائىّ التى جاء فيها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسألَ، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ، فقال: السلام عليك يا محمدُ. فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُهْ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم».
هذه الأمور كلها تتآزر لجذب انتباه الجالسين، بحيث تعى قلوبهم كل ما سوف يُقال، أليس فى هذا إرشادٌ للمعلمين وللدعاة وللآباء كيف يهيئون نفوس مَن يريدون توجيه الكلام والنّصح إليهم بحيث تكون قلوبهم أوعية واعية لما يوجّه إليهم من إرشاد؟!
ثم يبدأ الحوار الذى يرويه لنا سيدنا عمر الفاروق، رضى الله عنه وأرضاه، فيحكى قولَ الرجل الغريب الذى تمثَّلَ فى صورته سيدنا جبريل عليه السلام، إنه يبدأ الكلام، فيقول: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام.
البدءُ بالسؤال عن الإسلام أمر منتظرٌ من غريب جاء ليعرفَ الدين؛ فليس هذا غريباً أو عجيباً، ولكن الغريب حقّاً هو ما سوف يقولُه سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يُلخّصَ شأن هذا الدين الذى هو رسالة الله تعالى للعالمين فى كلمات قلائل.. لو قيل لجمع كبير من العلماء الذين أفنَوْا أعمارَهم فى دراسة هذا الدين أن يلخّصوه فى كلمات ما استطاعوا، إنهم يحتاجون أن يُفرّغوا حتى يضعوا مؤلَّفاً لبيان هذا الدين، ثم هم كلما أعادوا النظر فيه زادوا فيه وبدّلوا وغيّروا.
وها هو سيدُ الخَلق، صلى الله عليه وسلم، يُلخصُّ الإسلام فى كلمات قليلات، فيقول، صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».
لقد بدأ صلى الله عليه وسلم تعريفه للإسلام بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم». إن الإسلام يبدأ من الشهادتين الكريمتين؛ الشهادة لله تعالى بالوجود والوحدانية، والشهادة بصدق سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة والرسالة.
ولا بد من الانتباه إلى خصوصية كلمة (أشهد) التى أشار إليها السادة العلماء، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بدلاً منها: (أعترف)، أو: (أُقرّ)، أو غير ذلك... وإنما قال: (أشهد) تلك الكلمة التى لا بد من أن ينطقها مَن يريد أن يدخل فى هذا الدين، ويُردّدها المسلم فى كل أذان وصلاة.
والشهادة يُعرّفُها العلماء بأنها «قولٌ صادرٌ عن علمٍ حصَلَ بمشاهدةِ بصيرة أو بصر»، إذن الإسلام يبدأ من هذه النقطة، من نقطة إزاحة أىّ غشاوة عن البصر والبصيرة، حتى يشهد الإنسان شهادة ليس فيها أدنى لبس بوحدانية الله تعالى وصدق رسالة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.