بوابة الفجر:
2025-10-29@09:42:17 GMT

أحمد علي سليمان يكتب: موت الأم وآلام الفقد

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

 

الموت يسطو على الحياة في جُنح الليل، وفي وضح النهار، وفي أي وقت، وفي كل مكان... ولا يُفرق هذا القدر المقدور بين صغير أو كبير، ولا بين طفل أو شيخ، ولا بين رجل أو امرأة... الكل أمام هذا القدر سواء... إنه تجلِّى للحكمة الإلهية من الموت، ومظهر من مظاهر مساواة كل البشر أمام هذا القانون.


????وفي المصائب والشدائد والمحن تظهر معادن الرجال والنساء.

.. وتبرز القلوب النقية، وتظهر المودة الدفينة في أعماق النفس البشرية... ويتعاظم جبر الخواطر بشكل تطبيقي ومتواتر.
وإن تضافر القلوب والنفوس واصطفاف الناس وتلاحمها حول المكلومين؛ للتخفيف من آلام الفقد، لمظهر من مظاهر رحمة الله بذوي الفقيد... ذلك أن الفقد، والإحساس به، ومعايشته، والشعور به أليم ومؤلم...
وتأتي التعازي بأشكالها المختلفة: 
• المباشرة مثل: (المشاركة في تجهيز الميت، وصلاة الجنازة، والعزاء، ومساعدة أهل الميت في بعض الأمور، والوقوف بجوارهم، وتفقد أحوالهم، والإمعان في مواساتهم وخدمتهم...).
• أو غير المباشرة كـ: الاتصال الهاتفي، أو عبر وسائل التواصل، أو تلغرافيا، أو نشر أخبار، وبرقيات عزاء، أو التعليقات، أو الدعاء...إلخ)..
تأتي هذه التعازي لتخفف الآلام... وتُشغل العقل والقلب والوجدان عن آلام الفقد وفجيعة المصيبة.
ولا ريب في أنها رحمة من الله تعالى يرسلها للمكلومين والمحزونين من خلال هؤلاء المعزين.


????أما فَقْد الأم فهو أليم ومؤلم... فَقْدُ الأم مصيبة بل هو أم المصائب... 
وهذا ما أحسست به وعايشته واقعا يوم توفيت والدتي الغالية الحسيبة الشريفة سليلة آل بيت النبوة الحاجة/ زاهية توفيق الجندي، شقيقة العلامة الكبير مؤرخ الأزهر الشريف أ.د/ مجاهد توفيق الجندي (رحمهما الله وأحسن إليهما)، والتي لبَّت نداء ربها ولحقت بجواره فجر الاثنين 6 من ربيع الأول 1446هـ الموافق 9 من سبتمبر 2024م.
وقديما قالوا: "مَن فَقَدَ أباه فهو يتيم، ومَن فَقَدَ أمه فهو لطيم".
إنها الأم التي تحمل كل معالم ومعاني ومباني الرحمة واللين والرفق والحنان وتمنحه لأولادها، بداية من الحبل السُّري، مرورًا بالرضاعة، ثم العناية والرعاية على مدى الأيام.


إنها الأم التي تعبت، وحملت، ووضعت، وأرضعت، وأشبعت، وسهرت، وربت، وكبَّرت، وعلَّمت، وهذَّبت، وتابعت، وسكبت طوفان الرحمة، وسيول الحنان على أولادها...
إنها الأم التي تعد غيثًا وتجسيدًا لرحمة الله على الأرض.


إنها الأم المهمومة دومًا بمشكلات أولادها وأحفادها (صغارهم وكبارهم)، وبشكل متواتر لا ينقطع على مدى الأيام...
إنها الأم التي تتمنى لك كلَّ خير، وكلَّ سعادة أكثر مما تتمناه لنفسها، تتمنى لك الحياة... الصحة... الراحة... السكينة... الأمن.. الأمان... الإيمان... السكينة.. الغنى... الاطمئنان... راحة البال...
إنها الأم... وبموتها يموت الحنان... يموت ويُدفن ويُطوى حتى يكون في خبر كان...
***
 

???? رسالة شكر وتقدير????
وفي هذا المقام أبعث بأسمى آيات الشكر والتقدير والدعاء لكل مَن استطاع أن يواسينا في وفاة أمنا الغالية، وأيضًا الشكر لكل مَن لم يستطع (ونلتمس الأعذار للجميع).


فشكر الله لكل مَن حضر الجنازة، ولكل مَن حضر العزاء، ولكل مَن اتصل أو نشر أو كتب، ونعتذرُ لآلاف المتصلين الذين لم نتمكن مِن الرد على اتصالاتهم أو رسائلهم (وأرجو أن تلتمسوا العذر)..


كما أشكرُ كلَّ من تفضل بمواساتنا من السادة: الوزراء، والمفتين، والشخصيات العامة، والعلماء من مصر وخارجها، والسفراء، والدعاة، ورجال القضاء، والإعلاميين والصحفيين، وأهلنا الغالين في مسقط رأسي قرية بِلُوس الهوى القبلية، وقُرى مركز السنطة ومراكز محافظة الغربية، وإدارة أوقاف السنطة، وأصدقائنا في المحافظات المختلفة، وأعضاء بيت العيلة المحمدي، وغيرهم من أصدقائنا المنتشرين حول العالم في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية.


????وأشكر رؤسائي وزملائي الكرام في الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد..
أشكر كل واحد باسمه وصفته.. 
ونعاهد الله يا أماه أن نسير على خطاكِ، وعلى كلِّ ما تعلمناه منك، وسنظل ندعو الله لك.. (اللهم لا تحرمنا أجرها، ولا تفتنا بعدها، واغفر اللهم لنا ولها) يارب.
شكر الله تعالى لحضراتكم جميعا، وأحسن الله عزاءكم، وجبر خواطركم. 
وأسأل اللهَ ألا يفجعكم ولا يحزنكم، ولا أراكم الله مكروهًا في عزيز لكم. 
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا

 


د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

صمت الركام وصراع الذاكرة في غزة

حين يسدل القصف ستائره الدامية، ويخفت صوت القصف ليحل محله صمت ثقيل، لا يعني ذلك أن الحرب قد وضعت أوزارها ونفضت غبارها حقا في غزة، بل هي هدنة قصيرة تمنح الناجين فسحة لالتقاط الأنفاس، قبل أن يبدأ فصل جديد من الصراع، صراع الذاكرة مع الواقع. فبينما تتوقف القذائف والصواريخ، تبدأ قذائف الفقد والحزن الصامتة في الانفجار داخل الأرواح، يخرج السكان من أماكن الإيواء والخيم المرتعشة ليجدوا مدينتهم قد تحولت إلى أكوام دمار، ليست فقط مجرد أبنية مهدمة، بل هي أهرامات وتلال من الأسى، شُيدت على عجل بدموع وعظام وأشلاء الأحباء. إن المصاب الأكبر ليس في جدران تهدمت، بل في قلوب تمزقت وأرواح تعذبّت، وعائلات تبخرت، وأحلام أصبحت مجرد ركام.

إنها غزة ما بعد القصف والإبادة، حيث يصبح الحزن فيها هو التكوين الجيولوجي الجديد للأرض، والحداد هو اللغة الوحيدة التي يُجيدها الباقون.

صمت الركام وشهادة الغياب

الهدوء في غزة بعد توقف القصف ليس سكينة، بل هو صمت الركام الذي يصرخ بأسماء وذكريات الغائبين، إنه ثقل لا يُحتمل يترك مساحة واسعة للقلوب لتعي حجم الفاجعة بكل ثقلها. لقد أحصت النشرات الإخبارية أعداد الشهداء والمصابين بعشرات الآلاف، والمنازل والأبنية المدمرة كليا وجزئيا بالمئات والآلاف، ولكن هذه الأرقام، على ضخامتها، تبقى هياكل جامدة أمام الحقيقة الوجدانية، إنها مجرد كشوفات حساب لا تجيد رصد قيمة الروح البشرية، فكل رقم يمثل أسرة فُقد عمودها، وطفلا تيتم، وامرأة فقدت شريك حياتها. الفقد هنا ليس مجرد غياب، بل هو بتر روحي، لم يُتح حتى مراسم عزاء تليق به، فقد اختطف الموت أحباءهم بلا وداع، وتركهم يلملمون أشلاء الذاكرة بلا عزاء.. يتجوّل الأب بين بقايا منزله لا بحثا عن متاع، بل عن رائحة باقية، عن أثر لطفل بقيت لعبته تنتظر حضوره، كل خطوة فوق الأنقاض هي حنين موجع يحمل ثمن البقاء الباهظ، وكأن الناجي يدفع ضريبة العيش بقلب ممزق وروح موجوعة.

نزيف لا يتوقف في مرايا الأرواح

في هذه المرحلة الجديدة، تبدأ عملية إحصاء الخسائر الحقيقية التي تتجاوز أرقام المباني والضحايا بكثير؛ الخسائر هي تلك التي لا تُسجل في بيانات الأمم المتحدة، ودوائر الإحصاء، بل تُنقش بأحرف من نار في مرايا الأرواح الموجوعة؛ الأمان المفقود، والبراءة المسلوبة، والمستقبل المسروق. فإذا كانت الخسائر المادية تُقدر بالمليارات في البنية التحتية، فإن الخسارة الروحية لا تُقدّر بثمن ولا تداويها أموال الإعمار، بل هي جرح حضاري مفتوح. كيف ينام الطفل الذي شاهد سقف بيته يتهاوى؟ وكيف يبني الشاب خطة لحياة جديدة وهو يقف على أرض هُدمت كل معالمها التعليمية والصحية والاقتصادية؟ يجد أهل غزة أنفسهم أمام تحدٍّ وجودي، وهل يزرع الأمل في أرض ارتوت بالدماء؟

إنّ الفرحة بوقف إطلاق النار ممزوجة بحذر عميق وخوف مرير، خوف من عودة الكابوس، وخوف من أن يصبح النسيان جزءا من التعايش، إنهم يعيشون نزيفا مستمرا للمستقبل، وكأن الحياة نفسها تتعرض لاغتيال معنوي ممنهج.

الصمود كفعل مقاوم لا ردة فعل

تُرفع شعارات الإعمار، وتُعقد المؤتمرات، ولكن الإعمار الأهم والأصعب هو إعمار الأرواح المكلومة، بعد أن زحف بياض القهر إلى عيون الغزيين، وبعد أن أكل العذاب من جرف أحلامهم ما أكل.

بناء الجدران سهل، لكن ترميم القلب الممزق مستحيل، ومع ذلك، يبرز جوهر غزة الحقيقي، فمن تحت الركام لا يجد اليأس موطئ قدم، يحاولون النهوض بأيدٍ عارية وقلوب مثقلة، يقاتلون للحياة كي لا ينتصر الموت مرتين؛ مرة بالفقد، ومرة بالاستسلام لليأس. إن روح الصمود هنا ليست شعارا عابرا، بل هي فعل مقاوم يومي وممنهج، وليس مجرد ردة فعل على المأساة، فهذا الفعل يبدأ بتنظيف حطام المنزل والحي، وينتهي بزرع بذرة أمل في أرض الجار. يدرك السكان أن طريق التعافي طويل وشاق، لكن إيمانهم بأن الحياة تستحق أن تُعاش، وأن ذاكرة الشهداء يجب أن تُكرّم بالبقاء والعمران. هو الوقود الذي يدفعهم، إنهم يجدون في بعضهم البعض السند والمواساة، يتقاسمون النزر القليل من الموارد، والكثير من الوجع ليُعاد تدويره إلى قوة، ليعيدوا تشكيل ملامح مدينتهم ومخيماتهم من جديد، مُعلنين أن الإرادة هنا أقوى من التدمير.

خيط الأمل العنيد

غزة بعد توقف القصف هي مدينة معلّقة بين شهيق الحياة وزفير الموت، إنها ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي أسطورة الأساطير ومعجزة المعجزات، وبوصلة أخلاقية تكشف عجز العالم عن احتواء منظومة الحزن الأكبر.

إنها رسالة حُبرت بألم، مفادها أن النجاة من القصف لا تعني النجاة من الكارثة، ولكن وسط هذا البحر من الفقد والدمار، يظل هناك خيط رفيع من الصمود العنيد، يتدلى من سماء رمادية، هو إصرار الأهالي على البقاء، وعلى لملمة شتاتهم، وإعادة بناء ما يمكن بناؤه. فحتى في أشد اللحظات ظلمة، يرفض الفلسطيني في غزة أن يتحول إلى مجرد ضحية، بل يبقى صانعا للحياة بامتياز، يجدد الأمل في كل صباح كفعل تحدٍّ وصمود، سيعيدون بناء بيوتهم، لكنهم لن ينسوا، فالحزن والفقد أصبحا جزءا من هوية الأرض، وشاهدا أبديا على الثمن الباهظ للحياة والحرية، وعلى عظمة شعب يأبى أن يكون مجرد فصل منسي في كتاب التاريخ.

مقالات مشابهة

  • حنان سليمان تكشف لصدى البلد شخصيتها في مسلسل لعبة قلبت بجد
  • أحمد عبد القوى يكتب: لماذا مريم؟!!
  • رجال الله أيقونة البذل التي ما غابت عن سماء العِزة
  • صمت الركام وصراع الذاكرة في غزة
  • أحمد الفيشاوي يعلن بدء بروفات فيلمه الجديد حين يكتب الحب
  • وزير السياحة السابق يناقش التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة بالجامعة اليابانية بالإسكندرية
  • هل تعلم أسماء أبواب النار التي أعدت للكافرين؟
  • وكيل وزارة التموين يناقش التحديات التي تواجه قطاع التجارة بالإسكندرية
  • من بلدة البياض... فيديو مؤثّر لوالدة الشهيدين حسن وحسين سليمان
  • د. عادل القليعي يكتب: أليس لنا رب كريم.....!