تطوير صناعة الحديد والصلب.. مركب الحجار بحلة جديدة مستقبلا
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
تطوير صناعة الحديد والصلب.. مركب الحجار بحلة جديدة مستقبلا
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
.المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
انهيار صناعة الوهم.. المشروع الحضاري نموذجاً
د. عبدالله عابدين
المهم هنا أن نظام “الانقاذ” المأدلج هذا، مضى مباشرة الى اكمال حلقات التآمر على الشعب السوداني، فبدلاً مما ادعاه بأنه اضطر للقيام بالانقلاب على ارادة الشعب لانقاذ البلاد، و العباد، مما تردت فيه من سوء على كل الأصعدة، توجه تواً الى انفاذ أجندته المتمثلة فيما عرف ب”التمكين”. و قد رتب “الانقاذيون” لخطتهم الخديعة هذه، تحت شعار مموه، هو ما أسموه ب”المشروع الحضاري” امعانا في ذر مزيد من الرماد في عيون الشعب السوداني.
ليس هذا فحسب، بل انهم تمادوا في هذا الاتجاه الذي يتقن اصطناع اللافتات البراقة، برفع شعارات من قبيل “نأكل مما نزرع، و نلبس مما نصنع”!! .. و أي شعب من شعوب الأرض، لا يحلم بالاكتفاء الذاتي؟. خاصة اذا كانت موارد بلاده غنية بما يكفي، مما دعى الى تسميتها بأسماء مثل”سلة غذاء العالم العربي، و الأفريقي”، أو حتى “سلة غذاء العالم”.. فكون السودان بلد واعد، و غني بموارده، و ثرواته المتنوعة: بشرية، و زراعية، و حيوانية، و معدنية، أمر مبذول للجميع، و لا يختلف عليه إثنان.
و السودان بهذا لا تنقصه سوى الادارة الجيدة لموارده المتنوعة هذه: مادية، و بشرية، ادارة تنبني على التخطيط العلمي الدقيق، و الخبرة الفنية، و الادارية، و التقنية العالية. يقوم بها المخلصون من أبنائه، متحلين بآخلاق سمتها العدالة، و الانحياز التام لأبناء شعبه، أو قل شعوبه المتنوعة السحن، و الاثنيات، و التقاليد الثقافية، و الديانات، و كريم المعتقدات.
بيد أن الجبهة القومية الاسلامية لم يكن في نيتها شئ من هذا، بل كان كل ما يشغل بال نخبها، و قياداتها، منذ البدء، و أثناء تخطيطهم طويل المدى للوصول الى السلطة، أمراً مناقضاً تماماً لهذا!!.. فقد أولت ظهرها لكل ما يتعلق باصلاح حال البلاد، و تنمية مواردها، و من ثم تفرغت بكليتها لما يسمى في مصطلح الحركة الاسلاموية بالتمكين، كما أسلفنا الى ذلك الاشارة في مقال سابق، و لكنهم في ذلك لم يكونوا معنيين الا بتمكين أنفسهم هم، و ليس بتمكين الشعب السوداني.
و على مدى ثلاثين عام عجاف ظلت زمر الاسلام السياسي عاكفة على هذا النهج الانتهازي، الذي لم تخطر حيله، و أفانينه، حتى على مخيله “ميكافيللي” نفسه!!.. و قد وظفوا في ذلك، السلطة الدينية، التي احتكروها لأنفسهم تماماً، و السلطة السياسية، التي ما توانوا في اغتصابها على ظهر الدبابات، و سلطة المال، الذي عكفوا على جمعه و تكديسه بنهم منقطع النظير، حيث وضعوا أيديهم على ثروات أرض السودان، و تغلغلوا في مفاصل الدولة السودانية، و أحكموا قبضتهم عليها.
أكثر من ذلك، فانهم شرعوا في محاولات محمومة لاعادة صياغة هوية الشعب السوداني، وفقا لرؤيتهم الأحادية الضيقة، امعاناً في ارتهان إرادته لديهم “من خلال اذلاله و سوقه الى الاستكانة”. و ذلك بغرض تحويل جموع الشعب الى متسولين على موائدهم، و من ثم الرضوخ التام لهم، و السير في ركاب مخططهم العالمي الرامي الى “أسلمة” كونية، وفقا لمبدأ تمكين مشابه، و لكن على دائرة أوسع من عالم اليوم ..
ليس هذا فحسب، بل ان الهوس الديني المتأسلم لم يكن يرى في أجزاء بذاتها من أرض السودان مثل الجنوب، الا عقبة أمام مشروعه الحضاري المزعوم، فما كان منه الا أن أعلن حربا دينية ضد أهلنا في الجنوب. و انبرى، من ثم، يجيش لها الجيوش، و يعدها بعقيدة جهادية موغلة في التطرف، أدت الى حصاد أرواح السودانيين من الطرفين. و غدى الأمر جراء كل هذا “بالنسبة للاخوة في جنوب السودان أشد و أمر، بل ان البعض الذي يدين بغير الاسلام كان يخشى من فرض هوية اسلامية بالقوة في مناطق لا تدين بالاسلام”. و قد “أثار التوجه الاسلامي المتزايد شكوك الجماعات غير المسلمة بأن يفقدوا حقوقهم كمواطنين ليكونوا أهل ذمة أو موا طنين من الدرجة الثانية” ..
و كانت النتيجة الحتمية لهذا الاتجاه الموغل في الاقصاء، و في الأنانية السياسية الممنهجة، أن تأججت نيران الحروب في أطراف السودان المختلفة: في دارفور، و جنوب كردفان، و النيل الأزرق. و من ثم تداعت الأمور الى فقدان السودان لما يقارب الثلث، من أغنى أراضيه، و أخلص أبنائه، حيث اختار جنوب السودان مضطراً، تحت وطأة هذه الظروف القاهرة، الانفصال عن جسد السودان الأم، و نأى بنفسه عن هذا الأتون الحارق، من التدهور المريع على كل الأصعدة.
و الدرس المستفاد من التجربة الواقعية للمآلات الوخيمة لانفصال الجنوب، أن تقسيم البلد، ليس فقط لا يحل مشكلة، بل انه يجلب من المشاكل، و الويلات، ما ليس في الحسبان. و الأمر، أنه و على قارعة وضع السودان الراهن، من الاحتراب، و اللا-دولة، ما زالت نفس المنظومة، و اسمها السائد الآن، الفلول، لا تفتأ و بنفس الاصرار، من خلال توظيف المؤسسة العسكرية، بل من خلال تماديها المعهود في استغلال الشعب السوداني، تسعى سعياّ حثيثاَ الى تفتيت البلاد بذات المنطق الأناني: “اما أن نحكمكم، أو نقتلكم”، أو “سودان بفهمنا، أو لا-سودان”!!..
و من العلامات الكبرى للانهيارالأخلاقي لدى قوى الظلام المتأسلمة هذه، تلك العين العوراء التي تنظر بها الى الأمور، دعنا نسمها ب “عين الذاتية” ضيقة الحدقة، و معتمة العدسة، و المصابة بعوز القدرة على رؤية الآخر. و عين الذاتية تلك، تجمع الى قصورها هذا، ايماناً أعمى بأن “الغاية تبرر الوسيلة”، و لا تؤمن بأن “الغاية تحدد الوسيلة”!! .. جملة غايات هذه الجماعة، تكريس بقائهم في كراسي السلطة، و احتكار مقدرات السودان، و ثرواته، من قبيل “أكل الترات أكلاً لما”. و الناس في كل هذا، فيما ترى هذه المنظومة، ليسوا سوى عبيد لهم، يستجدونهم: أعطوهم، أو منعوهم. أما الدين، و ما أدراك ما الدين؟ فهو مجرد طريق لعبورهم الى “كل ما يبرق”، و هو ما تبديه لهم نظرتهم الموغلة في الانكفاء على الذات، بأنه ذهب، ذاهلين في سيعيهم المحموم هذا، عن أمر بسيط و بديهي، منطوقه: “ليس كل ما يبرق ذهب”!!..
الوسومعبدالله عابدين