الجيش الأميركي غير مستعد لعصر الحرب الجديد
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
تنبأت حرب ماتابيلي الأولى، بين عامي 1893 و1894، بالمستقبل كله.
في معركتها الافتتاحية، استخدم قرابة سبعمائة من الجنود والقوات شبه العسكرية والمساعدين الأفارقة المتحالفين مع شركة جنوب إفريقيا البريطانية خمسة مدافع مكسيم ــ وكان ذلك المدفع أول سلاح آلي بالكامل في العالم ــ لصد أكثر من خمسة آلاف من محاربي نديبيلي، فقتلوا منهم قرابة ألف وخمسمائة في مقابل حفنة جنود بريطانيين فقط.
قبل أسابيع، شهد العالم لحظة أخرى شبيهة بلحظة مدفع مكسيم: إذ أخلى الجيش الأوكراني خطوط المواجهة من دبابات قتالية من طراز (أبرامز إم1 آيه 1) قدمتها الولايات المتحدة، وذلك بعد أن دمرت طائرات كاميزاكي مسيَّرة روسية العديد منها، ويمثل انسحاب إحدى أكثر الدبابات القتالية تقدما في العالم في حرب طائرات مسيرات عاملة بالذكاء الاصطناعي نبوءة بنهاية قرن من الحرب الآلية العاملة بشريا. شأن المركبات الأخرى غير المعتمدة على الإنسان التي تهدف إلى مستوى عال من الاستقلالية، لا تعتمد هذه الطائرات المسيرة الروسية على نماذج لغوية كبيرة أو ذكاء اصطناعي مماثل أكثر دراية بالمستهلكين المدنيين، ولكنها تعتمد على تكنولوجيا من قبيل التعلم الآلي للمساعدة في تحديد الأهداف والبحث عنها وتدميرها، وحتى تلك الأجهزة التي لا تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات القريبة منه استخداما متزايدا في الاستهداف والاستشعار والتوجيه.
ويغفل المشككون في التكنولوجيا ممن يعارضون استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب عن واقع أصبحت فيه الأنظمة المستقلة ذاتيا منتشرة بالفعل في كل مكان، وأصبح فيه استعمال التكنولوجيا متزايدا لصالح هذه الأنظمة. فقد أدى استخدام حزب الله لطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات إلى تشريد ما لا يقل عن ستين ألف إسرائيلي جنوب الحدود اللبنانية. ويستخدم الحوثيون طائرات مسيرة يتحكمون فيها عن بعد لتهديد 12% من قيمة الشحن العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر، ومن ذلك ناقلة سونيون العملاقة التي باتت اليوم مهجورة، وجانحة ومشتعلة، وعليها من النفط أربعة أمثال ما كانت تحمله إكسون فالديز. وفي هجمات السابع من أكتوبر، استخدمت حماس طائرات مسيرة رباعية المراوح ــ ربما استخدمت بعض قدرات الذكاء الاصطناعي ــ لتعطيل أبراج المراقبة الإسرائيلية بطول جدار غزة الحدودي، بما سمح لما لا يقل عن ألف وخمسمائة مقاتل بالهجوم وقتل أكثر من ألف إسرائيلي.
وفيما يحدث هذا كله، لا يزال البنتاجون ينفق أغلب أمواله على أنظمة أسلحة موروثة. ولا يزال يعتمد على نظام إنتاج تقني عتيق ومكلف لشراء الدبابات والسفن وحاملات الطائرات التي يمكن للأجيال الجديدة من الأسلحة ــ المستقلة ذاتيا والمجاوزة لسرعة الصوت ــ أن تقضي عليها تماما.
وانظروا مثلا إلى وحش السماء العالي، أي طائرة إف-35. توصف هذه المقاتلة الشبحية من الجيل الخامس باسم «الكمبيوتر الطائر» لقدرتها على دمج بيانات الاستشعار مع الأسلحة المتقدمة.
هذا البرنامج الذي تبلغ تكلفته تريليوني دولار ينشر طائرات مقاتلة قدرتها على معالجة أقل من العديد من الهواتف الذكية. وما هذه غير نتيجة لنظام إنتاج تكنولوجي مصمم خصيصا للجيش ومنفصل عن بيئة التكنولوجيا الاستهلاكية. لقد تجمد تصميم طائرة إف 35 إلى حد كبير في عام 2001، أي العام الذي تعاقد فيه البنتاجون مع شركة لوكهيد مارتن. وبحلول الوقت الذي كانت فيه أول طائرة إف 35 لا تزال تنطلق على المدرج، كانت أحدث التقنيات قد حلقت متجاوزة إياها بالفعل. في هذا العام، يظهر آيفون 16. واليوم، تتقدم إف 35 ببطء من خلال ترقيتها التكنولوجية الثالثة وتزويدها بمعالجات أحدث لكنها لا تزال بعيدة عن قدرات المعالجة الحديثة. وتكمن القضية الأساسية هنا في أن دورة تحديث الأجهزة البطيئة هذه تمنع إف 35 من الاستفادة الكاملة من التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي.
ونحن هنا لا نقول بحجة من قبيل إما كذا أو كذا. فأجهزة آيفون لن تحل محل طائرات إف 35. ولكن الجيش الأمريكي يحتاج إلى منصات فريدة، من قبيل المقاتلات الشبحية والغواصات، وكذلك يحتاج إلى تقنيات أحدث، منها الطائرات المسيرة. فجميع أنظمة الأسلحة، قديمها أو جديدها، تحتاج إلى الاستفادة الكاملة من ثورة البرمجيات والذكاء الاصطناعي - وهي ثورة يقودها في المقام الأول وادي السليكون وليس المقاولون المعهودون في الصناعات الدفاعية.
وهناك تقدم يجري. فالدمج بين هذين النظامين من الإنتاج التكنولوجي - نظام للجيش ونظام لكل ما عداه - هو الآن أحد أهم أهداف البنتاجون. بدأت وحدة ابتكار الدفاع التابعة للبنتاجون، ومقرها في وادي السليكون، في عام 2015، في إدخال التكنولوجيا التجارية المبتكرة إلى الجيش، والذكاء الاصطناعي من ضمن ذلك. وتعمل هذه الوحدة بطريقة شركات رأس المال الاستثماري أكثر مما تعمل بطريقة مكاتب البرنامج العسكري. استحدثت وحدة ابتكار الدفاع طريقة أسرع للشركات الناشئة للتعاقد مع الجيش تستخدمها وزارة الدفاع اليوم للحصول على تكنولوجيا بسبعين مليار دولار. (لقد ساعدنا في إقامة وحدة ابتكار الدفاع؛ ويدير أحدنا، وهو راج شاه، الآن شركة استثمارية تركز على الشركات الناشئة في مجال الأمن القومي، ومنها شركات تلقت تمويلا فيدراليا).
يعمل جيل جديد من شركات الدفاع الناشئة المدعومة بهذا الاستثمار على إنشاء أنظمة مستقلة متقدمة تعمل بالذكاء الاصطناعي. فقد قامت شركة جوبي أفييشن بنشر طائرة أجرة «تاكسي» تعمل بالطاقة الكهربائية من طراز إس 4. وتقدمت شركة آندوريل للصناعات أخيرا إلى الجولة النهائية في عقد العمل التعاوني الضخم للقوات الجوية، الذي ستقاتل فيه ألف طائرة مسيرة متطورة إلى جانب المقاتلات العاملة بشريا. وتقود وحدة ابتكار الدفاع مبادرة (ربليكيتور) البارزة التابعة للبنتاجون، التي تعمل على إنشاء أسلحة متنقلة مستقلة ذاتيا للجو والبر والبحر.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به. ففي حين أن ميزانية وحدة ابتكار الدفاع أكبر بثلاثين مرة مما كانت عليه في أول عام كامل من العمليات، إذ يبلغ إجماليها الآن ما يقرب من مليار دولار سنويا، فإن البنتاجون ينفق بنسات فقط على الابتكار مقابل كل دولار ينفقه على الأنظمة القديمة. تمثل مبادرة (ريبليكيتور) 0.059% فقط من ميزانية الدفاع في الوقت الذي يقوم فيه خصومنا بتحولات هائلة. بطبيعة الحال، لا تحتاج الصين إلى وحدة ابتكار الدفاع، إذ أصدر شي جين بينج وسلفه هو جين تاو أمرا يقضي بتوفير التكنولوجيا المدنية لجيش التحرير الشعبي. وهذا الاقتصاد الذي تديره الدولة من أعلى إلى أسفل يطارد أجهزة الحاسوب الكمومية والأسلحة النووية المجاوزة لسرعة الصوت، ويطلق في مداره 13000 قمر صناعي مكافئ لستارلينك.
وهذا هو السباق الحضاري الذي نخوضه.
وطريقة الفوز على كل من الصين والأسلحة منخفضة التكلفة في أوكرانيا والشرق الأوسط هي إطلاق العنان لنظامنا القائم على السوق حتى تتمكن شركات المنتجات سريعة الحركة وصناديق رأس المال الاستثماري التي تدعمها من تنشيط خط أنابيب الإمداد بالتكنولوجيا العسكرية لدينا. والخبر السار هو أن اهتمام السوق قوي: فقد غامرت صناديق رأس المال الاستثماري بمائة وعشرين مليار دولار من رأس المال في شركات ناشئة في مجال الأمن القومي على مدى السنوات الثلاث الماضية. ويحرص المهندسون الرواد على العمل على حل المشاكل من أجل حماية الديمقراطية. والسؤال الآن هو ما إذا كان بوسعنا تحقيق هذا التحول في الوقت المناسب لردع حرب القوى العظمى القادمة والانتصار في الصراعات الصغيرة التي تهدد بإحاطة الولايات المتحدة وحلفائها.
لقد أعلن دوجلاس ماك آرثر في عام 1940 بشكل مؤثر أنه «يمكن تلخيص تاريخ الفشل في الحروب في كلمتين تقريبا: فات الأوان». وبعد أربعة وثمانين عاما، وعشية التوترات التي لا تختلف كثيرا عما سبق صراعات القوى العظمى السابقة، من الأفضل أن ننتبه إلى تحذير ماك آرثر.
ترجمة: أحمد شافعي
راج م. شاه هو الشريك الإداري لشركة شيلد كابيتال.
كريستوفر كيرشوف ساعد في تأسيس وحدة الابتكار الدفاعي التابعة للبنتاجون. وهما مؤلفا كتاب «الوحدة إكس: كيف يعمل البنتاجون ووادي السيليكون على تحويل مستقبل الحرب».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی رأس المال
إقرأ أيضاً:
روسيا: أسقطنا 7 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة كورسك
أعلنت روسيا عن إسقاط 7 صواريخ و7 طائرات مسيرة أوكرانية فوق مقاطعة كورسك، وفق ما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية» بنبأ عاجل منذ قليل.
في وقت سابق، أعلن حاكم مقاطعة بريانسك الروسية ألكسندر بوجوماز، إسقاط 6 طائرات مُسيَّرة أوكرانية فوق أراضي المقاطعة دون وقوع إصابات أو أضرار.
وقال حاكم مقاطعة بريانسك في تصريح أوردته وكالة الأنباء الروسية، اليوم الاثنين، إن قوات الدفاع الجوي التابعة لوزارة الدفاع الروسية، دمرت 6 طائرات مسيّرة أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك، دون وقوع إصابات أو أضرار.
في المقابل، قال الجيش الأوكراني بوقت سابق إنَّ وحدات الدفاع الجوي دمرت أكثر من 10 طائرات مسيَّرة روسية كانت تستهدف العاصمة كييف في هجوم بطائرات مسيرة الليلة الماضية.
وأوضح الجيش الأوكراني أنَّ دفاعاته الجوية أسقطت 50 من بين 73 طائرة مسيّرة روسية أطلقت الليلة الماضية على مناطق أوكرانية.