لجريدة عمان:
2024-09-18@11:54:57 GMT

في خطورة تنسيب القيم الاجتماعية

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

تكاد تكون مسألة (القيم الاجتماعية) هي من الثيمات الرئيسة التي تعنى بها دراسة علم الاجتماع، ذلك أن بعض علمائه اشتغلوا عمرًا علميًا في تحليل مصادر تلك القيم، وتكوينها، ودور البنى الاجتماعية في تشكيلها وتحريكها، وآليات توظيفها، وكيف تسهم العوارض الثقافية التي تنشأ من المجتمع أو من خارجه في تغيير معانيها، وكيف تستغل في بعض النظم الاجتماعية كأدوات للسلطة والهيمنة على حد انشغال بيير بورديو.

والواقع أنه من الصعب إيجاد مفهوم للقيم الاجتماعية دون السياق الاجتماعي الذي تنشأ فيه؛ فالمجتمع بثقافته وعلاقته وأنماط تفاعله وتاريخيته وأنماط السلطة فيه وتكوين أنساق هو الذي يعطي القيمة الاجتماعية معناها ومبناها، ولذا تتفاوت أولوية القيم من مجتمع إلى آخر، ويتفاوت تبنيها من مجتمع لآخر، وكذا في الحال نفسه تتفاوت السلوكيات التي تترجم تلك القيم في المجتمعات من مجتمع لآخر. فالكرم كقيمة اجتماعية على سبيل مثال تجد أن أولوياتها في مجتمعات ما أولوية قصوى، ومؤكد عليها، وهي تشكل تعبيرًا عن وضع واندماج وامتثال الأفراد للنظام الاجتماعي وقد تبدو السلوكيات المعبرة عنها سلوكيات يحاول أفراد المجتمع التفاضل فيها، بينما القيمة ذاتها في مجتمعات أخرى قد لا تجد الحيز ذاته من الأولوية، وقد لا تمثل الدلالة ذاتها في امتثال الفرد أو المجموعة الاجتماعية للنظام الاجتماعي في مقابل قيم أخرى كالخصوصية والفردانية والحرية المطلقة، ويمكن القياس لزامًا على قيم أخرى.

إذن فالثابت في دراسة مسألة القيم الاجتماعية هو خضوعها للتغير من ناحية، ونسبيتها بطبيعة السياق الاجتماعي الذي تنشأ وتمارس فيه من ناحية أخرى. وإن كانت قضية تغير القيم الاجتماعية مسألة ثابتة، فالأصل في المجتمعات أن تحرك مؤسساتها الاجتماعية للحفاظ على المتفق عليه من تلك القيم، فالمدارس ومؤسسات التعليم عمومًا يجب أن توجه مناهجها، وعملياتها، وتفاعلاتها في بيئات التعلم للحفاظ على تلك القيم، وخطاب المؤسسات الدينية، وخطاب مؤسسات الفعل الثقافي، وخطاب مؤسسات التكوين الاجتماعي من الأسرة والنادي وغيرها يجب أن يوجب في مسألة الحفاظ على تلك القيم. وفي المجمل تجمع الأدبيات أن هناك أربعة محركات أساسية تسهم في تغير القيم وهي: التقانة، ويتم الإشارة فيها إلى كل أنواع المبتكرات وليس فقط الأجهزة الإلكترونية، ولكن ترتبط بكل الوسائل التي تبدل أنماط العمل والتفاعل في مجتمع ما من السياق اليدوي التقليدي إلى سياق آلي، مما من شأنه أن يفرز قيمًا جديدة، أو يواري قيمًا أخرى كانت مرتبطة بأشكال التفاعل والعمل بالطرق السابقة. المحرك الآخر: هو التفاعلات الثقافية، فبقدر ما تتفاعل المجتمعات في سياقها العالمي بقدر ما تصعد مجتمعات ما قيمها وثقافتها، ويصعب على ثقافات أخرى إبقاء قيمها وثقافتها في مقدمة أولويات شعوبها. المحرك الثالث: هو المحرك الاقتصادي، فانتقال المجتمعات من حال اقتصادي إلى آخر، وانتقال الأفراد عبر الطبقات الاجتماعية، والحراك الاجتماعي يفرز قيمًا ويواري أخرى. المحرك الرابع: يتمثل في عامل التعليم، والتعليم هنا بوصفه حاملًا للقيم الاجتماعية وناقلًا لها عبر الأجيال، ومحافظا على مرجعياتها، ومجددًا في المنهجيات التي من خلالها تنتقل بها إلى الأفراد في مختلف مستوياتهم العمرية.

في التعامل مع المسألة القيمية، تكمن الخطورة حينما يتم (تنسيب) القيم الاجتماعي ــ التي يفترض أن يكون متفق عليها اجتماعيًا ــ في سياق مجتمع معين، ونقصد بالتنسيب هنا هو جعل هذه القيم خاضعة لحكم الأفراد؛ من ناحية تفسير معنى القيمة، ومن ناحية أولوية الالتزام بحكمها، ومن ناحية أولويتها، ومن ناحية ضرورتها لحكم التفاعل الاجتماعي، ومن ناحية فهم السلوك الممارس للقيمة. وهذا في تقديرنا الأثر الذي صنعته تحديدًا مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالمجتمعات؛ هناك قيم اجتماعية عدة أخضعتها هذه المواقع والتطبيقات لعامل التنسيب، كقيم الحرية، والخصوصيات في مستوياتها المختلفة (فردية، أسرية، مجتمعية)، وقيم الاحترام وسواها، فأصبحنا رهان تفسيرات فردية لهذه القيم، وأمام ممارسات وسلوكيات تتعامل مع هذه القيم وفقًا لمفاهيم ذاتية، وكأنها انتزعت من مرجعيتها الاجتماعية الأساسية، ونعتقد أنه حين الحديث عن التأثيرات الاجتماعية لمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي فإن ما يجب التوجه لمناقشته ودراسته وبحثه وفهمه بالأساس هو الكيفية التي جعلت بها هذه المواقع والتطبيقات المجتمعات الافتراضية في حالة من (تنسيب القيم).

نشأت هذه الحالة نتيجة الانخراط في ثقافات متدافعة على هذه المواقع والتطبيقات، وتفاوتت من مجتمع لآخر بحسب قوة المرجعيات الاجتماعية للقيم، وبحسب دور المؤسسات الاجتماعية الرئيسة في الحفاظ وتعزيز تلك القيم. فأصبح الفرد قادرًا على تقمص عدة أدوار وعدة شخصيات وأمام كل دور وشخصية هناك فهم وتوجيه ذاتي لمعنى القيم، وأصبح بعض الناشطين على هذه المواقع والتطبيقات يختبرون ممارسة قيم عدة، أو يختبرون التخلي عن ممارسة قيم عدة، وهنا نشأ مفهوم (الفقاعة). إن استمرار هذه الحالة من (تنسيب القيم) يعني أننا قد نصل إلى مجتمعين متوازيين: مجتمع واقعي يحاول التحرك للبقاء والحفاظ على القيم الاجتماعية الأصيلة، ومجتمع افتراضي يقدم فهومات ذاتية وممارسات للقيم الاجتماعية المنتزعة من المرجعية الاجتماعية الأساس لها، وكل ذلك في النهاية يؤجج مفهوم الصراع الاجتماعي، ويتحرك نحو تفتيت الهويات الاجتماعية، مما ينشئ مشكلات اجتماعية عدة. إن حوارًا جادًا ومستفيضًا ومؤسسيًا حول القيم الاجتماعية قد آن أوانه، والدفع بالمؤسسات الاجتماعية لمراجعة كل عملياتها وأدوارها وتفاعلاتها مع المسألة القيمية أصبح اليوم ضرورة وطنية، وفي الآن ذاته هذه هي لحظة الأسرة في التاريخ الاجتماعي المعاصر، حيث تأصيل تلكم القيم، وتضمينها في الممارسات والحوارات والتوجيهات، وتعزيز أدوار الرقابة عليها، والحوار حول ضرورتها وأهميتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القیم الاجتماعیة القیم الاجتماعی تلک القیم ومن ناحیة من ناحیة من مجتمع

إقرأ أيضاً:

ما خطورة العسل المزيف؟

أعلنت أوكسانا سيريبريكوفا كبيرة الباحثين في المركز العلمي الفيدرالي الروسي لتربية النحل، أنه يمكن تقسيم العسل المزيف إلى ثلاث مجموعات

ووفقا لها هذه المجموعات هي : عسل رخيص، عسل طبيعي مضاف له شراب، عسل طبيعي تضاف له مواد كيميائية لتحسين خصائصه.

وتقول: “تجرى في مختبرنا دائما دراسة للعسل التجاري والعسل الذي يباع في المعارض. واعتمادا على المنطقة يمكن أن تصل نسبة العسل المغشوش إلى 60 بالمئة. لذلك يجب التمييز بين أنواع العسل المزيف. فمثلا نصف حالات الغش هي تسويقية، حيث يباع العسل الرخيص على أنه باهض الثمن. فمثلا يباع عسل عباد الشمس كعسل الزيزفون باهض الثمن أو العسل القديم المحسن على أنه عسل طازج”.

وتحتل حالات تزوير العسل المرتبة الثانية من حيث الانتشار، حيث بدلا من العسل الطبيعي يباع شراب مصنوع من الغلوكوز والفركتوز.

وتقول: “لا يحتوي هذا العسل على أي خاصية من خصائص العسل الطبيعي وليست له قيمة بيولوجية: أحماض أمينية والإنزيمات ومركبات الفينول وغيرها. ووفقا لها حتى إذا أظيف هذا الشراب جزئيا إلى العسل الطبيعي لا يمكن اعتباره عسلا طبيعيا”.

أما الحالة الثالثة للعسل المزيف الأقل انتشارا فهي غش العسل نوعيا بإضافة مواد غذائية أو كيميائية يمكنها تبييض العسل الداكن، وهذه المواد قد تكون خطرة على الصحة.



وتقول أناستاسيا شيستاكوفا مديرة المركز : “أظهرت الاختبارات التي نجريها في مختبرنا أن الغالبية العظمى لحالات تزييف العسل تحدث على مستوى الشركات المصنعة. أما منتجات مربي النحل فتلبي دائما جميع معايير جودة العسل المطلوبة”.

المصدر: Gazeta.Ru

مقالات مشابهة

  • 22 شركة لدعم «نحو مجتمع أكثر أماناً» و80 في الانتظار
  • مدبولي: الحفاظ على القيم والأخلاق حجر الأساس الذي تنطلق من خلاله مبادرة بداية
  • مدبولي: «بداية جديدة لبناء الإنسان» تنطلق من الحفاظ على القيم والمبادئ المصرية
  • ”مجتمع موهوب“.. حاضنة للإبداع والابتكار للطلبة الموهوبين في الأحساء
  • تيك توك تطلق حملة للتوعية بأدوات السلامة الرقمية في العراق
  • ما خطورة العسل المزيف؟
  • حبس فتاة هددت أخرى بنشر صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • تفكيك عبوة ناسفة من نوع صاروخ نمساوي في ناحية برطلة بسهل نينوى
  • فئات العمالة غير المنتظمة المؤهلة للانضمام إلى مظلة التأمين الاجتماعي وفقًا لقانون التأمينات الاجتماعية
  • «الأرشيف والمكتبة الوطنية» يستعرض دور الترجمة في تعزيز القيم الإنسانية