وفاة اثنين أو ثلاثة معتقلين يوميًا في معتقلات الدعم السريع
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الصحفي طارق عبد الله يروي يوميات الاعتقال والحرب لـ(الكرامة):
اتهموني بأني”الانصرافـي” واعتقــلوني فى مكان يعــج بـالقمـل والمجانيـن
(….) هـؤلــاء باعــوني بسعــرٍ بخــس
وفاة اثنين أو ثلاثة معتقلين يوميًا بسبب الجوع والاهمال
كنا نقضي حاجتنــا في “جــرادل” والحمــام ممنــوع.
انتظــرت تصفـيتــي وواجهتهم بســلاح (….)
(….) هــو الحــل الوحيــد للنجــاة من أولئــك الأوبــاش
قالـــوا لي أنت موالٍ للجيش وتتــواصل مع العطــــا
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي الكاتب الصحفي طارق عبد الله، الذي اعتقلته ميليشيا الدعم السريع الإرهابية من مسكنه بالحاج يوسف:
حدثنا عن اعتقالك كيف وأين تمّ؟
اعتقالي تمّ من مدينة الحاج يوسف، عندما اقتحمت قوةً مسلحةً مكونة من ستة أشخاصٍ المنزل بحُجة أنهم يريدون شقيقي للاشتباه في أنّه (أبولداي) ( عسكري) ، وأخبرتهم أنّه غير موجود ولا يسكن معنا، وأنّه يقيم في منزل الوالد وأنّ المنزل خاصٌ بي ومعي أُسرتي الصغيرة المكونة من زوجتي وأبنائي الأربعة، ومعي والدتي وشقيقتاي وشقيقاي مرضى، وأنّ شقيقي الذي يبحثون عنها يأتي لزيارتنا فقط وهو خريج “تقنية معلومات”، فطلبوا مني أن أرافقهم لأنهم يريدونني أيضًا، ثم قاموا بتفتيش المنزل وإرهاب الأسرة والتحقيق مع جارتنا التي جاءت لزيارة والدتي المريضة، وبعدها قاموا بعصب عيني وقيدوني بالحبال وأدخلوني في “ركشة” ونقلوني لمكتب الاستخبارات بالحاج يوسف.
ماذا وجهوا لك من اتهامات؟
وجهوا لي اتهاماتٍ بأنني موالٍ للجيش وأكتب تقاريرًا عن الدعم السريع، ولدي تواصل مع الفريق أول ٩ياسر العطا، ويشكون في إنني (الانصرافي)، والأخيرة بسبب مشاركتي في عدة صفحات على “الفيس بوك” ترتبط بعملي مثل: صفحة جامعة العلوم والتقانة، وصحيفة خاصتي باسم “ليدرز برس” وصفحاتٍ أخرى من اهتماماتي.
حدثنا عن يوميات الاعتقال؟
يوميات الاعتقال كان صعبةً جدًا، تنقلت فيها بين مكتب الاستخبارات وقضيت فيه خمسة أيامٍ، ثم معتقل الرياض وقضيت فيه خمسة عشر يومًا كانت من أسوأ أيام عمري بسبب أنّ المعتقلٌ سيئٌ جدًا وعبارة عن “بدروم” بعمق (6) أمتارٍ تحت الأرض ولا تتوفر فيه أي خدماتٍ ومكتظٌ بالمعتقلين، ونحن حوالي مائة شخص كنا ننوم جالسين على دَرجُ السُلّمِ، وبعد يومين وعن طريق جاري المعتقل وجدت نصف مترٍ أنوم فيه، وطيلة تلك الأيام نقضي حاجتنا في جرادل، الحمام ممنوع والسواك غير ممكن بسبب شح الماء، والمعتقل يعُج بـ”القمل والمجانين”، وبعدها نقلوني إلى سجن سوبا الذي كان بالنسبة لنا رحمةً.
مأساة عايشتها أيام الاعتقال؟
كثيرةٌ جدًا المآسي، تخيل أنك يوميًا تصلي على اثنين أو ثلاثة يجلسون معك ماتوا بسبب الإهمال والجوع.
كيف خرجت؟
خرجت بضغطٍ من زملائي الصحفيين بكل كياناتهم في “الاتحاد والقاعدة المستقلة والنقابة” وغيرها من الأجسام الصحفية ومئات الزملاء الذين وقفوا معي بأقلامهم واتصالاتهم، وتجاوب زملائنا القُدامى الذين انضموا للدعم السريع منهم “نزار سيد أحمد والطيب خليل”، وقد سعت كل هذه المجموعات في أن يطلق سراحي حتى تحقق ذلك، وإني أشكرهم جميعًا على تلك الوقفة المشرفة.
تجربة الاعتقال؟
تجربة الاعتقال كانت مفيدةً، فقد عرفت منها المخبوء وسط الشعب السوداني، ومنه عرفت الكثير من خفايا الحرب وخرجت منها بإيمانٍ قاطعٍ بأنّ الحل الوحيد للنجاة من هؤلاء “الأوباش” هو التوسل إلى الله. فخرجت بقوةَ إيمانٍ لم تكن متوفرةً لي في السابق، وفي الأيام الأولى كنت انتظر تصفيتي حسب تهديد الذين اعتقلوني فواجهتهم بسلاح الدعاء والحسبنة والاستغفار.
أين كنت أول يوم الحرب؟
عندما اندلعت الحرب كنت داخل مكتبي بجامعة العلوم والتقانة، و،(نحن طالعين) عرفت من مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ هنالك اشتباكٌ في المدينة الرياضية، وأيقنتُ أنّ الاشتباك سيتمدد نظرًا للانتشار الواسع لقوات الدعم السريع في الخرطوم، فوجهت من معي بالمغادرة وتحركت إلى منزلي بالحاج يوسف ووصلت الساعة الثالثة ظهرًا.
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
من مواقع التواصل الاجتماعي.
هل كنت تتوقع الحرب؟
كنتُ أتوقعُ الحرب وقلت ذلك في صفحتي الشخصية على “الفيس بوك” قبل شهرٍ من الحرب، وكان واضحًا أنّ الوقيعة بين الجيش والدعم السريع قد نجحت، وبدأ الأخير في تحشيد قواته، وكان واضحًا في تصريحات “حميدتي” الأخيرة وتمسكه بـ”الاتفاق الإطاري” دون الآخرين، والمتابع جيدًا يدرك بأنهم وضعوه ليقوم مقامهم في مواجهة الجيش بينما لزموا الصمت.
شعورك حينما اندلعت؟
شعرتُ بالمرارة، لأنّ الحرب لا تجلب إلّا الدمار والتشريد والقتل، وأنّ المجتمع السوداني فيه غبائن وثاراتٍ قديمة، وكانت واضحةً في أحداث “قرنق” وفي الحروب التي وقعت بدارفور، وتأكدت أنّ البعض سيستغل الحرب لـ(يفش غبينته) وقد كان باستهداف البيوت الفخيمة ونهب العربات الفارهة، وما حدث للمساليت بـ(الجنينة وأردمتا) كان متوقعًا، لذلك شعرت بالمرارة والشعور بأننا سنفقد بلادنا.
فوائد الحرب؟
من فوائد الحرب أننا تعرفنا على الجيران ورجعنا لجذورنا وأضرب المثل بنفسي فأنا لم أزُر منطقة والدي وهي مدينة “مروي” إلّا زياراتٍ خاطفة لا تتعدى اليوم الواحد لأداء واجب، والآن رجعت لجذوري وبدأت في تشييد منزل الأسرة والتأسيس، ومعظم الذين نزحوا من الخرطوم إلى مناطقهم بالولايات قاموا بالشيء نفسه. وهناك شعورٌ بأنّ الخرطوم ليست مضمونة، ومن فوائد الحرب أننا عرفنا الناس على حقيقتهم إذا كانوا زملاءً أو أصدقاء أو جيران، وعرفنا الصالح والطالح.
عادة فقدتها مع الحرب؟
فقدت عادة السهر حتى الساعات الأولى من الصباح، وهي طبيعة مهنة المتاعب التي لا تجد معها وقتًا للراحة والنوم.
ماذا خسرت في الحرب؟
خسرت وظيفتي، وخسرت بعض الأصدقاء والجيران “باعوني بسعرٍ بخس”.
ما هي الإجراءات الاحترازية التي قمت بها فور علمك باندلاع الحرب؟
نقلت الأسرة الكبيرة معي بالمنزل ليكونوا تحت رعايتي، ثم اتفقنا كجيران على عدم المغادرة وأن نكون يدًا واحدة نشد أزر بعضنا، وكنا نحمي بيوتنا عن طريق الدوريات والتواجد في مجموعات، ولكن طول أمد الحرب أضعف الناس بسفر الكثيرين، ويمكن كنا آخر مجموعة غادرت الحي.
هذه حرب مختلفة؟
طبعًا مختلفةً في كل شيءٍ، هي الحرب الوحيدة التي استُهدف فيها المواطن بشكل مباشر.إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
في ذكرى وفاة صلاح ذو الفقار.. ماذا قال عن أصعب ثلاثة أيام بحياته؟
الأدوار الممزوجة بالجاذبية والثقافة التي أبدع في تجسيدها الفنان صلاح ذو الفقار جعلته واحدًا من أكثر الفنانين الذين يتميزون بالتلقائية والقوة في الأعمال الفنية، وارتبط به الجمهور في أدواره بأفلام منها «الأيدي الناعمة، ورد قلبي، وصباح الخير يا زوجتي العزيزة»، فقد أبدع في إيصال الأحاسيس والرسائل الدرامية بسلاسة للجمهور.
محطات في حياة الفنان صلاح ذو الفقاروُلد يوم 18 يناير عام 1926 في المحلة الكبرى، وكان يحب الفن منذ الصغر، لأنه كان شقيقًا لعز الدين ومحمود ذو الفقار، واللذان عملا بالإخراج والإنتاج والتمثيل، وبالفعل مثل في فيلم «حبابة» وهو في التاسعة من عمره؛ ولكن والده كان أحد كبار رجال الشرطة المصرية، فدخل كلية الشرطة، ولم ينس حبه للفن، فعمل وهو طالب بالكلية ممثلًا وكانت أول أدواره فيلم «عيون سهرانة»، ليعمل مدرسًا بعد تخرجه في كلية الشرطة، لكنه لحبه الشديد للفن قدم استقالته ليدخل عالما مليئا بالأدوار المميزة، التي استطاع بها أن يحفر لنفسه فيها مكانة خاصة بها في قلوب الجمهور بأدائه المتمكن.
أصعب 3 أيام في حياة صلاح ذو الفقاروقبل استقالته من الكلية فكر كثيرًا، لحيرته الشديدة بين حبه للفن وعمله بالشرطة، وعلى الرغم من أنه خلال السنة الدراسية التي عمل بها في الكلية ترقى لرتبة رائد وكانت من أنجح السنوات في حياته على حسب تعبيره، لكن كان يتوق دومًا إلى الفن، ولكنه حزن بشدة عندما فكر جديًا في تركه للشرطة، وهو ما رواه خلال تسجيل إذاعي نادر له «حديث الذكريات»، ليروي فيه أصعب 3 أيام في حياته بعدما قدم استقالته: «كانت أجمل سنة ليا كضابط مدرس مربي بالقياس بتاعي، لأن وصلت فيها لدرجة من السيطرة ومن حب الطلبة ليا بس قولت مش هقدر أستمر».
وفاة صلاح ذو الفقارحتى عزم على الاستقالة: «كنت ممكن ينقلوني من الكلية، وكان بالنسبة ليا لو حصل كده هتبقى نهاية حياتي، فروحت لوزير الداخلية وحسمت الأمر، لأن الكلية ماكنتش هبقى فيها زي ما أنا عاوز فروحت مقدم الاستقالة دي»، وكانوا أقسى 3 أيام في حياته، وذلك بعدما جلس في البيت حزينا على تركه لعمله ولثلاثة أيام ظل يفكر في الأمر ووصفها بأنها الأصعب».
يشار إلى أنّ صلاح ذو الفقار قدّم رصيدًا سينمائيًا طويلًا، حتى وفاته في 22 ديسمبر 1993، إثر أزمة قلبية حادة أثناء تصويره أحد المشاهد في فيلم «الإرهابي».