لجريدة عمان:
2024-09-18@11:55:12 GMT

أربع ساعات في شاتيلا

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

«هل تلك المدينة المهشّمة المحطمة التي رأيتُها، أو ظننتُ أنني رأيتُها، وتجوّلتُ فيها، وهي محمولة على رائحة الموت القوية، كانت، بالفعل موجودة؟»، هكذا تساءل الأديب الفرنسي جان جينيه بحزن شديد في نصه الأدبي الشهير «أربع ساعات في شاتيلا»، معبِّرًا عن صدمته الكبيرة من المشاهد المروعة للجثث الملقاة في الشوارع، وإحساسه العميق بالصدمة والعجز أمام عنف وحشي تجلى في مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت التي حدثت في مثل هذه الأيام من عام 1982.

لكن بيروت ما زالت موجودة، وستظل كذلك. ستبقى «خيمتنا الوحيدة»، و«نجمتنا الوحيدة» كما قال درويش.

يُخبرنا الأرشيف الوحشي للتاريخ أنه في السادس عشر من سبتمبر 1982 اجتاحت ميليشيات حزب الكتائب اللبناني مخيمَي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين تحت غطاء الجيش الإسرائيلي، بعد حصار عنيف لبيروت واغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل. على مدى ثلاثة أيام، نفذت هذه الميليشيات مجزرة بشعة راح ضحيتها المئات من اللاجئين الفلسطينيين وسكان المخيمات من النساء، والأطفال، والشيوخ، كل ذلك تحت أعين الجيش الإسرائيلي الذي أضاء سماء المخيمات بالقنابل المضيئة.

يُخبرنا الأرشيف أيضًا أن جان جينيه كان حاضرًا، وقد شاء التاريخ أن يصل إلى بيروت في أيام المجزرة بدعوة من المناضلة الفلسطينية ليلى شهيد، فيكون أحد أهم شهودها، مقدِّمًا في نصّه «أربع ساعات في شاتيلا» مرافعةً أدبية بليغة ضد الظلم والطغيان ووحشية الإنسان وهمجيته تجاه أخيه الإنسان. وصف جينيه الفظائع التي شاهدها كما رآها، دون محاولة لتلطيف كلماته كي لا تصدم القارئ. المخيم كان مليئًا بجثث ملقاة في الأزقة الضيقة، والمرور بين تلك الأزقة يتطلب تخطي الجثث المتعفنة التي يغطيها الذباب. أول جثة رآها كانت لرجل في الخمسينيات أو الستينيات من عمره، مفتوحة الجمجمة بضربة فأس، ونخاعه الأسود مسكوب على الأرض. كان الجسد ملقى فوق بقعة من الدم الأسود المتخثر، بينما كانت ساقاه عاريتين بلون بنفسجي وأسود، مما يشير إلى تعفنهما تحت الشمس. ثمة جثث أخرى ليست أقل بشاعة، منها جثة رجل منتفخة بفعل الشمس والحرارة، تحولت ملابسه إلى مجرد قماش ممزق يغطي جسمه المتضخم. وصف جينيه فخذ الرجل المثني وقد ظهرت جروحه التي خَمَّن أنها ناتجة عن سكين أو فأس، وكان الذباب يحوم حول الجرح ويتغذى على بقايا اللحم المتعفن.

أحد المشاهد الأكثر إيلامًا التي وصفها الأديب الفرنسي كان لجثة مسنّة فلسطينية، ممددة على الأرض وسط الركام، ويدها مربوطة بحبل مع ذراعها الآخر وكأنها مصلوبة. وجهها مفتوح، وفمها يغطيه الذباب، وأصابعها العشر مقطوعة وكأنما قُطعت بمقص حاد، يُعلّق جينيه على هذا المشهد قائلًا: «لا شكّ أن جنودًا قد استمتعوا وهم يكتشفون هذا المقص ويستعملونه، ضاحكين مثل أولادٍ يغنون فَرِحين». باختصار؛ لم يكن العنف في مجزرة صبرا وشاتيلا مجرد قتل، بل كان تعذيبًا وحشيًا ممتزجًا بالسادية الوحشية واللامبالاة، وقد سجّل جينيه أيضًا كيف جُرّتْ الجثث وعُذِّبتْ بوحشية؛ بعضها مربوط بحبال، وسُحِب عبر الأزقة قبل أن يُتَخَلّص منها بطرق مهينة. كانت حفلة تعذيب وحشية نُفِّذتْ بدم بارد تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلي، وسوف يقول رئيس وزراء إسرائيل -حينئذ- مناحيم بيجن بعد ذلك العبارة المُستفِزّة، الملأى باللامبالاة وباسترخاص الروح البشرية، التي صدَّر بها جان جينيه نَصّه: «في شاتيلا وصبرا، أشخاص غير يهود ذبحوا أشخاصًا غير يهود، ففي أي شيء يعنينا ذلك؟».

أكثر ما شدني في نص جان جينيه هو رؤيته المختلفة للجَمال، وربطه لدى الفلسطينيين بالمقاومة والصمود والإصرار على الحياة رغم الدمار والخراب. يقول في أحد المقاطع: «إن الوضوح البديهي العجيب لما حدث، وقوة تلك السعادة المرافقة لوجودهم «أي الفدائيين الفلسطينيين»، يسميان أيضًا: الجَمال». يدرك جينيه أن الجمال الفلسطيني ينبع من المقاومة، ومن الحراك الثوري. يجد الشعب الفلسطيني الجمال في نضاله من أجل الحرية. وقد وصف جينيه في مشاهد من النص كيف كانت المقاومة لدى الفلسطينيين تعبيرًا عن الحياة رغم الموت المحيط بهم. يقول في مقطع آخر: «خلال ربيع عام 1971، عندما كنت أزور القواعد الفلسطينية، كان الجمال منتشرا بذكاء وسط غابة تنعشها حرية الفدائيين. وفي المخيم كان الجمال مختلفًا، مكتومًا بعض الشيء، ينشر ظلاله من خلال سيادة النساء والأطفال. كانت المخيمات تتلقى نوعا من الضوء الصادر عن قواعد القتال». بل إن الأديب الفرنسي يلتقط الأمل والإصرار في عيون الناجين من المجزرة، ليرى جمالًا في إنسانيتهم التي لم تُقهَر.

في «أربع ساعات في شاتيلا»، قدم جان جينيه شهادة فريدة على واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين. نصٌّ مليء بالغضب، لكنه أيضًا مفعمٌ بالتعاطف العميق والحب للشعب الفلسطيني، الذي عكس نضاله ضد المحتلّ -ولا يزال- أعمق المعاني للتضحية والصمود والكرامة الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السيتي يواجه إنتر ميلان.. وباريس سان جرمان أمام جيرونا

يستعد مانشستر سيتي حامل لقب الدوري الإنجليزي أربع مرات متتالية قياسية، لاستضافة إنتر الإيطالي الأربعاء في مباراته الأولى ضمن مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم بنظامه الجديد، فيما يتطلّع باريس سان جرمان الفرنسي بقيادة مدربه الإسباني لويس إنريكي لانطلاقة جيدة أمام جيرونا الإسباني.

هذه المواجهة الأولى بين الفريقين الإنجليزي والإيطالي بعد لقائهما في نهائي موسم 2022-2023 في إسطنبول الذي انتهى بفوز سيتي 1-0 وتتويجه باللقب للمرة الأولى في تاريخه.
وسيكون الموسم الجديد من المسابقة القارية على موعد مع تغيير جذري حيث توسعت المشاركة من 32 فريقاً إلى 36، بنظام مجموعة واحدة يخوض فيها كل فريق ثماني مباريات مع ثماني فرق مختلفة، بواقع أربع على أرضه ومثلها خارج الديار.
هذا التغيير لم يعجب الكثير من اللاعبين، ومن بينهم السويسري مانويل أكانجي مدافع سيتي، وذلك بسبب زيادة عدد المباريات في موسم يشهد أيضاً مشاركة الفريق الإنجليزي في مونديال الأندية بنظامه الجديد الموسّع في الولايات المتحدة.

حملة الدفاع عن اللقب في الموسم الماضي انتهت في ربع النهائي على يد ريال مدريد الإسباني المتوّج لاحقاً بعد الفوز على بروسيا دورتموند الألماني في النهائي.
ويبدو المهاجم النروجي إرلينغ هالاند في أفضل أحواله بعدما سجل تسعة أهداف في أربع مباريات منذ انطلاق الموسم إلى جانب هدف مع منتخب بلاده أمام النمسا ضمن دوري الأمم الأوروبية.
وقد يكون الفريق مكتملاً بعد مشاركة لاعب الوسط الإسباني رودري صاحب هدف الفوز في اللقاء الأخير، لـ45 دقيقة أمام برنتفورد في المباراة الماضية ضمن الدوري، وذلك عقب تعافيه من إصابة تعرض لها في نهائي كأس أوروبا أمام إنجلترا.
وشهدت المباراة الأخيرة مشاركة أساسية أولى أيضاً لكل من الظهير كايل ووكر وقلب الدفاع جون ستونز.
قال المدرب الإسباني بيب غوارديولا: "دخل رودري ولعب بشكل جيد. خاض 45 دقيقة وسألته عن شعوره وقال إنه جيد. إنه لاعب مهم جدا بالنسبة لنا".
في المقابل، لم تكن انطلاقة إنتر مميزة في الدوري ولو أنه لم يخسر، لكنه تعثّر أمام مونتسا وجنوى.
وتبقى عودة المدافع الهولندي ستيفان دي فري إلى صفوف الفريق ومشاركته لأول مرة هذا الموسم، النقطة الإيجابية الأبرز بالنسبة إلى المدرب سيموني إنزاغي.
- سان جرمان يتطلّع لانطلاقة إيجابية -
لم يتحقق حلم باريس سان جرمان بالتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا بصيغته السابقة، وهو يتطلّع أن تحمل الجديدة الفرج للنادي الفرنسي الذي بدأ الموسم في الدوري بأربعة انتصارات متتالية، وسيكون ضيفه جيرونا الإسباني اختباره القاري الأول.
كان الفريق المملوك قطرياً تغلب على بريست وليل بنتيجة واحدة 3-1، وكلاهما يشاركان في دوري الأبطال هذا الموسم.
قال المدرب إنريكي قبل المواجهة مع ليل في المرحلة الثالثة "سيلعبون في دوري أبطال أوروبا، لذا نحن نتوقّع مباراة على مستوى المسابقة ومن المشوّق دائما لعب مباريات مثل هذه".
ويأمل الفريق الباريسي أن يُسجّل في هذه المباراة حتى لا يحقق رقماً سلبياً تاريخياً بالنسبة له، وهو عدم التسجيل في ثلاث مباريات متتالية ضمن المسابقة (امتدادا من الموسم الماضي)، علماً أن فريق إنريكي سجل 16 هدفاً في أربع مباريات ضمن الدوري، وذلك على الرغم من رحيل نجمه الهداف التاريخي كيليان مبابي إلى ريال مدريد في الصيف.
في المقابل، يغيب عنه الحارس الإيطالي جانلويجي دورناروما بسبب "انزعاج عضلي" في الفخذ الأيمن".
أما جيرونا الذي كان مفاجأة الموسم الماضي باحتلاله المركز الثالث في الدوري، يشارك للمرة الأولى في المسابقة الأوروبية ولا يبدو أنه بنفس القوة التي أظهرها بعدما خسر هدّافه الأوكراني أرتيم دوفبيك لروما الإيطالي، ولاعب الوسط أليكس غارسيا لباير ليفركوزن الألماني.
فاز الفريق في مباراتين وخسر مثلهما وتعادل مرة في الدوري منذ انطلاقه. مباراته الأخيرة انتهت بسقوط كبير أمام ضيفه برشلونة 1-4.
بدوره، يلعب الوصيف دورتموند أمام مضيفه كلوب بروج البلجيكي في أول مباراة للمدرب الجديد نوري شاهين ضمن المسابقة.
وكان الفريق بدأ بشكل جيد بتحقيق ثلاثة انتصارات وتعادل في الدوري، ويأمل بتحقيق نتيجة إيجابية جديدة أمام كلوب بروج بعد فوزه عليه ثلاث مرات في آخر أربع مواجهات تعادلا في واحدة منها.
ويلعب بولونيا الإيطالي في المسابقة لأول مرة بعد انتظار دام 60 عاماً، وستكون مباراته الأولى أمام ضيفه شاختار دانييتسك الأوكراني، فيما يحلّ سالزبورغ النمسوي ضيفا على سبارتا براغ التشيكي، ويستضيف سلتيك الاسكتلندي سلوفان براتيسلافا السلوفاكي.

مقالات مشابهة

  • إقالة مدرب روما دي روسي
  • وزير المالية فشل في الرد علي الأسئلة التي كانت تندفع نحوه كالسيل جعلته في حالة توهان وغياب تام عن المشهد الدراماتيكي !!..
  • مصدر لبناني: أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت مفخخة بشكل مسبق
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • وكأن المحن التي تعصف بهم ليست كافية: انتشار القوارض والحشرات يهدد صحة الفلسطينيين في غزة
  • السيتي يواجه إنتر ميلان.. وباريس سان جرمان أمام جيرونا
  • آرسنال يقضي على توتنهام في ديربي لندن
  • أرسنال يضرب توتنهام برأسية جابرييل
  • "ديربي لندن".. آرسنال يقضي على توتنهام
  • مبابي: محظوظ باللعب بجوار فينيسيوس جونيور