علينا أن نعرف عدونا الحقيقي بعد أن أسْلمنا إليه مقاليد حياتنا الاقتصادية والسياسية وكان سببا لكل ما حل بأوطاننا من أهوال، لم تكن القضية الفلسطينية وحدها هي الموضوع الرئيس الذي انخرطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية لكي يتبين لنا أننا لا نواجه إسرائيل وحدها بل المواجهة الحقيقية كانت مع من يدعمها بالسلاح والأموال والتكنولوجيا، ولم تكن فلسطين القضية الوحيدة التي أعلن قادة الولايات المتحدة الأمريكية وآخرهم الرئيس بايدن أن إسرائيل وُجدت لتبقى، ولو لم تكن موجودة فمسؤوليتنا أن نسعى إلى وجودها وأن ندافع عنها وأن نحميها من أعدائها، علينا أن نستوعب خلال العقود الأخيرة ما أصاب العرب وأوطانهم من فوضى وانقسامات بين أبناء الوطن الواحد، لقد آن الأوان لكي نتعرف على عدونا الحقيقي الذي كان وراء كل ما حل ببعض أوطاننا في العراق وليبيا واليمن وسوريا ولبنان والصومال وأخيرا السودان، ولا نعرف غدا ماذا سيحدث لباقي أوطاننا العربية.
لعل القضية الفلسطينية هي الدرس الأكبر، فطوال ما يقرب من عام والقصف متواصل بكل الأسلحة الفتاكة التي تهدم البيوت وتحصد الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، بينما رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيته يعلنان كل يوم أنهما يخوضان مفاوضات مستمرة بهدف وقف إطلاق النار واستعادة الأسرى، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها على غزة والضفة الغربية بأحدث الأسلحة الأمريكية الفتاكة التي تحيل المباني الآمنة إلى أكوام من الأنقاض، لم يُستثن منها المدارس والمستشفيات والمؤسسات المدنية الخدمية، ولا يمكن لعاقل أن يقنع بأن أمريكا تقوم بدور الوسيط بهدف وقف إطلاق النار، والعمل على حل القضية حلا سياسيا بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وفقا لقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ومن الطبيعي أن تواصل إسرائيل عدوانها لكي تقضي على ما تبقى من بشر وحجر وشجر، في سبيل جعل غزة مكانا مؤهلاً لإعادة احتلاله، لكي يكون ومعه الضفة الغربية جزءا من إسرائيل الكبرى التي لم تحدد حدودها بعد.
مساء ٩ سبتمبر ٢٠٢٤ ، أقام نائب وزير الخارجية الأمريكي مؤتمراً صحفياً ضاعف من قناعتنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الحقيقي بصرف النظر عن تصريحات الرئيس بايدن ووزير خارجيته، وقد صرح في كل المناسبات بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل جاهدة على وقف إطلاق النار وإعادة الأسرى الإسرائيليين، والسعي لحل القضية بما في ذلك إقامة دولتين متجاورتين، وهي تصريحات تتعارض مع السياسات العملية على الأرض، والتي كشفها بوضوح نائب وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي، وقد راح الصحفيون يلاحقونه بأسئلة صريحة من قبيل: ماذا فعلتم بشأن إطلاق النار على مواطنة أمريكية من أصل تركي (عائشة نور)، والتي كانت تمارس عملها في إحدى المنظمات الأهلية بالضفة الغربية، وقد أطلق عليها جندي إسرائيلي النار فأرداها شهيدة؟ أجاب نائب الوزير: علينا ألا نتعجل نتائج التحقيق، وقد ردت عليه إحدى الصحفيات قائلة: لقد شاهد الجميع الجندي وهو يطلق النيران من فوهة بندقيته ومن مسافة قريبة من الضحية. أجاب الرجل بكل بجاحة: هل لديكم دليل على أن القاتل من الجانب الإسرائيلي. وعندما راح الصحفيون يلاحقونه بالأسئلة من قبيل ماذا فعلتم بشأن مقتل الصحفية (شيرين أبوعاقلة) وهل توصلتم لنتائج بشأنها؟ وكان الصحفيون على درجة عالية من الشجاعة حينما قال له بعضهم إن ما يعنيكم هو هوية القاتل وليس هوية المقتول!
لم يكن باستطاعة إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو إلا مواصلة الكذب والتضليل الذي تمارسه إسرائيل وقادتها العنصريون المتشددون، وكان نائب وزير الخارجية الأمريكي يجيب على أسئلة الصحفيين ليس باعتباره دبلوماسيا أمريكيا بل واحدا من رجالات الدولة اليهودية، فلم يعط اهتماما بأسئلة الصحفيين وهم يلاحقونه بالأسئلة عن هدم المنازل على ساكنيها وسقوط الشهداء بالمئات كل يوم وفتح جبهة جديدة في الضفة الغربية وتزويد المستوطنين الإسرائيليين بالأسلحة، والاستيلاء على أراضيهم عنوة وإطلاق النار على السكان الآمنين. كان هذا المؤتمر الصحفي نموذجا للفشل وضعف الحجج التي يرددها الساسة الأمريكيون، وجميعها تعدّ دليلا واضحا على أن أمريكا ضالعة في كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
اللافت للنظر مقدرة رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو) على الكذب والتلفيق، والإصرار على مواصلة القتل والتدمير، لدرجة أن الحياة في غزة لم تعد تطاق بشهادة كل المراقبين الدوليين، وفي مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أسبوعين راح يقدم مبررات واهية لمواصلة الحرب والدمار، رغم أن قادة جيشه وأجهزته الأمنية قد نصحوه بأنه لا أمل في استعادة الأسرى إلا بالتفاوض، ورغم ذلك فالرجل يُصر على مواصلة القتل والدمار، وفي محاولة لاستمالة مشاعر الشعب الإسرائيلي لموقفه راح يقدم ما أسماه بالوثائق التي قال بأن أجهزته الأمنية قد وجدتها على أحد المواقع الإلكترونية، وهي مكتوبة باللغة العربية، وقد راح الرجل يعرضها في مؤتمره الصحفي باعتبارها وثيقة بخط يد قائد حماس (يحيي السنوار) أو أحد رجالاته، والتي تنص على ضرورة قتل الأسرى أو العمل على إخراجهم إلى مصر أو إيران، وهو كلام لا دليل عليه ولا تحمل الأوراق اسم السنوار أو أحد رجالاته وإنما الهدف هو شحن الرأي العام الإسرائيلي وإحراج المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تعترض على سياسات نتنياهو، وخصوصا فيما يتعلق بمعبر فيلادلفيا الذي احتلته إسرائيل مخالفة في ذلك اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها، لعلها تهدف إلى إحراج مصر وإدخالها في أتون الحرب.
كيف لإسرائيل أن تعيش وسط هذا المحيط العربي الغاضب، الذي يصعب السيطرة عليه من شعوب عربية أصابها اليأس والمرارة وهم يرون أهلهم في غزة والقطاع يستشهدون كل يوم ولا تحرك حكوماتهم ساكنا، وإذا كان ما أقدم عليه أحد المواطنين الأردنيين من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وفي اليوم التالي أقدم أحد الجنود المصريين على مداهمة تجمع عسكري إسرائيلي بسيارته نجم عنه عدد من القتلى والجرحى، وسوف يستمر هذا العمل ما بقيت إسرائيل تواصل عدوانها على شعب أعزل لا يملك أبسط وسائل الدفاع عن نفسه، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الراعي والكفيل الحقيقي لإسرائيل أن تُقدم على موقف سياسي إنساني يُخرج المنطقة من هول ما يمكن أن تواجهه إسرائيل، لأن الكيل قد زاد عن حده، ومن المتوقع أن تضرب الشعوب العربية عرض الحائط بسياسات حكامها، وتواجه بصدورها العارية هذا العدوان، ساعتها سوف تتحول كل الحدود الإسرائيلية إلى نيران لا تبقي ولا تذر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
ابو الغيط يستنكر استخدام الولايات المتحدة للفيتو لمنع وقف اطلاق النار في غزة
استنكر احمد ابو الغيط الامين العام لجامعة الدول العريية استخدام الولايات المتحدة لحق النقض في مجلس الامن لوقف قرار أيدته اربع عشرة دولة عضوا في المجلس يطالب بوقف اطلاق النار في غزة وبادخال المساعدات بشكل عاجل الى القطاع.
ونقل جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الامين العام عن ابو الغيط تأكيده ان هذا الموقف الامريكي، المعزول دوليا والمدان سياسيا واخلاقيا، هو بمثابة ضوء اخضر لاسرائيل للاستمرار في الحملة الدموية على المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك استمرار سلاح التجويع والتهجير القسري داخل القطاع بهدف افراغ الشمال من سكانه.
وشدد أبو الغيط على ان الولايات المتحدة، عبر استخدامها حق النقض، ترسخ العجز الأممي في مواجهة اخطر صراع في المنطقة، وتشجع الاحتلال على مواصلة الحرب تحقيقا لخطط اليمين الاسرائيلي المتطرف ومخططاته التي تشمل الضم واعادة الاستيطان.
واوضح المتحدث الرسمي ان استخدام الولايات المتحدة للفيتو للمرة الرابعة في مواجهة قرار لوقف العدوان على غزة يعزز من اخلال مجلس الامن بمسئولياته حيال صيانة الامن والسلم الدوليين، ويضعف المنظومة الأممية ويقوض الثقة فيها.