تاريخ السودان في مزادات البيع
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
تاريخ السودان في مزادات البيع
فيصل محمد صالح
تناقلت الأخبار في الأسبوع الماضي معلومات مزعجة عن سرقة ونهب آثار السودان من متحف السودان القومي، وعرضها للبيع في بعض دول الجوار وفي مواقع المزادات الافتراضية.
أثار الخبر انزعاجاً كبيراً بين علماء وخبراء تاريخ وحضارات السودان القديمة، والمهتمين بالشأن العام من كل الاتجاهات، فالأمر هنا ليس جدالاً سياسياً قد تختلف فيه الآراء والمواقف، لكنه إرث وحضارة بلد عريق قد تتعرض للضياع في هوجة الحرب التي تضيع فيها كل يوم أرواح السودانيين ومواردهم.
توالت الاتصالات والمتابعات مع المهتمين وخبراء وعلماء الآثار والتاريخ ومسؤولين سابقين وحاليين في هذا المجال لاستجلاء الأمر، وبحث ما يمكن عمله لحماية آثار السودان وسبل استعادة ما يمكن أن يكون قد تم سرقته وبيعه.
أجمع معظم المتخصصين والخبراء الذين بحثوا ودققوا في الصور التي رافقت الخبر في عدد من الأجهزة الإعلامية والمواقع الإخبارية، وقيل إنها لآثار معروضة للبيع في بعض المواقع، على أنها ليست من مقتنيات متحف السودان القومي، وربما لا تكون من الآثار السودانية المحفوظة في أي مكان.
لكن بالطبع فإن نفي أن تكون الصور محل التعليق صحيحة لا ينفي إمكانية حدوث عملية السلب والنهب، فمتحف السودان يقع في إحدى مناطق الحرب التي اشتعلت منذ اليوم الأول، وهي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ولهذه القوات سجل كبير في عمليات السلب والنهب والتدمير للممتلكات الخاصة والعامة، ومن ثم فإن احتمالية وقوع الحدث كبيرة، وإن كانت تحتاج لمزيد من التدقيق والبحث حتى لا يقع الناس أسرى الحرب الإعلامية والمعنوية بين الطرفين المتقاتلين.
قالت الأخبار مثلا إن هناك صوراً بالأقمار الاصطناعية لشاحنات محملة بهذه الآثار متجهة لبعض دول الجوار، ومنها دولة جنوب السودان، وهو ما قالته مسؤولة هيئة المتاحف والآثار الحالية. لكن لم تقدم أي من الأجهزة الإعلامية الداخلية والخارجية أي صور تثبت حدوث الأمر، كما أن الخبراء الذين تواصلوا مع هيئة اليونيسكو لم يجدوا منها تأكيداً على ذلك.
واستعاد الناس صوراً ومقاطع فيديو سابقة نشرت في العام الماضي لجنود من الدعم السريع وهم يبحثون في مخازن المتحف القومي ويقلبون الآثار والمومياوات الموجودة بعدم معرفة واهتمام بقيمتها.
متحف السودان القومي بدأ بوصفه جزءاً من مباني جامعة الخرطوم، ثم انتقل لمكانه الحالي عام 1971، بعد أن استمر العمل فيه لسنوات طويلة وتم نقل بعض آثار منطقة الشمال النوبي التي غرقت بعد قيام السد العالي. ويضم المتحف مقتنيات لا تقدر بثمن من آثار العصور القديمة والممالك السودانية النوبية القديمة، كرمة ومروي، ثم ممالك العصر المسيحي نبتة وعلوة والمقرة وصولاً للمالك الإسلامية. وتمت إعادة بناء المعابد التي نقلت من منطقة بحيرة السد العالي، بجانب وجود عدد من التماثيل التي تجسد مراحل تاريخ السودان القديم، ومنها تمثال الملك السوداني العظيم تهراقا.
سواء أوقعت حادثة سرقة ونهب مقتنيات المتحف القومي أم لم تحدث بالطريقة التي تم عرضها في إطار الصراع السياسي، فإن المهتمين بتاريخ السودان يجب ألا ينتظروا أكثر من ذلك، ويجب عليهم القيام بخطوات استباقية يستندون فيها لقوانين وقرارات دولية سابقة يمكن الرجوع إليها واعتمادها مرجعيةً لقفل الطريق أمام تسويق وبيع أي آثار ومقتنيات سودانية. من هذه المراجع اتفاقية اليونيسكو لعام 1970 لمنع الاتجار غير المشروع في الآثار والمقتنيات المسروقة التي وقعت عليها أكثر من 140 دولة، والآليات والقرارات الملحقة بها مثل القائمة الحمراء للممتلكات الثقافية المعرّضة للخطر الصادرة عن المجلس الدولي للمتاحف، وقاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية المسروقة. وهناك كذلك سابقة دولية مهمة متعلقة بالعراق وسوريا، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2199 لعام 2015 بمنع الاتجار في آثار هذين البلدين اللذين تعرضا لنهب وسرقة المتاحف بعد احتلال العراق واندلاع الحرب الأهلية في سوريا. وقد تجاوبت دول كثيرة مع القرار وأوقفت عمليات بيع كبيرة وصادرت المقتنيات وأعادتها للدول المعنية. ويمكن مخاطبة اليونيسكو والمجتمع الدولي لاتخاذ قرارات مماثلة، وهذا عمل وطني لا يستوجب أن يكون للشخص موقع أو وظيفة معينة.
ربما يكون حاضر السودان، حتى قبل الحرب، لا يسرّ، بلد تحاصره الأزمات والتقلبات السياسية والنزاعات المسلحة والاشتباكات القبلية، مع وضع اقتصادي منهار، هذا ما أورثناه للأجيال الجديدة، لكن كان العزاء أننا سنحافظ على ماضٍ عظيم يكون مرجعاً لهم، ونافذة أمل في أن ما كان من حضارات عظيمة قبل آلاف السنين في هذا البلد يمكن أن يعود، فإن فقدنا حتى هذا الأمل فماذا بقي لنا؟
الوسومآثار السودان فيصل محمد صالح
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار السودان فيصل محمد صالح
إقرأ أيضاً:
النائبة هند رشاد: الأمن القومي المصري خط أحمر ولا يمكن لأحد المساس به
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أدانت النائبة هند رشاد أمين سر لجنة الاعلام والثقافة بمجلس النواب التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، مؤكدة أن هذه الدعوات غير مقبولة وتتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية.
وأكدت “رشاد” دعمها الكامل لموقف مصر الثابت والراسخ برفض تهجير الشعب الفلسطيني تحت أي ظرف كان، معتبرة أن أي مشروع يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري أو الطوعي هو جريمة لا يمكن قبولها من القيادة والحكومة والشعب المصري.
وأشارت النائبة إلى أن الأمن القومي المصري خط أحمر، ولا يمكن لأحد المساس به تحت أي مسمى، كما شددت على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أكد مرارًا على موقف مصر الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكدت هند رشاد أن مصر ستظل ملتزمة بموقفها الثابت في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وأنها ستواصل دعم الجهود الدولية الهادفة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، بما يضمن حقوق جميع الشعوب، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني."
وأوضحت رشاد أن مصر ترفض تمامًا أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، سواء كانت عبر التهجير الطوعي أو القسري لأهالي غزة، مشيرة إلى أن تلك المشاريع تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها وإضعاف حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ولفتت إلى أن أي مشروع يهدف إلى المساس بكرامة الشعب الفلسطيني أو تدنيس حقوقه في أرضه هو جريمة نكراء ولا يمكن لمصر أن توافق عليها تحت أي ظرف من الظروف.
واختتمت النائبة هند رشاد تصريحها بتأكيد على أن مصر ستظل دومًا في مقدمة المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، وستواصل دعم كل الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، يضمن حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة."