لجريدة عمان:
2024-09-18@11:27:53 GMT

المدائح النبوية في حب رسول الله

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

المدائح النبوية في حب رسول الله

(1)

لا تخلو مناسبة دينية إسلامية من استدعاء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو نبي الإسلام وخاتم المرسلين، المبلغ عن ربه مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله برسالة السلام والمحبة والإنسانية..

وذكرى مولده صلى الله عليه وسلم أحاطها المسلمون بعنايتهم، ووجهوا اهتمامهم بكل شوقهم ومحبتهم إلى رسولهم للحديث عنه صلى الله عليه وسلم، والتفنن في التعبير عن هذا الشوق وهذه المحبة وهذا الغرام بخير خلق الله، باستدعاء سيرته الشريفة والتفنن في عرضها وترجمتها إلى أشكال وفنون من الإبداع الشعري والنثري، كان من حصيلته ظهور فن «المدائح النبوية» أو «فن المديح النبوي» في الأدب العربي.

(2)

«المدح أو المديح أو المدحة»، في العموم، وكما عرفها أساتذة الأدب العربي، فن الثناء والإكبار والاحترام، قام بين فنون الأدب العربي مقام السجل الشعري لجوانب من حياتنا التاريخية، إذ رسم نواحي عديدة من أعمال الملوك وسياسة الوزراء وشجاعة القادة وثقافة العلماء.. إلخ ما يمتدح به أصحاب العزائم والمناقب والخصال الكريمة والأفعال الشريفة والأخلاق العالية..

و«المديح النبوي» فرع من «المديح الديني» (بحسب تقسيم المرحوم سامي الدهان وتصنيفه لأنواع المديح في الأدب العربي) فهناك قصائد تمجد الخالق جل علاه، وأخرى تسرد مناقب الأنبياء وطرفا من قصصهم، وإبراز مكامن العظمة والسمو في سيرهم..

لكن جل ما وصلنا من إبداع في هذه الدائرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمديح النبوي؛ وقد كانت القصائد والمطولات من الوفرة والجودة للدرجة التي أفرد لها باحثون ومتخصصون الكتب الكاملة لجمعها وإحصائها أولا، وتصنيفها وترتيبها بحسب أغراضها وبنائها الفني ثانيا، ثم تحليل نماذج منها والوقوف على جمالياتها وما نتج عنها من روافد تشكيلية ولغوية وجمالية خاصة عرفت في العصور المتأخرة بالبديعيات..

(3)

وكان كتاب المرحوم زكي مبارك «المدائح النبوية في الأدب العربي» من الكتب المبكرة التي توفرت على قراءة وتحليل قصائد الشعر العربي منذ عصر النبوة وحتى العصور المتأخرة، إذ صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1935 (بالتزامن مع صدور الطبعة الأولى من كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل).

في هذا الكتاب يقدم صاحب «الأخلاق عند الغزالي» معالجة استقصائية تاريخية تحليلية لأدب المديح النبوي،

معرفا به وراصدا نشأته وظهوره، ومؤرخا لمراحل تطوره وأعلام الشعراء في كل مرحلة، لم يفلت منها قصيدة أو أي نص معتبر في هذه الدائرة.. مستهلا رصده من قصائد حسان بن ثابت الأولى، ودالية الأعشى الشهيرة، ولامية كعب بن مالك التي حازت ما حازت من شهرة وذيوع:

(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول)

مرورًا بظهور مدح آل بيت النبي الذي ارتبط واتصل اتصالا وثيقا بالتطورات السياسية والكلامية والتاريخية والاجتماعية في المجتمع المسلم والدولة الإسلامية التي اتسعت وتوسعت شرقا وغربا.

وهنا يتوقف المؤلف مليا أمام تنويعات من هذه المدائح لكل من الكميت ودعبل والشريف الرضي ومهيار الديلمي، وهي كلها نماذج رفيعة المستوى من الشعر، فيها التصوير وفيها العاطفة وفيها المشاعر الجياشة وفيها أيضا الحمولة المعرفية والثقافية التي اختزنت وقائع وشروط اللحظة التاريخية التي كتبت فيها. وتكاد كل قصيدة منها أو كل نص يمثل انتقالة خاصة أو نقلة نوعية بحسب زكي مبارك في فن المدائح أو في فن المديح النبوي.

(4)

ثم نتابع مع صاحب «النثر العربي في القرن الرابع الهجري» رصده الاستقصائي التاريخي لتطور فن المدائح النبوية حتى نصل إلى محطتها المشرقة البهية وألقها المنير الذي تجلى في قصيدة المديح الأشهر في أدبنا العربي كله، وأقصد البردة للإمام البوصيري، التي قيض الله لها المحبة في القلوب والحفظ في الصدور والترداد عبر العصور ناقلا عن ناقل حتى وقتنا هذا (ويمكن أن نضيف إلى بردة البوصيري كذلك ما عرف في العصور المتأخرة بالبديعيات وأبرز من قدم فيها قصائد ومطولات ابن حجة الحموي، ومثلها مدائح ابن نباتة المصري، وإن لم تنل الشهرة العارمة ذاتها التي نالها البوصيري وبردته).

ويختتم المؤلف كتابه الرائع القيم بالحديث عن المولد النبوي الشريف، وما ارتبط به من ازدهار القول الشعري والنثري على السواء، وما اتصل به كذلك من مظاهر احتفالية (رسمية كانت أم شعبية)، وبخاصة في مصر التي ازدهرت بها هذه المظاهر الاحتفالية بصورةٍ ربما لم تكن بالدرجة ذاتها في أي بقعة أخرى من بقاع العالم الإسلامي..

وسنتوقف قليلًا عند «بردة البوصيري» التي نظمها في القرن السابع الهجري، لأنها نالت ما لم ينله غيرها من قصائد المديح، على كثرتها ووفرتها وجمالها، كما أنها نالت من الاهتمام والحفظ والإنشاد والمعارضة والتشطير.. إلخ، ربما ما لم يحدث مع قصيدة أخرى في تاريخ الشعر العربي عمومًا، وفن المدائح النبوية بشكل خاص.

تفيدنا مصادر الأدب العربي، وتاريخه وتاريخ الشعر، بأن محمدًا بن سعيد البوصيري (من شعراء القرن السابع) قد وضع عددًا من القصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطال في بعضها حتى بلغ في «الهمزية» مثلا ما ينيف على الأربعمائة بيت، بسط فيها حياة النبي وفضائله ومزاياه، ورسم مولده في الليلة الغراء التي وضعته فيها آمنة بنت وهب، ثم بسط النسب الشريف وما أحاط بولادته من خوارق ومعجزات، ثم بسط القول في معجزة الرسول الكبرى ألا وهي القرآن الكريم، من رقيق اللفظ ورائق المعنى.. إلخ ما قال في الفضائل والشمائل النبوية وأخلاق الرسول الكريم وما أثر عنه صلوات الله وسلامه عليه.

(5)

أما قصيدة البردة؛ فهي بإجماع مؤرخي الأدب ونقاد الشعر وأصحاب الرأي فيه، هي أهم القصائد بين المدائح النبوية، فهي أولًا قصيدة جيدة، وهي ثانيًا أَسْيَرُ قصيدة في هذا الباب، وهي ثالثًا مصدر الوحي لكثير من القصائد التي أنشئت بعد البوصيري في مدح الرسول، بحسب زكي مبارك في كتابه وقد خصها بحديثٍ مفصل.

أما سبب تسميتها بالبردة فقد أوضحه لنا البوصيري نفسه؛ إذ يقول إنه قد أصيب بفالج أقعده، فدعا إلى الله وتشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلما كان في نومه رأى النبي فمسح وجهه بيده المباركة، وألقى عليه بردة، فانتبه فإذا هو قد شفي من مرضه، فنظمها وسماها لذلك «البردة» تيمنا وتبركا. وسارت قصتها وذاعت بين العالمين، فأنشدها الناس كذلك تيمنا وتبركا. والقصيدة تنيف على مائة وثمانين بيتا، فيها صلوات على النبي ووقوف الأنبياء ببابه يلتمسون الرضا، ويتشفعون به صلى الله عليه وسلم.

وتقع «البردة» في اثنين وثمانين ومائة بيت (182)، فهي من القصائد الطوال، وأغلب الظن عند زكي مبارك أن البوصيري قد استأنس عند نظمها بميمية ابن الفارض، ويستدل على ذلك بتشابه المطلعين، مطلع قصيدة ابن الفارض ومطلع قصيدة البوصيري (ويضيق المقام عن إيرادهما لحدود المساحة).

وتشتمل البردة على عدة عناصر: ففي صدرها النسيب، ويليه التحذير من هوى النفس، ثم مدح النبي، والكلام عن مولده ومعجزاته، ثم القرآن، والإسراء والمعراج، والجهاد، ثم التوسل والمناجاة.

والنسيب في البردة يتصل بالشوق إلى المعالم العربية، وقد لام زكي مبارك البوصيري على هذا في كتابه «الموازنة بين الشعراء» ثم تبين له فيما بعد أنه اختار تلك المواطن لصلتها بمولد الرسول، وخاصة «إذا لاحظنا أن النسيب لم يُقصد لذاته حتى يتحدث الشاعر عن هواه في بلبيس أو فاقوس، وإنما هو نسيب وقع موقع التمهيد لقصيدة دينية، ولولا حرص الشاعر على متابعة القدماء في افتتاح القصائد بالنسيب لما كان للتغزل في مثل هذه القصيدة مكان».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم المدائح النبویة المدیح النبوی الأدب العربی زکی مبارک

إقرأ أيضاً:

فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم

قال الله سبحانه وتعالى { إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أيُّها الذينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسليمًا } (سورة الأحزاب : 56 ). ولكن ما هو فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول العلماء : الصلاة على النبي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين دعاء، فالمطلوب منا أن ندعوَ الله أن يَزيد من تعظيمه وإكرامه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم . وإذا كانت النصوص قد أكّدت أن الله سبحانه أعطى لنبيِّه صلّى الله عليه وسلم من المكرُمات ما لا يمكن حصره إلا أنَّ طلبَنا هذا من الله لنبيِّه يُعَدُّ تعبيرًا عن مدى حُبِّنا له، وحبنا للرسول علامة من علامات صدق الإيمان، فقد ورد في الحديث ” لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكون أحَبَّ إليه من والدِه وولدِه ومن النّاسِ أجمعينَ ” كما جاءت روايات أخرى في هذا المعنى .

مواقيت الصلاة في عدد من المدن والمحافظات اليوم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة

 وقال ابن عبد السلام : ليست صلاتُنا على النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ شفاعة له، فإن مثلَنا لا يَشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة مَن أحسن إلينا، فإنْ عجزنا عنها كافأْناه بالدعاء، فأرشدنا الله، لمّا علم عجزنا عن مكافأة نبيِّنا، إلى الصّلاة عليه . وفي مدى مشروعيّة هذه الصلاة أقوال : أحدها أنّها تجب في الجملة بغير حصر ، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة، والثاني أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، والثالث تجب كلما ذُكر، والرابع تجب في مجلس، والخامس تَجِب في كل دعاء، والسادس تجب في العمر مرة، في الصلاة أو في غيرها، ككلمة التوحيد، والسابع تجب في الصلاة من غير تعيين المحلّ، والثامن تجب بعد التشهد، إلى غير ذلك من الأقوال. وقال جماعة : إنها مستحَبّة وليست واجبة. والبحث في أدلّة هذه الأقوال وترجيحها يمكن الرجوع إليه في كتب السيرة والحديث .

 وهذه الصلاة تؤدَّى بأية صيغة كانت، وأفضلها ـ كما قال كثير من العلماء هي الصلاة الإبراهيميّة التي تُقال بعد التشهد الأخير في الصلاة، لأن الأحاديث الصحيحة وردت في أنها هي التي علَّمها النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لأصحابه عندما سألوه عقِب نزول الآية المذكورة، وفي ألفاظ هذه الصلاة الإبراهيميّة خلاف يسير جاءت به الروايات .

 والفوائد التي نَجنيها من فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها فوائد دينيّة تتعلق بمضاعفة الأجر والثواب، والأحاديث المرغبة فيها كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم ” من صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ” رواه مسلم ، وقوله ” ما من أحد يُسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ رُوحي حتى أردّ عليه السلام ” رواه أبو داود ، وقوله ” أولى الناس بي يوم القيامة أكثرُهم عليَّ صلاة ” رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وقوله ” البخيل مَن ذُكِرْتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ ” رواه الترمذي وقال : حسن صحيح . هذا وقد قال النووي ” الأذكار ص120 ” : إذا صلّى أحد على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: صلّى الله عليه فقط ولا عليه السّلام فقط. ويُسَنُّ عند الدعاء أن يبدأ بالحمد لله أو بتمجيده والثناء عليه ثم يصلِّي على النبي ثم يدعو ثم يختم بالصلاة عليه، والآثار في ذلك كثيرة .

 

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم
  • بمسرح كامل العدد.. أحمد الكحلاوي يشدو بأجمل المدائح في حفل المولد النبوي بالإسكندرية
  • هل يجوز التسبيح باليد اليسرى؟.. دليل من السنة النبوية
  • بشارة الانجيل بمجيء رسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم..
  • رئيس المجلس العربي للمياه: ‏التحديات التي نواجهها هائلة ولكنها ليست مستعصية على الحل
  • قصيدة في رثاءِ الأخ الأديب الأستاذ / عبدِ الله القِطي
  • وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
  • نيابةً عن جلالةِ السُّلطان.. السيد شهاب يرعى قراءة السيرة النبوية الشريفة
  • المولد النبوي الشريف: احتفاء بالقيم النبوية
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم