لجريدة عمان:
2025-01-23@04:09:19 GMT

مهانة المهنة ... الشاعر في سوق العمل

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

قيل لي إن الشعر لا يُطعم خبزا. نعم إن موهبتكَ جيدة؛ وفي وسعكَ أن تصبح شاعرا أسوأ بقليل من كبار الشعراء، ولكن لا تنسَ أن «أذكى» التلاميذ الذين سيتخرجون من هذه المدرسة عليهم أن يكونوا إما أطباء أو مهندسين.

كنتُ عائدا للتو من قراءة أولى قصائدي على منصة الإذاعة المدرسية في طابور الصباح، ولم يتسنَّ لي بعد أن أتنفس كامل نشوتي بذلك الانتصار الصغير حين داهمتني «النصيحة» من معلم الرياضيات على باب الحصة الأولى.

وحتى وأنا أقف الآن على بعد سنوات ومسافات من البيت والمدرسة، لا أكاد أنسى المواقف الكثيرة التي سمعت فيها المقولة المشهورة عن الشعر والخبز، تلك التي يعاد تدويرها على مسمعي بأشكالٍ مختلفة على سبيل النصيحة، سواء من المعلمين أو من قِبل الأوصياء في العائلة. وللسخرية أنها لاحقتني إلى قاعة المحاضرات بالجامعة من بعض الأساتذة.

بطبيعة الحال لم يكن مساري الجامعي أو احتمالات الوظيفة المستقبلية أكبر همومي حينها. من نظرة إلى نهاية الشارع المرصوف، في انتظار حافلة الصباح، بدا المستقبل مسألة مؤجلة تتسع لأعظم الأحلام. مع ذلك لم أكن لأفكر سوى بكتابة قصيدة أفضل حتى أصبح بالفعل «أسوأ بقليل من كبار الشعراء». ولم يكن أمامي خيار آخر سوى المكابرة بزعم أن الشعراء لا يحتاجون لأكل الخبز أصلا. كان ذلك قبل سنوات قليلة من اكتشافي التاريخي المهول لحقيقة أن الشعراء كائنات حية، لنقل إنهم مبدئيا لا يختلفون كثيرا عن أسماك البحر، حتى وإن كانت أسماكُ حوض الزينة أليقَ تشبيها لبعضهم.

على أية حال فإن هواجسي عن الوظيفة والمكسب ومناخ سوق العمل المأزوم لم تستفق إلا متأخرة نسبيا، ربما بعد سنة أو سنتين من التحاقي بكلية الهندسة في جامعة السلطان قابوس. كنت أعي بأن دراستي للهندسة كانت نوعا من التفاوض مع واقعية المقولة المقيتة التي لا يتورَّع الكثير من المثقفين للأسف عن تكريسها أكثر فأكثر كحقيقة لا مفر منها، بل وتعميمها على مجمل العمل الثقافي، مجددا لأن الثقافة لا تطعم خبزا كما يقولون.

ما كان يشعرني حقا بالتهديد هو رؤيتي للمصائرِ المحزنة التي آلت إليها مواهب عدد من الأصدقاء الأكبر مني؛ فكتاباتُهم التي وعدت بالكثير خلال سنوات الجامعة سرعان ما تلاشت بعد صورة «السلفي» الجميلة بلباس حفل التخرج؛ إذ لم يكد أحدهم يخلع تلك التمصيرة المرتبة بعد الحفل حتى وجد نفسه صباح اليوم التالي واحدا من بين آلاف الخريجين، السابقين واللاحقين، المنتظرين لأدوارهم في الطابور الطويل للباحثين عن العمل.

كنت في مطعم عادة ما يقصده موظفو القطاع الخاص للغداء المتأخر قبل المغرب. صادفت على المدخل أحد أولئك الذين عرفتهم أيام الجامعة. كان موهبة ولادة للاستعارات ومخيلة منفتحة على الصور الشعرية الغريبة، وتذكرت هوسه برائحة الكتب الجديدة التي يهرع بها فورا من معرض الكتاب إلى غرفته الصغيرة بالخوض ليتفحَّص فيها رائحة الورق. سألته إن كان قد استقال من الكتابة للأبد؟ بل تقاعدتُ، هكذا رد على السؤال المباغت بسرعةِ بديهةٍ لم تفارق منطقَه يوما. أصبح موظفا في إحدى الشركات الثقيلة بالسوق، تقاعد من الكتابة - على حد تعبيره - ليمتهِن المهنة البعيدة عن تخصصه الدراسي، أي نعم، لكنها الآن محور حياته ومصدر عيشه، وأن يكون مديرا للمشاريع فيها فتلك أمنية تستحق التضحية برائحة الكتب والركض خلف سراب الاستعارات.

لست هنا لأحكي حكاية شخصية، فمن المؤكد أن النصيحة التي سمعتها، على واقعيتها البغيضة، قد صادفت آذان غيري في بواكير تفتُّح الموهبة وسنوات التجريب والتخريب الأولى من مغامرة الكتابة، منذ هولدرين إلى رامبو الشقي الذي توسَّل أمه من أجل بعض الفرنكات ليذهب بديوانه الأول للناشر: «سيُباع عدد جيد من كتابي، وسيعود علي بخمسمائة فرنك. لو أعطيتني المصاريف الأولية فسأكون في وضع أستطيع فيه أن أدفع أجور الطباعة بنفسي». لم تكن الأم تدرك جدوى ما يفعل الصبي من كتابته «قصصا ليس لها معنى أو داعٍ» بدلا من استثمار الفرنكات في قطعة أرض. في كتابه «رامبو الشاعر والإنسان» يخبرنا بيير بتفيز بالحكاية نقلا عن إيزابيل، شقيقة رامبو: «طلب رامبو من أمه أن تلقي نظرة على مخطوطة الكتاب، لكنها لم تفلح في العثور على رأس أو ذنب منها».

الأم: «ماذا تريد أن تقول»؟

رامبو: «أردت أن أقول ما تقوله المخطوطة، حرفيا ومن جميع النواحي».

ما الذي يمكن قوله إذن عن علاقة الشاعر العربي، أو المثقف عموما، بقلق المهنة وهاجس المال؟ عن دوامة الإهانات والتنازلات، من المهد إلى اللحد، سعيا للعيش الكريم ووفاء للكتابة في حياة واحدة؟ من المرعب والمحزن أن أتذكر كيف شرَّدت مهانة المهنة حياة واحد من أهم تجارب الشعر العربي في العصر الحديث، بدر شاكر السيَّاب. ففوق هشاشة الجسد المريض والحرمان من الحب ونكال الحياة الحزبية ومؤامراتها ذاق السيَّاب مرارات تأمين القوت وقسوة أرباب العمل. استحضرتُ مأساة السيَّاب مجتمعة حين صادفت على الإنترنت وثيقة مصورة تعود لتاريخ 12 أغسطس 1964، إخطار من المدير العام لمصلحة الموانئ العراقية يقول: «إلى السيد بدر شاكر السيَّاب: بناء على انتهاء إجازتك المَرضية وتغيبك عن العمل منذ يوم 1964/7/9 فإننا نخطرك بوجوب التحاقك بالوظيفة خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ نشر هذا الإخطار وبعكسه فسوف تُعتبر مستقيلا من الخدمة استنادا إلى أحكام الفقرة (2) من المادة 37 من قانون الخدمة المدنية». في ذلك التاريخ المذيَّل بالإخطار كان مُجدد القصيدة العربية يحتضر منفيا ووحيدا ومطرودا من الوظيفة في المستشفى الأميري بالكويت حتى وفاته في 24 من ديسمبر 1994 عن 37 عاما فقط.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حفلات ختام يناير 2025| كاظم الساهر مع جمهوره في الإمارات

يستعد القيصر كاظم الساهر لحفله الغنائي الجديد في الإمارات، ضمن سلسلة الحفلات الستوشية المقامة هناك مع نجوم الغناء العربي.

 

موعد ومكان حفل كاظم الساهر 

يقام الحفل في 30 يناير داخل قصر الإمارات بالعاصمة أبو ظبي، وتم طرح التذاكر عبر الموقع الإلكتروني الخاص بها.

 

طرح كاظم الساهر في مطلع العام الماضي ألبوم “مع الحب” بعد غياب طويل عن انتاج الألبومات الكاملة، ضم 13 أغنية وهم "يا وفية، يا قلب، بيانو، معك، تاريخ ميلادي، رقصة عمر، لا تظلميه، تراني أحبك، أعود، الليل، مررت بصدري، لا تسألي، لا ترحلوا"

ليسجل الساهر عودته لطرح ألبوم غنائى جديد بعد 8 سنوات من طرح آخر ألبوماته "كتاب الحب" عام 2016.

يضم ألبوم مع الحب عدد مميز من القصائد بكلمات أكبر الشعراء “ نزار قباني وكريم العراقي، بجانب بعض من كلمات كاظم الساهر، وبمشاركة “ياسر البيلي، دارين شبير، داوود الغنام، خليل عيلبوني، وآخرون”.

تجوّل كاظم الساهر مع أغاني الألبوم ونجاحه في عدد كبير من الدول العربية والعالمية، على وجه التحديد في مصر التي عاد لإحياء حفلات جماهيرية مع أغاني ألبومه الجديد.

بعد ظهوره المؤثر في joy awards.. عبد الله الرويشد بمهرجان فبراير الكويت 2025 مواهب الأوبرا تحتفل بعيد الشرطة وثورة ٢٥ يناير على مسرح الجمهورية حسين الجسمي.. مشاهدات أغنية "عايز تمشي" خلال 24 ساعة "عايز تمشي" أحدث إصدارات حسين الجسمي الغنائية (فيديو) فيلم يونان للمخرج أمير فخر الدين في عرضه العالمي الأول بمهرجان برلين السينمائي عبد المجيد عبد الله يلتقي جمهوره في 3 حفلات متتالية بالبحرين الشامي| 15 مليون مشاهدة لأغنية "دكتور" في وقت قياسي ليلة في حب العندليب لمواهب الأوبرا بمعهد الموسيقى العربية موسم الرياض 2025.. أمسية شتوية لـ أحلام مع جمهورها (الخميس) خروج سيف علي خان من المستشفى وسط حراسة مشددة.. صور

 

كاظم الساهر

ولد كاظم بن جبار إبراهيم السامرائي يوم الخميس 18 صفر 1377 هـ الموافق 12 سبتمبر 1957 م في مدينة الموصل، نشأ في بيت بسيط جدًا وسط عائلة تتألف من 7 أخوة هم: (علي وحسن وحسين وعباس ومحمد وإبراهيم وسالم) وأختين (أميرة وفاطمة)، كان والده يعمل جنديًا في الحرس الملكي وبعد تقاعده انتقلت العائلة من مدينة الموصل إلى منطقة الحرية في بغداد وكان عمر كاظم حينها 10 سنوات.

عاش الساهر محنًا كثيرة بسبب فقره كانت دافعًا له وكانت أساس شخصيته العصامية التي يتميز بها، ولأنه تربى في عائلة فقيرة فقد كان يعتمد على نفسه، فكان يعمل في عطلاته يبيع المثلجات والكتب، وعمل في أحد مصانع النسيج إلى أن جمع ثمن أول آلة موسيقية (جيتار) وكان ثمنها 12 دينارًا، ومن بعدها تعلم العزف على آلة العود، لحّن أول أغنية له بعنوان (أين أنتِ) وهو في سن الثانية عشرة.

تخرج من معهد المعلمين ببغداد، ودرّس الموسيقى للتلاميذ مدة سنة ونصف السنة. عُيّن معلمًا لمادة الفن والموسيقى في مدرسة (كربيش) ومدرسة (بيناتا) في إحدى القرى التابعة لقضاء عقرة شمال العراق أواخر سبعينيات القرن العشرين، دخل بعد ذلك معهد الدراسات الموسيقية ببغداد ودرس بالمعهد لمدة ست سنوات بالتزامن مع قيام الحرب العراقية الإيرانية وكان كاظم جنديًا بالجيش العراقي وأحد أفراد المسرح العسكري.

غادر كاظم من العراق وبدأت مرحلة الغربة عام 1990 حيث عاش في عمّان لمدة سنتين ثم بيروت ثلاث سنوات ثم انتقل في منتصف التسعينيات إلى القاهرة واستقر بها مدةً طويلة، ثم أصبح يعيش بين أربع مدن يتنقل بينها وهي الرباط ودبي وباريس وماربيّا، يحمل كاظم بالإضافة لجنسيته العراقية جنسية كلٍّ من الدولتين كندا وقطر.

بدأ حياته الفنية في عام 1981 حينما غنى أغنية بعنوان (ورد العشق) من ألحانه وكلمات الشاعر يوسف مقصود، عام 1984 أصدر أول ألبوماته بعنوان (شجرة الزيتون)، من كلمات الشاعر أسعد الغريري ثم تعاون مع الشاعر عزيز الرسام، ثم مع الشاعر المعروف كريم العراقي في مقدمة مسلسل (نادية) كانت بعنوان «شجاها الناس» عام 1987، وكانت أولى نجاحاته الفنية عام 1989, في أغنية «عبرت الشط» من كلمات عزيز الرسام، بعدها سافر إلى الكويت ثم الأردن ومن ثم بيروت التي أوحت له بأغانٍ مثل «نزلت للبحر» و«هذا اللون» و«كثر الحديث» و«إنّي خيرتك فاختاري»، وكان أولَ تعاون له مع الشاعر نزار قباني، ومن ثم «زيديني عشقًا» و«في مدرسة الحب» اللتين جعلتاه يعتبر من أفضل مطربي العرب. مما جعل أغانيه ترقى إلى مستوى العالمية. لم يكتفِ الساهر بالغناء والتلحين بل مثّل في مسلسل «المسافر» وكان بطلا له، ويعتبر المسلسل بمثابة ألبوم مصور لتقديم أعمال الساهر.

تم اختيار الفيلم الوثائقي موطني My Country ضمن الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم وثائقي وكان كاظم الساهر قد وضع موسيقى وأغنية «يا وطني يسعد صباحك» للفيلم بعد أن اختاره فريق العمل خصيصًا لذلك. وكاظم الساهر هو الفنان العربي الوحيد الذي غنّى في القاعة الملكية في بريطانيا، وهو الفنان الثاني في العالم بعد مادونا الذي حصل على مفتاح مدينة سيدني.=

مقالات مشابهة

  • حفلات ختام يناير 2025| كاظم الساهر مع جمهوره في الإمارات
  • هذه الدول التي لديها أطول وأقصر ساعات عمل في العام 2024 (إنفوغراف)
  • طريقة عمل شوربة السي فود في المنزل.. 3 وصفات سريعة التحضير
  • شواطئ.. بديعيات حسن طلب
  • 7 دول في الاتحاد الأوروبي تبحث عن متخصصين في هذه المهنة
  • محمد عبده يحتفي بشاعر شاب من جازان ..فيديو
  • اللبنانية الأولى استقبلت السيّدة ميّ ميقاتي في زيارة تهنئة لانتخاب رئيس الجمهورية
  • لجنة القوى العاملة بالنواب توافق على إنهاء اتفاق عمل المتدرب حال عدم صلاحيته لتعلم المهنة
  • قوى النواب توافق على إنهاء اتفاق العمل لعدم صلاحية المتدرج لتعلم المهنة
  • مستشار قانوني يوضح هل تغيير المهنة في العمل يعتبر تحايل على القانون .. فيديو