قائد الثورة يدعو للخروج الكبير والمشرف غدًا حبًّا لرسول الله ونصرة لفلسطين
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
الثورة نت|
دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الشعب اليمني إلى الخروج الكبير والمتميز والمشرف في الإحتفال المركزي بالمولد النبوي الشريف، ونصرة للشعب الفلسطيني المظلوم.
وأكد قائد الثورة في كلمة له اليوم، حول مواكبة لفعاليات المولد النبوي الشريف وآخر تطورات العدوان الاسرائيلي على غزة، أن الأنشطة التحضيرية لفعالية المولد النبوي الشريف كانت متنوعة منها الخيرية والإنسانية لتجسيد قيم الإحسان ومكارم أخلاق الرسول الأعظم.
وأوضح السيد القائد، أن إظهار الزينة والفرح والاستبشار بذكرى مولد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله كان بارزا اعترافا بعظيم المنة لله.
وأضاف أن معظم المدن اكتست بالزينة الخضراء بتوجه مباشر من الناس ورغبة وتفاعل منهم.. مبينا أن التفاعل الشعبي ابتهاجا بالمولد النبوي الشريف كان واسعا وواضحا وهو يعبر عن المحبة والتوقير والفرح بفضل الله وبرحمته.
وأشار إلى أن الأنشطة الثقافية كانت حاضرة بكثافة في الأيام الماضية للحديث عن سيرة الرسول الأعظم وجهاده وعن التأسي به وعن رسالة الله إليه.. مؤكدا أن مناسبة المولد محطة مهمة نتزود منها ما نحتاجه من متطلبات روحية وتربوية وعملية في ظل ما تواجهه الأمة من تحديات.. قائلا: أمتنا الإسلامية مستهدفة من جانب أعدائها بكل أشكال الاستهداف وتواجه مخاطر تهدد وجودها كأمة مستقلة لها مشروعها.
ولفت إلى أن القرآن الكريم قدّم للأمة الوعي الكافي بأن الخطر عليها من جبهتين متناغمتين متعاونتين هما جبهتا الكفر والنفاق.. موضحا أن جبهة الكفر هي جبهة عدوانية إجرامية وهي مصدر الشر والإجرام والطغيان والفساد الذي يتنكر لرسالة الله تعالى.
وأكد السيد القائد، أن إقامة القسط في هذه الحياة هو مبدأ عظيم ومهم في رسالة الله تعالى تحاربه جبهة الكفر.. مشيرا إلى أن جبهة الكفر لا تنسجم أبداً مع مكارم الأخلاق لأنها جبهة فساد وإفساد ونزوات وطغيان وانفلات مع الغرائز والأهواء.
وبين أن جبهة الكفر لا تستسيغ أسس العدل والقيم التي أتت بها الرسالة الإلهية للإنسان ليبني عليها الحضارة وفق ما استخلفه الله.. كما أن جبهة النفاق على تناغم وتلاقٍ مع جبهة الكفر بالرغم من أن المنافقين ينتمون إلى الإسلام.
وقال: إن حديث القرآن واسع جداً بما يقدم الوعي الكافي للأمة ويكشف حقيقة المنافقين ويفضحهم ويميزهم بين أوساط المجتمع المسلم.. مبينا أن المنافقون ينشطون داخل الأمة لإثارة الفتن والتثبيط ومحاولة صرف الأمة عن أي موقف جاد لمواجهة الكافرين والتصدي لهم.. مؤكدا أن الكافرون والمنافقون يشكلون خطورةً على الأمة الإسلامية بكل الاعتبارات وجهودهم دائما ما تكون متناسقة.
وأضاف قائد الثورة، أنهُ لا يوجد ما يغني عن الجهاد في سبيل الله لردع الكافرين والمنافقين وإفشال مؤامراتهم وأي أسلوب آخر لن يجدي نفعا.. مؤكدا أن الطريقة الوحيدة التي تمثل الردع والمنع والحماية للأمة هي الجهاد في سبيل الله تعالى.
وشدد السيد القائد، أن الأمر بالجهاد في سبيل الله تعالى يبين أهمية الموضوع كجزء من المهام الرسالية للرسول ومن التزاماته الإيمانية.. قائلا: لو كانت الوسائل الدبلوماسية أو أي وسيلة أخرى هي الاتجاه الصحيح لحماية الأمة لكانت متاحة لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله
وأوضح قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أن حركة النبي الجهادية في سبيل الله كانت متميزة على مستوى الأداء الراقي في تنفيذ المهمة وأداء الواجب على أرقى مستوى.. كما أن الحركة الجهادية للنبي الأعظم تجلت فيها النجاحات الكبرى والعظيمة التي تشهد على أهميتها والحاجة إليها لبناء الأمة وقوتها ومنعتها.. مبينا أن ما عاناه ويعانيه المسلمون هو نتاج لتعطيل مسؤولياتهم المقدسة في إقامة القسط في الأرض وفي الجهاد في سبيل الله.
وأكد أن التفريط والتقصير الكبير كان له آثاره ونتائجه على الأمة في قوتها ومنعتها وعزها وفي دورها بين بقية المجتمعات.. مبينا أن انحدار المسلمين كان انحدارا أخلاقيا وحضاريا ليتنامى دور اليهود برعاية ودعم من حلفائهم من النصارى.
وأشار إلى أن مع جبهة النفاق تنامى دور اليهود من جديد للإفساد في الأرض واستهداف المسلمين واحتلال فلسطين بما فيها من المقدسات.. مؤكدا أن التعطيل للجهاد في سبيل الله يترافق معه انحدار أخلاقي وقيمي وحضاري وأمية سياسية ويترافق معه غباء وتبلد في المشاعر.
وجدد قائد الثورة، أن لا خلاص للأمة إلا باتباع تعليمات الله ومنها الجهاد وفق المفهوم القرآني الصحيح والاستفادة من رسول الله ومسيرته الجهادية الرائدة.
العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، المسلمون في واقع وموقف مخز تجاه ما يرتكبه العدو الصهيوني من إبادة جماعية يومية ضد الشعب الفلسطيني.. مشيرا إلى أن العدو يواصل استهداف النازحين في خيمهم القماشية بالقنابل الأمريكية الفتاكة وفي تجمعات يعلنها آمنة.
وأوضح أن العدو الصهيوني مستمر أيضاً بالحصار والتجويع والتعذيب للأسرى وكل الممارسات الإجرامية الوحشية العدوانية.. قائلا: سمعنا سابقا عن مخطط ومؤامرة لبناء كنيس يهودي ثم نسمع عن تهديد جديد للمسجد الأقصى والتحضير لجريمة كبيرة.
وأضاف أن الصهاينة اليهود من أهدافهم المعلنة والمؤكدة هي الاستهداف للمسجد الأقصى والسعي لتدميره.. مبينا أن اليهود يدركون أن جريمة تدمير المسجد الأقصى خطيرة وتستفز مشاعر المسلمين لذلك يحاولون الترويض والتهيئة لها.
وأشار إلى أنهُ وبعد 12 شهرا من العدوان على غزة لا نرى تحركا لا تحت عناوين العروبة والقومية ولا تحت العناوين السياسية واتفاقيات الدفاع المشترك.. قائلا: لم تحرك العرب التزامات جامعة الدول العربية ومقررات المؤتمرات الرسمية ولا شيء حرك المسلمين لموقف جماعي حازم لنصرة فلسطين.
ولفت إلى أنهُ يتزايد الخطر على المسجد الأقصى الشريف كلما كانت الأمة على مستوى رهيب من التخاذل تجاه بقية جرائم العدو وخطواته العدوانية.. مبينا أنهُ عندما تتراكم جرائم في الضفة وفي غيرها في ظل سكوت الأمة يتجه العدو لمزيد من الخطوات العدائية.
وأكد السيد القائد، أن الأمريكي شريك للعدو الإسرائيلي في كل ما يجري في فلسطين وشراكته واضحة وموقفه واضح.. مجددا التأكيد أن الأمريكي يحمل نفس التوجه العدائي ضد الأمة وحاضر لفعل أي شيء ضد أي بلد عربي آخر.
وبين أن الأمريكي يقدم كل أشكال الدعم لاستمرارية جرائم العدو ويخادع الرأي العام بحديثه عن مساعيه لوقف إطلاق النار.. كما أن الأمريكي يُحمّل المظلومين المستهدفين المسؤولية عما يفعله العدو الإسرائيلي ومسؤولية فشل وقف إطلاق النار.
المجاهدون في غزة:
ثمن قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، عالياً ثبات إخوتنا المجاهدين في قطاع غزة والضفة بالرغم من طول المدة ونحن على وشك اكتمال العام من العدوان.. مشيرا إلى أن موقف بعض الحكومات والأنظمة العربية والزعماء هو موقف متواطئ مع العدو الإسرائيلي ومتعاون معه لاستهداف الشعب الفلسطيني.
وقال السيد القائد: لو حظي الشعب الفلسطيني ومجاهدوه بجزء من الدعم الغربي للعدو لكان واقع المعركة مختلفا تماما.. مشيدا بالعملية البطولية الجهادية للشهيد ماهر ذياب الجازي الأردني الذي كانت عمليةً مؤثرة ومزعجة للعدو الإسرائيلي ومقلقة له.
وأضاف أن الشعب الأردني يحمل مشاعر الإخاء والألم والأسى لما يعانيه الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت هو عرضة للمخاطر والاستهداف..
وأشار إلى أن العملية البطولية للشهيد الجازي دليل على أنه لا يزال هناك في الشعب الأردني من يحملون التوجه الصادق الوفي لنصرة فلسطين.. مبينا أن عملية الشهيد الجازي كانت فردية وبسلاح بسيط لكنها كانت ذات أثر كبير على العدو الإسرائيلي.. قائلا: الشهيد ماهر الجازي اقتفى آثار أبطال معركة القسطل على أبواب القدس بسلاحهم الخفيف في معركة الكرامة الشهيرة للدفاع عن الأردن.
ولفت إلى أن عملية الشهيد الجازي تبشر بأنه لا يزال هناك عرق ينبض في أوساط شعوب هذه الأمة بالإحساس بالمسؤولية الإنسانية والواجب المقدس تجاه فلسطين.
جبها الإسناد لغزة:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أن جبهة لبنان ساخنة على الدوام ولا تتوقف صليات الصواريخ والقذائف المنهمرة منها على العدو الإسرائيلي في كل يوم .. كما أن جبهة اليمن في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس مستمرة بكل فاعلية وتأثير.
وأوضح أن من أهم ما يلفت النظر ويشهد على فاعلية جبهة اليمن هو الإعلان الأمريكي عن عودة حاملة الطائرات “روزفلت” من اتجاه آخر.. مشيرا إلى أن الحاملة “روزفلت” رغم أهميتها كقاعدة عسكرية متنقلة في البحار عادت بالتهريب عبر المحيط الهندي ولم تدخل البحر الأحمر.
وأضاف أن أكثر من 700 غارة وقصف بحري لم تفد الأمريكي في الحد من عملياتنا العسكرية في البحار أو تردعها وتوقفها.. كما أن الغارات الأمريكية بدون مبرر بجوار مدرسة للبنات في تعز نتج عنها استشهاد فتاتين وإصابة 18 فتاة.
وأشار إلى أن الغارات المعادية خلال الأسبوع المنصرم بلغت 24 غارة وتوزعت على الحديدة وتعز وإب وصعدة ومارب.. متوجها إلى أهلنا الأعزاء في تعز بأحر التعازي والمواساة وشعبنا العزيز يقدم هذه التضحيات ويحمل راية الجهاد لنصرة الشعب الفلسطيني.. مؤكدا أن الأمريكي كما الإسرائيلي مجرمون، وأكثر ضحاياهم من الأطفال والنساء في كل الجبهات وكل البلدان المستهدفة.
وكشف قائد الثورة، أنهُ خلال الأسبوع المنصرم، تمكن الدفاع الجوي بتوفيق الله، من إسقاط طائرتين أمريكيتين “MQ9” وهذا يصل لعدد متقدم وملفت.. لافتا إلى أن قيادات عسكرية وغير عسكرية في أمريكا والغرب يتحدثون عن العدد الكبير من الطائرات الأمريكية التي تم إسقاطها في اليمن.
الأنشطة الشعبية:
أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أن الأنشطة الشعبية مستمرة والكل على موعد مع الفعالية الكبرى لذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الغد.. داعيا الشعب اليمني العزيز، إلى يمن الإيمان والحكمة بالخروج يوم الغد، والحضور الكبير في فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف.
وشدد على أن الخروج الكبير نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم وتأكيدا على ثبات شعبنا على موقفه الجهادي الذي هو استجابة لله ووفاء لرسوله الكريم.. قائلا: أرجو إن شاء الله أن يكون الحضور مشرفا وكبيرا يعبر عن محبة شعبنا لرسول الله كما كان الحضور في السنوات الماضية، وبأكثر حتى من المناسبات في الأعوام الماضية..
وخاطب السيد القائد الشعب اليمني بالقول: أنتم جديرون بمثل هذا الموقف المشرف والعظيم وأنتم أهل الوفاء والثبات والقيم، أنتم الشعب المحب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والوارث لهذه المحبة وهذا الوفاء والولاء من آبائه وأجداده الأنصار والفاتحين.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: المولد النبوي الشريف قائد الثورة السید عبدالملک بدرالدین الحوثی المولد النبوی الشریف الجهاد فی سبیل الله الله علیه وعلى آله العدو الإسرائیلی الشعب الفلسطینی السید القائد وأشار إلى أن مشیرا إلى أن أن الأمریکی الله تعالى لرسول الله مؤکدا أن مبینا أن وأضاف أن أن جبهة کما أن
إقرأ أيضاً:
في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة قائد الثورة : الإنسان بحاجة إلى هداية الله تعالى في كل شؤون حياته
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي تَقُصّ لنا قصة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامٍ عظيمٍ من مقاماته في قومه، وهو يبلغ رسالة الله إليهم، ويسعى لإنقاذهم من الضلال الكبير الذي هم فيه، والذي في مقدمته: الشرك بالله، يسعى لهدايتهم، ويسعى للسير بهم في طريق الحق، في عبادة الله وحده، وفي نهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يُقدِّم لهم البراهين العظيمة، المقنعة، المهمة، ويبيِّن لهم أنه ليس لهم أي حقّ ولا أي مبرر في العبادة لغير الله، فالإنسان هو ملكٌ لله، وعبدٌ لله، وكل أموره الأساسية، متطلباته الأساسية والمهمة، هي من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله؟!
وقَدَّم عرضاً، قدَّمه بشكلٍ شخصي، يعني: يُعبِّر عن نفسه؛ بينما هو لكل إنسان، الحال لكل إنسان هو: أنه مفتقرٌ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في ذلك كله، في كل ما ذكره نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكان في بداية ما قال، في هذا العرض الذي يُبَيِّن ارتباط الإنسان بالله، وحاجته إلى الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وبدأنا بالحديث عن ذلك في محاضرة الأمس.
كما قلنا: الإنسان في وجوده مفتقرٌ إلى الله، هو الذي وهبك الحياة، هو الذي خلقك، هو الذي أنعم عليك بما خلق فيك ولك من أعضائك، وجوارحك، وحواسك، وطاقاتك، وقدراتك، فأنت ملكٌ لله، وهو ولي النعمة عليك، هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووهبه ما وهبه من النعم، في نفسه ابتداءً، ثم في مقدمة هذه النعم: نعمة الهداية، التي تأتي قبل كل النعم، وبدأنا بالحديث بالأمس عنها.
فهذا التذكير هو للإنسان، ليُبَيِّن أنه ليس هناك ما يربطه في حاجيَّاته الأساسية، ومتطلباته الضرورية والأساسية، بمن يتخذهم أنداداً من دون الله:
• إمَّا يتخذهم أنداداً عن طريق الشرك، باعتقاد الألوهية والربوبية لهم.
• أو يتخذهم أنداداً من دون الله، من خلال التولِّي لهم على الباطل، وطاعتهم في معصية الله تعالى، وإيثار طاعتهم على طاعة الله «جَلَّ شَأنُهُ»، وفوق طاعة الله «جَلَّ شَأنُهُ».
ليسوا هم من خَلَقك، ولا من وهبك كل هذه القدرات، وليسوا هم من ترتبط بهم في أمور حياتك الأساسية، التي يأتي الحديث عنها.
في مقدمة ما يحتاجه الإنسان، ومن أهم ما يحتاجه: الهداية، والله هو مصدر الهداية، الهداية وردت في القرآن الكريم في صدارة النعم- كما قلنا بالأمس- في آيات كثيرة ومقامات متعددة، ومنها هنا: في هذه القصة، قدَّمها قبل الطعام، وقبل الماء والشراب: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:78-79].
حاجة الإنسان إلى الهداية من الله تعالى هي حاجةٌ في كل مجالات وشؤون حياته، والإنسان لولا هداية الله له بأنواعها، بأنواع الهداية التي سنتحدث عنها، لكان في وضعٍ صعبٍ جدًّا، لكان أشبه ما يكون بكتلة لحمٍ حيٍ، لا يدرك ماذا يفعل، ولا كيف يتصرف، ولا ماذا يعمل، أو لكان أشبه بكمبيوتر بدون أي برامج تُشَغِّله، وتبيِّن كيف يستفاد منه، لكان لا يعرف أن يتصرف في أي شيء، وكيفية التصرف في أي شيء؛ لـذلك هو بحاجة إلى الهداية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومنذ بداية وجوده، قبل الأشياء الأخرى؛ لأنه من خلال هذه الهداية سيتصرف في بقية أموره.
فالهداية من الله تعالى للإنسان هي واسعة ومتنوعة، في مقدمتها: الهداية الفطرية، بما غرزه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في فطرة الإنسان.
الهداية الفطرية يحتاجها الإنسان منذ لحظة وجوده، من بعد مولده، قبل أي شيءٍ آخر، وكما شرحنا بالأمس عن الطفل، بعد أن يولد وهو بحاجة إلى الغذاء، إلى الرضاعة، كيف يُلهمه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن يرضع، وكيف ترى الحال في بعض المواليد، يبحث عن ثدي أمه ويحرِّك فمه يريد أن يرضع، قبل حتى أن يُفَتِّح عينيه، وهو في تلك المرحلة من طفولته المُبَكِّرَة، كان من المستحيل تفهيمه، وتعليمه بالتلقين والشرح عن كيفية الرضاعة، لولا أن الله ألهمه وهداه لذلك.
في طفولته المبكرة، يُلْهِمه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بهدايته وما غرز في فطرته كيف يصيح؛ للتنبيه على مختلف احتياجاته وأحواله:
• في وقت جوعه، يعني: في وقت حاجته إلى الرضاعة يصيح.
• في حالة الألم، إذا شعر بالألم، يصيح.
• في حالة الاحتياج للنظافة يصيح.
• في مختلف أحواله من حرٍ، أو بردٍ… أو غير ذلك، يصيح.
• في حالة الوِحْشَة، إذا استوحش، يصيح… وهكذا.
كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية، التي فطره الله عليها، وهذه آية من آيات الله، ومن رعاية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، برمجة ربانية له، وهي عون كبير في رعايته؛ وإلَّا لكانت الرعاية صعبة جدًّا، لكانت تحتاج إلى تَفَقُّد دائم بعناء شديد، لكن هو يُؤَدِّي هذا الدور هو في التنبيه على ذلك، يأنس بأمه وأبيه، ومحيطه الأسري، وبالقائمين على رعايته، في طفولته المبكرة تلك، يتناغم معهم، ويرتبط بعلاقةٍ عاطفيةٍ مؤثِّرةٍ معهم، وهم كذلك… كل هذا في إطار هذه الهداية الفطرية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
الهداية الفطرية، بما غرزه الله في الفطرة، هي تشمل مع الإنسان أيضاً الكائنات الحَيَّة، والحيوانات الأخرى، وبحسب دورها ومهامها في الحياة؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، مع التقدير والخلق، الهداية وفق ذلك التقدير، الهداية للكائنات الحَيَّة والحيوانات، في سُبُل معيشتها، وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في هذه الحياة، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، فهي أساسيةٌ في حياة البشر من جهة، وحياة بقية الكائنات الحَيَّة، التي تهتدي لذلك، بما هو مُقَدَّرٌ لها من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ولـذلك في الدراسات والأبحاث المعاصرة، التي تعتمد على أجهزة للرصد، والتصوير الدقيق، والرقابة الطويلة، لأنواع من الحيوانات والكائنات؛ تظهر العجائب، التي تُبيِّن كم ألهمها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن تتصرف بدقة، ووفق نظام معيَّن، مثلاً: فيما يتعلق بعالم الطيور، هناك دراسات وأبحاث، البعض منها أيضاً يعتمد على التوثيق بالفيديو، ومُنْتجٌ الكثير منه، كذلك عن عالم النمل، عن عالم النحل، عن عالم الأسماك، تظهر العجائب الكثيرة جدًّا، التي تُبيِّن أنها تتصرف بهداية فطرية، فطرها الله عليها، وألهمها الله بها، فتتصرف بدقة، ووفق نظام مُعَيَّن، وتسعى في سُبُل معيشتها وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في الحياة بشكلٍ عجيب.
ولـذلك يقول الله عن النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:68-69]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يُبَيِّن أنه أوحى إليها، هذا الوحي هو هذا الإلهام، في ما غرزه الله في فطرتها، هذه الهداية الفطرية، التي منحها الله إياها، وهي تنتج العسل ببراعة فائقة جدًّا.
وهكذا بَقِيَّة الحيوانات، بل إن في فطرتها- بالنسبة للكائنات الحَيَّة والحيوانات- في فطرتها، وإدراكها في هذه الهداية الفطرية، ما هو أوسع من ذلك، لها مستوى مُعيَّن من الإدراك، وفي إطار أدوارها ومهامها.
ولـذلك نجد في قصة نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في قصة الهدهد، وكيف تخاطب مع الهدهد، وكيف شرح الهدهد عن قصته في رحلته تلك إلى اليمن: {فَقَالَ}، الهدهد يخاطب نبي الله سليمان، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}[النمل:22-24]، يُقدِّم تقريراً كاملاً، وموجزاً في نفس الوقت، عن واقع أهل مملكة سبأ: على المستوى السياسي، على المستوى الديني، على المستوى الاقتصادي، على المستوى العسكري، على مستوى الإمكانات؛ وكذلك ينقدهم فيما هم عليه من ضلال، في عبادتهم للشمس من دون الله، وكيف أن الشيطان ورَّطَهم، وأضلَّهم، وزيَّن لهم ما هم عليه من الضلال الرهيب، فهذا الفهم، وهذا المستوى من الإدراك للهدهد، يُبيِّن مستوى الهداية الإلهية الفطرية.
في قصة النملة نفسها، في (سورة النمل)، في قصة نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، عندما تحرك بجنوده: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[النمل:18]، هذا المستوى من الإدراك، من المعرفة، من الفهم، هو في إطار هذه الهداية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في الكائنات الحَيَّة تتفاوت المسألة- كما قلنا- في إطار مهامها في الحياة، ودورها في الحياة.
الهداية الفطرية للإنسان واسعة أكثر من غيره؛ وذلـك لاتِّساع مهامه، واتِّساع شؤونه في الحياة، ولحجم مسؤولياته ودوره في هذه الأرض، فالهداية الفطرية للإنسان بما غرزه الله في فطرته واسعة، في إطار هذه المسؤوليات الواسعة في الاستخلاف في الأرض، وأيضاً بالنظر إلى احتياجاته الواسعة.
ومع الهداية الفطرية، يوازي هذه الهداية الفطرية بما غرزه الله في فطرة الإنسان، ما زوَّد الله به الإنسان من وسائل وقدرات للإدراك، والمعرفة، والتمييز، والتعقُّل، التي يكتسب الإنسان بها أيضاً المزيد من المعارف والمعلومات، ويستفيد من خلالها من التجارب، فمنحه الله إدراك التمييز والتعقُّل؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78].
ومع ذلك أيضاً، جعل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبموازاة ذلك، معالم هداية للإنسان يهتدي بها، ويعرف من خلالها، بما يساعده على المعرفة اللازمة لحركة حياته، وفي حركة حياته، ولـذلك يأتي عنوان الهداية- نفسه- في القرآن الكريم، مع التذكير بنعم الله في تلك المعالم نفسها، من مثل قول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:15-16]، ويقول الله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[النمل:63].
فالهداية واسعة للإنسان، في سُبُلِ معيشته، وأسباب بقائه، في جلب المنافع، في دفع المضار، في حركته الواسعة في الحياة:
• هدايةٌ في داخل الإنسان.
• هدايةٌ أيضاً في محيطه في الحياة، في معالم واضحة.
• وهداية إرشادية، هداية بكتب الله، برسله، بأنبيائه، بالهداية التي تمتد من بعدهم على ضوء الوراثة لكتبه من الهداة من عباده.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هدى الإنسان هدايةً واسعة، نعمة الهدى هي نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا، دورها كبير في حياة الإنسان، وأساسيٌ في حياة الإنسان؛ ولـذلك هناك في داخل الإنسان الهداية الفطرية، ومعها- كما قلنا- ما وهب الله الإنسان من وسائل للإدراك، والتمييز، والتعقُّل، التي تساعده أيضاً على الاستيعاب، وعلى التفهُّم، وفي نفس الوقت في نفس الهداية الفطرية أُسسٌ وبديهيات ومفاهيم ضرورية، الإنسان يعتمد عليها، كمعلومات ضرورية، مما هو معلومٌ ضرورة لدى الإنسان، ثم تبنى عليها الكثير من التفاصيل المعرفية في حياة الناس، وهذه مسألة مهمة، لها دورٌ كبيرٌ في حياة الإنسان؛ لأنها مشتركةٌ بين البشر، معلومةٌ بالضرورة لهم، بديهياتٌ بالنسبة لهم؛ وبالتـالي لا يمكن الإنكار لها، أو الجحود لها، إلَّا ويخرج الإنسان عن نطاق العقلاء، ويُعتَبر في حالة مكابرة، أو كما يقولون: (سفسطة، أو عبث).
فيما فطره الله في الإنسان، في الهداية الفطرية نفسها، أسس يحتاج إليها أيضاً في الهداية الإرشادية، فالهداية الإرشادية هي تأتي منسجمةً تماماً مع ما قد فطر الله الإنسان عليه:
• في مقدِّمة ذلك: الإقرار بربوبية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هذا أمرٌ فطري، أنَّ الإنسان عبدٌ لله، وأنَّ الله هو ربُّه، وربُّ العالمين، وربُّ السماوات والأرض، والخالق لكل شيء، هذه مسألة فطرية في الإنسان، غرزها الله في فطرة الإنسان.
• ثم تأتي الهداية الإرشادية لتوسِّع معارف الإنسان، ليعرف الله أكثر، ليستفيد من التأمل في مظاهر قدرة الله ورحمته، وحكمته وعلمه… وغير ذلك، مما يزيده معرفةً.
• كذلك مغروزٌ في فطرة الإنسان، في الهداية الفطرية، الأسس والمفاهيم الأخلاقية، والفضائل كذلك.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال عن مسألة الفطرة والهداية الفطرية، فيما يتعلق بالربوبية، بربوبية الله «جَلَّ «شَأنُهُ»: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:172-173]، يعني: ليس لكم حُجَّة في أن تستندوا إلى انحراف آبائكم في مسألة الشرك، ولا يمكن أن تُبَرِّروا بالغفلة عن مبدأ التوحيد، لماذا؟ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قد غرز في فطرتكم الإقرار بربوبيته، فليس لكم أي مستند، ولا مُبَرِّر، ولا حُجَّة، في أن تخالفوا ذلك، ومع ذلك أتى رسل الله وأنبياؤه لتذكيركم بهذا المبدأ العظيم، وبهذا الحق الكبير، الذي تبنى عليه كل التفاصيل.
في مسألة الفضائل، في مسألة مكارم الأخلاق، في مسألة المفاهيم الأخلاقية، يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8]، النفس البشرية مُلهمة، جزءٌ من هذا الإلهام هو بالهداية الفطرية.
ولـذلك العناوين التي تُعبِّر عن الفضائل وعن الأخلاق: عنوان الحق، عنوان الهدى، عنوان العدل، عنوان الصدق، عنوان الإحسان، عنوان الشرف، عنوان العِفَّة، عنوان الوفاء، عنوان الرحمة، عنوان الكرم… وبقية العناوين التي تُعبِّر عن مكارم الأخلاق، تُعبِّر عن الفضائل، هي عناوين معترفٌ بها عند كلِّ البشر، عند كل البشر، وإن اختلفوا في التفاصيل، لكن من حيث المبدأ هم يعترفون بها، ويعترفون بأنها فضائل، وبأنها صفة كمال للإنسان الذي يتَّصف بها، يُثنى عليه بها، يُمدح بها.
ويتَّفقون أيضاً- من حيث المبدأ- فيما يتعلَّق بنقائضها أنها سيئة، وأنها تُعبِّر عن نقص في من يتصف بها، وغير ذلك، فمثلاً: الكذب، الكذب مذموم عند كل البشر، لا يعتبر من الفضائل، ونَقِيصَة معروفة عند كل البشر، يُذمُّ من يتَّصف به. كذلك الظلم، الرذيلة… مختلف أنواع الجرائم، السرقة مثلاً، فالبشر متَّفقون على هذا.
من أين جاء هذا الاتفاق بين البشر؟ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بهدايته لهم في فطرتهم، فيما غرزه في فطرتهم، ألهمهم ذلك، وإن اختلفوا في التفاصيل، أو حاول بعضهم في سياق العصيان، والتعنت، والضلال، أن يقلب الحقائق تجاه هذه العناوين، أن يطلق على ظلمه عدلاً، أو يطلق على أكاذيبه صدقاً… أو غير ذلك، هو من التوظيف والاستغلال الباطل المتعمد، ليس لأن هناك اشتباه فيما تطلق عليه هذه العناوين، لا، المسألة واضحة عند البشر جميعاً في حقيقة الصدق، في حقيقة الكذب، في حقيقة الباطل، في الحق، في العدل، الظلم…إلخ. المسألة واضحة، فهذا هو أيضاً مما أتى في واقع البشر في الهداية الفطرية، وليكون متناغماً ومنسجماً بشكلٍ تام، ومتطابقاً مع الهداية الإرشادية، التي تأتي عبر الأنبياء والرسل، ومن خلال كتب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
مثلاً: عنوان الهدى، عنوان معظَّم عند البشر؛ وعنوان الضلال، عنوان سيء عند البشر؛ ولهـذا مثلاً حتى أنَّ أهل الضلال بأنفسهم، يحاولون أن يقدِّموا عنوان الهدى أمام الآخرين، فرعون- بنفسه- قال لقومه: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، لماذا؟ لأنه يعرف أن الفطرة البشرية تنجذب إلى عنوان الهدى، وترى أنَّ الطريق الصحيح، والموقف الصحيح، هو الذي يُعبَّر عنه بالهدى، فهو يحاول أن يستغل هذا العنوان لخداعهم، وليس لأن هناك اشتباه فيما ينطبق عليه هذا العنوان؛ إنما للخداع، وهكذا هو الحال بالنسبة لعنوان الباطل والضلال، أنها عناوين سيئة، نقيضة لعنوان الهدى، لعنوان الحق، ومذمومٌ من يسير عليها، من يتَّبعها، هذه أمور فطرية، لكن من أين؟ من هداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بما غرزه الله في فطرة البشر.
الهداية الفطرية تتعرض في واقع الناس لكثيرٍ من المؤثرات السلبية، فيتنكَّر الإنسان لها، حتى فيما يتعلَّق بالوازع الذي يسميه الناس بـ (الضمير)، أنَّ الإنسان في فطرته ليس فقط يعرف، بل ينسجم، يُعظِّم، يشعر في نفسه أنَّ الهدى، أنَّ الحق، أن مكارم الأخلاق، هي شرف، هي شيءٌ عظيم، يُقدِّسه، ينجذب إليه، يُحسُّ في نفسه بتعظيمه، وأنَّ المذام، ومساوئ الأخلاق، والجرائم، والمفاسد، هي أشياء سيئة، ينفر منها، يخجل منها، يعتبرها مسيئة إلى كرامته، إلى شرفه… وغير ذلك، يعني: حتى المشاعر، معرفة مع مشاعر، هذا هو أيضاً يعود إلى ماذا؟ إلى الهداية الإلهية، لكن الإنسان عندما يتمادى في طريق الباطل والضلال؛ تفسد نفسيته، يتغير على مستوى المشاعر ابتداءً، حتى لو بقي له معرفة يُميِّز بها بين أنَّ ذلك حسن، أو ذلك قبيح، لكن اِسْتِسَاغت المفاسد، الرذائل، هذه حالة فسدت فيها نفسية الإنسان، ومن خلال ممارساته السيئة في الحياة، وتماديه في الأشياء السيئة؛ تفسد نفسيته، فيبدأ ضميره الإنساني بالتأثر، بالتراجع… وهكذا هو الحال بالنسبة لابتعاده عن القيم العظيمة، يبدأ يتأثر كذلك، ويبتعد عنها شيئاً فشيئاً في مشاعره، في تفاعله الوجداني معها، ثم يتَّجه اتِّجاهاً آخر في الحياة.
ولـذلك الإنسان من حيث الجانب التربوي لتزكية النفس، ولتنمية مكارم الأخلاق في نفسه، التي هي فطرية، يحتاج إلى الهدى، أيضاً اتِّساع شؤون الإنسان في هذه الحياة، في إطار مهامه ودوره، يحتاج فيها أيضاً إلى الهداية الإرشادية، التي من الله عبر كتبه ورسله وأنبيائه.
فلأهمية دور الإنسان في الحياة، ولسعة دوره في الحياة، كان محتاجاً أيضاً أن يرتبط بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هدايةٍ أوسع، هداية بالتعليمات؛ لأن طبيعة حياة الإنسان أوسع من حياة غيره من الحيوانات والكائنات، مهامه في هذه الحياة، والإنسان في هذه الحياة هو مرتبطٌ بالله، لا يمكن أن ينفصل وأن يبتعد عن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ثم تكون المسألة عادية، وخلاص له خياره في ذلك وانتهى الأمر، أنت كإنسان عبدٌ لله، في أرض الله، في جزءٍ من مملكة الله الواسعة، هذا العالم بكله هو مملكة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فالله ربُّ العالمين، وملك السماوات والأرض؛ ولـذلك أنت عبده، أنت في مملكته، هذه الأرض هي حَيِّزٌ صغيرٌ جدًّا، لكن في مملكة الله الواسعة، فالله هو الذي أتى بك إلى الوجود، ووهبك الحياة، ووهبك ما وهبك من طاقات وقدرات، وسخَّر لك ما سخَّر لك ومكَّنك فيه كإنسان، كمجتمع بشري، فيما مكَّنهم فيه على هذه الأرض، في إطار دورٍ تقوم به، لا يخرج عن نطاق العبودية لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، أنت عبدٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فأنت في إطار مسؤولية في هذه الحياة، لست عبثاً، ولم تأتِ في هذا الوجود لمجرد أن تتيه كيفما أردت، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يقول: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الجاثية:22].
فالإنسان بما وهبه الله في نفسه من: طاقات، وقدرات، ومدارك، وبما سخَّر له في السماوات والأرض، عليه مسؤولية كبيرة، وما وهبه الله هي أمانة كبرى، في كيفية التصرف معها، الإنسان فيما يتصرف فيه، هو يتصرف فيما هو مِلكٌ لله، هذه الأرض مِلكٌ لله، ما فيها مِلكٌ لله، وما وهبك الله وأنت مِلكٌ لله، فكيف تتصرف وفق إذنه، وفق تعليماته، وفق توجيهاته.
والله رسم لك في مسيرة حياتك أقوم طريقة لتعيش فيها أحسن حياة؛ لأن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، وانحرف عن دوره في هذه الحياة، يترتب على ذلك أضرار ومفاسد كبيرة جدًّا، فالإنسان في مقام مسؤولية أمام الله؛ ولهـذا يُعبِّر القرآن عن حجم هذه المسؤولية بقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:72]، الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ في هذه الحياة، في مقابل ما وهبه الله من طاقات، وقدرات، ومدارك، وما سخَّر له، وعظيم ما سخَّر له من النعم، إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، يترتب على ذلك: مفاسد كبيرة، مظالم كبيرة، مخاطر كبيرة، أعمال الإنسان في دائرة الخير والشر ذات تأثير كبير في الحياة، ليس كغيره من الحيوانات ذات الدور المحدود، التي حتى لو حصل منها شيءٌ ما، يكون تأثيره محدوداً، الله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:41].
ولـذلك لأهمية دور الإنسان، وحجم مسؤوليته، ارتبط بذلك جزاء كبير، جزاء عظيم:
• جزاء على الخير: ما وعد الله به من رضوانه وجنته، النعيم العظيم الأبدي الخالص.
• وجزاء رهيب جدًّا: غضب الله وسخطه، والعذاب في النار للأبد، لمن ينحرف عن نهج الله ورسالة الله، ويتَّجه في اتجاه الشر.
عِظَم الجزاء وكِبَره يدل على حجم هذه المسؤولية للإنسان في هذه الحياة؛ ولـذلك هو بحاجة إلى هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وإلى تعليمات من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهداية من الله «جَلَّ شَأنُهُ»؛ لأن انحرافه خطير جدًّا عليه، على حياته، ويترتب عليه مفاسد كبيرة جدًّا، وعواقب خطيرة جدًّا.
فلذلك نأتي إلى الحديث عن الهداية الإرشادية والتشريعية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، نستكملها- إن شاء الله- في محاضرة الغد.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛