في أيام حالكة من صيف عام 2003، وبعد أشهر ثلاثة على احتلال العراق، وفي أجواء مثقله بالإحباط والتشاؤم والروح الاستسلامية، انعقد في صنعاء المؤتمر القومي العربي في ظل محاولات متعددة لشيطنة المؤتمر (واتهامه بدعم العراق في وجه الحصار والاحتلال) والعمل على انهائه لا سيّما ان العديد من أعضائه وقع تحت تأثير تلك الضجة الإعلامية والسياسية وأنكفأ عن المشاركة في تلك الدورة.
يومها شاء المجتمعون المشاركون في تلك الدورة أن ينتخبوني أميناً عاماً للمؤتمر الذي تولى على أمانته العامة كبار راحلون كخير الدين حسيب من (العراق)، وعبد الحميد مهري من (الجزائر)، وضياء الدين داود من (مصر).
وفي كلمتي بعد انتخابي أطلقت معادلة اعتبرها ذهبية، وما زالت صالحة حتى الساعة تحت عنوان "رباعية الخلاص" المتمثلة بالمقاومة، والمراجعة، والمصالحة، والمشاركة.
فمواجهة الاحتلال الأمريكي في العراق، والاحتلال الصهيوني في فلسطين والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا، والاحتلال غير المباشر للقرار الرسمي العربي... تحتاج إلى المقاومة على كل الجبهات، لا سيّما على جبهة ممتدة من القدس الى طهران وأنقرة مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وهي دعوة أطلقها المؤتمر القومي العربي بُعيد تأسيسه في ربيع 1990.
مواجهة الاحتلال الأمريكي في العراق، والاحتلال الصهيوني في فلسطين والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا، والاحتلال غير المباشر للقرار الرسمي العربي... تحتاج إلى المقاومة على كل الجبهات، لا سيّما على جبهة ممتدة من القدس الى طهران وأنقرة مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وهي دعوة أطلقها المؤتمر القومي العربي بُعيد تأسيسه في ربيع 1990.والمراجعة ضرورية لكي نراجع جميعاً تجاربنا، أنظمة وأحزاباً وحركات شعبية ونقابات ومفكرين ومناضلين، لأن لكل منا أخطاؤه، ينبغي مراجعتها، للتخلص منها، ولكل منا إيجابيات ينبغي تطويرها...
وهذه المراجعة تؤدي بالضرورة الى المصالحة، المصالحة بين الدول، وداخل كل دولة، وبين التيارات وداخل كل تيار، لكي تتحد كلمة الامة في مواجهة كل التحديات، وعلى قاعدة أطلقها يوماً الامام الشيخ أحمد رشيد رضا (رحمه الله) وهو أن "نتعاون فيما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف عليها".
واليوم حيثما توجهت أنظارنا على مستوى الأمة نجد الحاجة الملّحة للمصالحة وبناء الجسور بين مكوناتها من أجل تحصين المتاريس بوجه أعدائها.
والمصالحة المنشودة تقتضي تجاوز الحساسيات التاريخية والعصبيات الضيقة، فئوية كانت أم عقائدية أم حزبية أم مذهبية أم عرقية، وهي بوابة العبور إلى تحقيق مشاركة حقيقية في إدارة الدولة والمجتمع، سواء في المشاركة في إدارة البلد أو في معارضة سلمية لها كامل الحق في انتقاد الحكومات ومواجهتها سياسياً.
واليوم، وبعد 21 عاماً على إطلاق هذه الرباعية، ورغم التقدم الذي حصل في أحد عناصرها، خصوصاً المقاومة، فإن استعراض حال الأمة وطريق الخلاص مما تواجهها من تحديات ومصاعب يبدو أن الخلاص يحتاج حتماً إلى هذه الرباعية، وربما إلى ما هو أكثر منها، كي نعمل على تحقيقها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربي التحديات تحديات سياسة عرب رأي مقالات مقالات مقالات تفاعلي سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أي هروب ممكن؟ «ذاكرة في الحجر» لكوثر الزين: الخلاص ممكن خارج الوطن
عربي، ابن أبو عربي، وأم عربي. عقل وقلب، لوالده من الاسم اهتمام بالدلالة، ضمن اهتمامه الأممي، يقبض عليه لهذا السبب، تدرك أم عربي وسيلة الخلاص بالابتعاد عن الكتب التي رأت أنها كانت السبب في اعتقال زوجها، فينوي الابتعاد عن المشكلات؛ فحين اعتقلوا رجال الحارة، كان قد أثث له «مقعدا سريا بوسادتين أعلى شجرة التين» صفحة 9، فلم «يتزحزح من مخبئه وهو يرى العسس يعتقلون والد خطيبته تيماء، التي حين تتعلق بثياب والدها فإنهم يعتقلونها «لم يكن ليدرك ذلك غير حكيم ذي فراسة مثلي، حتى لو رآني من هم دون حكمتي نذلا..لست ساذجا كي أصدق وهما لأصحو على خيبة، فأنا عربي الذي خلق من تينة وكرا للنسور، ونجا بذكائه من مصير أبيه وأبناء حيّه المحكوم بالتطهير الفكري»» صفحة 10. لكن في حاجز طيّار، حين يقرأ الجند اسم أبيه يعتقلونه، يجد طريقة ويحتال على الأمن السياسي، يتم الإفراج عنه ليعمل مرشدا لهم، لكنه يترك البلاد في رحلة تقوده إلى جماعة إسلامية، فيمثل عليها بأنه مثلهم، ويستطيع التأثير من خلال معارفه التي اكتسبها من مكتبة أبيه في الدين والدنيا، فيقربه الأمير ويمنحه جيلان السبية، ليراوغ الجماعة ويعبر البحر بعد أن أوصل جيلان إلى أهلها اليزيديين. وحين يصل أول البرّ الأوروبي في مرسيليا، يؤثر على شرطة الحدود، ليلتقي أوود التي تساعده في الحصول على إقامة، فينجو، لكن لا يدري وهو يبحث عن الخلّ الذي نصح به ليقاوم الوباء، بأن ذلك سيقوده إلى أن يصبح موقوفا جنائيا، حيث يكون الأمن الفرنسي قد عرف شيئا عن علاقته بتلك الجماعة الداعشية..فيذكره بلقبه أبو مسلم، وبأنه اشترى الخل ليعمل منه متفجرات، ليتمنى «لو ينتزعني منقذ مجهري، من صروف حياة خائنة عبثية عمياء» ص165. كل ذلك يتذكره وهو في «الحجر» بسبب إصابته بالكورونا، فتصبح الرواية كلها استدعاء للماضي الذي تذكره مرة واحدة ورواه. لا ندري ونحن ننتهي من قراءة الرواية، هل كان الراوي «عربي»، الشخصية الرئيسية، ساخرا أو عبثيا، لعله كان في مرحلة متوسطة من السخرية والعبث، بروح ناقدة لما آلت له المصائر، ما بين الخلاص العام-الوطني، والخلاص الشخصي. ولعله أول ما سخر من نفسه وإن كان بدا ذلك كأنه يمدح نفسه: «أبدا لن أرضى، ولن أكون (عربي) الألمعي الفطن الذي طالما خاتل الموت حتى عجز عن اصطياده..» صفحة 7، ليختتم الصفحة الأخيرة 165 «لم أشأ أن تخسر الدنيا عبقريا مثلي..فطنا ألمعيا نبيها، حكيما عليما عارفا، جريئا مغامرا، تواقا للحياة حدّ الحياة..». بل يروي عن علاقته بالثقافة والفكر والسلطة بطريقة عبثية ساخرة: «رأيت أمي في الصباح الباكر وهي تحرق كومة من الأوراق في حفرة تحت التينة...سألتها عن سبب تصرفها، فسالت دموعها وعانقتني..ثم تدعو الله أن يبعد عنا المكروه. تخيلت المكروه على شكل وحش خرافيّ، يفرم بأنيابه من كان ذنبه الحبر والورق. ما كادت أمي تبتعد حتى سحبت دفاتري من محفظتي، وحرقتها تحت التينة قبل أن أغادر إلى المدرسة. أين دفترك؟ سأل المعلم. حرقت كل دفاتري سيدي؛ حتى لا يعثر عليها المكروه.» صفحة 12. ذلك هو عربي الذي رسمت ملامحه الفكرية والشعورية الكاتبة والشاعرة التونسية كوثر الزين، والذي لم يهرب من الكتب إلا ليعب منها ملبيا وصية والده، والذي يهرب من السلطة بعد أن يراوغها، كذلك يفعل مع الجماعة الإسلامية (التي لم يسمها بالداعشية أو غيرها)، والذي في رحلة الحجر الصحي، يطمح للهروب من الكورونا، ومن البوليس الفرنسي الذي اشتبه به، بعد أن عاقبته الجماعة بتسريب صورته (أبو مسلم) للبوليس صفحة 162. كما يهرب عربي من خطيبته تيماء، فإنه هرب قبل ذلك من حبيبته تالة، التي كانت عكس أمه الزوجة المسالمة، ويبدو هنا أنه هرب من حالة التناقض الفكري الاجتماعي، فهو في اللاوعي يتوق لزوجة مسالمة، وفي الوقت نفسه مال لتالة اليسارية، التي جذبها بسعة معرفته. هرب من الوطن بعد اعتقاله في ظل تحولات ما أطلق عليه بـ «الربيع العربي»، والإفراج عنه ليكون جاسوسا على النشطاء، وهرب من الجماعة، وهرب من تيماء وتالة، لكن ثمة ما لم يهرب منه عربي: مرسيليا حيث أقام لاجئا ثم مقيما، و «أوود»، التي ساعدته في اللجوء، حيث دعته فأقام معها، لكن علاقته معها كانت ملتبسة ما بين الصداقة والحب، لكن في بداية العلاقة يعاني من العجز بسبب التعذيب، فيتردد على طبيب، ينجح نسبيا في علاجه، فينجح مرة ويفشل أخرى. في ظل هروبه المتنوع سياسيا واجتماعيا، فإن عربي لم يهرب من جيلان، التي يرتبط بها فترة زمنية ريثما يعيدها لأهله، بعد أن نجح في تضليل الجماعة. مصير جيلان: تلجأ إلى ألمانيا وتلتقي عدي، الذي أحب توأمها ماشو، لكن لم تسر الأمور بشكل عاديّ، فيتفرق شمل الجميع. جيلان التي أحبت يزيد بعد أن يئست من حب عدي لها، يعده القدر لها، وهنا تنجح الكاتبة برسم شخصية واقعية لجيلان التي تبحث عن الممكن من خلال عدم انتظار عدي، وفي الوقت نفسه، لا تجد حرجا بالارتباط من عدي حين يصير ذلك ممكنا، دون تكلف الإخلاص الواهم والوهمي لأختها التي اختفت مع اللواتي أصبحن سبايا. أما مصير تالة التي أحبها في الجامعة، فتتزوج من شخص ينتمي لمافيا الاقتصاد متنكرة لماضيها ومبادئها اليسارية. أما تيماء التي أرادها أن تكون مثله هاربة، منتقدا تعلقها بثياب أبيها حين اعتقاله. «ليتك كنت حكيمة مثلي ولم تتشبثي بجلباب أبيك؛ لكنت منحتك من الثقة والأمان أضعاف ما منحته لجيلان» صفحة 57، فلم يعثر عليها. كذلك أبيه، حين طلب من صديقته الفرنسية البحث عنهما. أوود، الصحفية الاستقصائية، عانت قليلا من تحقيق الشرطة معها حول خبر نشرته، لكن حرية الإعلام هناك، وتضامن الإعلاميين والرأي العام يحميها. تتضامن مع احتجاجات الشباب في أوروبا بما عرف بالستر الصفراء، وتنقل عما تعرضوا له من قمع. صفحة 109. تكون نهايتها بمرض خبيث يفتك بها. أسلوب: بدأت الكاتبة بمقدمة مكثفة وضعتنا في مشهد بصري كامل، في الحجر الصحي، كفضاء مغلق، كان مجالا ليفتح الراوي فضاءات الماضي، من خلال استعادتها، في الوقت الذي كان يوجه الخطاب بما اشتمل عليه من سرد ووصف وبوح ونقد وسخرية لمشرق، قطة أود التي أهدتها إياه مع شقتها حين رحلت بعد معاناة مع مرض السرطان. اختارت الكاتبة لغة تقترب كثيرا من الوضوح الملائم للسرد، متخلصة إلى مدى كبير من اللغة الجمالية الثقيلة، فكانت سلاسة اللغة منسجمة مع المضمون غير المعقد. كون شخصيات الرواية مثقفة، فقد حفلت الرواية باللغة الثقافية، ومضامينها، بما فيها من حوارات أيديولوجية حول الطبقات، ونحسب أن زيادة جرعة ذلك قد يكون قد أثر سلبا على السرد الروائي. تشويق: من خلال الدائرة الأولى، وظهور جيلان صفحة 128 في ندوة ثقافية شارك فيها عربي، من خلال رحلته مع أوود إلى باريس، حيث يعود الماضي، فيتعرف على ما غاب عنه من مصير لها، حيث تتزوج وتنجب خارج وطنها، ليصاب زوجها بفيروس كورونا يقضي عليه، ليفتح مجالا للإمكان تحقق علاقة مع جيلان الحرة، لتختاره ربما، لا أن تمنح له سبية. والدائرة الثانية حين القبض عليه، بعد تسريب الجماعة صورته عقابا له على هروبه، ليعود الماضي، فتعاقبه الجماعة لأنه غدر بها وهرب. خلال ذلك يتمنى لو يستطيع زيارة الوطن لزيارة قبر أمه، وتقصي مصير والده المعتقل وخطيبته تيماء. وبالطبع لا تتم هذه الدائرة. في وصف لقاء الكاتب أمين معلوف صاحب «هويات قاتلة، واستحضار «الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، يظهر رأي عربي في منح الغرب مجالا للإبداع، في إشارة إلى أن الخلاص والتحرر يمكن فقط خارج الوطن. بذكاء استحضرت الكاتبة رسائل حب السيدة فاتنة لوالد عربي صفحة 97، لربط الحالة الشعورية التي عاش فيها الوالد ما بين ما هو واقع، وما هو مرجو، كأن ذلك يربط الابن بوالده، حيث يرث تلك الازدواجية في النظرة للزوجة، التي يريدها على مقاس خاص، فلربما كلاهما، والأزواج العرب لم ينضجوا في النظرة للمرأة. أما عودة «الكردان» مرتبطا بجيلان التي أصلا كان قد أحبها ورغب بها، دون البوح لها، فهي إشارة إلى الكنز أولا وأخيرا هو الشعور الإنساني. صدرت الرواية عن دار الأهلية للنشر والتوزيع، 2024، ووقعت في 165 صفحة من القطع المتوسط. |