رشا عوض 

الهبوط الناعم في السياق السوداني معناه الحل التفاوضي مع من يمتلكون السلاح في اتجاه تحول ديمقراطي تدريجي تضغط نحوه القوى الناعمة (المجتمع المدني بتكويناته المختلفة والمثقفون والاعلاميون والمفكرون فضلا عن الاحزاب السياسية) بالوسائل السلمية إلى أن تتحقق الأهداف بتدرج وتمرحل في عملية بطيئة ولكنها تتحرك إلى الامام حركة يزيد ايقاعها حسب كفاءة ومثابرة المقاومة السلمية .


الهبوط الناعم هو الخيار الوحيد لكل معارضة او ثورة سلمية يواجهها نظام مدجج بالسلاح وهي لا تمتلك جيشا، وميزته الرئيسية اي الهبوط الناعم هي تقليل الكلفة الإنسانية ، طبعا الهبوط الناعم ليس مجانيا وله شهداء وضحايا ولكنهم اقل مقارنة بضحايا الحروب الشاملة بين جيشين او مليشيات .
مقابل الهبوط الناعم هو الهبوط الخشن ومن شروطه الأساسية امتلاك قوة مسلحة وهو خيار يمكن أن يقود الى تغيير حاسم وسريع وجذري ، وممكن تفلت الأمور إلى حرب أهلية اذا استبسلت قوى النظام القديم في القتال.
وفي كلتا الحالتين الخسائر في الأرواح فادحة والكلفة الإنسانية كبيرة جدا
الهبوط الخشن فاتورته هي موت بالجملة في زمن قياسي مثلما نشاهده الان في شوارع الخرطوم من حرب تسحق الأبرياء.
الذين يسخرون من الهبوط الناعم حتى ونحن تحت وطأة الحرب بكل ويلاتها يجب أن يكونوا شجعان ويقولو يجب أن نبني لأنفسنا جيوشا قادرة على معارك تكسير العظام تستطيع محاربة الدعم السريع وهزيمته ومحاربة الجيش وهزيمته ومحاربة كتائب الكيزان وهزيمتها ثم فرض البديل الثوري. يجب أن يكونوا صادقين ويصارحوا الشعب السوداني بانهم لا مانع لديهم من حروب تكسير العظام داخل المدن وان كابوس الرعب والدمار الذي نرزح تحته الان هو النموذج الثوري الذي يبشرون به! أن الدعم السريع والجيش لو جاء جيش احمر لاقتلاعهما معا كانا سيحاربانه معا بنفس طريقة حربهما الحالية التي نراها بأم أعيننا!
اصلا ، لا يوجد جيش احمر ولا نبلة ولا عصاية حمراء ! كل ما في الأمر هناك دعاية كيزانية تريد التغبيش والتشويش على الشعب السوداني فيما يتعلق بطبيعة الحرب الدائرة حاليا وهي بين فصيل انقلابي كيزاني مختطف لمظلة الجيش من جهة والدعم السريع من جهة اخرى، هذه الدعاية تريد التستر على الدور الأساسي للكيزان في المأساة عبر تشتيت الكورة وتحميل المسؤولية عن الحرب لجهات لا علاقة لها بالحرب اصلا، هذه الدعاية يرددها البعض بلا وعي، ويردها آخرون بوعي لخدمة أجندة الكيزان.
عندما تسخر من الهبوط الناعم بحجة انك تريد تغييرا جذريا وانت اعزل لا تمتلك مجرد عصاية او نبلة فهذا استهبال او جهل بمعنى الهبوط الناعم الذي تحول لدى المهرجين إلى شتيمة ووصمة تخوين!
( كيزان البرقع الاحمر) يرددون أن سبب الحرب الدائرة حاليا هي قوى الهبوط الناعم !!
يعني يا شاطرين لو كانت هناك قوى هبوط خشن حقيقية عندها جيش وجادة في التغيير الجذري، ورفضت التفاوض مع العسكر واختارت طريق المواجهة الخشنة معهم هل كان ذلك سيمنع الحرب الدائرة حاليا ام كان سيعجل بها ؟
قوى الهبوط الناعم هدفها اساسا تجنب المواجهة المسلحة مع النظام المسيطر على القوة العسكريية ، لانها اساسا قوى مدنية لا تمتلك ادوات الصراع المسلح، وحتى لو امتلكتها فان الصراع المسلح له اثار تدميرية كبيرة على الشعب والدولة كما نرى الان بام اعيننا، فضلا عن انه في اغلب التجارب يأتي بدكتاتورية بديلة بقيادة الطرف المنتصر.
من حق أي شخص التبشير باي فكرة ولكن لكل فكرة نهايات منطقية غير قابلة للمغالطة!
بدون الالتزام بالنهايات المنطقية يتحول الجدل السياسي إلى ورجغة وونسة ساي.

الوسومرشا عوض

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: رشا عوض الهبوط الناعم

إقرأ أيضاً:

فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي

فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي:
معتصم أقرع
مع بداية الحرب ظهرت أربع مواقف منها من أربع معسكرات هي:
1. معسكر الجنجويد وأنصارهم بالعلني أو العرفي.
2. معسكر داعم للجيش بلا شروط ولا تهمه قضايا الديمقراطية ومدنية الحكم.
3. معسكر معروف بمناصرة الديمقراطية في عشرات السنين وقف بحزم ضد الجنجويد ويري أنهم ليسوا بديلا مناسبا لجيش أو دولة مهما كانت عيوبهما . وقال هذا المعسكر أن من أهم أبعاد هذه الحرب إنها حرب الجنجويد ضد الدولة السودانية وضد المواطن السوداني المدني. ويري هذا المعسكر أن أولوية هذه اللحظة الحرجة هي التصدي لعنف الجنجويد وهذا لا يعني أي تغيير في مواقف هذا المعسكر المعروفة عن ضرورة المدنية والديمقراطية بعد صد الغزو الجنجويدي.
4. معسكر رابع جادل بان هذه حرب بين طرفين متساويين في السوء يصح الحياد فيها إذ إنها حرب بين جنجويد وكيزان أو جيش كيزان أو جيش خطفه الكيزان. وفي كل الأحوال هي حرب بين طرفي نزاع إجراميين بنفس درجة أو بفرق مقدار لا يهم. ولم يلاحظ هذا المعسكر وقع الحرب علي أكثر من أربعين مليون سوداني واكتفي بتشخيصه بانها حرب بين جنجا وكيزان أو جيشهم وكان الحرب تدور في صحراء بيوضة لا في بيوت الشعب وملابسه الداخلية.
يهمني هنا التعليق علي ما يترتب علي موقف آخر معسكرين.
مع إنتصارات الجيش، والفرحة العارمة التي عمت الشعب السوداني بالعودة إلي مدنه وقراه بعد طرد الجنجويد، لم ير معسكر الوقوف مع الدولة غضاضة في الإحتفال مع الشعب السوداني ولم يصبه أي حرج فرحي لان تشخيصه كان أنها حرب الشعب والدولة ضد غزو أجنبي علي يد ميليشا إقطاعية تملكها أسرة. وبالتالي فإن الإنتصار هو هو إنتصار الدولة والشعب وليس إنتصارا لكيزان أو دكتاتورية عسكرية وبالتالي فان الفرح حلال.
ويري هذا المعسكر أن النصر تم بفضل مقاومة واسعة من الشعب السوداني تكاملت مساهماتها في ميدان القتال وميادين السياسة والإعلام والتضامن الإجتماعي والتكايا. فهو ليس نصر المؤسسة العسكرية وحدها ولا نصر كيزان – مع وجود الإسهام الواضح والهام لهذين الكيانين، كيزان وجيش، كجزء من إسهام قطاعات الشعب الأخري.
إذن معسكر الوقوف مع الدولة السودانية ضد الغزو الأجنبي الهمجي يفرح ويحتفل مع الشعب السوداني بلا عقد ويري في فرحه إمتدادا لدفاعه عن سلامة الشعب والدولة بدون أي تماهي مع كيزان. ولا يعطي فرحه الجيش شيك علي بياض ولايتنازل قيد شعرة عن مواقف تاريخية داعية للديمقراطية والحكم الرشيد.
ولكن معسكر الحياد الذي قال أنها حرب بين جنجويد وجيش كيزان موجبة للحياد والتعويل علي توازن ضعف بين الطرفين (نظرية الدرون) يجد نفسه في ضيق هذه الأيام. فهو لا يستطيع أن يفرح بفرح الشعب لان كل نظريته عن الحرب يترتب عليها أن هذا النصر نصر الكيزان أو نصر جيش الكيزان.
ويترتب علي نظريته إن إحتفال الشعب بما أنجزه الجيش هو إحتفال بالكيزان وبالحكم العسكري. وهذا إستنتاج خاطئ بني علي تشخيص خاطئ، فهذا الشعب يحتفل بوجود جيش ومؤسسات دولته وهي تقوم بواجبها الدستوري ويحتفل بحقه في الحياة الامنة ولا يحتفل بدكتاتورية أو كيزان قال رايه فيهما في ١١ أبريل ٢٠١٩ . التحليل الخاطئ لطبيعة الحرب في النهاية يهدي هذا النصر للكيزان والجيش وهذا ربما هو أشهر هدف يحرزه فريق سياسي في مرماه.
وكل هذا لا يعني أن مستقبل السودان قد تم حسمه. إذ يظل المستقبل مفتوحا علي إحتمالات مرعبة مثل مضاعفة التدخل الخارجي ووصول جماعات جهادية أجنبية وإنهيار شامل لما تبقي من أجهزة الدولة. هذه إحتمالات تظل موجودة ولكنها لا تغير في مغزي هذا المقال ولا تطعن فيه وإنما تشير لاهمية العودة للتموقع الصحيح في هذه الحرب، قبل فوات الأوان، والكف عن القبول بدمار الوطن نكاية بكيزان أصابوا عقل صفوة معتوهة بالهوس وشيئ من الكبسة.
ومن هنا يتضح أن النجاح السياسي التاريخي للكيزان لم يكن نتيجة لعبقرية خاصة وإنما لضعف خصومهم النظري والحركي. يكفي الكيزان الجلوس في بروش صلاتهم ليتلذذوا بمنظر خصومهم يحرقون أنفسهم كموكب جثث هندوسى عزل نفسه من شعب واطلق النار علي أنصاره الحقيقيين.
ولو سكت معسكر الحياد وفقد الشغف كما يفعل الآن، تتضح له ولخصومه عزلته عن الشعب في أهم واصعب تجربة في تاريخه. وهذه العزلة عن الشعب في خضم محنة تاريخية ستترتب عليها فواتير سياسية صعبة في مستقبل الأيام.
نلاحظ أن أعدادا كبيرة من هذا المعسكر تنازلت وافتت بجواز الفرح بخروج الجنجويد من مدني وسنجة وغيرهما (ثانك يو، لقد كان الشعب حقا في حوجة لهذه الرخصة) .
بدا خيار الحياد أسهل واكثر أمنا وحفظا للطهارة السياسية في البداية مع ما به من خذلان لشعب تم إغتصابه حرفيا ومجازا ولكنه يبدو مكلفا الآن وربما أرتفعت تكاليفه مع مستقبل الأيام لانه – إضافة للعزلة عن فرح الشعب فان هذا الموقف- وفر حبلا غليظا لشنق هذا المعسكر علي مقصلة خصومه ومنافسيه في الساحة السياسية. وسيسأل كثيرون في المستقبل عمن أحرز هذا الهدف في مرماهم إذ هو هدف ذاتي لم يحرزه لا كيزان ولا جيش.
أعتقد أن الفتوي بجواز الفرح بخروج الجنجويد لا تكفي. لان قانون الذكاء الأول يقول بأن تتوقف عن الحفر لو وجدت نفسك مزنوق في بئر. أو إذا أكتشفت أنك في القطار الخطأ عليك النزول في أول محطة لان تاخير النزول سيضاعف مسافة وكلفة العودة.
العبرة هي أن ما يبدو خيارا سهلا في بداية قد يكون الأكثر كلفة في قادم الأيام. وان هناك لحظات تاريخية لا تتوفر فيها خيارات سهلة أو كاملة النظافة. واهم من ذلك أن أسس بيع المخدرات ألا يتعاطي التاجر من البضاعة التي يبيعها لان في ذلك تدميره. كذلك في السياسة، لا تصدق دعايتك عن نفسك ولا عن أعداءك حتي لو كانوا كيزان. بل شيد مواقفك علي التحليل العلمي لا علي أساس دعاية مريحة كالأفيون.
المهم، إحنا فرحانين أوي أوي لا حرج فيها بفرحة الشعب وهزيمة الجنجويد ولا نري في ذلك تماهيا مع كوز أو حكم عسكري وسنظل ندعو للديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان.
ولا نري أن الدفاع عن حق الدولة في الوجود وحق المواطن في السلامة ورفض الغزو الأجنبي – لا نري في أي من ذلك دليلا علي تورط في إبادات حدثت في رواندا في عام ١٩٩٤ أو في أم برمبيطة السودانية في عام ٢٠٢٦.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الحرب النفسية الترامبية ... والأمن القومي
  • جولد بيليون: جني الأرباح يدفع سعر الذهب نحو الهبوط في البورصة العالمية
  • جولد بيليون: جني الأرباح يدفع الذهب نحو الهبوط في البورصة العالمية
  • أنابيلا هلال ترسم قوامها الساحر بالمخمل الناعم (صور)
  • فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي
  • توسيع الحرب في الضفة ومخطط التهجير
  • تحذير من انتشار شيكولاتة في الأسواق الليبية بسبب احتوائها على مواد محظورة
  • السودان.. مصرع 6 أشخاص في قصف مليشيا الدعم السريع مستشفي بالخرطوم
  • منصور يجدد دعوة مجلس الأمن للتحرك السريع لحماية الشعب الفلسطيني ومحاسبة إسرائيل
  • مصادر: مقـ.تل قائد كبير لميليشيا الدعم السريع