العلماء يقتربون من الإجابة على السؤال الأصعب: هل للأسماك مشاعر؟
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
بغداد اليوم - متابعة
يبدو أن العلماء يقتربون من الإجابة على حقيقة وجود مشاعر لدى الأسماك، بعد أن كشفت دراسات حديثة أن بعض أنواع الأسماك قد تكون قادرة على التعلم، والشعور بالألم، وحتى تكوين علاقات.
وأثارت نتائج دراسة حديثة أجرتها جامعة أوساكا باليابان، جدلا واسعا في الأوساط العلمية عندما كشفت أن سمكة "المنظف" الاستوائية الصغيرة يمكنها اجتياز اختبار التعرف على الذات في المرآة، وهو اختبار معياري وحاسم لإثبات الوعي الذاتي لدى الحيوانات، حسبما أوردت صحيفة "الغارديان".
ويتحدى هذا الاكتشاف، الذي وصفه، كولوم براون، الأستاذ من جامعة ماكواري بأستراليا، بأنه "الأروع على الإطلاق"، المفاهيم السائدة حول ذكاء الأسماك وقدراتها المعرفية.
ورغم أن الدراسة استغرقت خمس سنوات قبل نشرها وواجهت رفضا من بعض العلماء، إلا أنها تسلط الضوء وفقا للصحيفة على التحيز ضد فكرة ذكاء الأسماك وتوفرها على مشاعر وتثير تساؤلات مهمة بشأن كيفية معاملتنا لهذه المخلوقات.
ويقول براون، الذي يدرس سلوك الأسماك، إن الأبحاث الجديدة تظهر أن الأسماك قد تكون قادرة على التعلم والتذكر لفترات طويلة، موضحا أنه حتى أسماك القرش، التي غالبا ما يُساء فهمها، تظهر ذكاء وفضولا مثيرا للاهتمام.
وفي دراسة أخرى، أجرت لين سنيدون في جامعة غوتنبرغ، تجارب على سمك السلمون المرقط الذي أظهر استجابات جسدية وسلوكية تتوافق مع الشعور بالألم.
غير أنه في المقابل، يلفت علماء آخرون إلى عدم التسرع في الاستنتاجات. وفي هذا الصدد، يوضح الأستاذ المشارك نيك لينغ، عالم البيئة السمكية من جامعة وايكاتو، بأن هناك "هناك آلاف الأنواع المختلفة من الأسماك"، مضيفا أن "ما ينطبق على نوع واحد قد لا ينطبق على جميعها".
ويضيف أنه في علم الأحياء، ليست المفاهيم مثل الألم والشعور ثنائية أو بسيطة، مشيرا "هذه الأشياء التي نحاول فهمها في الحيوانات الأخرى، مثل المشاعر والعواطف والوعي والألم هي أشياء معقدة حقا، لأن الحيوان الوحيد الذي نعرف أنه يمر بهذه الأشياء هو أنفسنا".
في المقابل، يوضح براون، أنه "رغم تعقيد النقاشات حول شعور الأسماك وإدراكها للألم، فإن الاستنتاج بسيط. إذا كانت الأسماك قادرة على المعاناة والشعور بالتجارب السلبية، فمن واجبنا الأخلاقي منع ذلك كلما أمكن."
ويختتم براون بدعوة لمعاملة الأسماك باحترام مساوٍ لما نوليه للحيوانات الأخرى، قائلا: "يجب أن نعامل السمكة بنفس اللياقة والاحترام الذي نمنحه لجميع الحيوانات الأخرى.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
أشرف غريب يكتب: السؤال المباغت والإجابة اليقينية
سألني أحد الأصدقاء سؤالا مباغتا عن الشعر والموسيقى وأيهما له العظمة والصدارة؟ وذلك على خلفية مقال قديم وقع في يده بالصدفة يحمل توقيع الشاعر الكبير فاروق جويدة، يستذكر فيه نقاشا جمع بينه وبين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، تمحور حول السؤال ذاته: أي الفنون أعظم.. الشعر أم الرسم أم الموسيقى؟
يومها قال جويدة لعبدالوهاب إنّ فن الموسيقى هو الأعظم، متصورا أنّ هذا القول سوف يلقى هوى في نفس موسيقار كبير بقيمة محمد عبدالوهاب، لكن موسيقار الأجيال فاجأه برأي مخالف مفاده إنّ الشعر هو الأعظم لأن في البدء كان الكلمة، وأنّ الشعر هو أبو الفنون، وهو ديوان الأمم والشعوب، لا سيما أمة العرب، وفيه الموسيقى من خلال الأوزان والتفعيلات، وبه الرسم عن طريق التصوير البليغ الذي قد يفوق أعظم الرسامين.
المدهش في الأمر أنّ أيا من الرجلين (جويدة وعبدالوهاب) لم ينحز للفن الذي أبدع فيه وأخلص له بل وأفنى فيه عمره، وإنما رجّح كفة اللون الآخر من الإبداع، مدافعا بحيادية تامة ودون تأثر عن وجهة نظره المجردة من الميل الشخصي.
وقد أحيت هذه المساجلة بين جويدة وعبدالوهاب في نفسي السؤال ذاته الذي فاجأني به الصديق العزيز، ووجدتني أنحاز لوجهة نظر فاروق جويدة التي ترى أن الموسيقى هي أعظم الفنون، ليس فقط لأنها -كما قال الشاعر الكبير- لغة عالمية تخاطب الوجدان البشري في كل زمان ومكان، بعكس الشعر الذي يحتاج إلى لغة مشتركة بين المبدع والمتلقي كي تؤتي الكلمة أثرها ويصل معناها للناس.
أو اللوحة التشكيلية التي قد تحتاج إلى مفسر لما يقصده مبدعها، لا سيما إذا كانت سريالية تجريدية عبثية أو ميتافيزيقية أو شيئا من هذا القبيل، فضلا عن طبيعة متلقيها من صفوة المثقفين والمتذوقين، وإنما أيضا لأن الموسيقى إبداع خالص، خلق من عدم.
فالشعر هو استحضار من المبدع لحصيلته اللغوية وإعادة صياغتها وفق قواعد وأسس معينة تراعي حُسن البيان وجرس الموسيقى كي تعبر في مصنف جديد عن خاطرة أو فكرة بعينها، لكنه في النهاية يستند إلى كلمة موجودة بالفعل لأن في البدء كان الكلمة، وإلى مواقف حياتية مر بها أو سمع عنها من تجارب الآخرين.
ولا شك أيضا في موهبة الرسام وقدرته الإبداعية، لكنه بالأساس يستخدم ألوانا من صنع الطبيعة يحاكي بها كذلك شيئا له مثيل في الطبيعة حتى لو كان يعبر عن مكنون بداخله، ومهما استعصت اللوحة التشكيلية على متلقيها فهي في النهاية خطوط وألوان وظلال وكتل وفراغات أعيد تشكيلها وصياغتها وفق وجهة نظر مبدعها، ثم إن الطفل الصغير يستطيع أن يرسم دون معلم، وقد يحاول نظم الشعر حتى ولو بصورة بدائية.
أما الموسيقى فالأمر يختلف تماما، نعم الكون كله بجميع كائناته قائم على الموسيقى، لكنك لا تسمع الكروان يغرد مثلا من مقام «دو ماجير» عند الغرب، أو العصفور يزقزق من مقام «الراست» عند الشرق، أو عن طفل أجاد العزف والتأليف الموسيقى بالسليقة دون معلم إلا فيما ندر بين النوابغ والفلتات.
الموسيقى -كما أراها- إبداع خالص من العدم يخص صاحبه، ولا يتشابه فيه مع غيره إلا إذا قصد التقليد، والموسيقار حين يجلس إلى آلته الموسيقية لا يستدعي من ذاكرته لا كلمة يعرفها ولا صورة رآها، ولا نغمة سمعها من الطبيعة، وإنما يترك روحه الخلاقة تقوده إلى أنغام لم يكن يعرف عنها شيئا قبل الجلوس إلى آلته.
بل إن هناك عباقرة موسيقيين يكتبون موسيقاهم على الورق مباشرة دون الحاجة إلى آلة موسيقية، وأفذاذ منهم -كبيتهوفن في سنواته الأخيرة- لا يستمعون حتى إلى ما يبدعونه، ثم أنت في النهاية أمام مصنف إبداعي لا شبيه له في الحياة قادر على توحيد الوجدان الجمعي والتأثير فيه ومخاطبة كافة أجناس البشر في كل زمان ومكان، وأنت في كل الأحوال تستطيع أن تستغني عن الشعر أو الرسم، لكنك أبدا لا يمكنك العيش بلا موسيقى حتى بمعناها البسيط، وأذكر أنني يوما سألت الموسيقار عمر خيرت: هل تصورت الحياة بلا موسيقى؟ فكان جوابه: لن تكون حياة.
وكان الفنان حسين بيكار متعدد المواهب يقول إنه يقتات من الرسم، وكلماته لا تخلو من الصنعة والتصنع، أما جلوسه إلى آلته الموسيقية (كان يجيد العزف على البوزق) فهي اللحظة الوحيدة التي يخلو فيها إلى نفسه بمنتهى الصدق من دون الحاجة إلى فنون الحرفة ومتطلباتها، فيما كان المبدع صلاح جاهين -متعدد المواهب هو الآخر- يقول إن انحيازه للرسم راجع إلى تميزه فيه، لكن ربما لو كان قد فلح في تعلم الموسيقى تعليما حقيقيا لفضّلها على كل ما حباه الله من مواهب.