صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-25@19:07:10 GMT

ما بين موت دنيا وولادة اخرى

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

ما بين موت دنيا وولادة اخرى

وجدي كامل

بعض مما نجيده، وقد نتميز، ونتفنن في انكاره، وفي هذه الاثناء من التطورات الدقيقة من سير الحرب هو عدم الاعتراف بزوال حقبة مهمة من حياة المجتمع المدني او الحضري بالسودان، والذي اتخذ مبنى ثقافته، وتفاصيل مكوناته من اسلوب حياة في العديد من المدن السودانية الكبيرة (المنتهكة)، وفي اولها مكونات العاصمة المثلثة نفسها بما لحق بسكانها من خراب مركب ومعقد.


وكتفسير لذلك يجدر ذكر ان ما نشهده حاليا من عنف عسكري ممنهج لاخوان وبادية متأسلمين بتهجم على البنيات الثقافية وخزينها من آثار، وتذكارات، وباكثر من اعتداء ماكر، لا يعني انهيار المباني فقط، بقدر ما يعني انهيار المعاني. فالانقاذ وبعمل خبيث دائم، مستمر من التنظيم قد اكتشفت، ومنذ بداياتها، ان التناقض بين مشروعها لاقامة السلطة الكاملة يحكمه تناقض بائن مع وجود المدنية، على قلة حيلتها، وعلاقاتها بمشروع حداثوي حقيقي، او حتى محتوى تمظهراتها كتركة هجين بين التطور الثقافي المحلي والكولونيالي، وبانها، اى تلك المدنية الهشة المتضعضعة تشكل حجر عثرة في طريق الحلم الاخواني بان يحكم.
ومن نافل القول وصف ان مؤسسات الطبقة الوسطى بنمط انتاجها الخدمي المتصل ببقايا دولة كولونيالية، ورغم تناقضاتها، وتجاذباتها بين التقليد والحداثة، قد قاومت، ولعقود ما بعد الاستقلال ضربات التنظيم الموجهة المتكررة في سبيل الاطاحة بها، وبحمولاتها من الثقافة السياسية، و الاجتماعية، والفنية، والادبية منذ اطلاق النسخة الاولى من المطالبة بالدستور الاسلامي في نهاية الخمسينيات بالمطالبة التطبيقية لعام 68، حتى تمكن التنظيم من التسلل مخاتلا الى مراكز صناعة القرار في العشرية الثانية من حكومة 25 مايو، ما بعد مصالحة 78، وتدرجه في السيطرة التي دانت له باصدار قوانين سبتمر ٨٣. واذا كانت ثمة حرب صامتة قد صنعت، واستطاعت الانتشار المتدرج. فقوانين سبتمبر كانت قد شكلت المعمل التخصيبي ، والداعم الخفي لتلك الحرب الثقافية والاعلامية الناعمة تارة، والخشنة تارة اخرى للطبقة الطفيلية الاسلاموية الصاعدة، بما انتجته من تشوهات هيكلية ومفاهيمية في الاخلاق الاجتماعية، كما بنية السلطة السياسية، ومعايير وجدوى الحكم لما سيلي من سلطة بعد الانتفاضة ببذر الفتنة والتهشيم لوحدة ما تسمى بالقوى الحديثة عن طريق وضع عصي الدين في عجلة التحول الديمقراطي لاثارة الحساسية الدينية منعا لاي تغيير يرمي لدعم البناء المدني وتطويره، دعك من تجذير ممكن للديمقراطية الثقافية بواسطة القوانين العلمانية، ونشر مفاهيمها التربوية اللازمة لتأسيس الحقبة الجديدة من التطور.
لقد بدا واضحا ومؤكدا، ومنذ انتفاضة مارس ابريل 85 ان اي تغيير لا يمس الغاء قوانين سبتمبر سيصبح تغييرا بلا محتوى، وان الانتقال الديمقراطي سيكون بلا اجنحة او ضفاف بان يصبح مجرد امنية في عقل قوى التغيير المدنية من منظمات، وتنظيمات سياسية. وهكذا اثبتت الايام، وافصحت التجارب وبعلاقة مباشرة بحرب الجنوب، وتشكل الحركة الشعبية لتحرير السودان، مرورا بالانتفاضة ان بقاء قوانين سبتمر، وعلى الرغم من انتفاض الشعب على حكم الفرد قد شيد المتاريس البنيوية في خلق الانطلاقات الحقيقية للحكم الديمقراطي، وان الانتفاضة التي مهرها اسهام اعدام الاستاذ محمود محمد طه في الاشعال ومقاومة القوانين الاستبدادية، المسماة غشا بالشريعة، لم تفلح القوى السياسية المدنية من الغائها رغم تصريحات الراحل الامام الصادق المهدي بانها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، واجتماع راى العديد من القوى على عدم جدواها وبؤس نتائج تطبيقها.
وهكذا وبعد وقوع انقلاب الثلاثين من يونيو ٨٩، وانقضاء ثلاثة عقود ونيف من حكم التنظيم الاخواني بكل دراماتيكية وتراجيدية التطور الخاص بطبيعته، من الحفاظ وتثبيت العمل بقوانين سبتمبر رغبة في التخلص والانقضاض النهائي على بنية المدنية. بعد نحو ثلاثة عقود من حكم القوانين الجائرة واضافة قوانين اخرى كالقانون الجنائي، وتصعيد حرب الجنوب على الجبهات المتعددة، والقسوة في ذات الوقت على المقاومة بالزج بممثليها في بيوت الاشباح واضطهاد النساء والتنكيل بهن، ومراكمة راسمال القمع، وبعد انفجار ثورة ديسمبر ٢٠١٨ بذلك الزخم والقوة الا ان ان القوانين ظلت سارية، ومحمية حتى من قوى واحزاب تعرف نفسها حتى اللحظة كقوى معارضة للانقاذ والاسلام السياسي. غير ان ما يهم هنا ذكر ان الثورة، وبكل ما حملت من غضب وبسالة قد اثارت حفيظة الاخوان المسلمين الذين كانوا قد وضعوا، وبتقديراتهم للحفاظ على السلطة، كل ما يجعلهم مطمئنين الى ان من المستبعد القضاء على حكمهم بعد ان وضعوا ووفروا له كل الضمانات المادية والعسكرية والامنية التنظيمية.
ان تطورات الثورة بما رافقها من خذلان جماهيري لازم نشاط الجهاز التنفيذي المتقاسم، او بالاحرى المتحالف في الحكم مع اللجنة الامنية والدعم السريع قد لعب دوره في خلق المواجهة بين التنظيم المختبئ في اللجنة ورموزها العسكرية والدعم السريع ( بنحو ايديولوجي ) وبنحو تسبب في اعطاء الايديولوجيا ذات الرأسين من كتابة الموقعة والمواقعة الجهنمية الاخيرة لها مع الوجود المدني الاجتماعي والثقافي بما اتخذه من تعبيرات هدم البشر واقتلاعهم من جغرافياتهم باعتبارهم بشرا حاملين ل (فايروس) المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي برغم مكايدة الدعم السريع للتنظيم الاخواني باصطفافه لاجل ذلك الهدف والذي لا يعني لديه اكثر من توفر لصناديق انتخاب تملكه وتمتلكه كل الثقة في اكتساحه لها بالمال.
نخلص الى ان ما يتم حاليا من حرب شعواء، ومهما تعددت التفاسير، فانها حرب ثنائية، القاسم المشترك لها، وفي نهاية المطاف المجتمع المدني وانسانه المستهدف بلغة عنف من القتل، والتهجير، والنهب، وتحطيم البنى، ومحو هويات الاماكن تمهيدا للقضاء على ذاكرتها التي لا تزال تقاوم بواسطة من تبقى من الاحياء من بشر، والذين، ومهما تكابروا، واسهبوا في العناد فانهم لا بد لهم من اعتراف انهم قد ودعوا حقبة من الحياة، بان اصبحت ماضيا، وماتت منهم دنيا، وتبقت اخرى في انتظار ما سيطرا لاحقا.
يبقى السؤال في هل ما رمت له الايديولوجيا الاخوانية المنشطرة بين الجيش والدعم السريع سوف يمر على عكس ما اشتهت سفنها؟ ام سينتج ذلك جديدا على مستقبل المدنية السودانية بتأسيس ديمقراطي منظم، وعصري خلاق لنفسها وفق ثقافة سياسية جديدة واسلوب حكم راشد وعادل؟ ام انها ستعود لاختراع ذات العجلة بكامل اعطابها القديمة، الموروثة؟

الوسوموجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

«التنظيم والإدارة» يعلن نتيجة امتحان وظائف جهاز شئون البيئة.. والتظلمات غدا

أتاح الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، برئاسة الدكتور صالح الشيخ، اليوم، الاستعلام عن نتيجة الامتحان الشفوي، للمتقدمين في مسابقة شغل وظائف باحث بيئي بجهاز شئون البيئة، وذلك على موقع بوابة الوظائف الحكومية https://jobs.caoa.gov.eg/

وأوضح «التنظيم والإدارة» في بيان اليوم السبت، أنه من المقرر إتاحة التظلم على نتيجة الامتحانات بدءا من غدا، الأحد 24 نوفمبر الجاري ولمدة أسبوعين.

أضاف البيان أن الجهاز كان قد أعلن أول أبريل الماضي، عن حاجة جهاز شئون البيئة التابع لوزارة البيئة لتعيين عدد 24 في وظيفة باحث شئون بيئة ثالث بالمستوى الوظيـفي الثــالث (ج)، وذلك وفقاً لأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية.

وقام بفتح باب التقديم في الفترة من  17/4/2024 حتى 30/4/2024، على موقع بوابة الوظائف الحكومية، ثم أجرى الامتحان الإلكتروني للمتقدمين الذين انطبقت عليهم شروط خوض المسابقة يوم 2 يوليو الماضي بمركز تقييم القدرات والمسابقات بالجهاز، وأعلن نتيجته يوم 15 من نفس الشهر، كما عقد الامتحان الشفوي في الفترة من 3 حتى 5 نوفمبر الجاري.

مقالات مشابهة

  • لجان الشورى تناقش مشروعات قوانين وخطط عملها لدور الانعقاد الثاني
  • التمييز في القبول الجامعي: رسوم مقابل المقاعد
  • ضيف الله يوافق علي تعديلات سجل المستوردين ويطالب بإصلاحات في قوانين الاستيراد
  • بدء الجلسة العامة لمجلس "الشيوخ" لمناقشة 3 مشروعات قوانين
  • 3 مشروعات قوانين معروضة أمام مجلس الشيوخ غدًا (تفاصيل)
  • «التنظيم والإدارة» يعلن نتيجة امتحان وظائف جهاز شئون البيئة.. والتظلمات غدا
  • اختتام ورشة تدريبية حول قوانين المنافسة وحماية المستهلك في بنغازي
  • دنيا سمير غانم تقدم تعازيها لـ مي عز الدين في وفاة والدتها
  • دنيا سمير غانم تخطف الأنظار بهذه الإطلالة| شاهد
  • الغويل: ملتزمون بتعزيز الاقتصاد الليبي من خلال تطبيق قوانين المنافسة