صحيفة التغيير السودانية:
2025-01-30@19:00:19 GMT

ما بين موت دنيا وولادة اخرى

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

ما بين موت دنيا وولادة اخرى

وجدي كامل

بعض مما نجيده، وقد نتميز، ونتفنن في انكاره، وفي هذه الاثناء من التطورات الدقيقة من سير الحرب هو عدم الاعتراف بزوال حقبة مهمة من حياة المجتمع المدني او الحضري بالسودان، والذي اتخذ مبنى ثقافته، وتفاصيل مكوناته من اسلوب حياة في العديد من المدن السودانية الكبيرة (المنتهكة)، وفي اولها مكونات العاصمة المثلثة نفسها بما لحق بسكانها من خراب مركب ومعقد.


وكتفسير لذلك يجدر ذكر ان ما نشهده حاليا من عنف عسكري ممنهج لاخوان وبادية متأسلمين بتهجم على البنيات الثقافية وخزينها من آثار، وتذكارات، وباكثر من اعتداء ماكر، لا يعني انهيار المباني فقط، بقدر ما يعني انهيار المعاني. فالانقاذ وبعمل خبيث دائم، مستمر من التنظيم قد اكتشفت، ومنذ بداياتها، ان التناقض بين مشروعها لاقامة السلطة الكاملة يحكمه تناقض بائن مع وجود المدنية، على قلة حيلتها، وعلاقاتها بمشروع حداثوي حقيقي، او حتى محتوى تمظهراتها كتركة هجين بين التطور الثقافي المحلي والكولونيالي، وبانها، اى تلك المدنية الهشة المتضعضعة تشكل حجر عثرة في طريق الحلم الاخواني بان يحكم.
ومن نافل القول وصف ان مؤسسات الطبقة الوسطى بنمط انتاجها الخدمي المتصل ببقايا دولة كولونيالية، ورغم تناقضاتها، وتجاذباتها بين التقليد والحداثة، قد قاومت، ولعقود ما بعد الاستقلال ضربات التنظيم الموجهة المتكررة في سبيل الاطاحة بها، وبحمولاتها من الثقافة السياسية، و الاجتماعية، والفنية، والادبية منذ اطلاق النسخة الاولى من المطالبة بالدستور الاسلامي في نهاية الخمسينيات بالمطالبة التطبيقية لعام 68، حتى تمكن التنظيم من التسلل مخاتلا الى مراكز صناعة القرار في العشرية الثانية من حكومة 25 مايو، ما بعد مصالحة 78، وتدرجه في السيطرة التي دانت له باصدار قوانين سبتمر ٨٣. واذا كانت ثمة حرب صامتة قد صنعت، واستطاعت الانتشار المتدرج. فقوانين سبتمبر كانت قد شكلت المعمل التخصيبي ، والداعم الخفي لتلك الحرب الثقافية والاعلامية الناعمة تارة، والخشنة تارة اخرى للطبقة الطفيلية الاسلاموية الصاعدة، بما انتجته من تشوهات هيكلية ومفاهيمية في الاخلاق الاجتماعية، كما بنية السلطة السياسية، ومعايير وجدوى الحكم لما سيلي من سلطة بعد الانتفاضة ببذر الفتنة والتهشيم لوحدة ما تسمى بالقوى الحديثة عن طريق وضع عصي الدين في عجلة التحول الديمقراطي لاثارة الحساسية الدينية منعا لاي تغيير يرمي لدعم البناء المدني وتطويره، دعك من تجذير ممكن للديمقراطية الثقافية بواسطة القوانين العلمانية، ونشر مفاهيمها التربوية اللازمة لتأسيس الحقبة الجديدة من التطور.
لقد بدا واضحا ومؤكدا، ومنذ انتفاضة مارس ابريل 85 ان اي تغيير لا يمس الغاء قوانين سبتمبر سيصبح تغييرا بلا محتوى، وان الانتقال الديمقراطي سيكون بلا اجنحة او ضفاف بان يصبح مجرد امنية في عقل قوى التغيير المدنية من منظمات، وتنظيمات سياسية. وهكذا اثبتت الايام، وافصحت التجارب وبعلاقة مباشرة بحرب الجنوب، وتشكل الحركة الشعبية لتحرير السودان، مرورا بالانتفاضة ان بقاء قوانين سبتمر، وعلى الرغم من انتفاض الشعب على حكم الفرد قد شيد المتاريس البنيوية في خلق الانطلاقات الحقيقية للحكم الديمقراطي، وان الانتفاضة التي مهرها اسهام اعدام الاستاذ محمود محمد طه في الاشعال ومقاومة القوانين الاستبدادية، المسماة غشا بالشريعة، لم تفلح القوى السياسية المدنية من الغائها رغم تصريحات الراحل الامام الصادق المهدي بانها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، واجتماع راى العديد من القوى على عدم جدواها وبؤس نتائج تطبيقها.
وهكذا وبعد وقوع انقلاب الثلاثين من يونيو ٨٩، وانقضاء ثلاثة عقود ونيف من حكم التنظيم الاخواني بكل دراماتيكية وتراجيدية التطور الخاص بطبيعته، من الحفاظ وتثبيت العمل بقوانين سبتمبر رغبة في التخلص والانقضاض النهائي على بنية المدنية. بعد نحو ثلاثة عقود من حكم القوانين الجائرة واضافة قوانين اخرى كالقانون الجنائي، وتصعيد حرب الجنوب على الجبهات المتعددة، والقسوة في ذات الوقت على المقاومة بالزج بممثليها في بيوت الاشباح واضطهاد النساء والتنكيل بهن، ومراكمة راسمال القمع، وبعد انفجار ثورة ديسمبر ٢٠١٨ بذلك الزخم والقوة الا ان ان القوانين ظلت سارية، ومحمية حتى من قوى واحزاب تعرف نفسها حتى اللحظة كقوى معارضة للانقاذ والاسلام السياسي. غير ان ما يهم هنا ذكر ان الثورة، وبكل ما حملت من غضب وبسالة قد اثارت حفيظة الاخوان المسلمين الذين كانوا قد وضعوا، وبتقديراتهم للحفاظ على السلطة، كل ما يجعلهم مطمئنين الى ان من المستبعد القضاء على حكمهم بعد ان وضعوا ووفروا له كل الضمانات المادية والعسكرية والامنية التنظيمية.
ان تطورات الثورة بما رافقها من خذلان جماهيري لازم نشاط الجهاز التنفيذي المتقاسم، او بالاحرى المتحالف في الحكم مع اللجنة الامنية والدعم السريع قد لعب دوره في خلق المواجهة بين التنظيم المختبئ في اللجنة ورموزها العسكرية والدعم السريع ( بنحو ايديولوجي ) وبنحو تسبب في اعطاء الايديولوجيا ذات الرأسين من كتابة الموقعة والمواقعة الجهنمية الاخيرة لها مع الوجود المدني الاجتماعي والثقافي بما اتخذه من تعبيرات هدم البشر واقتلاعهم من جغرافياتهم باعتبارهم بشرا حاملين ل (فايروس) المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي برغم مكايدة الدعم السريع للتنظيم الاخواني باصطفافه لاجل ذلك الهدف والذي لا يعني لديه اكثر من توفر لصناديق انتخاب تملكه وتمتلكه كل الثقة في اكتساحه لها بالمال.
نخلص الى ان ما يتم حاليا من حرب شعواء، ومهما تعددت التفاسير، فانها حرب ثنائية، القاسم المشترك لها، وفي نهاية المطاف المجتمع المدني وانسانه المستهدف بلغة عنف من القتل، والتهجير، والنهب، وتحطيم البنى، ومحو هويات الاماكن تمهيدا للقضاء على ذاكرتها التي لا تزال تقاوم بواسطة من تبقى من الاحياء من بشر، والذين، ومهما تكابروا، واسهبوا في العناد فانهم لا بد لهم من اعتراف انهم قد ودعوا حقبة من الحياة، بان اصبحت ماضيا، وماتت منهم دنيا، وتبقت اخرى في انتظار ما سيطرا لاحقا.
يبقى السؤال في هل ما رمت له الايديولوجيا الاخوانية المنشطرة بين الجيش والدعم السريع سوف يمر على عكس ما اشتهت سفنها؟ ام سينتج ذلك جديدا على مستقبل المدنية السودانية بتأسيس ديمقراطي منظم، وعصري خلاق لنفسها وفق ثقافة سياسية جديدة واسلوب حكم راشد وعادل؟ ام انها ستعود لاختراع ذات العجلة بكامل اعطابها القديمة، الموروثة؟

الوسوموجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

تقرير رسمي: 31 مليون مغربي(ة) يستخدمون فايسبوك و غياب قوانين تحمي الأطفال قد يؤدي إلى الإنتحار

زنقة 20 ا الرباط

أكد أحمد رضا الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن حوالي تسعة من أصل عشرة أشخاص يستخدمون المنصات الاجتماعية ، كما بلغت نسبة استخدام الأطفال دون سن 18 سنة لهذه المنصات حوالي 97 % مع بداية عام 2024.

وأوضح رضا الشامي في معرض كلمته التي ألقاها خلال تقديم خلاصات رأي المجلس حول “حماية الأطفال في البيئة الرقمية” صباح اليوم الخميس بمقره بالرباط، أن عدد المغاربة الذين يستخدمون الإنترنت يصل إلى 31 مليونا فايسبوك، بينما بلغ عدد مستخدمي اليوتيوب 28 مليونا، ولدى الأسر طفلان من أصل ثلاثة يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي.

وقال أحمد رضا الشامي، إن تركيز المجلس على هذا الموضوع يعود إلى تزايد الخدمات المرتبطة بالإنترنت والتجهيزات الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية، وتطبيقات التراسل الفوري وبرمجيات الذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى أنه لا يخفى على أحد التحول الرقمي المتواصل الذي يعرفه العالم، وهو مسار لا رجعة فيه يتيح فرصا مهمة للأطفال في تعزيز نموهم الشخصي، وتحرير قدراتهم التعبيرية والإبداعية، وتوسيع آفاقهم المعرفية، كما يتيح لهم إمكانيات لا محدودة للانخراط في الأنشطة التفاعلية والترفيهية المتنوعة.

وكشف الشامي عن الدراسات التي أكدت أن الاستخدام المفرط وغير الملائم لهذه التكنولوجيات والمنصات الرقمية يؤثر سلبا على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، ويؤدي إلى عواقب وخيمة مثل السلوكيات الإدمانية، والعنف، واضطرابات القلق، والانغلاق على الذات، والعزلة، وإيذاء النفس، واضطرابات النوم، ومشاكل التركيز، والاكتئاب، بل ومحاولات الانتحار في بعض الحالات.

وشدد على أن هذه المخاطر تتضاعف في ظل غياب الآليات القانونية والتكنولوجية الملائمة لحماية الأطفال وضبط دخولهم إلى البيئة الرقمية.

وأشار إلى أن هذا التحدي مطروح على الصعيد العالمي، وتعاني منه مختلف البلدان، خاصةً أن الالتزامات الدولية والتشريعات الوطنية ذات الصلة بحقوق الطفل تبقى غير كافية لمواجهة العواقب المحتملة الناتجة عن استخدام الأطفال للتقنيات الرقمية، بما في ذلك التعرض للتحرش، والاستغلال الجنسي، والعنف، والابتزاز.

وسجل أن هناك ترددا وحيرة لدى الأسر بين سلبيات وإيجابيات دخول الأطفال إلى الفضاء الرقمي، وقد ظهر ذلك من خلال الاستشارة التي أجراها المجلس، حيث صرح 58% من المشاركين بأن شبكات التواصل الاجتماعي ليست مفيدة للأطفال، بينما رأى 42% أنها قد تحمل آثارا إيجابية محتملة بدءا من سن 15 سنة.

وأعرب 69% عن قلقهم من سوء استخدام الأطفال لهذه المنصات، بينما اعتبر أغلب المشاركين أنها تشكل خطرا كبيرا على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة.

وأوصى المجلس بإرساء بيئة رقمية شاملة توفر حماية للأطفال، ومضاعفة جهود التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، خاصة من خلال إدماج حماية الأطفال على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ضمن أهداف السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة.

مقالات مشابهة

  • تقرير رسمي: 31 مليون مغربي(ة) يستخدمون فايسبوك و غياب قوانين تحمي الأطفال قد يؤدي إلى الإنتحار
  • «التنظيم والإدارة» يوافق على تعيين 40 ألف معلم بالمعاهد الأزهرية
  • «التنظيم والإدارة»: تعيين 40 ألف معلم في المعاهد الأزهرية
  • مناطق سيطرة المليشيا فى دارفور تعيش حالة الاضطرابات وانعدام الخدمات
  • برلمان مصر يقر 3 قوانين تقدم تسهيلات ضريبية لرجال الأعمال.. ومسؤول يوضح الفوائد
  • روسيا تطالب إسرائيل بإلغاء قوانين حظر الأونروا
  • مناقشة 6 مشروعات قوانين في جلسة مشتركة لمجلسي الدولة والشورى
  • تمهيدًا لرفعها للمقام السامي.. مجلس عُمان يُقر 6 مشاريع قوانين من بينها "ضريبة الدخل"
  • التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 20 ألف معلم مساعد لغة إنجليزية
  • التنظيم والإدارة يعلن مسابقة لشغل 20 ألف وظيفة بالتربية والتعليم