نعيش أصعب حقبة زمنية مليئة بالفوضى الفكرية والتنمر وهدم للثوابت وافتقاد المعنى الحقيقي لتواجد الإنسان على ظهر الأرض، ولكن في وسط الاحتقان بين البشر الذي نراه حالياً، يهل علينا المولد النبوي الشريف، يبعث في قلوبنا دائماً الأمل فى التغيير للأفضل، لعلنا نحتذى به كأعظم قدوة لأنه خير الأنبياء والمرسلين آتى رحمة وهدايا للعالمين، فهذه المناسبة العطرة هى النور وسط الظلام.
ولد الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم ) فى الثانى عشر من ربيع الأول الموافق الثانى والعشرين من شهر إبريل سنة 571 م، فولد النبى يوم الإثنين وقت الفجر فى عام الفيل وحدثت المعجزات فى ذلك الوقت فولد الرسول ( صل الله عليه وسلم ) مختوناً مقطوع السرة وخرج نور معه أضاء الجزيرة العربية وتساقطت الأصنام فى الكعبة وإنكسر إيوان كسرى وأخمدت نيران فارس وجفت بحيرة ساوة وحجب إبليس عن السموات السبع ورميت الشياطين بالنجوم.
ففى ذكرى مولد المصطفى (صل الله عليه وسلم) نتذكر بفخر وعزة كل فعل وقول آتى به (صل الله عليه وسلم)، فالرسول الكريم لم يجلس إلى معلم ليتعلم منه حرفاً ولم يعرف عن حضارة العالم سوى التأمل والفطرة الطيبة التى كانت تملئ قلبه وعقله وتجعله يرفض كل جهل وعبادة للأصنام، ويتأمل فى ملكوت الخالق البديع فى تجلى وشكر من داخله حتى أتاه الله عزوجل اليقين وقت نزول سيدنا جبريل ( عليه السلام ) بأول آيه من القرآن وقال له إقرأ.. .فرد عليه الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم ) ما أنا بقارئ، وقرر سيدنا جبريل عليه الأمر ثلاث، فأنزلت سورة العلق، ومن هنا بدأت الرسالة والرحلة النبوية الشريفة.
وكان الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم ) يحمل جميع صفات الحق والعدل المطلق فوهبه الله عزوجل الكمال فى الخلق والخلقة وقوة العقل وفصاحة اللسان والأخلاق الحميدة ولنأخذ صفة من الصفات لرسولنا الكريم (صل الله عليه وسلم ) ونتبحر فيها لأننا فى أمس الحاجة لها اليوم وهى حسن الخلق، وكان حسن الخلق مع الخالق وكافة المخلوقات، فحسن الخلق مع الله عزوجل تتمثل فى تلقى أحكامه وأوامره الشرعية بالرضا والتسليم، أما حسن الخلق مع كافة المخلوقات فكانت تتمثل فى صور عديدة منها كف الأذى والصبر على الأذى وطلاقة الوجه، فرسول الله (صل الله عليه وسلم ) أحسن الناس خلقاً وأكرمهم وأتقهم، فقال الله تعالى مادحاً الرسول الكريم ( وإنك لعلى خلقٍ عظيم ) ( سورة القلم آيه 4 )، وما أحوجنا الآن لهذه الصفة الحميدة، وأتصف الرسول (صل الله عليه وسلم ) بالصدق والأمانة والرحمة والعدل والحلم والكرم والصبر الشديد والشجاعة والكلمة الطيبة، فهو لا ينطق بغير الحق ولا يأذى أى مخلوق بكلمة فقال الرسول الكريم ( صل الله عليه وسلم ) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ولقد أوضح الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم ) خطورة اللسان والمتمثلة فى الكلمة الخبيثة فى قوله لمعاذ ( هل يكب الناس فى النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ).
أن هذا الرسول العظيم (صل الله عليه وسلم ) الذى إستطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهلات قريش وكفرها وكل ما يعبد من دون الله، وقف بكل شجاعة وإيمان يدعو الله وحده لاشريك له ونبذ كل ما سواه، ومولد النبى المختار محمد (صل الله عليه وسلم ) هو أكبر نعمه أنعم بها الله عزوجل علينا فيجب أن نحمده ونشكره طوال الوقت على نعمة الرسول المختار ونصلى ونسلم عليه فى كل وقت وحين، ونتمسك بإتباع سنته.
فنتذكر جميعاً كل هذه الصفات العظيمة التى تجعلنا نتحذى به ونرفض جمود مشاعرنا إتجاه بعضنا البعض ونبغض التنمر وإيذاء البشر بإصدار الأحكام العنيفة إتجاه بعضنا البعض ونتذكر أقوال وأفعال الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم ) ونأخذه قدوة لكى نرتقى بأخلقنا درجات كبيرة عند الخالق تبارك وتعالى.
حقاً سيد\نا محمد (صل الله عليه وسلم ) هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى بلغ أعلى درجات النجاح على الصعيد الدينى والدنيوى، وأعظم الشخصيات المؤثرة فى تاريخ الإنسانية، فهو حقاً المنقذ وأفضل من أنجبت البشرية ففى يوم مولده صلوا وسلموا على رسولنا الكريم رسول الرحمة للعالمين.
ومسك الختام علينا أن نحتفى بمولد أشرف خلق الله كلهم، حيث نظرت فى وقائع حياة الحبيب ( صل الله عليه وسلم ) وتبحرت وتعلمت وقرأت سيرته وتوجيهاته وتعاليمه يرتاح قلبك ويشفى من جميع العلل والأمراض لأنك ببساطة تجد النور فى طريقك وحياتك لأن حياة النبى العظيم (صل الله عليه وسلم ) كانت مليئة بالبذل والعطاء والدروس والعبر ووقائع للحياة فنجده قائداً وعابداً وأباً وزوجاً ومربياً ومعلماً، فقد جمع الله عزوجل له (صل الله عليه وسلم ) بين الدعوة والرسالة والقيادة والتبليغ والحكم والدولة وهو مالم يتحقق لنبى من قبل، فهنياً لنا أمة محمد (صل الله عليه وسلم ) فهو خير قدوة ونبراساً للأمة الإسلامية وسبيلاً لسعادتها وأمنها وطريق لبناء المسلم السوى والمجتمع المثالى.
فصلوا وسلموا على أول خلق الله كلهم وخاتم رسل الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المولد النبوي المولد النبوي الشريف مقالات المولد النبوي الشريف 2024 المولد النبوي 2024 صل الله علیه وسلم الرسول الکریم الله عزوجل
إقرأ أيضاً:
أتاكم رمضان وتزيّنت الجنة للصائمين
أقبل شهر الله، شهر الخير والبركة والطاعات، شهر تتضاعف فيه الأعمال الصالحات، وتُرفَع فيه الدرجات، وتتنزّل الرحمات. إنه الشهر الذي حثنا ديننا الحنيف على اغتنامه، بصيام نهاره، وقيام لياليه، والتقرب إلى الله بكل عمل صالح فيه.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله»، (رواه الترمذي وأحمد)، وكان يبشّر أصحابه بقدومه، ويحثهم على حسن استثماره.
الجنة تتهيأ للصائمين
في هذا الشهر الكريم، تتزين الجنة لاستقبال عباد الله الصائمين، وتفتح لهم أبوابها من باب الريّان، الذي خصّه الله لهم دون غيرهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة باباً يُقالُ له الرَّيّان، يدخُلُ منه الصّائِمُون يوم القيامة، لا يدخُلُ معهم أحد غيرهم، يُقالُ: أَيْنَ الصّائِمُون؟ فَيَدْخُلُون منه، فإذا دخل آخرهم، أُغْلِقَ فلم يدخُلْ منه أحد».
رمضان والتقوى.. طريق إلى الجنة
وإذا كان أعظم ما يثمره الصيام هو التقوى، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، «سورة البقرة: الآية 183»، فإن الجنة أُعدّت للمتقين، كما قال الله تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)، «سورة مريم: الآية 63»، وقال أيضاً: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، «سورة آل عمران: الآية 133». فبصبر الصائمين على الجوع والعطش، ومجاهدة أنفسهم في الطاعات، وحرصهم على الأعمال الصالحة، يكونون من المتقين، فينالون أعظم الجزاء، ويُكرَمون بدخول الجنة، حيث النعيم المقيم، والمقام الكريم.
رمضان.. شهر الرحمة
في شهر رمضان تنزل الرحمات، من رب الأرض والسموات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ». ومن مظاهر الرحمة في رمضان:
* تقييد الشياطين: حيث يضعف تأثيرها، وتتلاشى وسوستها، مما يهيئ النفوس للطاعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من رمضان، صفدت الشياطين»
* مغفرة الذنوب: فإن الله تعالى يكفر في هذا الشهر ذنوب الصائمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر».
* استجابة الدعاء: فإن الدعاء في هذا الشهر أقرب إلى القبول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان، فتحت أبواب السماء».
* فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم».
* عتق الرقاب من النار: وهذا من أعظم فضائل الشهر، حيث يُكرم الله عباده بالعفو والعتق من النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله عند كل فطر عتقاء، وذلك كل ليلة».
رمضان.. شهر التلاحم والتسامح
حثّ الإسلام على اغتنام هذا الشهر الكريم بترسيخ القيم الأسرية والمجتمعية، وتقوية روابط المحبة بين الأفراد، وتعزيز التلاحم بين أفراد المجتمع، وبث روح التسامح والعفو بين الناس. فإن رمضان مدرسة للقلوب، وموسم للتزكية، وتطهير النفوس من الأحقاد، ليكون الصائمون أقرب إلى رضا الله، وأحق بمغفرته وثوابه.
فليكن رمضان فرصة لنغرس في قلوب أبنائنا هذه القيم النبيلة، ونربيهم على الطاعة، ونجعل منهم قدوات في التسامح والعطاء، ليعم الخير بيننا، ويرضى عنا ربنا، ويفتح لنا أبواب رحمته، ويكتبنا من الفائزين بجنته.