يمن مونيتور/ من إفتخار عبده

ما إن أطل هلال سبتمبر على سماء اليمن- هذا العام- إلا وهلَّت الأفراح في قلوب اليمنيين وبدأت أهازيج سبتمبر تعلو في كل مكان.

زخمٌ شعبي كبير يحتفل باكرًا بهذه المناسبة العظيمة ما يعكس مدى اهتمام الشعب ومحبته لهذه الثورة المقدسة وتمسكه العظيم بروح النضال ضد مليشيا الحوثي التي بدورها تشعر بالقلق الكبير إزاء ذلك.

حب واحتفاء كبير من اليمنيين بهذا اليوم المجيد الذي طوى فيه اليمنيون حقبةً كبيرة من الحكم الإمامي البغيض، الذي يقوم على فكرة ولاية البطنين، تلك الفكرة التي تناقض النظام الجمهوري ومعطيات العصر الحديث، وتعمل على قمع الحرية والعمل على إذلال الشعب.

حالة من الاستنفار والترقب المليئ بالخوف والحذر تشهدها مناطق سيطرة الحوثيين منذ اليوم الأول من هذا الشهر، وتعزيزات أمنية مكثفة تعمل على قمع التجمعات ومصادرة الأعلام الوطنية في أسلوب واضح وغيور على الإمامة الماضية وقلق على مستقبل الحوثيين.

تعميمات بمنع الحديث عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في الإذاعات المدرسية بين الطلاب ما يوضح أكثر قلق الحوثي من الجيل السبتمبري القادم؛ خاصة وأن الجموع الغفيرة التي اختفت بهذه المناسبة العام الماضي كانت من فئة الشباب الحازم الذي لم ترهبه البندقية ولم يؤثر فيه القمع.

تمسك الشعب بثورته

بهذا الشأن يقول الصحفي والمحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي” كانت الاحتفالات بثورة السادس والعشرين من سبتمبر   تقتصر على الجانب الرسمي فقط، من حيث استعراض منجزات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وغيرها، لكنه وبعد انقلاب المليشيات الحوثية على الدولة تغيرت هذه الاحتفالات وأصبحت تأخذ بعد شعبيا بشكل كبير وأصبحت تحمل زخمًا شعبيًا منقطع النظير وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تمسك الشعب اليمني بثورته الأم ورفضه التام لهذه المليشيات وما تقوم به من قمع واستعباد”.

وأضاف الفاتكي لموقع” يمن مونيتور” تتعدد الاحتفالات بهذه الثورة العظيمة لتشمل الداخل والخارج، من هم في اليمن ومن هم خارجها، اليوم توقد شعلة سبتمبر فوق سطع كل منزل وترفع الأعلام الوطنية في كل مكان، ويتم تلوين المركبات بألوان العلم الوطني بالإضافة إلى التغني بالأغاني الوطنية التي تمجد هذه الثورة المباركة”.

وأشار الفاتكي إلى أن” يوم السادس والعشرين من سبتمبر يمثل خصما لدودًا لمليشيا الحوثي ولهذا هي ترى فيه خطرا كبيرا على مشروعها الكهنوتي الإمامي؛  فهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة على وأد الاحتفال بهذه الثورة العظيمة وقد حرصت طوال الفترة الماضية على تنميط المجتمع اليمني وإظهاره على أنه قد دان لسلطتها ولمشروعها، لكن الجماهير اليمنية أظهرت عكس ذلك تماما”.

وأكد” عندما خرجت الجماهير الحاشدة في مناطق سيطرة المليشيات- العام الماضي- بكل عفوية وحب تبتهج بذكرى هذه الثورة العظيمة ولم تكترث للقبضة الحوثية ولا لسطو البندقية التي حاولت أن تقمع الاحتفال، فاحتفالات العام الماضي في مناطق سيطرة المليشيات وجهت رسائل للرأي العام الداخلي والخارجي، وأظهرت أن الحوثيين عبارة عن عصابات ومليشيات تريد أن تفرض مشروعا دخيلا على الشعب اليمني تنفذ من خلاله أجندة إيران”.

حالة من الاستنفار

وبيَّن” اليوم وبمجرد دخول شهر سبتمبر تستنفر المليشيات الحوثية قواتها؛ لأن حلول هذا الشهر يمثل لها حالة طوارئ فيلاحظ الانتشار الأمني الكثيف في الكثير من الوحدات الأمنية في شوارع وأحياء المدن الواقعة تحت سيطرتها؛ لأنها تنظر للاحتفال بالسادس والعشرين من سبتمبر على أنه احتجاج شعبي عارم وبمثابة استفتاء شعبي واحتجاج سلمي يناهض هذه المليشيات”.

وتابع” المليشيات الحوثية ترى نفسها بأنها امتداد للفكر الإمامي الذي ثار عليه الشعب في ستينيات القرن الماضي، فقد كانت في السابق تستعمل نوعا من المخادعة والمقاتلة؛ لكنها في الفترة الأخيرة كشفت عن عوارها وغادرت مربع المقاتلة والنفاق الذي كانت تدعيه، وواجهت الشعب اليمني وحاولت محو التأريخ اليمني ومحو الاحتفال بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واستبدال هذه الذكرى بذكرى انقلاب هذه المليشيات على الدولة”.

وواصل”  المليشيات تفاجأت بوعي الشعب اليمني وتفاجأت بجيلٍ سبتمبري قادم سيقتلع هذه المليشيات من جذورها، لا سيما وأن أغلب من يحتفلون بهذه المناسبة العظيمة هم من جيل الشباب من طلاب المدارس والجامعات وبالتالي هي تعمل بكل ما أوتيت من قوة باستخدام سياسة الترهيب وسياسة القمع في محاولة مستميتة منها لثني اليمنيين عن الاحتفال بهذه المناسبة”.

في السياق ذاته يقول الصحفي والناشط السياسي، وليد الجبزي” عندما يحل شهر سبتمبر من كل عام  يبتهج اليمنيون جميعا بهذا الشهر العظيم الذي ارتبط اسمه بأعظم ثورة في تاريخ اليمن الحديث وهي الثورة التي  قضت على الحكم الإمامي الكهنوتي البغيض والذي كان يمثل قيدا على رقاب اليمنيين”.

وأضاف الجبزي لموقع” يمن مونيتور” اليوم  الإماميون الجدد لا يختلفون عن  القدامى؛ بل هم أشد خطرا منهم،  وقد رأينا مليشيات الحوثي كيف شنت حملة اعتقالات واسعة بحق المحتفلين بعيد ثورة الـ26  من سبتمبر العام الماضي في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة هذه المليشيات؛ وذلك بهدف منع الشعب من الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة والعزيزة على قلوب اليمنيين”.

ولدت روحا ثورية جديدة

وأردف” الحملات والاعتقالات التي شنتها المليشيات الحوثية العام الماضي  على المحتفلين بثورةالـ26 من سبتمبر ولدت لدى أبناء الشعب اليمني روحًا ثورية جديدة؛ إذ  بدأ الجميع يحتفل بهذه المناسبة منذ اليوم الأول من شهر سبتمبر  فقد تغنوا بهلال سبتمبر؛  فهم ينتظرون قدومه كما ينتظرون قدوم هلال رمضان فذاك موسم ديني وهذا موسم وطني”.

وأكد” اليوم نحن  نرى الجميع يرفع شعارات ثورة الـ26  من سبتمبر المجيدة وقادة تلك الثورة العظيمة وذلك للتذكير بعظمة سبتمبر وثورته كما أن المدارس في مدينة تعز تعمل على إقامة إذاعات ومهرجانات طلابية احتفالا بهذه المناسبة منذ اليوم الأول من هذا الشهر فتعز هي  المدينة التي تحمل المشروع الوطني لكل أبناء اليمن”.

وأشار الجبزي في حديثه  لموقع” يمن مونيتور” زاد القلق والتوتر والخوف لدى مليشيا الحوثي من هذه المناسبة والتي لا شك أن تلك المليشيات تخاف من فقدان السيطرة على المواطنين الذين يرون الاحتفال بثورة 26 سبتمبر حقًا  من حقوقهم، فقامت  مليشيا الحوثي بإصدار تعميم على مدراء المدارس في محافظة إب بعدم السماح للطلاب إقامة إذاعات مدرسية تتحدث عن ثورة 26 سبتمبر

وكما عمدت تلك المليشيات على ملاحقة الناشطين والإعلاميين في محافظات أخرى خوفا من أحياء مناسبة الـ 26 من سبتمبر”.

واختتم”: ليعلم الإماميون  الجدد أن ثورة الـ26 من سبتمبر ستظل شعلة تحرق كل من يحاول أن يطفئها وأن اليمنيين ولدوا أحرارا وليسوا  عبيدا لسيد أو إمام، وكما انتهى عهد الإمامة سينتهي عهد الحوثي ولو بعد حين”.

من جهته يقول الناشط السياسي والإعلامي، عبد الحميد المجيدي” إن” اليمن قاطبة تعيش اليوم زخمًا ثوريًا منقطع النظير منذ بداية شهر سبتمبر المجيد ابتهاجا بعظمة سبتمبر الثورة والجمهورية؛ فلم تكن ثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962م ثورةً عادية ولكنها كانت ثورة عظيمة بكل المقاييس إذ قضت على الإمامة  التي جعلت  اليمن يعيش حياة الجهل والتخلف والاستبداد والظلم الكبير”.

وأضاف المجيدي لموقع” يمن مونيتور” معروف أن الإمامة كانت تمارس القمع ضد كل من يرفع رأسه وينتقد الأوضاع وسوء الحال فقد جعلت القيد رفيق من يحاول ذلك والسجن ملجأه وتعمل على إهانة كرامته بطرق شتى، وقد كان الثوار يتعرضون لأبشع الجرائم،  حتى أنهم يُنقلون من سجون مدنهم إلى سجون مدن أخرى بعيدة عليهم لإذلالهم، وغير ذلك من أساليب التعذيب النفسي والجسدي”.

وأردف” جاءت ثورة سبتمبر المجيدة وأشرقت معها مدراس العلم وتخرج العلماء ونبضت الحياة في مجالات الفكر والسياسة والاقتصاد والصحة ولو على المستوى البسيط لتلك المجالات التي كانت منعدمة تماما أيام الحكم الإمامي البغيض، لكنه ومع الأسف الشديد  فإن شجرة الإمامة قُطعت قطعًا ولم تُقتلع اقتلاعا بجذورها المسمومة اللعينة مما جعل تلك الشجرة الخبيثة  تعود بصورة أخرى أشد وأكثر خبثا وحدية مما كانت عليه وذلك  لتثبيت تلك السلالة الخبيثة التي رفضها اليمن سابقا  ويرفضها اليمنيون اليوم”.

وتابع” جاء الحوثي بانقلاب واضح في 21 من سبتمبر عام 2014 م محاولا- عبثًا-   أن يمسح أو يطمس ضوء  الـ 26 من  سبتمبر

لكنه ورغم المحاولات الخبيثة والدسيسة التي تسعى لطمس ملامح هذه الصورة المجيدة فإنه قد فشل أمام وعي مجتمعي أدرك تلك المؤامرة القذرة رغم كل المحاولات الحوثية لإلغاء ثورة سبتمبر وشيطنة ثوارها الأبطال”.

وأكد” سيطرت مليشيا الحوثي الإرهابية على أجزاء كبيرة من الوطن وأخضعت الناس وأجبرتهم على طقوسها المفتعلة وملازمها المسمومة، غير أن المجتمع اليوم ونتيجة للتعليم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع استطاع أن يواجه تلك الألاعيب حتى ولو لم يتم القضاء على الانقلاب في الوقت الحالي، فالشعب يقض”.

الحوثي يعيش حالة من الرعب

وأشار المجيدي إلى أن” الحوثي اليوم يعيش حالة من الرعب  التي تسيطر عليه نتيجة أصداء وأضواء   سبتمبر الثورة والجمهورية فهو يحاول حجب وإخفاء نور سبتمبر الذي سطع ويسطع  على اليمن عامة، يحاول أن يمنع  الاحتفالات فمنع شعارات سبتمبر التي كسرت قيود الإمامة غير أن تلك المحاولات في قمع الناس من الخروج إلى الميادين أو الاحتفاء  الظاهري  بالألعاب النارية  ورفع العلم الوطني والأغاني السبتمبرية  إلا أن كل تلك المحاولات وتلك الجهود لن تجدي نفعا بمنع قلوب الشعب من  الابتهاج والفرح بسبتمبر”.

وواصل” القمع والاستبداد والظلم  والظلام مهما طال فلا بد أن تشرق شمس الحرية وسوف يتنفس الشعب اليمني الحرية كاملة دون انتقاص منها وسيلفظ تلك المليشيات السلالية الكنهوتية إلى مزبلة التاريخ شاء من شاء وأبى من أبى، وكما جاء يوم السادس والعشرين من سبتمبر سيأتي يوم شبيه له لينهي عهد الحوثي الظلوم”.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: اليمن ثورة سبتمبر الملیشیات الحوثیة الثورة العظیمة هذه الملیشیات ملیشیا الحوثی بهذه المناسبة هذه المناسبة العام الماضی الشعب الیمنی یمن مونیتور شهر سبتمبر هذه الثورة هذا الشهر سبتمبر ا ا الحوثی حالة من

إقرأ أيضاً:

(نص) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

يمانيون/ صنعاء (نص) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 12 رمضان 1446هـ | 12 مارس 2025م

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نتحدث في البدايـــة، عن إعلان قواتنا المسلحة اليمنية، لقرار حظر ملاحة السفن الإسرائيلية، عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، حتى يتم إدخال المساعدات إلى قطاع غزَّة، وهذا القرار قد دخل حيِّز التنفيذ، حيث سيتم استهداف أي سفينة إسرائيلية تَعْبُر في منطقة العمليات المعلنة، وهذا هو خطوةٌ عمليةٌ، وموقفٌ ضروري، في مقابل الخطوة العدوانية التصعيدية، التي أقدم عليها العدو الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.

ما قام به العدو الإسرائيلي، من منع دخول المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وأيضاً من إغلاق المعابر، ومنع دخول أي مواد غذائية في إطار حركة التُّجَّار، وبأي شكلٍ من الأشكالٍ، يعني: الإقفال الكامل، والحصار التام، هو يهدف إلى التجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، إلى التجويع لمليوني فلسطيني في قطاع غزَّة، وهذه جريمةٌ كبرى، توصَّف بكل أوصاف الجرائم الكبرى: هي جريمة حرب، هي جريمة ضد الإنسانية، هي خطوةٌ تصعيديةٌ كبيرة، ليست مجرد إجراء عادي يمكن التغاضي عنه، أو التجاهل له.

ولـذلك يعتبر الصمت والجمود في الحالة العربية، ومن قبل الأنظمة العربية، وفي العالم الإسلامي، تجاه هذه الخطوة التصعيدية، التي تهدف إلى تجويع الشعب الفلسطيني، وهذا سعيٌ لإبادته، أو فرض التهجير القسري عليه، يعتبر الجمود القائم تجاه هذه الخطوة التصعيدية ذنباً من قبل العرب والمسلمين بشكلٍ عام، وخطيئةً كبيرة، وتنصلاً عن مسؤوليةٍ كبرى على هذه الأمة، في أن تقف مع الشعب الفلسطيني، الذي هو شعبٌ مظلومٌ، جزءٌ من هذه الأمة.

ومن الواضح أن الأنظمة العربية، مهما أقدم عليه العدو الإسرائيلي من خطوات عدوانية، وتصعيدية، وظالمة، وإجرامية، فسقف موقفها واضحٌ للعدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي؛ لأن الأمريكي هو شريكه في كل ما يقوم به من جرائم، السقف للموقف العربي، ومن خلفه الموقف الإسلامي في أغلبه، هو: إصدار بيانات- حتى في صياغتها- يراعون فيها ألَّا تكون شديدة اللهجة، وتتضمن تلك البيانات في العادة التعبير عن أُمْنِيَّات، وعن دعوات، وعن مطالبات من الآخرين.

وهذا ليس هو الموقف الصحيح لأمة– أمة الملياري مسلم- ليس هو الموقف الصحيح لأمة لديها كل هذه القدرات والإمكانات، بلدان بأكملها، هو موقف قد يستحسن لمدرسة ابتدائية، أو لجمعية خيرية، أو لمؤسسة ثقافية؛ أمَّا لدول، لبلدان، لأمة، فليس هو الموقف الصحيح أبداً، ولا يرقى إطلاقاً إلى مستوى المسؤولية الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، على هذه الأمة، تجاه هذه القضية، وتجاه مظلومية شعبٍ هو جزءٌ منها، هي معنيةٌ به.

فالعدو الإسرائيلي يُقْدم على ما يُقْدم عليه، من خطوات عدوانية، إجرامية، ظالمة، بدعمٍ أمريكي، وتخاذلٍ عربيٍ إسلامي، هناك عاملان مشجعان أساسيان: دعم أمريكي وشراكة أمريكية، وطاقم العمل في الإدارة الجديدة لـ[ترامب]، هم أكثر صهيونيةً، ووقاحةً، وجرأةً، في وضوح عدائهم الشديد للشعب الفلسطيني، وللمسلمين عموماً، ولهذه الأمة، وفي حرصهم على أن يكونوا متميزين بخطوات أكثر عدوانية مما قدمته إدارة [بايدن] قبلهم، وهذا شيءٌ واضحٌ، وحتى في تصريحاتهم، وعباراتهم، وقراراتهم، ومواقفهم؛ فالعدو الإسرائيلي يعتبر أن الظروف مهيأة، في إطار التخاذل العربي، والدعم الأمريكي المفتوح بخطوات كبيرة؛ ولذلك هو يتشجع على الإقدام على هذه الخطوات العدوانية.

ولكن في الساحة العربية، هذه الحالة من التخاذل، وهي مؤثِّرة حتى على الموقف في بقية البلدان الإسلامية، أنا كثيراً ما كررت التأكيد على هذه الحقيقة: أن التخاذل العربي مؤثِّر على التخاذل من كثيرٍ من البلدان الإسلامية، وإلَّا لكانت في مواقفها أقوى مما هي عليه، لكنها تصطدم بالموقف العربي؛ لأن الأنظمة العربية الكبرى، التي وصل بها الحال إلى أن تكون متواطئةً مع الأمريكي والإسرائيلي، تلعب في الساحة العربية والإسلامية لُعبة احتواء الموقف، وتوجيهه؛ ليبقى دائماً تحت ذلك السقف الذي قلناه: سقف البيانات فقط لا غير، ومنع أي خطوات عملية جادّة، تخدم الموقف الفلسطيني وتسانده بالفعل.

وهذا شيءٌ واضح، هذا شيءٌ واضح، تُعقد القمم، وتخرج دائماً ببيانات فيها- كما قلنا- صياغة ليست شديدة اللهجة، مخففة حتى في اللهجة والتعبير، ثم لا تكون مرفقةً ولا مرتبطة بأي خطوات عملية مهما كانت بسيطة، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى المقاطعة الدبلوماسية، ولا على المستوى الاقتصادي… ولا بأي شكلٍ من الأشكال، ولا في أن تكون إيجابية أكثر تجاه الشعب الفلسطيني، تجاه مجاهدي فلسطين، لم تتغير المواقف السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين من الأنظمة العربية، لم تُغَيِّر لوائحها في تصنيفهم بالإرهاب.

بل أسوأ من كل ذلك، أن ما أعلنه البنك الدولي، عن قيام بعض الأنظمة العربية بفتح مسارٍ بريٍ، للالتفاف على الحصار اليمني ضد العدو الإسرائيلي، وفتح مسار يتم عبره نقل البضائع الإسرائيلية إلى الإسرائيليين من البر، هذا أعلن عنه البنك الدولي، وتحدث بشكلٍ صريح، وتحديد واضح لأنظمة عربية، وتحدث عن هذا المسار: كيف يتم، ومن أين إلى أين، وعن حجم نشاطه. هل ستجيب تلك الأنظمة على ما أعلنه البنك الدولي؟ هل ستنكر؟ هل ستنفي؟ هل سَتُقدِّم الشواهد على بطلان دعواه؟ أم أنها- فعلاً- هي متورطةٌ في ذلك؟ وهذا هو الأقرب إلى الحقيقة.

في المراحل الماضية، وفي مرحلة العدوان الشامل على قطاع غزَّة من قبل العدو الإسرائيلي، كانت تنشر حتى فيديوهات، للشاحنات والقاطرات المحملة بالبضائع، التي ينقلها العرب إلى العدو الإسرائيلي، ويتفرجون على الشعب الفلسطيني يتضوّر جوعاً.

فنحن أمام واقعٍ واضح، في هذه الساحة العربية والإسلامية، أن العدو الإسرائيلي مهما أقدم عليه من خطوات عدوانية تصعيدية، لو اتَّخذ قراراً بإبادة كل الشعب الفلسطيني، لما تجاوز الموقف العربي ذلك السقف: إصدار بيانات، وتتضمن بعض الأُمْنِيَّات، وبعض الدعوات للآخرين، أن يحاولوا أن يقنعوا الإسرائيلي ليكف عن ذلك؛ لو قَرَّر العدو الإسرائيلي هدم المسجد الأقصى، لكان الموقف الرسمي العربي بذلك السقف؛ لو اتَّخذ العدو الإسرائيلي قراراً بتهجير الشعب الفلسطيني بالكامل، وطرده من فلسطين، لكان السقف نفسه (السقف العربي) هو ذلك السقف: بيانات تُنَدِّد، تشجب، تطالب، تتمنى، تأسف!

هذه مسألة خطيرة جدًّا، تُشَجِّع العدو الإسرائيلي في مساره التصعيدي، الذي هو مسار متدرِّج، ولكنه ضمن برنامج واضح، واضح ما هي خواتيمه، ما هي غاياته، ما هي أهدافه، ماذا يريد أن يصل إليه.

ولـذلك ينبغي أولاً لشعوب أُمَّتنا، وللأحرار من أُمَّتنا، أن يدركوا أنه لا يجوز إطلاقاً ربط مواقفهم بمستوى ذلك السقف، الذي لدى الأنظمة العربية، لا يجوز إطلاقاً؛ لأنه سقف يعبِّر عن حالة التخاذل، والتنصل عن المسؤولية، ولأنه تماهٍ مع من؟ مع المتواطئين مع الأمريكي والإسرائيلي، الذين يعملون دائماً وفق الموجهات الأمريكية، والأولويات الأمريكية.

كان الموقف في مسألة ألَّا يعطوا هم أراضي لتهجير الشعب الفلسطيني إليها، وامتناعهم عن ذلك، هذا موقفٌ جيد، لكنه-فعلاً- في مستوى متدنٍ جدًّا، مقارنةً بما يجب عليهم أن يعملوا، يعني: هم يدركون أن هذه الخطوة لو أقدموا عليها ستكون خطوة عدوانية، ليست فقط أن يدعموا الإسرائيلي بشكلٍ مباشر بالدعم الاقتصادي، والسياسي، والتشجيع، والتحريض، وليست فقط في مستوى احتواء مواقف الأُمَّة، حتى لا يكون هناك تحرُّك جادّ لنصرة الشعب الفلسطيني وإسناده، لكن كانت سَتُمَثِّل- بنفسها- اعتداءً حقيقياً على الشعب الفلسطيني؛ لأنها ستكون هي الخطوة الأساسية في التهجير للشعب الفلسطيني، ومعنى ذلك: أن يكونوا هم- بأنفسهم- من ارتكبوا تلك الجريمة ضد الشعب الفلسطيني، لتهجيره من فلسطين إلى أراضٍ يحدِّدونها هم، ويقدِّمونها هم، يعني: لتحولوا إلى معتدين بشكلٍ مباشر على الشعب الفلسطيني، وليس فقط متخاذلين، متآمرين، متواطئين مع العدو، فهم امتنعوا عن هذا المقدار؛ لكن الخطوات التي يقوم بها العدو الإسرائيلي يجب أن يكون في مقابلها خطوات عملية.

ولـذلك عندما اتَّجهنا في بلدنا، في يمن الإيمان والحكمة، يمن الجهاد، لإعلان خطوة عملية وموقف عملي، هي: قرار حظر ملاحة السفن الإسرائيلية، عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، من واقع إدراكنا- ومن واقع واضح للناس جميعاً- أنه لابدّ من خطوات عملية، التَّعنُّت الإسرائيلي، والصلف الإسرائيلي، والوحشية التي يُبديها العدو الإسرائيلي، والدعم الأمريكي، والتشجيع الأمريكي، يجعل العدو الإسرائيلي يُقْدِم على خطوات عدوانية كبيرة، لا يمكن أن يتوقف عنها إلَّا بالردع، إلَّا بخطوات قوية، إلَّا بمواقف عملية.

ولهذا نؤكِّد أن هذا ليس هو سقف موقفنا؛ إنما هو الخطوة الأولى في موقفنا؛ ولـذلك إذا استمر العدو الإسرائيلي في تجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ولم يَكُفّ عمَّا يقوم به الآن من منع دخول المساعدات، ومن منع دخول البضائع إلى قطاع غزَّة، نحن سنتَّجه أيضاً إلى خطوات تصعيدية أخرى، وسقفنا عالٍ، والخيارات كلها مطروحةٌ على الطاولة كما يقولون، مطروحة في الخيارات العملية، وهذا ما نريد أن نؤكِّد عليه.

ونؤكِّد أيضاً على أهمية هذه المواقف، وضرورة المواقف العملية؛ لأن الواقع بالنسبة للأنظمة العربية أنهم:

إمَّا– مع تخاذلهم- إمَّا أنهم يعادون من يتَّخذ مواقف عملية جادَّة، في مقابل الخطوات التصعيدية، العدوانية، الإجرامية، من قِبَل العدو الإسرائيلي، وهذا يحصل، هناك من الأنظمة العربية من يعادينا أشد العداء، لماذا؟ لأننا نقف مثل هذه المواقف المساندة للشعب الفلسطيني، والمواقف التحررية، التي لا نقبل فيها بالخنوع لأمريكا مع الخانعين والخاضعين. وإمَّا أنهم يلومونه، يوجهون إليه اللوم، والبعض من الأنظمة العربية، حتى المتعاطفة معنا، ترى في موقفنا هذا حماقة، وترى فيه تهوراً، وترى فيه تصرفاً غير مناسب، والكثير يوجّه إلينا اللوم.

لكننا ندرك أننا في هذه المرحلة التاريخية المهمة، في العصر الذي يكثر فيه اللوم لمن يقف موقف الحق، يكثر فيه اللائمون، يلومونه، ينتقدونه بكل أشكال اللوم: من يُصَنِّف موقفه بأنه موقف لا ينسجم مع المصالح العامة، والمكاسب السياسية، والمصالح الاقتصادية، ومنهم من يُصنِّف باعتبارات أخرى، ومنهم من يشكك… كما قلنا: العدو الإسرائيلي له نفير واسع، وأصوات كُثر تقف معه.

بينما يجب أن يتوجَّه كل اللوم، كل الاحتجاج، كل الانتقاد، كل الضغط، على العدو الإسرائيلي؛ لأنه يريد أن يُجَوِّع الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، يريد أن يمارس أسلوب الإبادة بالتجويع، فهو الذي كان ينبغي للجميع أن يتوجَّهوا إليه باللوم، والانتقاد، والاحتجاج، والحملات الإعلامية، والهجوم بكل أشكاله، والضغط السياسي، وكان من واجب الجميع أن يساندوا أي موقفٍ داعمٍ للشعب الفلسطيني، حينما يكون موقفاً فعلياً، عملياً، يُمثِّل خطوةً عمليةً ضاغطةً على العدو الإسرائيلي، ولكن الاعوجاج الكبير في واقع الأمة، هو بالشكل الذي دائماً يوجّه اللوم ضد الموقف الحق، ويسكت، ويتجاهل، ويتغاضى عن الموقف الباطل، عن الموقف الظالم.

أمريكا تقف مع العدو الإسرائيلي بشراكة تامة في كل خطواته التصعيدية والعدوانية، وتشارك حتى في التهديد والوعيد للشعب الفلسطيني، والغرب كذلك علاقته، دعمه، مساندته للعدو الإسرائيلي واضح، في المقابل ما هو الموقف العربي العملي؟ ما هي الخطوات الفعلية؟

تأتي الحقائق لتفضح تواطؤ كبار الأنظمة العربية، بتعاونها الفعلي مع العدو الإسرائيلي، تُعطي للفلسطينيين بيان في ورقة مكتوب، ليس وراءه أي خطوات عملية، وتفتح مساراتٍ برية للدعم الاقتصادي للعدو الإسرائيلي، وتُحَرِّض في السر العدو الإسرائيلي على خطواته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، هذا هو الشيء المؤسف!

عندما نتأمل– مثلاً- هذه الأيام ما تفعله أوروبا، الدول الأوروبية والأنظمة الأوروبية، مع أوكرانيا، تفعل معها كل شيء، تُقدِّم لها الدعم المالي بالمليارات، تُعلن عن ذلك، مليارات الدولارات دعماً لها ليس فقط في الشق الإنساني، أو في الشق الاقتصادي، بل حتى عسكرياً، وتُقَدِّم لها مع المال السلاح بكل أنواعه، وتُقدِّم لها الدعم السياسي، وتقاطع روسيا اقتصادياً، سياسياً، تتَّخذ قرارات بالعقوبات ضدها، تشتغل شغل واضح، يعني: ما تشتغله أي أُمَّة لديها توجُّه جادّ وصادق لدعم قضية مهمة، مع أن الفارق الكبير جدًّا ما بين قضية أوكرانيا وقضية فلسطين:

أوكرانيا، ورَّطها الغرب لتدخل في مشكلة مع روسيا؛ خدمةً للغرب. أمَّا القضية الفلسطينية، فهي قضية حق واضح، ومظلومية بيِّنة.

ومع ذلك لتتضح الحالة بالنسبة للعرب، ومن خلفهم البلدان الإسلامية التي تأثَّرت بموقفهم في أغلبها، فليقارن أي متابع عربي بين ما يفعله الأوروبيون مع أوكرانيا، وما يفعله العرب مع فلسطين؛ نجد الفارق الكبير جدًّا، نجد- فعلاً- أن الحالة العربية هي حالة تخاذل في معظمها، وتواطؤ في بعضها، وتعاون مع العدو الإسرائيلي في بعضها، واحتواء للمواقف.

 ومع ذلك اتَّجه بعض العرب الآن– مشغولون جدًّا- اتَّجهوا للاهتمام بأوكرانيا، كذلك يعني مشغولين مع الغرب، ليسوا فاضيين للانشغال بالقضية الفلسطينية، والهموم العربية، وهموم أُمَّتنا الإسلامية، هم لديهم انشغال هناك بعيد؛ لأنهم أصبحوا عباقرة، اهتماماتهم هناك بعيدة، هذه من الحالة الغريبة جدًّا في الساحة العربية والواقع العربي!

عموماً، نحن نؤكِّد على أن هذه الخطوة، التي أعلنتها قواتنا المسلحة، هي الخطوة الأولى، وأن سقفنا عالٍ جدًّا، وأن كل الخيارات مطروحة في الاستعداد العملي للتنفيذ، إن لم يتوقف العدو الإسرائيلي عن الحصار للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والتجويع له، ومنع المساعدات من الدخول إلى القطاع، ومنع حركة البضائع.

نعـــود إلى درسنـــا.

وكُنَّا بالأمس تحدثنـا أولاً: عن ما كان قد تحقق لنبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في مقامه الأول بين قومه، وأنه عرض لهم من البراهين ما تصل بهم إلى الحقيقة، في مبدأ التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان به، وإبطال الشرك ونسفه، وترسيخ مبدأ الكمال المطلق، الذي ليس إلِّا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنهم بُهِتُوا تجاه ما عرض عليهم من البراهين؛ لأنه ليس لهم أي حُجَّة لإبطالها، في مقابل أنه أتى هو بالحُجَّة النَّيِّرة، المفحمة، المقنعة، والتي لم يكن لهم في مقابلها أي مستند للتشبُّث بما هم عليه من الباطل.

لكن لشدة ما قد أدمنوا عليه من العبادة للأصنام، وارتباطهم بها، وتَرَسُّخ هذا الباطل في نفوسهم، وتجذره في واقعهم الاجتماعي؛ لممارستهم له على مدى أجيال، كان لابدَّ من مقامات أخرى، فاتَّجه أيضاً لمقامٍ آخر، وبدأنا في الحديث عن المقام الآخر، وكيف دعاهم بشكلٍ جماعي في تجمعٍ لهم في هذا المقام- كذلك- إلى عبادة الله، ولكن بدأ أسلوبه معهم مستخدماً طريقة الأسئلة، والاستنطاق للحقيقة، والإلجاء لهم إلى الاعتراف بالحقيقة.

ثم في إطار هذه الأسئلة التي وجهها لهم، كذلك كان يصل بهم إلى الاعتراف الضمني بعجز تلك الأصنام بشكلٍ تام: أنَّها لا تملك لا ضراً، ولا نفعاً، ولا قُدرةً، ولا حياةً، أنَّها حتى لا تسمعهم حينما يدعونها، وهم يتوجَّهون إليها بالعبادة، وأنَّهم استندوا فقط- في ما استندوا إليه هم- إلى أنَّهم ورثوا هذا المعتقد الباطل من آبائهم: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[الشعراء:74].

تحدثنا أيضاً بالأمس، على أن الاستناد إلى ما عليه الآباء والأجداد ليس بمفرده حُجَّة، لا يمكن أن يكون هو لوحده حُجَّة، ولا برهاناً، ولا دليلاً؛ إنما المعتبر الحق- يعني- إن كان الآباء والأجداد على الحق، ويتَّبعون رموز الهدى، فحينئذٍ يمكن الانتماء، والاعتزاز بالانتماء إلى ما هم عليه، وما كانوا عليه؛ أمَّا إن كانوا على غير طريق الهدى، ولم يكونوا مرتبطين برموز الهداية، فلا يمكن الاستناد إلى ما كانوا عليه، وذكرنا في سياق الفارق أمثلة:

مثلاً: في قصة نبي الله يوسف “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، حينما ذكر الله عنه أنه قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[يوسف:38]. وكذلك في قول الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج:78].

هؤلاء الآباء، الذين هم أنبياء ورسل، وعلى خط التوحيد، وخط الإيمان بالله، خط الحق، وطريق الحق، والصراط المستقيم، كان الانتماء إليهم، والاعتزاز بالانتماء إليهم، شيئاً جيداً، ليس معيباً، ولا خطأً، بل هو صحيح.

أمَّا حال المشركين، الذين ورثوا الشرك من أسلافهم، وحال من ورثوا الباطل من أسلافهم، ويتعصَّبون له، ويتشبَّثون به، فليس لهم في ذلك مستندٌ ولا حُجَّة، ذكرنا قول الله: “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[البقرة:170]، لأنهم ليسوا مهتدين؛ فلا ينبغي التشبُّث بما كانوا عليه.

ولـذلك- كما ذكرنا بالأمس أن مطاوعة التكفيريين عادةً ما كانوا يحاولون، في مساعيهم لإضلال شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة)، الذي له امتداده الإيماني الأصيل عبر الأجيال، إلى عهد رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، ولكنهم يأتون ليقولوا لشعبنا: [كُنتم على ضلال وباطل في كل ما أنتم عليه، ويجب أن تُسْلِموا من جديد، وأن تعتقدوا أن كل الأجيال من قبلكم كانوا كفاراً وكافرين، وعلى غير الإسلام؛ لأنهم ليسوا على الاتِّجاه التكفيري]، فإذا قال أحدٌ ما: [لا، نحن على ما كان عليه الآباء والأجداد]، قالوا: [هااااه، أنتم تقولون مثل مقولة الكافرين: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}[البقرة:170]]، فيحاولون أن يُشَبِّهوا بهذا الأسلوب على البعض من الناس، أن يثيروا مثل هذه الشُّبَه.

لكننا– تحدثنا بالأمس- أن مسار شعبنا العزيز هو كما قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، كان يأتي البعض من حركة أهل الدعوة من الهند، في السنوات الماضية، إلى اليمن، ليدعوا اليمنيين إلى أن يسلموا، من الهند، يطلب من اليمنيين أن يسلموا، وهو آتٍ من الهند، وَالْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ! الامتداد الأصيل، والرموز الهداة العظماء ليمن الإيمان والحكمة من رموز الإسلام والإيمان، من نجوم الهداية، المضيئة في سماء الهداية؛ ولـذلك ينبغي أن يكون لدى الناس وعي وبصيرة، وأن يكون لديهم انتباه تجاه أي شُبه.

تحدثنا عن مسألة الموروث الفكري والثقافي للأُمَّة، وعن المعيار لما هو صحيح، المعيار هو: الحق، والامتداد لنهج الحق وطريق الحق؛ أمَّا ما هو باطل فلا ينبغي التعصُّب له أبداً، بالاستناد إلى من كانوا في طريق الباطل، أو زاغوا عن طريق الحق في تاريخ الأمة، وهذه المسألة مهمة جدًّا.

ننتهي من هذه النقطة، وننتقل إلى كلام نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” فيما رد به عليهم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:75-77]، وهنا يعلن موقفه الحاسم (البراءة) بصيغة صريحة وواضحة جدًّا، بالعداء، الذي هو قمة البراءة يعني، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، فهو يتَّخذ موقفاً حاسماً من شركهم، ومن معبوداتهم الزائفة.

في الحديث عن هذه المسألة، وما فيها من تفاصيل، نتركه لمحاضرة الغد إن شاء الله؛ لأننا اليوم تركنا مساحة للحديث عن الموقف، وحتى لا نطيل، نكتفي بهذا المقدار.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • مبادرات متنوعة في شهر الخير تعين الفقراء:الأسر اليمنية… تكافل وبذل وطقوس روحانية أصيلة
  • ترتبط بتشجيعه أستون فيلا… الأمير ويليام يكشف عن الخرافات التي يؤمن بها
  • هل عادت …!
  • مؤتمر الأحزاب العربية يثمن قرار القيادة اليمنية لرفع الحصار عن قطاع غزة
  • استنكار شعبي وتحرك قانوني ضد الاعتداء على سوريين بالعراق
  • الأحزاب العربية تثمن قرار القيادة اليمنية لرفع الحصار عن قطاع غزة
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • الحكومة اليمنية تدعو لملاحقة قادة جماعة الحوثي باعتبارهم مجرمي حرب وفرض المزيد من العقوبات عليهم
  • منى أحمد تكتب: شمس الموسيقى العربية