تحصينُ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ القادمِ في السودان عبر “بَصِيرَة”، “عِزْوَة” و”تَاوِق”
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
تحصينُ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ القادمِ في السودان عبر "بَصِيرَة"، "عِزْوَة" و"تَاوِق"
"الديمقراطيةُ الحقيقيةُ لا تعني فقط إلغاءَ الظلمِ، ولكنْ أيضًا ضمانَ أنْ يُسْمَعَ الجميعُ ويُحترم."
مهاتما غاندي
المجتمعُ السودانيُّ هو العمودُ الفقريُّ لقوتِنا الحقيقيةِ. هذا المجتمعُ، بتنوعِه وقوتِه، يتفوقُ في تأثيرِه وأهميتِه على الدولةِ التي كانت، في جلِّ تاريخِها، رمزًا للظلمِ والفسادِ.
لكنَّ التحدياتِ التي نواجهُها اليومَ ليستْ نتيجةَ صراعٍ بين القوى الحديثةِ، مثلِ الأحزابِ السياسيةِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ، وبين القوى التقليديةِ المتمثلةِ في القبائلِ والطرقِ الصوفيةِ والطوائفِ. بل على العكسِ تمامًا، نحن في حاجةٍ ماسةٍ إلى اتحادِ هذه القوى جميعًا. لكلٍّ منها دورٌ فاعلٌ وأساسيٌّ في تحقيقِ الديمقراطيةِ وبناءِ مستقبلٍ يعكسُ تطلعاتِ الشعبِ السودانيِّ. المعركةُ الحقيقيةُ ليستْ بين الحداثةِ والتقليدِ، بل هي بين قوى التغييرِ التي تسعى لتحقيقِ العدالةِ والديمقراطيةِ، وقوى الظلامِ التي تتغذى على الفسادِ والانقساماتِ.
إنَّ قوى الثورةِ المضادةِ والتطرفِ واللاتسامحِ لا تتلاشى بمرورِ الوقتِ. بل على العكسِ، هذه القوى تتغذى على الانقساماتِ، الجهلِ، والخوفِ، وتستغلُّ كلَّ فرصةٍ لزرعِ الفتنةِ بين أفرادِ المجتمعِ. إذا لم نتحركْ الآن، فإنَّنا نخاطرُ بتكرارِ المآسي التي عاشها السودانُ في الماضي، والتي لا تزالُ مستمرةً حتى اليومِ. الحربُ الأهليةُ السودانيةُ الرابعةُ ما زالتْ مشتعلةً، وما زالَ الشعبُ السودانيُّ يعاني من تداعياتِها. هذه الحربُ ليستْ مجردَ صراعٍ مسلحٍ، بل هي معركةٌ من أجلِ بقاءِ السودانِ كدولةٍ موحدةٍ ومستقرةٍ.
لقد دفعَ السودانُ ثمنًا باهظًا لهذه الحروبِ الأهليةِ؛ أرواحٌ فقدتْ، أسرٌ تفككتْ، واقتصادٌ انهارَ. إذا لم نتحركْ الآن لوضعِ حدٍّ لهذا النزيفِ المستمرِ، فإنَّ الانقلاباتَ والحروبَ الأهليةَ ستستمرُّ في تدميرِ ما تبقى من هذا الوطنِ. المستقبلُ يبدو قاتمًا إذا لم نبادرْ الآن باتخاذِ خطواتٍ جادةٍ نحو بناءِ دولةٍ ديمقراطيةٍ عادلةٍ ومستقرةٍ.
الديمقراطيةُ والاستقرارُ لن يأتيانِ بالتمني أو بالشعاراتِ الجوفاءِ، بل بالأفعالِ المدروسةِ والخططِ المحكمةِ. إذا لم نبدأْ اليومَ بوضعِ رؤيةٍ واضحةٍ لتحصينِ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ، فإننا نخاطرُ بالبقاءِ في دوامةِ العنفِ والانقساماتِ.
لهذا السببِ، نحن بحاجةٌ إلى التحركِ الفوريِّ عبرَ تأسيسِ ثلاثِ ركائزَ أساسيةٍ:
1. مركزُ "بَصِيرَة": نحن بحاجةٍ إلى مركزٍ يُعنى بدراسةِ الأوضاعِ السياسيةِ، الاقتصاديةِ، والاجتماعيةِ في السودانِ، ويقدّمُ حلولًا مبتكرةً تعكسُ التنوعَ السودانيَّ وتضعُ أساسًا لدولةٍ تحتضنُ جميعَ مواطنيها. "بَصِيرَة" سيكونُ مركزًا بحثيًا ومنبرًا فكريًا يجمعُ الدراساتَ والرؤى لبناءِ سودانٍ متجددٍ يعززُ الوحدةَ الوطنيةَ.
2. جبهةُ "عِزْوَة": لا يمكنُ لأيِّ مجموعةٍ بمفردها أنْ تواجهَ التحدياتِ الكبرى التي يمرُّ بها السودانُ. نحن بحاجةٍ إلى جبهةٍ موحدةٍ تضمُّ الأحزابَ السياسيةَ، منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ، القبائلَ، الطرقَ الصوفيةَ، والطوائفَ. "عِزْوَة" ستكونُ الجبهةَ التي تجمعُ كلَّ هذه القوى من أجلِ تعزيزِ الوحدةِ ومواجهةِ كلِّ محاولاتِ التقسيمِ التي تهددُ استقرارَ البلادِ.
3. هيئةُ رقابةٍ تُسمى "تَاوِق": الديمقراطيةُ تتطلبُ الشفافيةَ، وبدونِ رقابةٍ صارمةٍ، يمكنُ التلاعبُ بالعمليةِ الانتقاليةِ. "تَاوِق" ستكونُ الهيئةَ المستقلةَ التي تراقبُ وتضمنُ أنْ كلَّ خطوةٍ في التحوُّلِ الديمقراطيِّ تتمُّ بشفافيةٍ ونزاهةٍ. لا يمكنُ التسامحُ مع الفسادِ أو التلاعبِ في هذه المرحلةِ الحساسةِ.
علينا أنْ نضعَ أيدينا معًا ونتحركَ نحو العملِ الفعليِّ. الانتقالُ إلى ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ يتطلبُ جهدًا مشتركًا ومثابرةً من الجميعِ. كلما تأخرنا، زادت التحدياتُ وتعقدتْ الأمورُ أكثرَ. التحصينُ الحقيقيُّ لهذا الوطنِ يبدأُ الآن، وهو مسؤوليةٌ جماعيةٌ لا يمكنُ تأجيلُها.
هذه دعوةٌ صادقةٌ ومخلصةٌ لكلِّ أبناءِ وبناتِ السودانِ، لكلِّ الأحزابِ السياسيةِ، القبائلِ، الطرقِ الصوفيةِ، الطوائفِ، وكلِّ منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ. إنها دعوةٌ للنفيرِ الوطنيِّ، للعملِ الجماعيِّ، لنهضةٍ حقيقيةٍ تضعُ السودانَ على الطريقِ الصحيحِ.
الهبةُ يجبُ أن تبدأَ الآنَ. لا وقتَ للترددِ أو الانتظارِ. كلُّ يومٍ يمرُّ دونَ أنْ نتحركَ هو فرصةٌ لقوى الفسادِ والانقساماتِ للتغلغلِ أكثرَ في مجتمعنا. تحصينُ السودانِ من الشرورِ لم يعدْ خيارًا بل أصبحَ واجبًا لا يمكنُ الهروبُ منه. هذا الواجبُ يقعُ على كلِّ فردٍ في هذا الوطنِ، لا استثناءَ.
للتواصل:
د. عبد المنعم مختار
moniem.mukhtar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لا یمکن ب ص یر ة إذا لم
إقرأ أيضاً:
السودان: مجلس السلم الإفريقي يؤكد الرفض الدولي لمؤامرة “الدعم السريع”
السودان – اعتبرت وزارة الخارجية السودانية، امس الأربعاء، موقف مجلس السلم والأمن الإفريقي الرافض لتشكيل حكومة موازية في البلاد “موقفا مبدئيا يؤكد الرفض الدولي لمؤامرة قوات الدعم السريع”.
وأعربت الوزارة في بيان عن ترحيبها بإدانة مجلس السلم والأمن الإفريقي لمساعي “قوات الدعم السريع” وتابعيها إنشاء حكومة موازية في البلاد.
وأضافت: “هذا الموقف المبدئي الحاسم من المنظمة القارية الأم، يأتي تأكيدا للرفض الدولي الكامل لمؤامرة مليشيا الإبادة الجماعية (الدعم السريع) وراعيتها الإقليمية (لم تذكر الجهة المقصودة)، ومن يأتمرون بأمرها في المنطقة على وحدة السودان وسيادته”.
وعدت الوزارة موقف مجلس السلم والأمن تجسيدا “للالتزام التام بالمبادئ التي تأسس عليها العمل الإفريقي المشترك”.
وأكدت تقدير السودان لهذه المواقف “المتسقة مع القانون الدولي والتي ستكون خير دعم للشعب السوداني ومؤسساته الوطنية للدفاع عن سيادته ووحدته وكرامته واستقلاله”، بحسب البيان.
والثلاثاء، أعلن مجلس السلم والأمن الإفريقي رفضه لإعلان “قوات الدعم السريع” عن حكومة موازية في السودان أو كيان يسعى إلى تقسيم البلاد أو السيطرة على أي جزء من أراضيه أو مؤسساته.
وفي 20 فبراير/ شباط الماضي استدعى السودان سفيره لدى نيروبي كمال جبارة، احتجاجا على استضافة كينيا اجتماعات ضمت قوى سياسية وقيادات من “قوات الدعم السريع”، بهدف إقامة “حكومة موازية”.
وتقول كينيا إن استضافتها لتلك الاجتماعات “تأتي في إطار سعيها لإيجاد حلول لوقف الحرب في السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”.
ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
الأناضول
Previous سوريا.. أحمد الشرع يستقبل وفدا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (صور) Related Postsليبية يومية شاملة
جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results