التحول الديمقراطي – الأمل وعقبة إقصاء الإسلاميين في سياق المواطنة
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
التحول الديمقراطي في السودان وإقصاء الإسلاميين ربح مؤقت أم خسارة طويلة الأمد؟ قد يكون هذا التساؤل مطروح لدي مجموعة من المثقفين في هذه الأيام , و يشهد السودان منذ عقود طويلة صراعًا سياسيًا حادًا، لم تقتصر محاوره على تقلبات السلطة فحسب، بل تعدته إلى صراع أيديولوجي عميق، بين مختلف التيارات الفكرية والفاعلين السياسيين.
البناء الديمقراطي والإقصاء , ربح على المدى القصير أم تحديات طويلة الأمد؟
تجربة التحول الديمقراطي في السودان تمثلت في محاولة جادة لتأسيس نظام حكم ديمقراطي يقطع مع التجارب العسكرية والتسلطية التي استمرت لعقود. إحدى الخصائص البارزة في هذه التجربة كانت إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي بعد الثورة. فرغم مشاركتهم الواسعة في الحكم لعدة سنوات، تم استبعادهم بشكل كامل من العملية السياسية في محاولة لإعادة بناء الدولة بشكل ديمقراطي شامل.
ولكن هل كان هذا الإقصاء خيارًا حكيمًا؟ على المدى القصير، قد يبدو أن إقصاء الإسلاميين خفف من تأثيرهم السياسي ومنعهم من العودة إلى السلطة، خصوصًا بعد عقود من التسلط الذي مارسه نظام البشير. هذا الإبعاد عن الساحة منح الحكومة الانتقالية، بدعم من قوى الحرية والتغيير، فرصة للتفاوض مع الحركات المسلحة والفاعلين الآخرين من أجل بناء نظام سياسي جديد.
الصراعات الهوائية والمستقبل المجهول
على الرغم من أن السودان سعى لتحقيق انتقال سياسي ديمقراطي، إلا أن إقصاء الإسلاميين تسبب في خلق فراغ سياسي واجتماعي قد يعود بالسلب على عملية التحول. فإقصاء فصيل سياسي بحجم وتأثير الإسلاميين قد يؤدي إلى تحفيز الصراع، وليس حله. الإسلاميون، بتياراتهم المختلفة، ما زالوا يمثلون جزءًا كبيرًا من التركيبة السياسية والمجتمعية في السودان، ولا يمكن تجاهل تأثيرهم العميق على الشارع السوداني.
يبدو أن البعض داخل السودان قد تصور أن الديمقراطية يمكن أن تُبنى فقط عن طريق استبعاد فصيل بعينه، متجاهلين أن الديمقراطية الحقيقية تقوم على الحوار والمشاركة بين جميع الأطراف، بما في ذلك من يختلفون فكريًا وأيديولوجيًا. ما يحدث في السودان الآن هو محاولة لخلق نظام جديد بدون إشراك الإسلاميين، وهذا ربما خلق حالة من التوتر والاحتقان، وهو ما يمكن تسميته بـ"الصراعات الهوائية" التي تنمو دون وجود حلول واقعية على الأرض.
الإسلاميون بين التهميش والانكفاء
الإسلاميون اليوم يعيشون حالة من التهميش السياسي، في مشهد يُنظر إليه على أنه عقاب لتاريخ طويل من الحكم القمعي والفشل في إدارة الدولة. لكن استبعادهم لم يقتصر على التمثيل السياسي فقط، بل تعدى ذلك إلى محاولات منعهم من التأثير الاجتماعي والثقافي، ما أدى إلى شعور بالإقصاء الجماعي.
الجدل حول هذا الإقصاء يتركز على مدى تأثيره على استقرار السودان ومستقبله. في ظل غياب الإسلاميين عن المشهد، أصبح هناك فراغ سياسي قد يملأه أطراف أخرى، ليس بالضرورة أكثر اعتدالًا أو توافقًا. فالاحتقان السياسي في السودان لا يزال قويًا، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة قد تزيد من تعقيد الموقف وتعمق الفجوة بين الفصائل السياسية.
الإسلاميون، رغم الإقصاء، لا يزالون يحتفظون بقاعدة شعبية كبيرة، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة. ولذلك، من المرجح أن يؤدي تهميشهم السياسي إلى ظهور حركات احتجاجية أو مقاومة من شأنها أن تعرقل عملية التحول الديمقراطي. هذه المقاومة قد تتخذ أشكالاً متعددة، منها العودة إلى العمل السياسي السري، أو التحول إلى العنف في أسوأ السيناريوهات.
وهل يمكن تحقيق الديمقراطية دون الإسلاميين؟ , ان هذه النقطة الجوهرية التي يجب أن تُطرح هي: هل يمكن للسودان أن يبني نظامًا ديمقراطيًا مستدامًا في ظل غياب الإسلاميين؟ السؤال هنا ليس مجرد تساؤل نظري، بل هو سؤال عملي يتصل بمستقبل البلاد واستقرارها. الديمقراطية هي نظام يقوم على المشاركة والتمثيل الشامل لمختلف القوى والتيارات. ولذلك، فإن إقصاء أي فصيل كبير من هذه العملية، سواء كان إسلاميًا أو غيره، يحمل في طياته مخاطر كبرى.
منع الإسلاميين من المشاركة في بناء الديمقراطية قد يُعتبر خطوة ضرورية لبعض الوقت من أجل تحقيق الاستقرار، ولكن على المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى إضعاف شرعية النظام الجديد وتعميق الانقسامات السياسية. تجربة السودان الطويلة مع الأنظمة العسكرية والمدنية تُظهر أن الصراع السياسي والإقصاء المستمر يولدان المزيد من الفوضى والانقسام.
مستقبل السودان في ظل الصراعات الحالية
في ظل استمرار الحرب في مناطق النزاع، وتدهور الوضع الاقتصادي، وعدم وجود رؤية واضحة لتحقيق انتخابات ديمقراطية، يبدو أن السودان في طريقه إلى مواجهة المزيد من التحديات. الشعب السوداني الذي طمح في بناء نظام ديمقراطي شامل يشعر الآن بالإحباط، حيث تتلاشى آماله في رؤية تحول ديمقراطي حقيقي في المستقبل القريب.
الانتخابات، التي كانت تعتبر الخطوة الأولى نحو الديمقراطية، قد لا تحدث قريبًا، بل وربما يتم تأجيلها بشكل متكرر نتيجة الصراعات السياسية والتوترات بين القوى المختلفة. وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فإن السودان قد يجد نفسه في حالة من الانقسام الدائم، حيث تتلاشى فرص بناء دولة مستقرة على أسس ديمقراطية.
والامر المهم الان هو أن السودان بين الإقصاء والشمولية , السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: هل ربح السودان من إقصاء الإسلاميين من التحول الديمقراطي؟ الإجابة تعتمد على النظرة بعيدة المدى. على المدى القصير، قد يُعتبر هذا الإقصاء ربحًا سياسيًا في سبيل تجنب العودة إلى الماضي، ولكن على المدى الطويل، قد يتسبب في نشوء صراعات جديدة تعيق بناء الديمقراطية.
الحل الأمثل للسودان، كما يبدو، يكمن في تحقيق شمولية سياسية تتيح للجميع المشاركة في بناء الوطن، بعيدًا عن الإقصاء والتهميش. الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل هي نظام يقوم على التفاوض والقبول بالآخر، حتى وإن كان الاختلاف الأيديولوجي والسياسي جوهريًا. فقط من خلال هذا المسار يمكن للسودان أن يخرج من دوامة الصراع ويبدأ في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلاً.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التحول الدیمقراطی الإسلامیین من هذا الإقصاء فی السودان على المدى فی بناء نظام ا
إقرأ أيضاً:
في سياق حملة «الضغط الأقصى».. واشنطن تنهي إعفاء دولة عربية من شراء الطاقة الإيرانية
ألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، “الإعفاء الذي كان يسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل الكهرباء”، وذلك في إطار حملة “الضغط الأقصى” التي تتبعها الإدارة الأميركية الحالية ضد طهران.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، “إن القرار بعدم تجديد الإعفاء عند انتهاء صلاحيته، يضمن أننا لا نسمح لإيران بأي درجة من التخفيف الاقتصادي أو المالي”.
وأضاف أن “حملة ترامب ضد إيران، تهدف إلى إنهاء تهديدها النووي، وتقليص برنامجها للصواريخ الباليستية، ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية”.
وفي وقت سابق من، السبت، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، “إن الحكومة العراقية وضعت عدة سيناريوهات لمواجهة أي تطورات تتعلق بالموضوع”.
ولفت الى “أن العراق يستورد من إيران “50 مليون قدم مكعب وتشكل ثلثاً من إنتاج الطاقة الإيرانية، والحكومة وضعت جميع السيناريوهات في حال تم تجديد الإعفاءات أو لم يتم التجديد”.
وكشف العوادي عن “قرب حل مشكلة استيراد الغاز التركمانستاني، متوقعا وصوله إلى محطات إنتاج الطاقة العراقية خلال الشهرين المقبلين عبر الأراضي الإيرانية”، وأضاف: “في حال لم تنجح هذه الخطوة، فإن العراق لدية خيار آخر هو “استخدام منصات الغاز وهي عبارة عن سفن عائمة ويتم ربطها بأنبوب خاص مربوط بالمحطات الكهربائية في البصرة”.
هذا “وانتهت صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأميركية التي منحتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن في 7 مارس 2025، أي بعد مرور 120 يومًا على سريانها، وكانت إدارة ترامب، أشارت إلى “عزمها على عدم توقيع الإعفاءات مرة أخرى وفق ما ورد في المذكرة الرئاسية للأمن القومي في 4 فبراير 2025، والتي تستهدف إعادة فرض أقصى درجات الضغط”.
وكان “استأنف ترامب “الضغط الأقصى” على إيران بعد عودته إلى منصبه في يناير”، وقالت الحكومة الأمريكية “إنها ترغب في عزل إيران عن الاقتصاد العالمي والقضاء على إيرادات صادراتها النفطية من أجل إبطاء تطوير طهران لأسلحة نووية”.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي، جيمس هيويت: “لقد كان الرئيس ترامب واضحًا في أن النظام الإيراني يجب أن يتوقف عن طموحاته لامتلاك أسلحة نووية أو مواجهة أقصى درجات الضغط”. وأضاف: “نأمل أن يضع النظام مصلحة شعبه والمنطقة فوق سياساته المزعزعة للاستقرار”.