بين عملية الذراع الطويل والحرب العبثية الحالية!
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
في مايو العام 2008 كان جهاز الأمن الكيزاني (الحاكم الفعلي للدولة) يرصد تحرك قوات حركة العدل والمساواة بقيادة الشهيد خليل إبراهيم، وهي تتقدم نحو العاصمة.
كان بإمكان قوات النظام التعامل والتصدي للقوة الغازية خارج العاصمة، حفاظا على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، لكن الأوامر صدرت بترك تلك القوات تتقدم الى داخل العاصمة!
قراءة تلك الواقعة تجعل المراقب المحايد يفهم كيف تدير الحركة الإسلامية الحرب العبثية الحالية، وكيف ابتدرتها اصلا مع المليشيا التي قامت بإنشائها في حربها على شعبنا.
لم يكن من هدف للسماح لقوات خليل بدخول العاصمة، سوى الخطة الشيطانية التي تريد اقحام القوة الغازية في معارك وانتهاكات ضد المدنيين، بما يشيع مزيدا من الفتن بين أبناء الوطن الواحد، ويساعد في التفاف بعض قطاعات شعبنا حول النظام باعتباره الحامي والمنقذ من مغامرات وغزوات المهمشين (الذين يريدون الاستئثار بالسلطة والثروة!)
كسرت قوات خليل (الدش) في يد جهاز الأمن الكيزاني حين تجنبت الاصطدام مع المدنيين وتعاملت بكل احترام معهم.
في فترة الحكم الانتقالي المدني بقيادة الدكتور حمدوك، عمل الكيزان بجد ومثابرة بالتواطؤ مع لجنة المخلوع الأمنية، لإفشال الحكومة المدنية ، بدءا من المضاربة بالدولار واخفاء السلع وتخريب الخدمات واحداث انفلات أمني مصنوع، وانتهاء بإغلاق الميناء تمهيدا للانقلاب حين بات واضحا ان الحكومة المدنية كانت عازمة وجادة في تصفية كل جيوب النظام القديم، وكشف فساده الذي لم ير له التاريخ مثيلا، كما بانت جديتها في محاولات اصلاح الاقتصاد والبرامج التي توجهت لمساعدة الشرائح الأقل مقدرة على مواجهة موجات الغلاء وتبعات الإصلاحات الاقتصادية.
وحين فشل الانقلاب لجأت الحركة الإسلامية للخطة البديلة: الحرب، التي هيأت الملعب لها طوال عقود من بث الفتن وإحياء نار القبلية والعصبيات، وصنعت العدو وقوّت شوكته انتظارا للحظة الحاسمة.
رفض حكومة بورتسودان للتفاوض ولقبول قوات دولية لحماية المدنيين، يأتي من نفس هذا المنطلق، استمرار الحرب وتوالي الانتهاكات على المدنيين هو الضمانة الوحيدة في تقديرهم ليس فقط للقضاء على الثورة التي لا تزال جذوتها نابضة في القلوب، بل أيضا لإضرام مزيد من نيران الفتن التي تقضي على كل آمال التعايش السلمي في هذه البلاد وتقود الى تفككها. ولن يكون ذلك بعيدا عن دعوات فصل أجزاء من البلاد وضمها الى الجار الشمالي كما تنادى بعض اقطاب الكيزان.
ما تعانيه بلادنا من حرب يدفع ثمن نتائجها المواطن من دمه وماله ومستقبل أبنائه، هو نتاج مباشر لسيطرة التنظيم الاسلاموي النازي على هذه البلاد، ونهبه لثرواتها والفتن والحروب التي شنها على أبناء هذا الوطن في كل أرجائه.
والغريب أنه بعد كل الجرائم التي ارتكبها التنظيم، من قتل وفساد وحروب وتدمير للنسيج الاجتماعي وفصل للجنوب ومناداة بعض منسوبيه علنا بتقسيم ما تبقى من البلاد بل وضم بعض ولاياتها للجيران، لا يزال هذا التنظيم ومنسوبيه من الفاسدين وطلاب السلطة، يعتقد أنه الوحيد القادر على حكم هذه البلاد وحفظ أمنها، وضمان رفاه شعبها ووحدة أراضيها!
أحمد الملك
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.
إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.
لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.
من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.
في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.
وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.
وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.
والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.
ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.
وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.
لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.