توراجا قبيلة إندونيسية تخرج موتاها من مدافنهم كل عام
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
توراجا قبيلة إندونيسية يؤمن أفرادها بأن الموت أغلى وأكبر حدث في حياة الإنسان، ولا يرون أنه نهاية الحياة، بل هو مرحلة انتقالية لحياة جديدة يسمونها "بويا"، ويحرصون على تقدير موتاهم، ويعتقدون أن ذلك يضمن توفير محصول وفير من الأرز.
ورغم أن كثيرا من أفراد شعب توراجا اعتنقوا المسيحية، فإن ممارسة طقوس قبيلتهم ظلت راسخة في ثقافتهم وفي حياتهم اليومية، خاصة أنهم قبيلة تعيش على الزراعة وتحقق الاكتفاء الذاتي لنفسها.
و"توراجا" مشتقة من كلمة محلية قديمة، وتعني "أهل المرتفعات" أو "قاطني الجبال".
عرقية توراجاالتوراجا مجموعة عرقية تستوطن المناطق الجبلية في جزيرة سولاويسي جنوبي إندونيسيا، ويزيد تعدادها على مليون نسمة، وتقول بعض المصادر إنهم نحو 3 ملايين.
ويعيش نصف مليون فقط من أفراد هذه القبيلة في المناطق القروية الأصلية لأجدادهم بين الجبال، ويصرون على الحفاظ على عادات وتقاليد القبيلة التي تسمى "ألوك تو دولو".
والتوراجا من كبرى الأقليات في إندونيسيا، وتمتاز الجزيرة التي يقطنونها بجمالها الساحر وطبيعتها الجبلية الخضراء وسهولها الممتدة، وبها كثير من مزارع الأرز، وهي واحدة من الكنوز الثقافية النادرة والمتنوعة في العالم.
وتعتنق أغلبية القبيلة الديانة المسيحية، بينما يدين بعضهم بالإسلام، لكنهم يرون أن طقوسهم ليست جزءا من الدين، بل يعتبرونها مجرد عادات وتقاليد تشكل هُوية خاصة بهم.
ولا يمارس المسلمون من هذه العرقية هذه الطقوس المتعارف عليها بينهم، لكنهم يحضرونها ويتابعونها باعتبارها جزءا من ثقافتهم.
تاريخ قبلية توراجاتعود أصول قبيلة توراجا إلى مهاجرين قدموا من جنوب آسيا (ماليزيا)، واستقروا في مرتفعات سولاويسي. ويتحدثون بلهجات متعددة، تنتمي إلى عائلة اللغات الأسترونيزية.
مجتمع توراجا يقوم منذ القديم على النظام الاجتماعي الهرمي، إذ كانت الطبقات الأرستقراطية تحتل مكانة بارزة، لكنها تأثرت عقب الاستعمار وبعد اعتناق أهلها ديانات عدة، بما فيها المسيحية والإسلام.
وقبل وصول الإسلام والمسيحية، كان التوراجا يدينون بعقائد روحية تسمى "ألوك تو دولو" (عقيدة الأجداد) تشمل احترام الأسلاف والاعتقاد بالحياة بعد الموت.
ظل مجتمع توراجا منعزلا حتى القرن العشرين، مع بداية الاستعمار الهولندي، وحينئذ انتشرت المسيحية، وأصبحت الديانة الرئيسية لكثير من أفراد القبيلة. وقدر عددهم بداية القرن الـ21 بنحو 750 ألفا.
يعتقد شعب توراجا أن نبلاءهم ينحدرون من كائنات سماوية نزلت إلى الأرض عبر "درج سماوي".
وحفاظا على طاقة الأرض، يؤمن شعب توراجا بأن هذه الطاقة يجب أن تستمر من خلال أداء طقوس الاحتفال بالحياة والموت التي ترتبط بموسم زراعة الأرز.
يقدسون الجواميس وتشبه بيوتهم قرونها، ويستعملون بيوتا صغيرة لحفظ الأرز، كما يقدسون الأرض ولا يدفنون موتاهم فيها، بل يضعونهم في مناطق عالية بين الجبال والهضاب وداخل الكهوف.
ويعتقدون أيضا أن روح الميت تبقى في عالم الأحياء حتى موعد جنازته، وحال انتهاء طقوسها تبدأ رحلة الميت إلى عالم الأرواح.
ويؤمنون بأن أرواح الموتى تعود لمسقط رأسها، والمكان الذي توفيت فيه، فيحرصون على السير إليه في ذكرى ما يعرف عندهم بـ"احتفال المانيني"، أي "احتفال تنظيف الجثامين".
ويعتقدون بعدم جواز دفن الميت تحت الأرض، أو حتى ملامسة جسده الأرض لقداستها.
ولا يعد الميت عندهم ميتا حتى يوم جنازته، إنما مريضا يحتاج العناية، فيبقى في منزل أسرته أياما وأسابيع وأشهرا، ويوضع بعدها في ضريح داخل غرفة بالمنزل مدة قد تستمر سنين، ويعتنون به وكأنه حي.
تحنط جثة الميت فورا، ويستمر أهله في تقديم الطعام والشراب له، ويتحدث معه أفراد الأسرة كما لو كان حيا بينهم، ويحرصون على عدم تركه وحيدا، ويحممون الجثة ويغيرون لباسها باستمرار.
وكانت الجثث تحنط سابقا باستخدام منتجات طبيعية كالخل وأوراق الشاي، وحديثا باتت عائلات كثيرة تستعمل حُقن الفورمالين.
ويبقى الميت في المنزل إلى حين قرار الأسرة بإقامة الجنازة، إذ تحتاج إلى تحضير طويل قد يمتد سنين، ومال وفير قد يبلغ الملايين.
وخلال سنين التحضير، تحرص الأسرة على العناية بالجاموس الذي ستذبحه لأجل مراسم الاحتفال بالميت لإكمال "عبوره نحو الحياة الجديدة".
تهدف الجنازة -التي تستمر لنحو 12 يوما- إلى إيصال روح الميت إلى "الحياة الآخرة" التي يسمونها "بويا"، وكلما كان الميت أغنى كانت الجنازة أغلى، وحضرها أناس أكثر، ومدتها أطول، حتى أصبحت من أكثر الجنازات كلفة في العالم.
ويحضر الزوار هدايا للميت، وغالبا ما تكون مالًا وسجائر، ويحضر الأهالي كلهم طقوس جنازته دعما له، ويتبرعون بعدد كبير من الجواميس والخنازير والأحصنة والغزلان، ويذبحونها ويعدون منها الولائم.
الاحتفال بالميت يكون أشبه بالعرس، إذ تتخلله رقصات شعبية وطقوس وأغان تقدمها فرقة من القبيلة وهي في أبهى حلتها وزينتها، وقد تصاحب الاحتفال ألعاب نارية.
وفي أثناء الاحتفال، يطوف أهل الميت على الحاضرين، ويسلمون عليهم واحدا واحدا.
وعندما تنتهي مراسم الاحتفال ويحين موعد الدفن تحمل جثة الميت في تابوت، ويوضع داخل كهف في الجبال، ويرتب الموتى حسب مكانتهم الاجتماعية، فكلما علا شأنهم علا موقع دفنهم، وتُصنع للموتى تماثيل تسمى "تاو تاو" تُنقل معهم إلى مدافنهم.
وحديثا، أصبح أهل القرية يبنون غرفا بالإسمنت يضعون فيها تابوت الميت. وأما الأطفال فيدفنون داخل الأشجار، لأنهم في ثقافة توراجا مقدسون، وينبغي عدم حسب اعتقادهم أن يدفنوا في الأرض ولا مع باقي الموتى، لأن الأشجار تسقيهم ويكبرون معها، ثم تأخذهم الرياح ليكونوا "ملائكة عند الخالق".
تحتفل القبيلة بيوم زيارة الموتى، ويسمى "مانيني"، وهي عبارة محلية تعني "احتفال تنظيف الجثامين"، ويعتقدون أن الموتى يستطيعون التواصل مع الأحياء.
ويهدف هذا الاحتفال إلى ربط الجيل الجديد بأجداده والحفاظ على علاقة وطيدة معهم، حفاظا على الهوية، ويحرص الكبار على تعليم صغارهم هذه الطقوس لضمان استمراريتها.
ويقام احتفال المانيني كل عام أو عامين وأحيانا 3 أعوام، ويلي موسم حصاد الأرز، أي غالبا في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول.
وتسبق يوم الاحتفال شهور من التحضيرات، فتشتري النساء الملابس الجديدة لموتاهن، ويوفرن عدة التنظيف وكل الأغراض اللازمة من أعشاب وطعام وشراب.
ويبدأ الاحتفال بذهاب أهل الميت إلى مدفنه ويخرجونه من الـ"باتاني" (القبر) داخل الكهف، ويعيدونه إلى مكان وفاته ثم إلى القرية وينظفونه ويغيرون لباسه.
وحتى لو توفي الميت في مكان بعيد، يجب على العائلة أن تذهب لمكان موته وتصطحب جثة ميتها معها من هناك مشيا على الأقدام وبعدها نحو القرية.
ويحرص أهل الميت على السير في طريق مستقيم، اعتقادا منهم أن ذلك يمنع تعرض روحه للشرور، وخلال هذه الرحلة، يحرصون على ذكر مناقب ميتهم وإنجازاته ومساهماته في مجتمعه، تخليدا لذكراه.
ويغير التوراجا نعوش موتاهم المتهالكة وأكفانهم القديمة بأخرى جديدة، ويعطرونها بعد الانتهاء من إلباسها الحلة الجديدة، وتذبح الخنازير بطريقة خاصة حتى "لا تغضب آلهة الطبيعة"، لأن ذلك سيمنع محاصيلهم من أن تنبت كما يقولون.
وتعاد الجثث إلى قبورها نهاية الاحتفال، ويغلق عليها انتظارا لموعد الاحتفال القادم. ويؤمن التوراجا بأن هذا التقليد السنوي يريح موتاهم.
تعد دمى "التاو تاو" من أبرز طرق تكريم الموتى في ثقافة شعب توراجا، وتصنع من الخشب أو الخيزران بشكل يشبه الميت، ويؤمنون بأن روحه تدخل فيها، وقد يبلغ ثمنها 15 مليون روبية إندونيسية (ما يعادل ألف دولار).
ونشأت طقوس صنع دمى "التاو تاو" في القرن الـ19، وكانت في البداية رمزا للترف والثراء وتصنع لأصحاب المكانة العالية والأثرياء، ويؤمنون بأنها تنقل روح الميت بشكل سليم للعالم الآخر.
وتوضع هذه الدمى قرب مكان دفن الجثامين فور الانتهاء من الحفل، ويعتقد التوراجا أنها تحرس القبور وتساعد على حماية الأحياء.
وكلمة "تاو تاو" مشتقة من كلمة "تاو" التي تعني "الإنسان" في اللغة المحلية، وتكرار الكلمة في اللغة الإندونيسية يشير إلى "التشابه" فيصبح معناها "شيء يشبه البشر".
ويحرص أهالي توراجا على صناعة دمى "التاو تاو" بالطريقة الصحيحة وبما يناسب الوضع الاجتماعي للمتوفى، وإلا "فإن روحه قد تبقى عالقة بين العالمين".
وتصنع هذه الدمى لأصحاب الطبقات الاجتماعية المنخفضة من الخيزران، بينما يستخدم خشب الصندل أو خشب الراندو لأصحاب الطبقة الوسطى، أما الأثرياء أو الملوك، فتُصنع دماهم من شجرة الكاكايا، وغالبا ما تستخدم قرون الجاموس أو العظام للعيون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من أفراد المیت فی تاو تاو
إقرأ أيضاً:
باقي كام يوم على إجازة شم النسيم 2025 ؟
يتلهف المصريون لأي إجازة قريبة بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، وبدأ العد التنازلي لـ موعد شم النسيم 2025، والذي يعتبر إجازة رسمية مدفوعة الأجر للقطاعين الحكومي والخاص، وبدأ الكثير عمليات البحث عن موعد شم النسيم خلال شهر أبريل وحساب الأيام المتبقية على إجازة شم النسيم .
موعد شم النسيم 2025ووفقًا للتقويم الفلكي، تحل إجازة شم النسيم هذا العام يوم الاثنين 21 أبريل 2025، لتمنح يومًا إضافيًا للاحتفال والاستمتاع بأجواء الربيع.
ويعتبر شم النسيم يوم مميز للمصريين، حيث يشهد الاحتفال بأحد أقدم الأعياد المصرية في فصل الربيع، الذي يمتد تاريخه منذ العصور الفرعونية.
ينتظر الكثيرون هذا اليوم كإجازة رسمية للموظفين وطلاب المدارس والعاملين في الهيئات الحكومية، للاستمتاع بمظاهر الاحتفال.
وبحسب الأجندة الرسمية لإجازات عام 2025، فإن موعد شم النسيم 2025 يوم الأثنين 21 أبريل، وبذلك يتبقى اسبوعان على إجازة شم النسيم .
أصل شم النسيميعد عيد شم النسيم من أقدم الأعياد المصرية التي تعود جذورها إلى الحضارة الفرعونية، حيث احتفل به المصريون القدماء في بداية فصل الربيع، وعلى الرغم من كونه عيدًا ذا طابع مصري خالص، إلا أنه ارتبط بشكل وثيق بعيد القيامة المسيحي، ما أدى إلى تغير موعده سنويًا وفقًا لحسابات فلكية معقدة.
يظن الكثيرون أن اسم "شم النسيم" يشير إلى استنشاق الهواء النقي، إلا أن التسمية الحقيقية تعود إلى اللغة القبطية المصرية القديمة. فكلمة "شوم" تعني "بستان"، و"نيسيم" تعني "الزروع"، وعند دمجهما تصبح "شوم إن نيسيم"، أي "بستان الزروع"، ومع مرور الزمن تحولت الكلمة إلى "شم النسيم".
لماذا يأتي شم النسيم دائما يوم الإثنين؟يعود سبب الاحتفال بعيد شم النسيم دائمًا في يوم الإثنين إلى إحياء ذكرى قيامة السيد المسيح التي حدثت يوم الأحد وفقًا للشعائر المسيحية، وبما أن عيد القيامة يُحسب وفق التقويم القبطي بناءً على الدورة القمرية والاعتدال الربيعي فإنه يقع دائمًا في الأحد الذي يلي أول بدر كامل في فصل الربيع، وبالتالي يكون اليوم التالي وهو الإثنين هو موعد شم النسيم، ليجمع بين نهاية فترة الصوم وبدء الاحتفال بالحياة الجديدة.
يعود تاريخ الاحتفال بشم النسيم إلى ما يقرب 5 آلاف عام مضت، أي إلى عهد الأسرة الفرعونية الثالثة، ويعتبر أقدم عيد غير ديني في العالم، ويرجح بعض المؤرخين أن شم النسيم يعود لأقدم من ذلك حيث كان يتم الاحتفال به في هليوبوليس الفرعونية.
عادات شم النسيمكما كان الاحتفال بشم النسيم عند المصري القديم يبدأ مع شروق الشمس حيث الخروج للحدائق و الحقول مبكرا لتحية الشمس، ثم يقوم المصريون بتلوين البيض وكتابة الأمنيات عليه، ووضع البيض الملون في سلال يتم تعليقها على الأشجار حتى يحصلون على البركات و تتحقق أمنياتهم بحسب معتقداتهم.