الطيور في عسير.. تنوعٌ نادرٌ وهجراتٌ موسميةٌ عززها الغطاء النباتي الكثيف
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
المناطق_واس
استوطن بعضها المكان منذ آلاف السنين، فصُنفت من نوادر الكائنات الحية عالميًا، تزورها أنواع أخرى كثيرة من غرب الكرة الأرضية وشرقها في مواسم معينة من السنة، فتحيل الغابات إلى جوقة موسيقية من الأنغام العذبة، وتنشر البهجة بجمالها ونشاطها.
هي الطيور النادرة والمهاجرة التي شكَّلت إثراءً حيويًا كبيرًا في منطقة عسير تكاملت فيه مقومات الحياة الطبيعية المتنوعة، حيث تستوطن مرتفعات المنطقة -حسب كتاب “الطيور في السعودية” الصادر عام 2021 عن شركة “أرامكو”- 86 نوعًا من الطيور التي تبني أعشاشها في بعض هذه المناطق الحيوية بين المرتفعات، وذلك بسبب المناخ الجبلي الرطب والبارد نسبيًا، الذي يُسهم في كثافة الغطاء النباتي مما يشكل موئلًا مناسبًا لاستقطاب الطيور التي تستفيد من 2000 نوع من النباتات والأشجار سواءً في التعشيش أو الغذاء كأشجار “الطلح” و”العرعر”.
وتُمثِّل الهجرات الموسمية للطيور عاملًا حاسمًا في التنوع الكبير الذي تتميز به مرتفعات وسهول عسير بسبب قربها من القارة الأفريقية، حيث تعد المرتفعات الجنوبية الغربية الرطبة الموئل المناسب لتكاثر أنواع عديدة من الطيور الأفريقية الاستوائية في المملكة قبل العودة إلى أراضيها في أفريقيا عبر البحر الأحمر؛ لقضاء فصل الشتاء هناك.
وفي صباح ربيعي هادئ، كان أذان الفجر يصدح في جنبات مدينة أبها، مع استعداد فريق “واس” وبرفقته المهتم والموثق المعروف في مجال الطيور أحمد نيازي، للانطلاق إلى غابات الحزام الجبلي للسروات لرصد وتوثيق عددٍ من تلك الطيور التي تبدأ نشاطها باكرًا.
أولى المحطات بدأت بجزءٍ من غابات “السودة”، أنواع مختلفة من الطيور ذات الألوان الزاهية تحتفل ببهجة الربيع، تنتظر خيوط الشمس على أغصان العرعر المبتلة بقطرات الطل.
وسط هذه الأجواء الصاخبة من موسيقى الطبيعة، أشار “نيازي” في حديثه لـ”واس”، إلى أن منطقة عسير من المناطق التي تستقطب أنواعًا كثيرة من الطيور المهاجرة؛ وذلك لتنوع الأشجار ودرجات الحرارة التي تتدرج بين البرودة والاعتدال تبعًا للتنوع الجغرافي الذي يبدأ من أعالي الجبال حتى الهضاب والسهول والسواحل، مضيفًا “أن بعض الطيور المهاجرة تفضل أنواعًا معينة من الأشجار مثل: أشجار الأكاسيا، والعرعر، وبعض النباتات القصيرة من زهور طبيعية، فالطيور تتنوع تبعًا للتنوع البيئي الذي تتميز به المنطقة”.
وتتميز منطقة عسير -بحسب نيازي- عن معظم مناطق المملكة الأخرى بالتنوع الكبير في الكائنات الحية، فقد تصل أنواع الطيور المعروفة والمشاهدة في بيئات المنطقة إلى 100 نوع، منها طيور مستوطنة مثل: “العقعق العسيري” النادر عالميًا الذي لا يوجد في أي مكان في العالم سوى منطقة في عسير، ويتميز بكثافة اللون الأسود في الريش، إضافة إلى كثافة في اللونين الأخضر والأرجواني في الذيل، كما أن جناحيه قصيران، كذلك يتميز بإصدار نداء خاص للتواصل يستخدمه باستمرار أثناء تنقله في أسراب للبحث عن الغذاء، وتضع أنثى “العقعق” ما بين 5 إلى 7 بيضات تقوم بحضانتها لمدة تتراوح بين 16 إلى 22 يومًا.
ومن أبرز الطيور المهاجرة التي تُشاهد عادة في بيئات عسير “عقاب البادية” القادم من روسيا، ويأتي طائر آخر من روسيا كذلك -حسب حديث نيازي- هو طائر “الصفاري” المتميز بجماله ومنقاره القوي الذي يساعده على أكل الفواكه الصغيرة، إضافة إلى الحشرات ويألف الأشجار الكبيرة وله تغريد جميل.
أما الطيور القادمة من القارة الأفريقية فهي كثيرة من أبرزها الطائر المسمى “خاطف الذباب الأفريقي الفردوسي”، وهو طائر معروف في جبال منطقة عسير، حيث يفضل العيش في الشجيرات الكثيفة، والغابات المتنوعة على التلال، والأودية العميقة كما يرتاد المدرجات الزراعية، كذلك “الوقواق الناسك”، وهو من الطيور النادرة التي يذكر كتاب “أطلس الطيور في الجزيرة العربية” أنه من الطيور التي تقصد الموائل الجافة، ويفضل العيش وسط أشجار (الأكاسيا) وسفوح الجبال، والأودية شديدة الانحدار ذات الأشجار والشجيرات المبعثرة، ويقتات على الخنافس والكائنات غير الفقارية.
ويظهر كذلك طائر “الرفراف رمادي الرأس” الذي يشاهد عادة قرب السواحل، والأماكن الزراعية والأودية التي توجد فيها برك ومستنقعات، وفي الربيع والصيف يأتي من أوروبا “الوروار الأوروبي”، وهو طائر يتميز بالألوان الجميلة التي تطغى عليها درجات اللون الأخضر، ويتميز بمنقاره الطويل الرفيع المضغوط من الجانبين، ويفضل اصطياد الحشرات خاصة النحل، وتتكاثر العديد من طيور الوروار بشكل جماعي، أما أشهر الطيور المهاجرة من الهند إلى منطقة عسير، فهو طائر”وقواق ديدريك”.
ويُعد عالم الطيور الذي وثقت “واس” ملامح منه في مواقع متنوعة بمنطقة عسير منها (أبها – السودة – تنومه – بللسمر – بللحمر – محايل – رجال ألمع – سعيدة الصوالحة – البرك – الحريضة)؛ من العوالم البيئية المثيرة لاهتمام علماء البيئة وموثيقها؛ بسبب تعدد سلوك وطريقة حياتها وعلاقتها بما حولها من مكونات طبيعية، إضافة إلى تكوينها الجسدي الذي يمنحها قدرات هائلة على الطيران لمسافات بعيدة، فالريش يعمل على تجميع الهواء بين أجزائه المختلفة مما يساعد على تخفيف وزن الطائر وحفظ درجة حرارة جسمه في مختلف التقلبات الجوية، ويساعد الطيور على تحمل الأجواء شديدة البرودة عندما تحلق فوق مستوى سطح البحر إلى ارتفاعات عالية.
ويحوي كتاب “طيور السعودية” لمؤلفه محمد اليوسفي بين دفتيه، توصيفًا دقيقًا للخصائص الجسدية للطيور التي تميزها عن بقية الكائنات الحية، ويشير إلى أن وزن الهيكل العظمي للطائر خفيف وممتلئ بالهواء -خاصة في العظام الطويلة- مع صلابته وشدة تماسكه والتحامه، ومعظم أجزاء الهيكل العظمي للطيور متراكب وملتحم مع بعضه البعض؛ مما يزيد في قوته ومتانته.
وتتراوح درجة حرارة أجسام الطيور ما بين (40- 42) مما يساعدها على إتمام عمليات حرق الطعام في وقت قصير، وفي الوقت نفسه تزويدها بالطاقة التي تحفظ درجة حرارة الجسم ثابتة إذا انخفضت درجات حرارة الجو المحيط بها، كذلك تتميز الطيور بقوة إبصار تعادل ثمانية أضعاف قوة إبصار الإنسان وهو ما يمكنها من الرؤية وهي على ارتفاعات عالية فترصد طعامها، وتناور لتتحاشى الأعداء.
وبحسب ما أورده كتاب “طيور السعودية”؛ فإن هجرة الطيور من أكثر الجوانب إثارة للدهشة، حيث وجد الدارسون أن طيورًا تهاجر من شمال الأرض إلى أقصى جنوبها ثم تعود بعد أشهر إلى نفس أماكن الأعشاش التي كانت تسكنها دون أن تخطئها، وفي هذا الإطار يقول العلماء: “إن ثمة دلائل تشير إلى أن أنواعًا من الطيور المهاجرة ترى بصمات تغلغل المجال المغناطيسي للأرض على الوديان والأشجار والبراري ومظاهر الطبيعة الأخرى، بواسطة خلايا قرب شبكة العين في الطيور بحيث تتيح لها رسم خريطة مغناطيسية متكاملة للأرض التي تحلق فوقها”.
ومنذ القِدم، كان شائعًا لدى المهتمين بالطيور المهاجرة في السعودية ترقُب أيام محددة خلال فترة عبورها، ولديهم مصطلحات شعبية تصف الحالة منها: (الهيضة أو الديعة، أو الحدر، أو النزل).
كل هذه المسميات تشير إلى مفهوم واحد، وهو كثافة وجود أنواع من الطيور المهاجرة في منطقة واسعة، حيث يذكر كتاب “الطيور في السعودية” الصادر عن “أرامكو” – أنه تم تسجيل 499 نوعًا في المملكة بشكل علمي دقيق منها 401 من الطيور المقيمة أو المهاجرة و11 نوعًا من الطيور النادرة تظهر بشكل منتظم في المملكة، في حين يزورها 87 نوعًا من الطيور الشاردة، كذلك يوجد 19 نوعًا متوطنة، أو شبه متوطنة في شبه الجزيرة العربية.
وتتركز هجرات الطيور إلى الأراضي السعودية في فصلي الخريف والربيع، وذلك خلال أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر فتعبر سماء المملكة طيور قادمة من مواطنها في شمال الكرة الأرضية متجهة إلى جنوبها، ثم تعود مرة أخرى في رحلة ربيعية ابتداءً من شهر مارس حتى شهر مايو، فتعبر المملكة باتجاه معاكس عائدة إلى مواطنها الشمالية.
وخلال مرور الطيور المهاجرة الأراضي السعودية تتوقف لفترات زمنية مختلفة للتزود بالغذاء مثل: طيور القمري، والدخل، والسمان، والرهو التي تأتي من القارة الأفريقية خلال فصلي الربيع والصيف ثم تعود إلى مواطنها في نهاية الصيف أو بداية الخريف.أخبار قد تهمك المركز الوطني للأرصاد ينبه من تكون أمطار غزيرة على منطقة عسير 4 سبتمبر 2024 - 12:38 مساءً المركز الوطني للأرصاد ينبه من أمطار غزيرة على منطقة عسير 3 سبتمبر 2024 - 9:17 صباحًا
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: عسير الطیور المهاجرة الطیور التی ا من الطیور منطقة عسیر الطیور فی أنواع ا طیور ا
إقرأ أيضاً:
بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
تبوك – واس
اطَّلع صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة تبوك، على عددٍ من المشاريع البلدية والإسكانية التي تنفذها وزارة البلديات والإسكان بالمنطقة، وتنوعت ما بين مشاريع البُنى التحتية، وسفلتة الطرق، وتطوير الميادين، وأنسنة المدن، وتصريف مياه الأمطار، ودرء أخطار السيول، إضافةً إلى مشاريع إسكانية، واستثمارية وبيئية، وبُنى تحتية مستقبلية تقدر تكلفتها الإجمالية بـ 4.335 مليارات ريال.
جاء ذلك خلال لقاء سموه مساء أمس، بالقصر الحكومي، المواطنين ورؤساء المحاكم والقضاة ومشايخ القبائل ومديري الإدارات الحكومية بالمنطقة، حيث بدأ اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم استُعرضت أبرز المشاريع البلدية والإسكانية والاستثمارية والخدمية، التي قدَّم أمين منطقة تبوك المهندس حسام بن موفق اليوسف عنها عرضًا مرئيًا موجزًا لسموه والحضور، تضمّنت أكثر من 43 مشروعًا يجري تنفيذ البعض منها وترسية الأخرى، بقيمة إجمالية تصل لـ674 مليون ريال، في مجالات متعددة شملت النقل العام بالحافلات، وسفلتة مخططات المنح، وتطوير الطرق الرئيسة بالمنطقة، إضافة إلى رفع كفاءة الطرق بإنشاء جسرين على تقاطع طريق الملك فيصل مع طريق الأمير فهد بن سلطان (دوار صحاري) وتقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان مع طريق الملك فهد، وأنسنة المنطقة من خلال تطوير ساحات عدد من الجوامع، وتنفيذ شبكات تصريف مياه الأمطار، والتي ستسهم في معالجة 32 نقطة تجمع صغيرة، و3 أخرى كبيرة؛ ليصل مجموع ما تم معالجته من نقاط التجمع الكبيرة لـ 20 نقطة من أصل 24، وتنفيذ مشاريع لدرء أخطار السيول، ومشاريع مستقبلية تتجاوز تكلفتها التقديرية مليارين وست مئة مليون ريال.
وفي جانب الاستثمارات، استعرض المهندس اليوسف المشاريع الاستثمارية الجاري تنفيذها، والتي تجاوز عددها 48 مشروعًا بتكلفة إنشاء تقديرية تتخطى المليار ومئتي مليون ريال، تشمل قطاعات طبية وتعليمية ورياضية وترفيهية ولوجستية، بما يلبي احتياجات السكان والزوار، ويفتح آفاقًا جديدة لفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ومن بين هذه المشاريع: مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بسعة 200 سرير و100 عيادة طبية، ومركز ألفا الطبي الذي يضم أربع عيادات متخصصة، وصيدلية وشققًا فندقية (90 غرفة)، ومركز رؤية الطبي الذي يحتوي على 18 قسمًا، ومركز غسيل كلى مجاني، إضافة إلى مشروع فندق المريديان الذي يضم 150 غرفة وجناحًا فندقيًا، ومركزًا لإيواء أكثر من ألفي معدة ثقيلة لضمان عدم تعطّلها داخل الأحياء السكنية.
وفي الشأن البيئي، تناول العرض مشروع المردم البيئي الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في إدارة النفايات بالمنطقة، حيث تم إنشاؤه بأكثر من 35 مليون ريال شرق مدينة تبوك، وبعكس اتجاه الرياح، وبمعدات أوروبية حديثة تضمن معالجة النفايات الصلبة بطريقة علمية متطورة، ويتضمن المشروع محطة طاقة استيعابية تصل إلى 80 طنًا في الساعة، وخلايا هندسية عازلة لمنع تسرب العصارات، إلى جانب منظومة متكاملة لفرز النفايات وإعادة تدوير المواد القابلة للاستفادة، وتحويل المخلفات العضوية مستقبلًا إلى طاقة بديلة وسماد عضوي.
كما اطلع سموه والحضور على مجسم لواجهة فالي تبوك والتي تقع على مساحة إجمالية تقدر بـ 778 ألف متر مربع، تتضمن 874 وحدة سكنية، و4 مساجد وجوامع، و5 حدائق ومتنزهات، وعدد 5 مراكز تجارية ومجمعات تعليمية تحتوي على 5 مدارس.
وفي ختام اللقاء، ثمّن سمو أمير منطقة تبوك جهود أمانة تبوك في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، مؤكدًا أهمية استكمالها بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق تطلعات سكان منطقة تبوك ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وقال سموه في تصريح صحفي: “بأن هذه المشاريع و-لله الحمد- مشاريع مبشرة بالخير وتصب في خدمة المواطن والمواطنة، وتوفر الخدمات اللازمة لهم”, منوهًا بما توليه القيادة الحكيمة -أيدها الله- من اهتمام وعناية بكل ما يخدم الوطن والمواطن من المشروعات التنموية، وتسهم في رفع مستوى جودة الحياة، وتعزز النقلة الحضارية الكبيرة التي تعيشها المنطقة، داعيًا المستثمرين ورجال الأعمال للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة التي تطرحها أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها بالمحافظات.