شبكة انباء العراق:
2025-04-07@13:18:11 GMT

ثعلبية الإنسان !!

تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT

بقلم : حسين الذكر ..

في غياهب تاريخ القرية وكذا المدينة ، ظلت حكايات الثعلب وابن آوى وغيرهما، وما قرب إليها في التحايل والحكمة الخبيثة – إن جازت التسمية – تدور رحاها وتتناقلها طيات الألسن وبطون الكتب من ظهر جيل لغرز جيل آخر ، في تعبير واضح ؛ للبحث عن تبرير خطايا الانسان ، ورميها على كائن غيره ، فالثعلب المزعوم لا يعمل أكثر من الحصول على حصته ، وغنيمته التي يعيش عليها ويتواصل مع أجياله ومفرداته من خلالها ، وأي طريق للعيش متاح في عرف الطبيعة – لا سيما النتشوية منها – في غاية يرخص لها ، ويباح على مذبح طريقها كل شيء ، فلم الثعلب يقع فريسة التعليم والتحريض تحديداً؟
لم أرَ الثعلب ولا مرة في حياتي وجهاً لوجه إلا في التلفاز ومخرجاته وتوابعه .

منذ الصغر أحمل عنه فكرة سيئة جراء الضخ الموجه ضده ، مع أني على يقين أنه ليس وحيداً في ميدان الدنس الذي أشاركه فيه ببعض أفكاري الاستبطانية ككائن يمتلك غريزة الأنا المتكدسة والمزدحمة والمتخمة بالأماني الضالة والشاردة ؛ لذا أعطف عليه أحياناً كحيوان جميل المنظر ، ويعد أحد تحف السماء التي لا أستطيع إدراك كنه تحفياتها المشرعة فوق الإحصاء ، بل أعقد من الإدراك في ظل مدارك ما زالت متحيونة ، وإن نطقت بها، وتبجحت في حروفها وأقلامها ومدادها وصناعتها الراقية حد الاستهجان .
سمعت مؤخراً صديقي يشتكي من فقد دجاجاته المدجنات اللواتي لطالما عبّرتُ عن إعجابي بجمالهن وروح التدجين التي يتحلَّيْن بها ، والتعايش السلمي معهن كجزء من براءة الآخر ، والذي نحتاجه لنناغي ونغازل ضميرنا الذي مات منه الكثير ، ولم يتبقَ إلا جزء غير ثعلبي كما يزعمون ، مع أني أشك في تلك النتيجة والدليل : قال لي آخر مرة رأيته فيها متهجماً : ( لقد أكل الثعلب بعض دجاجاتنا ، وأرعب الأطفال وأبكاهم صباحاً ، وما يزالون يئِنون تحت ويل تلك الكارثة الحزينة ، على الأقل بالنسبة إليهم ) . فقلت له : ( يا أخي كيف تتهمون الثعلب ؟ لقد ولى زمن الثعالب الحيوانية ، وها هم قوم الاحتيال يدورون في مدننا في الأرض وبقاعها ، يُسخّرون كل ما في المعمورة لتلك الغريزة والعقدة الثعلبية بلا هوادة ولا حياء وخشية ..) .
فقال : ( لقد صورت كاميرة الحديقة المشهد ، وقد رجعت إليه ، فهو من سرقهن وأكلهن ، وسأنتقم منه حتماً ، ويمكنك ان تشاهد الفلم معي ) ..
بينما استسلمت للدليل مع تأكدي أن ثمة حيوان غير ناطق فعلها بهذه الطريقة المحكمة التي لا تقوى ثعالب البشر على أن تأتي بمثلها بالدقة والخفة والسرية ذاتها، لكني حاولت أن أغطي على زميلي ومرافقي الحيواني الأرضي ؛ كي أجد له عذراً في متاهات طريق لم ندرك أنا وإياه وبقية المخلوقات كنه الحدث حتى الحين .
لم أنم تلك الليلة ، فقد أثرت بي كلمات صديقي ، وتغلغلت حداً أثرت على أفكاري التي حاولت جاهداً فيها حماية الثعلب ، وتبرير أفعاله حتى المشينة منها ؛ كونها أقرب لسلوك كثيرٍ من الناس ، ولا غرابة فيها ، إلا أن حكاية دموع الأطفال وحفلة شواء الدجاجات وتمزيقهن ظلت تقلقني حتى اقتنعت بضرورة المحاسبة ، بل قتل الثعلب بأية صورة ممكنة ؛ لإنهاء مسلسل الاغتيال الدجاجي المعهود منه ، والمدرج على طول صفحات القصص والأفلام ، لا سيما الحدائقية والغابية بينها .
بلغ الأرق مدارك الفجر حينما بدأت العصافير تزقزق ، والديك يصدح بجمال صوته من على سطوح جيراننا ، ومنافذ حديقتنا ، متغلغلاً بأعماقي كأنه يريدني أن أنسى ، وأنام صابراً على ضحية الدجاج والمأتم الثعلبي .
رفضت أحاسيسي إيماءات الديك ، وظل الصخب الحزين يدق نواقيسه في الضمير والمحايا لدرجة تصاعدت وتيرة الحقد حداً غير مسبوق ، وغضب لم يبق للنعاس أثراً ما ، فأخذني منولوج حزين يتحاور مع النفس عن ذلك الثعلب القاتل الذي اختار أكثر مدخراتنا وداعة ، وأكثرها جمالاً وبساطة ومسالمة .
فكرت ملياً في الأسباب والبواعث الثعلبية لانتهاج هذا الدرب الشائن ، ولماذا الدجاج بالذات ؟
هل كونها مسالمة ؟ أم أن لحمها أكثر وأشهى طعماً من لحم البشر و بقية المخلوقات التي تجود بها الطبيعة ؟
لم أبلغ قمم التسليم بحل وإجابة ما سوى أن النوم بدأ يطرق أبواب عيني ، ويثقل جفني ، ويزح مصدات الكرى لدي.
في المنام قال لي الثعلب : لا ترهق نفسك سيدي ، فإن لم آكلها أنا سيأتي ثعلب آخر من صنوف الثعالب المتخمة بها إنسانيتك المزعومة ، ثم هجم علي محاولاً نهش أنفي وأذني وعيني .
ويحك ماذا تفعل ؟ أخذت أصرخ بكل قواي الهستيرية لعل أحداً يحمي حواسي ، إنه يستهدف عقلي وإدراكي ، لكن أحداً لم يسمع أويُجِبْ ، كأن الخلائق قد غادرت المكان إلى الأبد .
بقيت أعاني الحرب الثعلبية محاولاً الخلاص بأية صورة ، لم يعد لمذبحة الدجاج أي أثر في ناموسي ومنطقي ، فانقلاب هذا الكائن على غريزته وسلوكياته المعتادة جعلني أفكر ألف مرة بكيفية الخلاص ، لو كان دجاج العالم كله في حضني لقدمته هديته له ، بل أشويه له على طبق إنساني مفعم بتوابل الشهوة والحيازة والغلبة التي أعانيها وتختلجني حد الصراع .
لم تفد كل توسلاتي وتعهداتي بعدم ذكر الثعلب بسوء ، لكن أحداً لم يرحمني من بني جنسي ، فقد تركوني أسير تلك الليلة تحت رحمته ومخالبه وشناعة نزقه وشراسة هجماته .
في نهاية المطاف ، وبينما كنت أحاول وأتوسل بكل ما أوتي لدي ؛ كي يتم إنقاذي من أسنان الثعلب الصاكة على رقبتي ، والخانقة كالجيثوم على روحي ، والقاطعة أنفاسي ، مع قنوط حالي ، وردت فعل أي إنسان آخر يمكن له أن ينقذني في ظل تعتيم ثعلبي تام على جريمته .
وبينما كنت أنزع اللحظات الأخيرة ، وأكاد أستسلم لنزواته ، وإذ بالقدر يبعث دجاجة تسير بالقرب منا ، كان له سبق الشرف حينما تركني الثعلب طوعاً ، وربما شرفاً أو زهداً ، وولى مهرولاً خلف الدجاجة ، منقضاً عليها ، عاضاً إياها بكل قساوته واشتهائه ، بينما كنت أسترد أنفاسي مستمتعاً بحيلة الثعلب ، وهو يلتهم فريسته ، بينما نهضت سعيداً جداً بتلك الضحية التي نابت عني في غياهب الدهر حتى شكرت السماء ، ودعيت لأهل الأرض .

حسين الذكر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

“الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”.. هل كان توماس هوبز متشائمًا أم واقعيًا؟

في واحدة من أكثر العبارات شهرة وإثارة للجدل في تاريخ الفلسفة، كتب الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز أن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، ليطرح رؤية قاتمة عن الطبيعة البشرية، قوامها الصراع والخوف والغريزة.

لكن، وبعد أكثر من 350 عامًا على وفاته، ما زال السؤال مطروحًا: هل كان هوبز فيلسوفًا متشائمًا يرى الإنسان شريرًا بطبعه، أم كان واقعيًا قرأ التاريخ كما هو؟

من الحرب إلى الفلسفة

هوبز، الذي عاش خلال فترة الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651)، لم يكتب من برج عاجي.

 بل صاغ أفكاره في قلب العاصفة، حيث غابت السلطة، وساد العنف، وانهارت الثقة بين الأفراد. 

من هنا، رأى أن الإنسان، إذا ترك دون قانون أو سلطة، سيتحول إلى مخلوق أناني، يسعى لبقائه بأي ثمن على حساب الآخرين.

“ليفياثان”: الدولة كوحش ضروري

في كتابه الأشهر “الليفياثان”، قدم هوبز نظريته عن “العقد الاجتماعي”، داعيًا إلى سلطة قوية مطلقة تجبر الأفراد على التعايش وتمنعهم من التهام بعضهم البعض. 

يرى أن البشر، بدافع الخوف من الموت والعنف، يقبلون طوعًا أن يتخلوا عن جزء من حريتهم مقابل الأمن.

تشاؤم أم بصيرة؟

النقاد وصفوا هوبز بأنه عدمي متشائم، يختزل الإنسان في غريزته فقط، ويتجاهل القيم الإنسانية مثل الرحمة والتعاون. 

بينما يرى آخرون أنه كان رائدًا في فهم النفس البشرية كما هي، بعيدًا عن المثاليات، وأن أفكاره تنطبق بشدة على عالم اليوم: من الصراعات السياسية، إلى الحروب الأهلية، إلى العنف الممنهج على الإنترنت.

مقالات مشابهة

  • مركز العراق لحقوق الإنسان: الانتهاكات مستمرة في السجون
  • بينما يقضي «نتنياهو» عطلته في هنغاريا.. الاحتجاجات تعمّ إسرائيل
  • “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”.. هل كان توماس هوبز متشائمًا أم واقعيًا؟
  • فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة
  • الوطن والمواطن.. خط أحمر
  • التربية تعلق بشأن الاستحقاقات التي تخص الملاكات التعليمية
  • تصاعد المواجهة التجارية.. ترامب يحذر المستثمرين بينما ترد الصين بإجراءات مضادة
  • مليشيا آل دقلو الدرب راح ليهم فی أَلْمِی !!
  • تصنيف (الفيفا) لكرة القدم داخل القاعة.. المنتخب المغربي للرجال يرتقي للمركز السادس عالميا، بينما تقدم منتخب السيدات 18 مركزا
  • هل يستمر وعي الإنسان بعد الموت؟