تحديات وضغوط شخصية بسبب حرب غزة.. تجربة الحاخامة كلاينمان
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
طردت مؤسسة يهودية غير ربحية الحاخامة المقيمة في فيلادلفيا، لوني كلاينمان، بعد أن رفضت قطع علاقاتها مع جمعية معروفة باسم "الصوت اليهودي من أجل السلام"، التي تنتقد إسرائيل وتطالب بوقف إطلاق النار في غزة.
جمعية "الصوت اليهودي من أجل السلام" تطالب بمقاطعة إسرائيل ووصفت سياستها في الأراضي الفلسطينية بـ"الفصل العنصري" واعتبرها مسؤولة جزئيا عن استفزاز هجمات 7 أكتوبر، التي أسفرت عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي واختطاف أكثر من 250 آخرين، في حين تسببت العمليات الإسرائيلية التي أتت ردا على ذلك بمقتل أكثر من 41 ألف شخص في غزة.
وتسلط تجربة لوني كلاينمان، الحاخامة البالغة من العمر 33 عاما، الضوء على الصعوبات التي تواجه النشطاء في ظل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ففي 18 أكتوبر، انضمت كلاينمان إلى مجموعة من النشطاء خلال احتجاجهم أمام الكابيتول الأميركي، حيث تلوا أجزاء من التوراة ورفعوا صلوات من أجل السلام.
في ذلك اليوم، هتفت الحشود "حرّروا فلسطين"، وعندما تدخلت الشرطة، اعتقلت كلاينمان و300 شخص آخر من أعضاء "الصوت اليهودي من أجل السلام".
وأظهرت مقاطع فيديو النشطاء وهم يُقتادون مع أيديهم مقيدة بشرائط، بينما صادرت الشرطة هواتفهم.
بعد اعتقالها، تمكنت المجموعة من جمع الأموال لتغطية غرامات الاعتقال، والتي بلغت 300 دولار لكل شخص.
واعتبر منظمو الاحتجاج الحدث ناجحا بفضل تزايد ظهور وسم #CeasefireNow على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن كلاينمان "دفعت ثمنا باهظا" وفق تعبير صحيفة "واشنطن بوست"، إذ تم فصلها من عملها.
ولم تقتصر التحديات التي واجهتها كلاينمان على مجال العمل، بل شملت أيضا حياتها الشخصية. فقد توقف والدها عن الحديث معها لعدة أشهر بعد أن انتشرت مقاطع الفيديو الخاصة باعتقالها.
إضافة إلى ذلك، اتهمها أحد أصدقائها في منشور على إنستغرام بعدم امتلاك "أي تعاطف" مع عائلها اليهودية، في إشارة إلى موقفها من النزاع.
A rabbi protested the war in Gaza. Her activism came at a high price: her job. https://t.co/WCg2e4R1bD
— Linda Lewis (@usalinda) September 13, 2024وتوضح حالة كلاينمان الصعوبات التي يواجهها النشطاء في ظل النزاع الحالي، حيث تنقسم المجتمعات الأميركية حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مما يؤثر على العلاقات الشخصية والاجتماعية بشكل عميق.
كلاينمان ليست الناشطة الوحيدة التي شهدت "تفتت عالمها" وفق تعبير الصحيفة الأميركية، حيث أن النزاع بين إسرائيل وحماس قسّم اليهود الأميركيين بشكل حاد. والتصدعات الاجتماعية بسبب الحرب برزت في عدة مجالات، في أماكن العمل والكنس، وعبر الجامعات، بل وأثرت على العلاقات بين الأهل والأصدقاء المقربين.
وأبلغ نحو 50 في المئة من اليهود دون سن الـ35 عاما أنهم "قطعوا علاقاتهم" مع شخص ما بسبب شيء قالوه عن الحرب، وفقا لاستطلاع مركز بيو للأبحاث أُجري في فبراير.
من جانبها، قالت كلاينمان إن آراءها تشكلت بناءً على إيمانها، وإحساسها بالمسؤولية للتحدث عما تراه من معاناة غير مبررة للشعب الفلسطيني "الأذى جراء الصمت كان سيكون كبيرًا جدًا لتحمله"، وفق قولها.
تواجه كلاينمان وآخرون غيرها من الأميركيين اليهود، لا سيما الذين يحتجون على الحرب، تحديا خاصا بينما تحاول مجتمعاتهم التوفيق بين أهوال هجوم حماس والقصف المستمر لإسرائيل على غزة، الذي أدى إلى نزوح أكثر من نصف سكان القطاع، ما عرضهم لخطر المجاعة وزيادة تعرضهم للأمراض.
وقال العديد من الحاخامات لصحيفة "واشنطن بوست" إنهم تصارعوا مع كيفية التحدث بشكل عام بما يكفي لتغطية وجهات نظر متباينة بين أفراد جماعتهم، مع الحفاظ أيضًا على معتقداتهم الشخصية.
بعض الحاخامات دعوا إلى وقف إطلاق النار بينما ظلوا في مناصب قيادية في معابدهم.
بين اليهود الأميركيين وقادتهم المؤسساتيين، هناك طيف واسع من الآراء حول رد فعل إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر، بما في ذلك أولئك الذين يعبرون عن دعم كامل لحملتها العسكرية، وأولئك الذين يدعمون حق إسرائيل في الأمن ولكن يتهمون القادة السياسيين بإطالة أمد الحرب.
وقالت جيل جاكوبس، المديرة التنفيذية لـ "T’ruah: The Rabbinic Call for Human Rights"، وهي منظمة غير ربحية تدعم حل الدولتين: "إن الحفاظ على إنسانية كلا الطرفين، الإسرائيليين والفلسطينيين، هو كالمشي على حبل مشدود".
وتابعت "الحرب لا توفر الأمان، إنها تسبب دمارا لا يصدق في غزة، بينما لم تعد الرهائن إلى الوطن".
وتشير الأبحاث من مركز "بيو" إلى تقسيم تقريبا 50-50 بين اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 حول وصف رد فعل إسرائيل على 7 أكتوبر بأنه "مقبول".
ووصفت كلاينمان المخاطرات "المحسوبة" في اللحظات التي اختارت فيها التعبير علنا عن آرائها، بما في ذلك وصف عملية إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، وهي تهمة مثقلة بصدى الهولوكوست، الذي قُتل فيه 6 ملايين يهودي بالإضافة إلى آخرين على يد ألمانيا النازية.
وقالت كلاينمان إن "الأمر غير متوازن تماما: لديك جيش من جانب ومدنيين من الجانب الآخر". مشيرة ليس فقط إلى قتل المدنيين ولكن أيضًا إلى تدمير مدارس ومستشفيات ومكتبات ومساجد غزة "كدليل على الإبادة" وفقها.
تقول في الصدد: "لا يمكن أن يُطلق على هذا اسم حرب؛ إنها إبادة جماعية للشعب الفلسطيني".
تتوافق وجهة نظر كلاينمان مع وجهة نظر جنوب أفريقيا، التي جادلت أمام محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي من خلال ارتكاب أفعال إبادة جماعية في غزة.
ويرفض المسؤولون الإسرائيليون مزاعم الإبادة الجماعية ويقولون إن حماس تزيد عمدا من خطر الفلسطينيين من خلال تكتيكاتها.
تقول إسرائيل إن حماس والمجموعات المتحالفة معها هي التي تشن حملة إبادة جماعية ضد اليهود.
وبالنسبة لكلاينمان، فإن مزاعم الإبادة الجماعية تتصل بهويتها كحفيدة للناجين من الهولوكوست.
وتضيف "ماذا لو كان هناك المزيد من الناس قد وقفوا مع أسلافي؟ ماذا لو كان الألمان والبولنديون قد احتلوا المباني الحكومية؟".
وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهتها كلاينمان، فقد شاركت في تجمعات داعمة لفلسطين في هاريسبرغ، بنسلفانيا وأوستن ونيويورك، حيث تم اعتقالها مرة ثانية.
وفي يونيو، عادت إلى الكابيتول، لتحث قادة الكونغرس على التوقف عن تزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة، "دون نجاح كبير"، على حد تعبيرها.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: من أجل السلام فی غزة
إقرأ أيضاً:
التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة
شاهر أحمد عمير
على مر التاريخ، عرف اليهود بخلافاتهم الداخلية التي تشمل صراعات سياسية ودينية واجتماعية، إلا أن المثير للتأمل هو قدرتهم على تجاوز هذه الخلافات عندما يتعلق الأمر بمصالحهم المشتركة أَو التهديدات التي تواجه وجودهم.
في مواجهة الأُمَّــة الإسلامية والعربية، يظهر اليهود كتلة واحدة، يتحدون ضد كُـلّ ما يعتبرونه تهديدًا لمشروعهم، متناسين اختلافاتهم الأيديولوجية والسياسية.
هذا الواقع يحمل درسًا مهمًا للأُمَّـة الإسلامية والعربية، التي تعاني من التفرقة والتشتت في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة والتماسك؛ فالتحديات التي تواجهنا كأمة، سواء أكانت سياسية أَو اقتصادية أَو عسكرية، تتطلب منا أن نتجاوز خلافاتنا الداخلية، ونتوحد خلف قضايا مصيرية تجمعنا، مثل القضية الفلسطينية والصراعات التي تهدّد وجود الأُمَّــة وهويتها.
من الواضح أن اليهود يدركون جيِّدًا أن قوتهم تكمن في وحدتهم أمام عدوهم المشترك، في المقابل، نجد أن العديد من الدول العربية والإسلامية تغرق في نزاعات داخلية، وتنساق وراء أجندات أجنبية تسعى لتفتيت الصف الإسلامي والعربي، هذه النزاعات لا تخدم إلا أعداء الأُمَّــة، الذين يستغلون انقساماتنا لإضعافنا والسيطرة على مقدراتنا.
إن ما يحدث اليوم في العالم الإسلامي والعربي هو انعكاس لغياب الرؤية المشتركة وافتقاد الأولويات؛ فما الذي يمنع الأُمَّــة من أن تتوحد أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال كما يفعل أعداؤها؟ لماذا نظل أسرى لخلافات عابرة وتنافسات ضيقة بينما تهدّدنا قوى كبرى تستهدف كياننا بالكامل؟
لقد أثبتت التجارب أن الوحدة قوة لا يُستهان بها، وأن الأمم التي تدرك أهميّة التكاتف وتعمل على بناء جبهتها الداخلية هي التي تنتصر في النهاية، وَإذَا كنا نريد مستقبلًا أكثر أمانًا وعدالة لأمتنا، فعلينا أن نبدأ بالتعلم من أعدائنا، ونتخذ من وحدتهم عبرة نستلهم منها خطواتنا المقبلة.
إن الدعوة للوحدة ليست مُجَـرّد شعار، بل هي واجب ومسؤولية على عاتق كُـلّ فرد وكلّ دولة في الأُمَّــة الإسلامية؛ فلا يمكن مواجهة التحديات الكبيرة إلا بروح جماعية وإرادَة واحدة، نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الشعوب والأنظمة، ووضع مصلحة الأُمَّــة فوق كُـلّ اعتبار.
فكما يتجاوز اليهود خلافاتهم في سبيل تحقيق أهدافهم، علينا نحن أَيْـضًا أن ننهض من سباتنا ونرتقي فوق نزاعاتنا الصغيرة، ونعيد للأُمَّـة مجدها وقوتها؛ فالأعداء متربصون، والمستقبل لا ينتظر من يتردّد أَو يتخاذل.
لنجعل من اختلافاتنا مصدرًا للتكامل، ومن وحدتنا طريقًا للنصر، لنتعلم من التاريخ ونصنع مستقبلًا يليق بأمتنا وهويتنا.