طالما حاولت قوى الشر والطغيان – من اليهود والنصارى – إبعاد المسلمين عن نبيهم، وفصلهم عن نهجه وسيرته، وتقديمه في صورة باهتة، غاية في السذاجة والسطحية، وإظهاره في مقام النقص والسهو والخطأ، مستعينين في ذلك بعملائهم من الأنظمة الحاكمة، منذ نظام الحكم الأموي، وصولا إلى أنظمة العمالة والتطبيع والنفاق، في السعودية ودول الخليج والمغرب، وطوق فلسطين المحتلة، في ظل سيادة الفكر الوهابي التكفيري، الذي تخصص في نسف عصمة وقداسة الرسول الأعظم – محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينقذهم من ظلمات الشقاء، ونير العبودية للطاغوت، وليهديهم إلى الصراط المستقيم.


إن إحياء هذه المناسبة العظيمة، واستشعار أهميتها وقداستها، يجب أن يتجاوز شكليات الطقوس الاحتفالية التقليدية، التي قد نؤديها في المناسبات الاعتيادية، إلى مستويات متقدمة أكثر، يتجلى فيها إحساسنا الكبير، بعظمة وقداسة ومكانة شخصية النبي الأكرم – محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم – واستحضارنا لمقامه العظيم عند الله، وعظمة دوره ومهمته، وأن نجعله في موضع النموذج الأرقى والقدوة العليا، في جميع جوانب حياتنا، كونه يمثل أرقى مظاهر الكمال البشري، ويجسد الكمال الإنساني المطلق، الذي حَمّدَ اللهُ صفاتَه، وأثنى على كماله، وأشاد بجماله وبجلاله، وشكر له سعيه وصبره وثباته وجهاده، ولذلك عرَّفنا به في محكم الذكر، بصفته “رسول الله” و”رسوله”، مضافا إلى الذات الإلهية المقدسة، وسماه في موضع آخر “فضل الله” و”رحمته”، التي غمر الله بها عباده، وفضله الذي تفضَّل به على البشرية، وأمرنا في ذات السياق، أن نفرح بهذه الرحمة، وهذا الفضل الإلهي العظيم، في صيغة الأمر الإلهي الملزم، في قوله تعالى “فليفرحوا”، ليصبح الاحتفال والفرح والسعادة، “بفضل الله وبرحمته”، تكليفا شرعيا ملزما واجب الأداء، بوصفه فرض عين – في صميم التدين – على كل مسلم ومسلمة.
إن من أجل وأعظم نعم الله علينا، أن عصمنا بتوليه وتولي رسوله وأعلام دينه، وشرفنا بانتمائنا الإيماني الأصيل، وهويتنا الإيمانية المباركة، التي جسد فيها شعبنا اليمني العظيم، ارتباطه العميق والمتين، بهذا الدين العظيم، والنبي الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في مقام اقتفاء نهجه، والسير على طريقه، والاقتداء بسيرته، والتزام أعلام الهدى، من آل بيته الأطهار، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
إننا ونحن نعيش هذه التحولات التاريخية الكبرى، والصراعات والحروب على مختلف الجبهات، وقد تحزبت علينا أحزاب الباطل، وتألبت ضدنا قوى الشر والطغيان، من اليهود والنصارى وأوليائهم وحلفائهم وعملائهم، وقد اجتمع لقتلنا وإبادتنا طواغيت الأرض وأولياء الشيطان، نعيش أخطر مراحل الصراع الوجودي الحتمي، بين حزب الشيطان أمريكا وإسرائيل ومن معهم، وحزب الله من مجاهدي فصائل ومحور الجهاد والمقاومة، ولم يعد خافيا على أحد، حجم الاستهداف الشيطاني، الذي تعرضت له الأمة الإسلامية، وأصابها في صميم تدينها، ونال من جوهر معتقدها، فزعزع إيمانَها وزلزل إسلامها، بصور مشوهة كسرت كل مبادئ القداسة، واكتفت من الدين بالشكليات والقشور، فسقطت فريسة سهلة لأعدائها، رغم تعدادها الهائل.
ولو نظرنا إلى واقعنا اليوم، ومن حولنا الشعوب العربية والإسلامية، في إطار قضيتنا الكبرى، ومعركتنا المصيرية، ضد العدو الإسرائيلي الغاصب، والأمريكي المتعجرف الصلف، والأوروبي الاستعماري المجرم، وقمنا بتحديد مواقعنا – ملياري مسلم – على جغرافيا دعم وإسناد ونصرة إخواننا المستضعفين في غزة، والدفاع عن كل المقدسات، استجابة لأمر الله تعالى، فإننا لن نجد من تلك الجموع المليونية البشرية الهائلة، سوى ثلة قليلة من المؤمنين الصادقين، يتقدمهم أبطال مجاهدي الفصائل الفلسطينية، في حماس وعزالدين القسام، ويساندهم جموع من رجال حركات المقاومة الإسلامية، المؤمنين المرابطين على طول خط جبهات محور القدس والجهاد، الممتد من لبنان إلى العراق واليمن وإيران، وهؤلاء في مجموعهم يشكلون نسبة ضئيلة جدا، في مجموع أمة الملياري مسلم، وهو ما يجعلنا نتساءل:- لماذا لم يتحرك إلا هؤلاء القلة القليلة، بينما تنكرت الكثرة الغالبة لدينها ومقدساتها وقضيتها المركزية، وسقطت في مستنقع الهروب والصمت، إن لم تتحول إلى العمالة في صف العدو الإسرائيلي وحلفائه، كما هو حال أنظمة العمالة والتطبيع، الحاكمة في جغرافيا الطوق الفلسطيني، بالإضافة إلى الأنظمة العميلة في السعودية ودول الخليج، وبناء على هذه المعطيات المخزية، يمكننا القول إن الرسول الأعظم – محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان وما زال وسيظل، حصن هذه الأمة الإسلامية، ومصدر قوتها وعزتها وكرامتها وسيادتها، وأول أسباب استحقاقها النصر على عدو الله وعدوها، والشاهد على ذلك، قد أثبته الواقع الميداني، وصدقته أحداث ومجريات المعركة، وتجلت مصاديقه في هؤلاء المجاهدين الصادقين الصابرين، على مستوى الفصائل والمحور، الذين تولوا الله ورسوله والذين آمنوا، وتمسكوا بالرسول الأعظم نهجا ومنهجا، والتزموا سيرته ومواقفه تصديقا واقتداء، فكان من أمرهم ما كان، من صور الثبات العظيم والصمود الأسطوري، الذي أذهل العالم، وزلزل عروش الطغاة المستكبرين، والفراعنة الغاصبين المحتلين، الذين لم يعد أمامهم سوى الهزيمة، والزوال الحتمي، مهما كابروا وتصنعوا القوة والثبات.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

«رمضان» شهر التقوى والمغفرة

شرع الله الصيام مغفرة للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة في الدرجات، ولله الحمد على أن جعلنا من عباده الصائمين، إذ إن الصيام عبادة راقية، كتبها الله تعالى على جميع المكلفين، فقال سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾، وفرضه عز وجل في شهر رمضان، قال تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾.
للصيام فضائل جمة، وفوائد مهمة: أولاً: «الصيام طاعة لله تعالى»، وسبب لمرضاته، ونيل جزيل ثوابه، قال رسول الله ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه -أي: رائحة فم الصائم- أطيب عند الله من ريح المسك».
الأمر الثاني «الصيام يشفع لصاحبه» يوم القيامة، «يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه». كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والأمر الثالث أن «الصيام منجاة من النار»، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله بينه وبين النار مسيرة سبعين خريفاً»، والأمر الرابع الصيام سبيل إلى دخول الجنة من باب الريان، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان»، والأمر الخامس أن للصيام فوائد صحية عظيمة، فهو يساعد على إزالة السموم من الجسم، وتقوية جهاز المناعة، وتحسين وظائف القلب والأوعية الدموية، إضافة إلى دوره في ضبط مستويات السكر في الدم، والمساعدة في فقدان الوزن بشكل صحي.
وينبغي للأبوين أن يعودا أولادهما على الصيام منذ صغرهم، حسب قدرتهم وطاقتهم، ليكون الصيام رفيقاً لهم طوال حياتهم، ويفوزوا جميعاً برضا ربهم، وثواب صيامهم.
فقد فرض الله علينا الصوم، وجعل له حكماً بالغة، ومقاصد سامية، قال جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولذا فإن معرفة المقاصد في العبادة لها دورٌ كبير في تحسين أداء العبادات، فهي تزيد الإيمان، ولها أثر واضح على النفوس والأبدان. وإنَّ من أبرز مقاصد الصيام، التحقق بمقام التقوى بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، كما أشارت الآية في قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
تقوى الصائم
تقوى الصائم تعني: ضبط نفسه عن الشهوات، وتزكيتها من الرذائل، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، فحري بالصائم أن يحرص على ضبط جوارحه عموماً، فلا تمتد يده إلى شبهة، ولا تخطو رجله إلى باطل، ولا يُجري على لسانه كذباً ولا نميمة ولا غيبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَ شَرَابَه».
حديث
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: أما أهل السعادة فيسيرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيسيرون لعمل الشقاوة ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} [الليل: 6] الآية.

أخبار ذات صلة 20 مليون درهم دعماً لحملة «وقف الأب» من محمد جمعة النابودة «التحبير» تواصل استقبال المشــاركات

مقالات مشابهة

  • النظافة و التقوى
  • يقود جهود الوساطة.. هل يكون ستارمر الصوت الذي يكسر عناد ترامب؟
  • أزهري: الرسول حذر من البخل.. فيديو
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • معركة الصفين بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان في 3 رمضان
  • أهلاً وسهلاً بشهر رمضان
  • صحابيات الرسول| عسراء اللسان.. تعرف عليها
  • علي جمعة يكشف عن قواعد الحب بين الرجال والنساء
  • «رمضان» شهر التقوى والمغفرة
  • حدث فى أول يوم رمضان.. احتراق المسجد النبوى.. ودخول الفتح الإسلامى مصر.. ووفاة السيدة خديجة