الدوري المصري والملايين المهدرة
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
مع بداية الموسم الرياضي الجديد في الدوري المصري، تتصاعد مشاهد مدهشة تتمثل في تضخم الرواتب بصورة غير مسبوقة. ما يثير الدهشة أن بعض اللاعبين يتقاضون ملايين الجنيهات رغم ضعف أدائهم وعدم تحقيقهم الإنجازات المطلوبة سواء على مستوى الأندية أو المنتخب الوطني.
تتفاقم المشكلة ليس فقط في الرواتب العالية عند التعاقد الأول، بل تمتد أيضا إلى عقود التجديد، حيث يطلب اللاعبون مبالغ ضخمة لتجديد عقودهم.
في الأيام الأخيرة، كانت وسائل الإعلام مشغولة بتداول الأرقام والعروض المقدمة لأحمد سيد، الشهير بـ"زيزو"، لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر. كان العرض المقدم من الأندية السعودية مغريا، حيث صرّح الإعلامي سيف زاهر خلال برنامجه "ملعب ON" على قناة "ON TIME SPORT"، نقلا عن أحمد سليمان، عضو مجلس إدارة نادي الزمالك، أن النادي متمسك بالتجديد للاعب. وقد عرضوا عليه 60 مليون جنيه في الموسم للتجديد، بدون أي مقدم عقد، وإذا أراد زيزو مقدم عقد، سيكون ذلك من ضمن الـ60 مليون جنيه.
أثرت هذه الأرقام سلبا على العديد من الأندية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لمواكبة الأسعار الخيالية، ونتيجة لذلك، اختفت العديد من الأندية الجماهيرية من الدوري الممتاز، وهبطت إلى الدرجات الأدنى، مما جعل الدوري يتحول إلى "دوري للشركات"، حيث أصبح رأس المال هو العامل الحاسم في تحقيق النجاح
ولم يكن زيزو هو الحالة الوحيدة، فقد شهد الدوري المصري حالات أخرى مثل أنتوني مودريست، الذي تلقّى راتبا قدره 1.75 مليون دولار سنويا مع الأهلي، ورغم ذلك، لم تكن مساهماته توازي تلك الأرقام. فقد شارك مودريست في 31 مباراة بقميص النادي الأهلي في جميع المسابقات، وسجل خلالها 5 أهداف وصنع 4 أهداف.
الأرقام الفلكية التي ذكرناها، بالإضافة إلى تلك التي لم نذكرها، أسفرت عن نتائج مخيبة للآمال في الدوري المصري. فقد أثرت هذه الأرقام سلبا على العديد من الأندية التي تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لمواكبة الأسعار الخيالية، ونتيجة لذلك، اختفت العديد من الأندية الجماهيرية من الدوري الممتاز، وهبطت إلى الدرجات الأدنى، مما جعل الدوري يتحول إلى "دوري للشركات"، حيث أصبح رأس المال هو العامل الحاسم في تحقيق النجاح.
ورغم المبالغ الضخمة التي تُنفق على اللاعبين ومنظومة كرة القدم بشكل عام، تظل هناك أسئلة جوهرية تحتاج إلى إجابة: ما هو ترتيب الدوري المصري بين الدوريات العالمية؟ هذا السؤال يتطلب تحقيقا دقيقا لفهم الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي والنتائج السلبية التي نراها. من الضروري أيضا معرفة عدد الأندية الشعبية في الدوري المصري، وأسباب اختفاء الأندية ذات التاريخ الكبير والنتائج المميزة.
كما يجب علينا أن نبحث في مدى تطبيق مصر لنموذج الاحتراف كما هو مطلوب عالميا، أم أن الاحتراف في مصر له طابع مختلف؟ هذه الأسئلة تستدعي تحقيقا معمقا لفهم الوضع الحالي، والعمل على إيجاد حلول لتعزيز مكانة الدوري المصري على الصعيدين المحلي والعالمي.
ترتيب الدوري المصري عالميا
على الصعيد العالمي، يحتل الدوري المصري مركزا متأخرا. ففي تصنيف موقع "Teamform" لعام 2023، جاء الدوري في المركز 116 عالميا والرابع على مستوى أفريقيا. ورغم تقدمه في بعض الفترات السابقة، إلا أن أداء الأندية المصرية في المسابقات القارية لم يكن كافيا لتحسين ترتيبه. ورغم الأرقام الكبيرة التي تُنفق على اللاعبين، لا يعكس ذلك تحسنا في مستوى الدوري، حيث تظل الأندية المصرية متأخرة مقارنة بالدوريات الكبرى عالميا مثل الدوري الإنجليزي أو الإسباني.
تختلف تجربة الاحتراف في مصر عن مثيلاتها في الدوريات العالمية، بينما تعتمد الأندية الكبرى عالميا على استثمارات ضخمة وحقوق بث ورعاية متطورة، تعتمد الأندية المصرية على دعم الدولة أو الشركات المالكة. هذا النقص في التمويل الاحترافي جعل الأندية المصرية تعاني من ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمار في تسويق العلامة التجارية للأندية، مما يدفع العديد من اللاعبين للانتقال إلى الدوريات الخليجية أو الأوروبية
ومن الجدير بالذكر أن الدوري المصري كان قد تصدر قائمة أقوى الدوريات العربية والأفريقية لعام 2020، وحل في المركز الـ15 ضمن قائمة أفضل دوريات العالم في نفس العام، وفقا للاتحاد الدولي للتاريخ والإحصاء، بعد أن كان يحتل المركز الـ30 عام 2019.
أزمة الأندية الشعبية وتفوق الشركات
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تتراجع الأندية الجماهيرية أمام أندية الشركات والقطاع الخاص؟ الإجابة تعود إلى تأثير التمويل الكبير الذي تمتلكه هذه الأندية. فبينما تعاني الأندية الجماهيرية مثل الإسماعيلي والاتحاد السكندري من ضعف الموارد، تتفوق الأندية التي تديرها الشركات بفضل رأس المال الكبير الذي يسمح لها بالتعاقد مع أفضل اللاعبين.
الأندية الجماهيرية باتت محدودة في الدوري المصري، حيث لم يتبقَّ سوى 6 أندية شعبية من أصل 18 ناديا في موسم 2023-2024. اختفى العديد من الأندية التاريخية نتيجة لمشاكل مالية وإدارية، وهو ما دفع بالدوري للتحول إلى دوري تسيطر عليه أندية الشركات.
الاحتراف في مصر نموذج مختلف
تختلف تجربة الاحتراف في مصر عن مثيلاتها في الدوريات العالمية، بينما تعتمد الأندية الكبرى عالميا على استثمارات ضخمة وحقوق بث ورعاية متطورة، تعتمد الأندية المصرية على دعم الدولة أو الشركات المالكة. هذا النقص في التمويل الاحترافي جعل الأندية المصرية تعاني من ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمار في تسويق العلامة التجارية للأندية، مما يدفع العديد من اللاعبين للانتقال إلى الدوريات الخليجية أو الأوروبية بحثا عن فرص أفضل. ورغم محاولات بعض الأندية المصرية لتبني بعض جوانب الاحتراف العالمي، إلا أن غياب الهيكل الإداري والتمويلي القوي يقف عائقا أمام تحقيق ذلك.
ختاما
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، يبقى السؤال: هل هذه المبالغ الضخمة تُعد إهدارا للمال؟ الدوري المصري بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة، يجب وضع قوانين رياضية صارمة وتطبيق معايير احترافية حقيقية لرفع مستوى الدوري وإعادته إلى مكانته المرموقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المصري كرة القدم مصر كرة القدم الرياضة هدر سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة من هنا وهناك سياسة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأندیة الجماهیریة فی الدوری المصری الأندیة المصریة الاحتراف فی مصر تعتمد الأندیة
إقرأ أيضاً:
اليمن واحد من اللاعبين الكبار
تحتلّ المقاربة اليمنية الجديدة تجاه الحرب على غزة مكانة لم تكن لها بعد طوفان الأقصى، وقد صارت عيون العالم شاخصة على ما يصدر عن اليمن بعدما كان الكثير من المحللين والمتابعين لا يُعيرون الموقف اليمني أهمية في قراءة توازنات المنطقة. وعندما أعلن اليمن فتح جبهة الإسناد لدعم غزة لم يتوقّع أحد أن تكون جبهة اليمن جبهة رئيسية ثم الجبهة الرئيسية في إسناد غزة، وأن تنجح بإلحاق أذى اقتصادي ومعنوي حقيقي بالكيان، عبر الحصار البحريّ المحكم في البحر الأحمر لكل تجارة يكون الكيان وجهتها، وبدا الكيان عاجزاً رغم حجم الأضرار وعاجزاً عن فعل شيء حقيقي، ونجح اليمن بإظهار ضعف صورة الردع التي يدّعيها الكيان، بعدما نجح في تحقيق ما هو أهم، عندما تحدّى قوة الردع الأمريكية في البحر الأحمر الذي يمثل محور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.
بعد الخسائر الضخمة التي لحقت بجبهة لبنان، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي كرّس توازناً بين قدرة المقاومة على منع الاحتلال من التقدم البرّي من جهة، وتفوّق الاحتلال الناري والاستخباري والتكنولوجي من جهة مقابلة، تحمّل اليمن عبء الإسناد وحيداً بعدما كان العراق قد خرج أيضاً من جبهة الإسناد لظروف مشابهة لظروف لبنان، بينما عجز الأمريكي والإسرائيلي ومَن معهما من محاصرة اليمن بظروف مشابهة، ولم يكن الأمر صدفة، بل كان ثمرة التكامل الاستثنائي الذي أظهره اليمن بين قيادته وقواته المسلحة من جهة وشعبه من جهة موازية، أسوة بما صنعته المقاومة في غزة، وكانت نقطة الضعف اللبنانية والعراقية بوجود فئات شعبية وسياسية في البلدين تتربّص بالمقاومة وتكيد لها المكائد، ما جعل القبول بالتموضع وراء صيغة تحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ضرورة لإسقاط خطط الأمريكي والإسرائيلي.
يحمل اليمن من جهة أعباء أنه بات يمثل منفرداً محور المقاومة، ومن جهة أن قائده السيد عبد الملك الحوثي معنيّ بتعويض غياب السيد حسن نصرالله بعد استشهاده كقائد لمحور المقاومة، وبالرغم من التهديدات الأمريكية المباشرة مرفقة بعقوبات وتصنيف على لوائح الإرهاب يمضي اليمن بقوة في خياره، وهو يدرك الموازين الحقيقيّة للقوة خارج النصوص الخطابية الترامبية، ذلك أن معادلة حماية غزة من خطر الحرب تستقيم إذا جرى جمع قدرة المقاومة في غزة على إمساك ورقتي الأسرى والحرب البرّية، وأمسك اليمن بورقتي الحصار البحريّ وتهديد تل أبيب بالصواريخ والطائرات المسيّرة.. وبهذا التوازن الرادع يُصبح التفكير بالعودة للحرب من الجانب الأمريكيّ الإسرائيلي بحاجة للمراجعة.
يتقدم اليمن خطوة إلى الأمام ويضع مهلة أربعة أيام لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مهدّداً بعودة الحصار البحري على الكيان إن لم يبدأ إدخال المساعدات إلى غزة قبل انتهاء المهلة، فتصير حرب غزة بين تهديدين، تهديد يطال غزة ويهدّدها بالجحيم ما لم تترك الأسرى دون الحصول على إعلان نهاية الحرب وانسحاب قوات الاحتلال، وتهديد يحمي غزة، ويقول الإسرائيلي والأمريكي إن الحصار البحري على الكيان عائد ما لم تدخل المساعدات إلى غزة.. وبينما يقيم الكيان حساباً للعودة إلى الحرب رغم الدعم الأمريكي الذي أحال على الكيان عبء تنفيذ التهديد، فيخشى أن يقتل أسراه ويخشى مخاطر الحرب البرية، وبات يخشى تداعيات الدور اليمني، يأتي التهديد اليمني لفرض إدخال المساعدات محسوباً، فالكيان يقبل ببقاء التهدئة لكنه يوقف المساعدات وإن عادت المساعدات لا تمانع المقاومة بانتظار وقت أطول حتى تتم العودة إلى المرحلة الثانية، واليمن يعلم أنه يهدّد بفرض الحصار الذي سوف تنتج عنه عودة المواجهة بين اليمن والأمريكي والإسرائيلي في البحر الأحمر ما يعني عودة اليمن إلى استهداف عمق الكيان وربما القواعد الأمريكية في الخليج وليس فقط الحاملات والسفن الأمريكية الحربية بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
يدرك اليمن أنه دخل لعبة الكبار ويتصرّف كواحد من اللاعبين الكبار.
رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية