مراكش- بابتسامة حانية وصبر واضح، يستقبل أستاذ التعليم الابتدائي عبد الغفور حازم تلاميذه الجدد واحداً تلو الآخر، ساعيا بحديثه الودود والممزوج بدعابة خفيفة إلى تهيئة أجواء مريحة ومشجعة، تمكنه من تقييم مستوياتهم الدراسية عبر اختبارات فردية، في مدرسته التي اختارتها وزارة التربية الوطنية ضمن مشروع "المدرسة الرائدة".

يقول حازم للجزيرة نت وهو يراجع نتائج الاختبارات على منصة مسار التعليمية (رقمية لتسهيل الخدمات التعليمية) "بعد عودتنا من العطلة، وجدنا المدرسة في حلة جديدة، وأقسامنا مجهزة لأول مرة بعدة أساليب تعليمية مختلفة، قد تسهل عملنا اليومي وتساعدنا على تطبيق طرق التدريس الجديدة".

ويضيف "لكن في المقابل، نواجه تحديات كبيرة بسبب الكم الهائل من الإجراءات الإدارية التي يجب القيام بها، فكمية الوثائق التي يجب تدقيقها وملء الملفات ورقيا وإلكترونيا يتزايد يوماً بعد يوم، مما يستهلك وقتاً وجهداً كبيرين".

مدارس الريادة بدأت بـ628 مدرسة ابتدائية ثم توسعت لتشمل 2628 ابتدائية و230 إعدادية مع بداية العام (الجزيرة) رهان الجودة

ينخرط الأستاذ حازم في تجربة جديدة لوزارة التعليم باعتماد مقاربة "التدريس وفق المستوى المناسب" أو ما يعرف بمدارس الريادة، وقد بدأت في 628 مدرسة ابتدائية، ثم توسعت لتشمل 2628 مدرسة ابتدائية و230 إعدادية مع بداية العام الدراسي الحالي.

ويعتمد هذا المشروع، المستوحى من تجربة هندية، على تخصيص المزيد من الوقت والجهد للتلاميذ المتعثرين في مواد القراءة والكتابة والحساب، ويتم ذلك من خلال استخدام تقنيات "التعليم الصريح" مع توفير دروس جاهزة، وذلك بهدف التحييد الكامل لأثر المدرس.

ويؤكد حازم، الذي تلقى تدريبا مكثفا لمدة 8 أيام، أن وزير التعليم شكيب بنموسى يولي أهمية قصوى لهذا المشروع، ويرى فيه حلاً لإنقاذ التعليم العام في المملكة من وضعيته المتأزمة.

وعلى الرغم من التفاؤل الرسمي بشأن نتائج المشروع الأولية، فإن الباحث في قضايا التربية سعيد أخيطوش يحذر من التفاؤل المفرط واعتبار المشروع حلاً سحرياً لجميع مشاكل التعليم في المغرب.

ويؤكد -في حديث للجزيرة نت- أن هذا المشروع محاولة من الوزارة لتجاوز الانتقادات اللاذعة التي وجهت إلى النظام التعليمي، خاصة من قبل المؤسسات الدولية المانحة.

الباحث بقضايا التربية سعيد أخيطوش يحذر من التفاؤل المفرط واعتبار المشروع حلاً سحرياً لجميع مشاكل التعليم (الجزيرة)

من جانبه يرى الخبير التربوي عبد الناصر الناجي -في حديث للجزيرة نت- أن مدارس الريادة تركز على تنشيط الحياة المدرسية، من أجل جعل جودة التعليم الهدف المحوري لإصلاح المدرسة المغربية.

في حين يشير المفتش التربوي مولود أجراوي أن النموذج التنموي الجديد اعتبر العنصر البشري عاملا حاسما في تحقيق النجاح، وكان من اختياراته الإستراتيجية "تعليم ذو جودة للجميع".

ثغرات

وتمتاز تجربة مدارس الريادة بعدة أساليب تدريس مبتكرة وألعاب تربوية، لإرساء جو من المتعة والمنافسة خلال الحصة الدراسية وكسر حاجز الخوف من الخطأ، مع التركيز على بناء القدرات بدل التقنيات، بالإضافة إلى الاستقلالية في الإنجاز.

المفتش مولود أجراوي: النموذج التنموي الجديد اعتبر العنصر البشري عاملا حاسما في تحقيق النجاح (الجزيرة)

وبخبرته الميدانية، يلاحظ أجراوي بعض الثغرات، ويرى أن هذه المقاربة تركز بشكل كبير على الجانب المعرفي، متجاهلة الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المؤثرة في عملية التعلم، مبرزا أنها تخفض مستوى المضامين الدراسية لتناسب المتعلمين الضعفاء، بدلاً من رفع مستوى هؤلاء المتعلمين لمواكبة هذه المضامين.

من جهة أخرى، يلاحظ الناجي أن جون هاتي نفسه (عالم التربية المعروف بأبحاثه حول العوامل المؤثرة في التعلم) يرى أن نهج التدريس الصريح له حدوده، خاصة عندما يتعلق الأمر بتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداع.

ويشدد الخبير التربوي على أهمية الجمع بين هذا النهج وأساليب تدريس أخرى أكثر تفاعلية وتركز على المتعلم.

ويضيف "بينما يسمح التطبيق الانتقائي لهذا المشروع، خاصة في مدارس الريادة، بتحسين جودة التعلم الأساسي، إلا أنه لا يكفي ليصبح المتعلم مواطنا قادرا على الابتكار ومواجهة تحديات المستقبل".

مخاوف

بالرغم من حماسته الظاهرة، لا يخفي حازم مخاوفه التي تزداد مع الاطلاع على رأي الباحث أخيطوش الذي يوجه للمشروع تهمة الاعتماد على نماذج مستوردة من بيئات أخرى دون مراعاة خصوصية السياق المغربي،  كما أن الترويج للنجاحات التي حققها المشروع جاء مبالغاً فيه وغير مدعوم بأدلة علمية كافية.

ويشير الباحث أيضا لانهيار الأركان الأساسية للمشروع والمتمثلة في التحفيز والإشهاد بعد معركة النظام الأساسي التي خاضها الأساتذة، إذ إن المنحة المالية التي كانت تراهن عليها الوزارة لضمان الانخراط الفعلي والجاد تضاءلت بعد إقرار الزيادة في الأجور.

خبراء التعليم يثيرون إشكالات أخرى مثل إهمال الأمازيغية وعدم دمجها في المشروع (الجزيرة)

ويثير إشكالات أخرى مثل إهمال اللغة الأمازيغية وعدم دمجها في المشروع، وإغفال قطاع التعليم الخصوصي، والعودة إلى احتكار الكتاب المدرسي.

مقارنة دولية

من يسمع عبارة "المدرسة الرائدة" يجول في خاطره عدد من التجارب الدولية الناجحة، مما جعل حازم يتحمس للتجربة ويطمح وغيره لأن تجيب عن سؤال إنقاذ المدرسة المغربية.

لكن الخبير التربوي أخيطوش يجزم بأن المقارنة بين التجربتين المغربية والسعودية مثلا -من حيث الوسائل- تشبه اختلاف الشمس عن القمر، حسب تعبيره.

ويشرح بأن مدرسة الريادة السعودية نجدها متطورة، تركز على تدريس العلوم والتكنولوجيا من خلال برامج تعليم البرمجة والذكاء الاصطناعي ونظام دمج المهارات الذي يعد من أحدث أنظمة التعليم عالمياً، ثم الاهتمام بالتربية الأخلاقية وتنمية المهارات من خلال تطبيق التوكاتسو الياباني للتربية، ثم التركيز على تدريس اللغات باعتبارها أدوات تعليم مهارات المستقبل.

ويبرز أخيطوش أن الحديث عن إنقاذ المدرسة المغربية يستوجب استحضار المسار التراكمي للإصلاح والتجديد التربوي ومكانة النظام التربوي ضمن البيئة الدولية، ونظرة المغاربة لتعليم أبنائهم وصورة المدرسة التي يريدونها للسنوات القادمة.

وينبه إلى التهديدات التي يحملها المشروع لمكتسبات المغاربة من قبيل لقب "ملكة الرياضيات في أفريقيا" وترتيب المغرب في أولمبياد الرياضيات أفريقيا ودوليا، ثم عدد المتعلمين الذين ينجحون في الالتحاق بالمدارس العليا الدولية مثل "البوليتيكنيك الفرنسية" مؤكدا أنه كان من الممكن تطوير ما تم تحقيقه دون اللجوء إلى منظمات خارجية أو إقرار تجديدات هيكلية مكلفة جدا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مدارس الریادة

إقرأ أيضاً:

الناظور: إطلاق مشروع لدعم الأطفال اللاجئين والعابرين

جرى، أمس السبت في لقاء بالناظور، إطلاق مشروع « انسجام الطفولة »، لدعم وحماية الأطفال اللاجئين والعابرين.

ويهدف هذا المشروع، الذي تشرف جمعية الجيل الجديد لمواكبة الطفولة والشباب بالناظور، على تنفيذه بشراكة مع ولاية جهة الشرق، ومجلس جهة الشرق، وتمويل من وكالة التنمية الفرنسية، إلى خلق بيئة آمنة وداعمة للأطفال اللاجئين والعابرين، وكذا الأطفال المغاربة الذين يتشاركون معهم الفصول المختلطة.

ويتوخى المشرفون على هذه المبادرة، أيضا، المساهمة في رفع الوعي لدى مختلف الفاعلين المدنيين والمؤسساتيين، بشأن قضايا حماية الطفولة، في أفق تأسيس آلية للتفكير المشترك بين مختلف المتدخلين على المستوى الترابي في قضايا حماية الطفولة والهجرة.

وأكد رئيس جمعية الجيل الجديد لمواكبة الطفولة والشباب بالناظور، عبد الحميد بلقاسم، أن هذا المشروع، الذي يندرج في إطار تنزيل البرنامج الجهوي لمبادرات الفاعلين في مجال الهجرة، الذي ينفذه مكتب الخبرة الفرنسية (Expertise France)، يعد مبادرة مدنية تروم خلق بيئة آمنة وداعمة للأطفال اللاجئين والعابرين.

ويتعلق الأمر أيضا بالتركيز على التعايش الاجتماعي والإدماج الاجتماعي، وذلك عبر العمل على تحقيق الالتقائية الترابية على مستوى إقليم الناظور، بين السياسة الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، والسياسة الوطنية المندمجة لحماية الطفولة.

وأضاف أن هذا المشروع، يأتي استجابة للتحديات المتزايدة المتعلقة بحماية الأطفال وتدفقات الهجرة بالإقليم الذي يعد نقطة عبور لعدد هام من المهاجرين بما في ذلك الأطفال في وضعية هشة، وهو ما يستوجب التعامل معهم باهتمام خاص، ومقاربات متعددة الأبعاد، للإحاطة بإشكالياتهم، وإبداع حلول مبتكرة ومنسجمة مع السياسات العمومية في مجالي الهجرة واللجوء، وكذا حماية الطفولة.

وأبرز رئيس الجمعية، أن هذه المبادرة تعتمد على التعاون الوثيق مع الشركاء المحليين والدوليين، لتلبية الاحتياجات الخاصة للأطفال مع تعزيز اندماجهم في المجتمع المغربي.

ومن جهتها، أشارت نائبة رئيس مجلس جهة الشرق، مينة عطيف، إلى أن هذا المشروع يأتي للمساهمة في دعم الجهود المبذولة لإدماج المهاجرين في مسار التنمية بالمغرب، بشكل يخدم استراتيجية ومصلحة الوطن، ويساهم في الاستقرار الاجتماعي، والنمو الاقتصادي لهذه الشريحة من المجتمع.

وأضافت أن مجلس الجهة يسعى بكل جدية إلى بلورة رؤية متكاملة واستشرافية تراعى فيها جميع الأبعاد للاستجابة بشكل ناجع لمتطلبات المهاجرين، وانتظاراتهم، وتطلعاتهم، لاسيما أن الجهة تضم عددا مهما من المهاجرين ذوي كفاءات عالية في تخصصات كثيرة كالعلوم الدقيقة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وكذا تكنولوجيا الإعلام والاتصال، إضافة إلى قطاعات أخرى، وهو ما يستوجب العمل على الاستفادة من هذه الكفاءات بشكل يخدم الجهة والوطن.

وتميز حفل إطلاق مشروع « انسجام الطفولة »، الذي حضره عدد من المتدخلين المؤسساتيين، وفعاليات المجتمع المدني، بتقديم نبذة عن الجمعية، وأهدافها، وهياكلها، وآليات اشتغالها، فضلا عن تقديم شواهد ودروع تذكارية لبعض شركائها.

كلمات دلالية أطفال اللاجئين المغرب الناظور

مقالات مشابهة

  • استعدادًا لبدء العام الدراسي الجديد.. معلمو الفيوم يشاركون في اجتماع وزير التعليم
  • "رأس بناس" منطقة جاذبة للاستثمار.. تعرف على التفاصيل
  • اتفاقية لتنفيذ مشروع زراعة البصل في ضنك
  • ضمن متابعته لمشاريع تطوير البنى التحتيه للوزارة .. وزير العدل د. خالد شواني يتفقد مشروع بناء دائرة الإصلاح العراقية
  • التعليم لـ المديريات: تفعيل حصة الريادة مع بداية العام الدراسي الجديد
  • مشروع سككي طال انتظاره يربط تطوان بالشبكة الوطنية.. وزير النقل يكشف التفاصيل!
  • «التعليم» توجّه المديريات بتفعيل حصة الريادة في جميع الصفوف الدراسية
  • وزير السياحة والآثار: مشروع ترميم معبد إدفو يكشف عن نقوش ملونة لأول مرة بسطح المعبد
  • الناظور: إطلاق مشروع لدعم الأطفال اللاجئين والعابرين
  • مقترح مشروع تطوير التكايا