المولد النبوي الشريف.. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
فلاسفة العالم ينصفون الرسول
"إننا إذ نحتفل بذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، فإننا لا نحتفل بمجرد شخص بلغ الغاية فى مدارج الأخلاق العليا، ومراتب الكمال القصوى وإنما نحتفل بتجلى الإشراق الإلهى على الإنسانية جمعاء وظهوره فى صورة رسالة إلهية ختمت بها جميع الرسالات"
(من كلمة للإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف).
مع هلال شهر ربيع الأول من كل عام هجرى تتشوق القلوب والعقول والأبصار والأسماع إلى الحديث عن ميلاد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حديثًا نهدى به إلى السعادة والسرور والضياء والنور ونعرف به سبيل النجاة ونحوز به الفضل والجاه وبالتأمل فى أقوال المحبين العاشقين المصلين على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم نستطيع أن نرد احتفاءهم بمولده صلى الله عليه وسلم، إلى عشر وصايا نصدرها للأمة فى ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، وهذه الوصايا هى صدق محبته واتباع سنته والتفقه فى سيرته والمحبة لأهل بيته وعشيرته والذود عنه ونصرته والتمسك بشريعته والرحمة والرفق بأمته، والتخلق بسماحته والسعى لزيارته والصلاة عليه وطلب رفقته وشفاعته.
ولنتذكر تغريدة عمدة المداحين الشيخ سيد النقشبندى حين يقول فى رائعته: "وافى ربيع فمرحبًا بهلاله..قد أقبل الإسعاد فى إقباله.. شهر به سعد الزمان...فحقه أن يزدهى شرفاً على أمثاله، ما ازدانت الأعياد إلا أنها جمعت لزينتها بديع جماله.. لما بدا فى الأفق نور محمد.. صلوات الله وسلامه عليه.. نور محمد كالبدر فى الإشراق عند كماله"، فقد تغنى بخصال الحبيب المصطفى حتى ذبنا معه فى العشق النبوى ، رحمه الله إلى ذروة التجلى وهو ينشد قائلًا: ما فى البرية قط مثل محمد ..فى حسن سيرته وسمح خصاله..أخلاقه غزت القلوب بلطفها..قبل استلال سيوفه ونباله". فما أحوجنا فى هذه المناسبة العطرة أن نستذكر ما غفلنا عنه من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فما كانت سيرته إلا نورًا ظهر على الدنيا وما كانت رسالته المحمدية فى جوهرها إلا رسالة القيم والخلق الرفيع أدبه ربه فأحسن تأديبه، وقد لخصت زوجه السيدة خديجة رضى الله عنها أخلاقه حتى قبل البعثة عندما جاءها يرتجف مما رآه فى الغار وقت لقائه بالوحى، فقالت له: "والله لا يخزيك الله أبدًا..إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل..وتكسب المعدوم وتغيث الملهوف وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق، وقد أجمعت كل المصادر على أن الرسول اشتهر بين قومه قبل بعثته "بالصادق الأمين" ولما أراد أبوذر أن يعرف شيئًا عن هذا النبى الذى يزعم أنه يأتيه الوحى من السماء أرسل أخاه إلى مكة ليسمع منه ويأتيه بالخبر اليقين فذهب أخوه إلى مكة وسمع وعاد له فقال: "يا أبا ذر رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاماً ليس من الشعر. وعندما سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلقه قالت: "كان خلقه القرآن"، وقالت: ما ضرب رسول الله خادمًا له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يجاهد فى سبيل الله" ووصفته السيدة صفية بنت حيى فقالت : "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله" وقال خادمه أنس:"خدمت النبى عشر سنين ووالله ما قال لى أفٍ قط، ولا قال لشىء فعلته لِمَ فعلته ولا لشىء تركته لِمَ تركته".
هؤلاء أنصفوا الرسول
حينما جلس المؤلف الأمريكى مايكل هارت يرتب أعظم مائة إنسان فى الدنيا لم يتردد فى القول إن الخالدين إذا كانوا مائة فإن أعظمهم هو محمد عليه الصلاة والسلام.
وقد أحس "هارت" بأن هذا الاختيار سوف يثير تساؤلات عدة فبادر بتفسير مبرره لاختيار الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس المائة الأعظم دون منافس، ومما قاله إن سبب اختياره يعود إلى أن محمدًا قد نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والمستوى الدنيوى، وحينما أشار الكاتب الأمريكى إلى نجاح النبى المطلق على المستوى الدنيوى كان يقصد أن محمدًا بن عبدالله قد أقام دولة على الأرض ثابتة الأركان، وأنه لم ينجح فى ذلك بشكل مطلق إلا لأنه رفع أركان دولته ثم على أساس المبادئ التى لا تقوم الدول القوية إلا عليها.
أما الأديب الألمانى الشهير يوهان جوته وهو أحد المهتمين بالإسلام وأبرز المدافعين عن شخصية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فبعد أن قرأ وعرف عن أخلاقه الكثير كتب مسرحية عنه فى عام 1773 مدحه بها، وجاءت بعنوان (نشيد النبى محمد) وهى مسرحية تسجل حوارًا بين النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- وابنته السيدة فاطمة الزهراء، حيث وصف النبى فى المسرحية بأنه الهادى البشير، وأنه وصل إلى مرحلة النضوج الكامل فى الحالة الإيمانية والتى عاشها بكامل أبعادها الروحية.، وكتب أيضًا يقول: "لقد بحثت فى التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته فى النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ولن يتقدم عليه أحد، وأنا واحد من المبهورين بالنبى محمد الذى اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو آخر الأنبياء.
فيما يرى الفيلسوف المهاتما غاندى، الزعيم الروحى الهندى خلال مقابلة له مع جريدة "يانج إنديا" الرسمية الهندية: تحدث عن صفات النبى ووصفه بأنه طبيب القلوب، وقال: "أردت أن أعرف صفات الرجل الذى يملك من دون نزاع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع بأن السيف لم يكن الوسيلة التى من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه فى الوعود وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وفى شجاعته مع ثقته المطلقة فى ربه وفى رسالته، هذه الصفات هى التى مهدت الطريق، وتخطت المصاعب، وليس السيف، بعد انتهائى من قراءة الجزء الثانى من حياة الرسول، وجدت نفسى آسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة".
وقد ألف الكاتب والأديب الروسى ليو تولستوى كتابًا عن النبى -صلى الله عليه وسلم- باسم "حكم النبى محمد" يعبر فيه عن إعجابه الشديد بأخلاق النبى وبأحاديث رويت عنه، بلغ عددها 56 حديثًا وانتقد تحامل بعض المتطرفين فى روسيا على الإسلام، ونسب أموراً له تجافى الحقيقة ، فكتب قائلاً:" إن محمداً هو مؤسس ورسول، وكان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، ومنعها من سفك الدماء، فرجل مثله جدير بالاحترام والإجلال.
ولم يكتم الكاتب الفرنسى ألفونس دى لا مارتين إعجابه الكبير بشخصية سيدنا محمد فأصبح من أبرز المدافعين عنه وألف كتابه "حياة النبى محمد" قائلاً فيه ما من إنسان مثله قط، وما من إنسان استطاع إنجاز ثورة حققت مثل هذا الانتشار الواسع فى العالم ودامت كل هذا الزمن.
وتساءل الكاتب الفرنسى: هل كان هذا الرجل مدعيًا؟ إننا لا نظن ذلك، خاصة بعد أن قمنا بدارسة تاريخية عنه، فالادعاء هو النفاق فى العقيدة، وكما أن النفاق لا يملك قوة العقيدة، فإن الكذب لا يملك أبدًا قوة الحقيقة، لكن حياته وتأملاته فى خلوته وتجديفه البطولى على خرافات بلده، وجرأته فى مواجهة حنق الوثنيين وثباته فى تحمله له 13 عامًا فى مكة، ثم هجرته إلى المدينة، ودعوته المستمرة والحروب غير المتكافئة التى خاضها ويقينه فى النصر، وطموحه فى تثبيت الفكرة فقط وليس فى تحقيق الإمبراطورية بتاتاً وصلاته الدائمة وحواره الصوفى مع الله وموته ونصره بعد دفنه، كل ذلك يشهد على أن هذا ليس ادعاء، وإنما قناعة راسخة.
فصلوات الله عليك يا رسول الله فى يوم مولدك
كالغيث ذكرك يا حبيبى لم يزل......... يسقى القلوب محبة ونعيماً
يا سيد الثقلين حزت مكانة...........ومقام عز فى النفوس عظيماً
يا من سلكتم نهجه وسبيله............صلوا عليه وسلموا تسليماً
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المسجد النبوى شيخ الأزهر الشيخ النقشبندي المولد النبوي الشريف صلى الله علیه وسلم النبى محمد
إقرأ أيضاً:
كهاتين في الجنة
في زيارة جميلة لجمعية إنسان بمدينة الرياض كانت من أجمل الزيارات، ذاك اليوم شعرت بالسعادة والفخر عندما سمعت لغة الأرقام تتحدث والأثر الملموس لجمعية تجاوز عمرها 25 سنة وتجاوز عدد مستفيديها 41 ألف مستفيد، وحصلت على ما يزيد عن 35 شهادة تميز، وتنوعت أنشطتها ما بين رعاية وتمكين واحتواء وترفيه وصناعة كوادر للوطن،
وهذا ليس بمستغرب فقد تعاقب على رئاستها قادة بلادنا الأجلاء الملك سلمان بن عبدالعزيز ثم ابنه الأمير سلطان بن سلمان ثم الأمير فيصل بن بندر وينوبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، وهذا الدعم والتمكين من القيادة الحكيمة جعل تلك الجمعية ثابتة شامخة وعطاءها ممتداً، عندما تتأمل الشريعة الإسلامية حين حثت على كفالة وتبني الأيتام وترى المقاصد الشرعية لذلك؛ تجدها تراعي مشاعر الانكسار الذي يعيشه ذلك اليتيم ومن يعوله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “أنا وكافل اليتيم كهاتين”،
وفي رواية أخرى: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا”، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى – رواه البخاري ومسلم، و الآيات القرآنية حثت على حفظ مال اليتيم قال الله تعالى “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا، وسيصلون سعيرًا”، الله عز وجل عندما خلقنا لم يخلقنا عبثًا وهو مطلع على كل صغيرة وكبيرة لا يخفى عليه شيء فعندما يُفقد الأب فذلك من أقدار الله وهو من يتكفل بعباده ورعايتهم و هو الرزاق ذو القوة المتين، عندما يموت الأب وتفقده العائلة هنا تصعب الحياة من كل جانب فالأب ركيزة أساسية وعمود ثابت في المنزل وفقده أليم إذا كان في وقت مبكر،
فالأم تبدأ بالتفكير في ماذا تفعل بنفسها وأبنائها، والأبناء يبدؤون بالتغير لعدم وجود سند ورقيب وموجه لهم فهم على مفترق طرق، ولذلك إذا لم يُحسن توجيههم وكفالتهم ورعايتهم من أقاربهم أو من المحاضن الأبوية كجمعيات الأيتام وبمساندة الأم العظيمة أو قد يتحولون إلى ما لا تحمد عقباه، قد يظن البعض أن الأمر يسير واليُتم سهل ولكن من عاش ذلك ورأى الدنيا كيف كشرت عن أنيابها بوفاة ركنها الأساس عرف معنى مانقول، النبي صلى الله عليه وسلم عندما جمع بين أصابعه لكفالة اليتيم وأنَّ من كفل يتيمًا يكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة إنما يدل على عظم ذلك الأمر،
كما رأينا وسمعنا من قصص لأيتام أصبحوا نوابغ وقادة للأمة كالإمام أحمد بن حنبل وغيرها من القصص، كم رأينا من كوادر وطنية فقدوا آباءهم في الصغر ولكن حفظهم الله ومكنهم في الأرض وأصبحوا من كبار القوم، اليتم ليس وصمة عار والحياة لا تتوقف بموت أحد بل هي مستمرة حتى يأخذ الله الأرض ومن عليها، رسالتي لكل يتيم لا تقنط من رحمة الله كن كما يريدك أبوك واثق الخطى رافع الرأس، مليئًا بالعلم والمعرفة مؤثرًا في وطنه ملتزمًا بتعاليم دينه مبتعدًا عن كل رذيلة مقتنصاً كل فضيله واصلاً لرحمه رفيقاً بوالدته وإخوته،
رسالتي إلى كل من فقدت زوجها وتحملت أعباء أبنائها أخلصي النية واجتهدي في تربيتهم وابذلي ما تستطيعين ولن يضيع الله تعبك وسوف تجنين ثمارهم في الكبر فهم أمل المستقبل، ورأينا من المؤثرين من كان آباؤهم قد توفوا في وقت مبكر وكانت تربية والدتهم مؤثرة حتى أصبحوا مباركين وذوي أثر عظيم فالأم مدرسة من الأخلاق والقيم النبيلة، قال الشاعر حافظ إبراهيم ،
الأم مدرسة إذا أعددتَها
أعددتَ شعبًا طيب الأعراق
ورسالتي الأخيرة إلى جميع من يقرأ المقال بادر بكفالة الأيتام ولا يفوتك ذلك الأجر وبلادنا المباركة قد يسرت كفالتهم من خلال جهات موثوقة كجمعية إنسان وغيرها من الجمعيات التي كرست جهودها في بناء الإنسان والأخذ بيده إلى ضفاف الأنهار ورسم الابتسامة على شفتيه وأن يأخذوا دور الأب، نسأل الله أن يحفظ علينا بلادنا وقادتنا وعلماءنا وأبناءنا وبناتنا وأن يغفر لموتانا وموتى المسلمين.