كان الوقت مساء .. اللحظات تمر ببطء والهدوء قاتل بعد أن ترك أغلب الجيران بيوتهم بأمتعتها وخرجوا نحو المجهول. ومن بقي منهم يصارع رغبة الخروج ويتعلل لنفسه بأشياء ربما لم يدرك خطورتها بعد.

*مع تطور الأحداث أصبحت الحياة ضربا من الخيال المختلط بالواقع.
*تردد لا يمكن حسمه، حياة كأنها في قاع الجب.

* في هذا البيت المعني أب مشلول وأم وبنتان، كانت حياتهم مما يتمناه الأهل الأحبة.


كانوا محل حفاوة الجيرة والأصحاب. الكل يتمنى أن يحرك عجلة الأب فتاريخه حافل بالعطاء ولكنها الحياة وابتلاءاتها.

* جاءت الحرب وجاء معها الخوف والنزوح وقساوة المعتدين.
* انتظارهم في البيت كان قطعة من نار ولكنه انتظار لم يطل.
*ذات مساء وقد تعودوا أن يختموا يومهم باكرا خوفا من أن يسترق إليهم الأوغاد السمع..
وبينما الصمت الرهيب يلف المكان سمعوا جلبة غريبة.

*للوهلة الأولى ظنوا أن أحدا ممن تبقى في الحي جاء لإنقاذهم ولكن ما هي إلا ثوان حتى تكشف الأمر… يا الله لقد حدث ما يخشونه.
إنهم الأعداء بقبحهم وقساوتهم.

*كان المشهد عجيبا .. الأم والبنات كلهن في جانب، والأب المقعد في الجانب الآخر من الغرفة والكل يرتجف.

*في منتصف الغرفة كان اثنان يحملان على كتفيهما سلاحا مخيفا، زيهما عسكري يبدو أكبر منهما .
* إنهما في عمر الشباب ولكن الوجوه غريبة

كل ذلك تبينته الأسرة بعد أن أشهرا إضاءة هاتفيهما في الغرفة، ركز أحدهما الإضاءة على البنتين بعد جولة خاطفة في المشهد..

* البنتان كفلقتي قمر.. نظر الوغد إلى صاحبه نظرة خبيثة وأشار إليه أن هيت لك.
*أدمعت عينا الأب وهو المعذور، الأم تسمرت في مكانها.

*واحدة من البنتين تسللت سريعا ثم عادت من اتجاه الأب ثم سمع الجميع صرخة اهتزت لها أرجاء الغرفة الفسيحة.

*أضاء (الدعامي) تلفونه فرأى أخاه مضرجا في دمائه، لم ينتظر لحظة أو يتريث.. هرول خارجا تتبعه عيون لا ترى، فالظلام حالك.

*ثوان وقد تجمدت الدماء وتيبست الحركة والحياة ولكن كل شيء قد انكشف.. فقد قتلت هذه الخنساء هذا الوغد… ثم ماذا؟.. نسوي شنو؟ قالتها الأم سريعا.

*الإنسان في لحظات الفزع يفعل كل شيء بغريزة البقاء الطبيعية ثم لا يعجزه المخرج.
*خلال لحظات كان الخروج.. الخروج المجهول ومن أي الأبواب لا أحد يعلم.

*حملت البنتان والدهما كأنه طفل صغير واخذن مع والدتهما يسابقن الريح ليجدن مخرجا.
*في أحد الازقة أضاءت عربة كاشفة وسطع نورها الطويل فيهن فتجمدن مكانهن…وصلت العربة الصالون وفي همس مرتجف تبين لهن أنه ود بلد.

*يا الله يا للفرج والرحمة.. ركبوا جميعهم ولكن لم يجرؤ أحد على الحديث، ثم بعد المخارجة عبر الأزقة قلن لصاحب العربة نحن في عرضك.

*أخذ الشاب يناور يمينا وشمالا ويجتاز الخطر هنا وهناك حتى أوصلهم شارعا رئيسيا.
كان الوقت أقرب لمنتصف الليل قالها الشاب “ارتاحوا سأرتب لكم الخروج”.

*في الصباح أخذهم إلى صاحب البص السفري الذي أسلمهم إلى أهل تلك القرية فكانوا نعم الأهل والعشيرة..

* عام وبضعة أشهر من الحرب مرت وذكرى ذلك اليوم محفورة في أعماق الأسرة، لا يدرون ماذا حل بالبيت والجاني ويتمنون أن لا تمر تلك اللحظات بخواطرهم الكسيرة.

*رغم فقدان البيت وكل ما تركوه إلا إنهم يشكرون الله كثيرا على نعمة الستر والأمن والأمان فكل شيء غيرها يهون، وقد أصبحوا معافين آمنين في سربهم الجديد ينتظرون سحائب الرحمة ووعد النصر.

بقلم: د. سلوى حسن صديق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

‏كتابات في زمن الطوفان: حكاية المقاتل الفلسطيني الذي أدهش العالم

كان كميناً محكماً للغاية . . استطاع فيه “سعد” ورفاقه الإيقاع بمجموعة من جنود لواء جولاني داخل أحد المباني المدمرة في شارع قيزان ابو رشوان بمدينة خان يونس
. . .
أفرغ سعد رصاصاته في أحد الجنود الإسرائيليين الذي كاد يقتل رفيقه الذي كان يداويه باعتباره جريحا واستغل التفاتة رفيقه لأخذ حقيبة العلاج من جديد ليشهر خنجره يريد طعنه في جانبه . . .
. . .
ظهر “سعد” في تلك اللحظة وهو يشاهد الجندي الإسرائيلي ويده الممسكة بالخنجر تهوي على يد رفيقه “نجاح” ليشهر بسرعة بندقيته في سرعة مدهشة ويكمل إفراغ خزانة بندقيته في الجندي الإسرائيلي، ليهوي صريعا، فيما رفيقه نجاح لم يلتفت بعد والتفت مذعورا على صوت الرصاص، ليشاهد سعد ممسكا ببندقيته فيما الجندي الإسرائيلي يرقد في بركة من الدماء والخنجر لا يزال على راحة يده المضرجة بالدماء . .
. ..
يعود رفاقهم على صوت الرصاص وبكلمات سريعة يشرحان لهم ما حصل . .
ليعودوا لإكمال مهمتهم بتجميع وتكديس جثث الجنود العشرة .
. . .
يخرج سعد لاستطلاع وتأمين المكان ليغادروا المكان بتوجيه من قائده . .
يواصل سعد المشي ويعاين الطريق يبتعد قليلا بمسافة منزلين من رفاقه وفجأة . . تلتقطه إشارة طائرة درون هجومية . . .
. . .
كشف الجيش الإسرائيلي عن أنه بدأ استخدام طائرات مسيّرة عن بعد من نوع «نيتسوف» في كافة أنحاء قطاع غزة، ضمن مشروع «غيوم العاصفة» الذي كشف عنه لأول مرة عام 2022.
وتعدُّ هذه المسيّرات هادئة لا يشعر بها من تهاجمه، وتستطيع البقاء لفترة طويلة فوق أراضي العدو دون اكتشافها، وتعمل بمجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار المتقدمة. وقال الناطق بلسان الجيش: إن هذا النوع من الطائرات من دون طيار يستطيع تحديد مواقع عناصر «حماس» في المناطق المعقدة في غزة.
تم إنتاج المسيَّرة في مصانع شركة رفائيل الحكومية، وأُطلق عليها اسم «الغيوم العاصفة». وقد تم تكليف «السرب 144» بتشغيلها مع سلاح المشاة، وأن يطلقها من قاعدة «حتسيريم». وستكون مهمتها الأساسية جمع معلومات استخباراتية عن خلايا ميدانية منتشرة في مناطق واسعة النطاق، حيث يعمل المسلحون في المناطق الضيقة والمتشابكة والمأهولة بالسكان. وهي تنقل المعلومات بسرعة إلى المروحيات القتالية في سلاح الجو وشعبة الاستخبارات العسكرية كي تهاجمهم. ولذلك تسمى أيضاً «برق» وقد تمت إضافة خدمة اطلاق الرصاص من هذه المسيرة مؤخراً .
واصل سعد ركضه عكس اتجاه رفاقه . . . وبعد أن أصبح بعيدا عن زملائه كفاية وعلى بعد أربعة منازل . .
عرف سعد أن الطائرة “الزنانة” لا تزال تلاحقه وعرف أنه لا مناص منها . . أمسك جهاز المناداة، أخبر قائده أن طائرة بدون طيار قد التقطته . .
عليك بالعودة فوراً
ما بقدر
لماذا هل أنت جريح سناتي إليك
لا لكنهم سبكتشفون مكانكم
لا عليك عُد بسرعة
ما بقدر
هذا توجيه يا سعد عُد الآن
يصرخ من جوار القائد شقيقه أحمد : براس امنا تعود يا سعد
يصمت سعد ويغلق جهاز المناداة . .
واصل سعد تحركه مبتعدا عن مكان زملائه . . كان يجري بطريقة متعرجة
قفز لداخل حوش صغير يستخدم كمستودع مفتوح، خلع جهاز المناداة وقام بتكسيره وتدميره تماما.
بعد أن اطمأن لتدمير جهاز المناداة .
حانت منه التفاتة للأعلى تجاه الطائرة ليصوب بندقيته باتجاهها تك تك . .
سعد أدرك أن خزانة بندقيته كانت فارغة تماما .
فبدأ بالهروب من الطائرة التي أصابته إحدى رصاصاته في كتفه . .
واصل سعد هروبه منها بالركض بخط متعرج وفجأة رصاصة تصيبه في منتصف ظهره تماما ليهوي للأرض ويشعر بالنار تخترق أحشاءه من الخلف . . كانت الآلام مروعة . .
تحامل على نفسه وبدأ بالزحف باتجاه مدخل بناية مدمرة . . رصاصتان أخريان تصيبه في فخذه بدأ سعد ينزف بغزارة .
يتذكر سعد والدته العجوز الطيبة السبعينية . . زوجته. وطفلتيه اللائي استشهدوا في عدوان 2014
يشاهد طفلتيه التوأم وزوجته تهدهد هما للنوم بالأغنية الفلسطينية الشهيرة :
يالله تنام يلاتنام لاذبحلها طير الحمام
روح يا حمام لا تصدق بضحك ع ريما لتنام
يتذكر مشهد مقتل الطفل محمد الدرة .. كيف كان الجنود الإسرائيليون يقتلونه ببطء لأكثر من ساعة أمام مرأى العالم .
تواصل الطائرة رصده واستهدافه، يلوح بيده ساخراً منها .
يشاهد أمه وهي تدعو له ولشقيقه على سجادتها : اللهم اجعل آخر دنيتي من الدنيا سجدة رضا لك يا ملاذ الحائرين .. يا دليل التائهين .. يا أمان الخائفين . .
لترصد الطائرة سعد ومن ورائها الصهاينة ومن ورائهم العالم مشهداً أرعبهم وتحول مشهد الضعف الذي أرادوه لمشهد اقشعر منه العالم طمأنينة وثباتا .
فسعد المقاتل الفلسطيني- ورغم كل جراحه والدماء التي نزفها – توجه لله بالسجود سجدة الحامدين الشاكرين العظماء .
شهيداً عظيماً على طريق القدس . .

مقالات مشابهة

  • مخزومي: ما فعلته إسرائيل جريمة وانتهاك صارخ للقوانين الدولية
  • حكاية «أرشيف بدوي».. صور فوتوغرافية للإسكندرية قبل 80 عاما
  • خميس: فيما يخص النصر أقول اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه .. فيديو
  • ‏كتابات في زمن الطوفان: حكاية المقاتل الفلسطيني الذي أدهش العالم
  • خالد الغندور: أحمد فتوح خارج حسابات الزمالك في السوبر الإفريقي
  • الحرب على غزة مستمرة.. ولكن!
  • اليسار الحمدوكي قضى على أخضر ويابس الوطن
  • عاجل: بدء سحب سفينة النفط ”سونيون” بالبحر الأحمر بعد نجاح قطرها وإعلان أوروبي بذلك
  • وراء القناع الفني.. حكاية حب مؤثرة للفنان عزت العلايلي وزوجته
  • لحج.. والد يقتل طفلته بضربها حتى الموت