قبل عدة أعوام.. اشتكى لى صديقى الكاتب الكبير الراحل عايد الرباط من قلة المصادر عن الإمام الليث بن سعد.. وكان حينها يعد مسلسلا عن حياة الليث للعرض فى رمضان.. وخلال رحلة بحثه كانت المفاجأة التى أذهلتنا.. فآثار ومؤلفات عالمنا قد اختفت كليًا.
والليث بن سعد لمن لا يعرفه.. هو إمام مصر وفقيهها وعالمها الذى قال عنه الإمام الشافعى كان أعلم أهل زمانه غير أن أصحابه ضيعوه.. فقبل 1200 عام أخبرنا الإمام الشافعى بضياع آثار الليث.. ويبقى السؤال: كيف انتقلت تلك الآثار إلى نيويورك.. ومتى.. وعلى يد من تمت تلك الجريمة؟!.. ماذا نعرف عنها؟.. ما الذى فاتنا منها؟.. وما الذى أثار شغف الغرب فى فقه عالم مسلم أغلب ما كتبه يخص الشريعة الإسلامية.. ليحفظه ويصونها كل تلك السنوات؟.
والواقع أن مفكرى الإسلام لم يقدموا للبشرية ما يخص الشريعة الإسلامية فقط.. بل امتدت مؤلفاتهم إلى العلوم الطبيعية والإنسانية.. حتى فى علوم الشريعة قدموا ما يوصف بقواعد الفكر الإنسانى أو ما يطلق عليه البعض فلسفة الإسلام.. عرفها الغرب وقدرها قدرها فقاتل من أجل الاستحواذ عليها.. عكف على دراستها والاستفادة منها.. حرص على حرماننا من إرثنا الذى جهلنا قيمته.. فتقدم وتخلفنا.
وللحديث عن آثار الفكر المصرى والعربى شجون وأحزان لا تنتهى.
ولك أن تتخيل وأنت من أمة الإسلام.. أن أقدم مخطوطة للقرآن الكريم (كتابك المقدس) والتى خطت فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين على أقل تقدير ليست فى أى من مساجدنا أو مكتباتنا لكنها أحد مقتنيات جامعة برمنجهام!.. ليس هذا فحسب.. فلك أن تعلم أن هناك أكثر من 6 ملايين مخطوطة عربية فى مكتبات ومتاحف العالم.. رصدت منظمة اليونسكو منها 4 ملايين مخطوطة فى مكتبات الغرب وحدها.
وبالطبع لا يمكننا أن نلوم الغرب لتقديره لعلومنا ومعرفته لقيمة الكنز الذى كان بأيدينا وجهلنا قيمته.. قدر لومنا للجهل والخيانة والسفه فينا.
وإذا انتقلنا بالحديث عن آثار قدماء المصريين وعلومهم.. كانت الخسائر أكبر والألم أكثر قتلا.. فأول ما يتبادر إلى الأذهان حين نذكر كنوز الآثار المصرية.. هو الذهب والمنحوتات المذهلة وربما المومياوات أو ما يسميه أهل الجنوب عندنا (المساخيط) وادعاء ما تحويه من (زئبق أحمر.. لجلب الحبيب).. وهذه النظرة الغاشمة النهمة التى روجها لصوص الآثار وسماسرة الأوطان.. هى الجهل ذاته والخبل بعينه.. فكنوز مصر الحقيقية التى حفظتها مقابر الأجداد.. أكبر بكثير من كونها جثثا حفظت من التحلل.. أو بضعة منحوتات وحلى ذهبية.. لكنه العلم الذى جاء بذلك كله.. ذلك العلم الذى حفظته ودونته البرديات لينهل منها الغرب مايشاء.. ونبقى عطشى ضياعًا فى ظلمات الجهل والتخلف.. فعن مئات الآلاف من برديات علوم الطب والفلك والهندسة والرياضيات.. فى مخازن متاحف ومكتبات الغرب سيكون حديثنا فى المقال القادم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمة الإسلام لوجه الله
إقرأ أيضاً:
توصيات المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
اختُتِمتْ فعالياتُ المؤتمرِ العلميِّ الدوليِّ الخامس الذي نظَّمتْهُ كليةُ الشريعةِ والقانونِ جامعة الأزهر بالقاهرةِ، وتمَّ انعقادُه بمركز الأزهرِ للمؤتمراتِ بمدينةِ نصر، يومَي السبتِ والأحدِ، تحت عنوان: «بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة» برعايةٍ فضيلةِ الإمامِ الأكبر، الدكتورِ أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، والدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة.
وألقى الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، البيان الختامي للمؤتمر وما أسفر عنه من توصيات، وقال: إن المؤتمر جاء انطلاقًا من رسالةِ كليةِ الشريعةِ والقانونِ بالقاهرةِ، المنبثقةِ من رسالةِ الجامعةِ ورؤيتِها، والأزهرِ الشريفِ، القائمةِ على العنايةِ بالإنسانِ، قصدًا لتحقيقِ مصالحِه وحمايتِه في ضوء التحديات المعاصرة، وقد ارتأت الكلية أن يكون (بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة)، موضوعا لمؤتمرها العلمي الدولي الخامس، برئاسة الدكتور عطا السنباطي، عميد الكلية رئيس المؤتمر؛ اتساقا مع رسالتها العلمية في خدمة المجتمع الإنساني.
وتابع: وامتدادًا لرسالة الأزهر الشريف العالمية بشأن تحقيق بناء الأفراد والمجتمعات، وانطلاقا من رؤية الدولة المصرية في السعي المتواصل الحثيث نحو توفير حياة كريمة للإنسان، وتحقيق التنمية المستدامة في شتى المجالات التنموية مع الرصد الدقيق للتحديات التي تعرقل مسيرة التنمية، والعمل بجودة وإتقان لإبراز الآليات والوسائل الشرعية والقانونية لمواجهة تلك التحديات ومعالجتها، من أجل واقع أفضل ومستقبل مشرق.
وعُنِي المؤتمر على مدار جلساته ومن خلال أبحاثه وما دار حولها من مناقشات علمية هادفة بتسليط الضوء على سُبُل وآليات بناء الإنسان والارتقاء به في ظل التحديات القائمة، لا سيما ما تمر به منطقتنا العربية في الوقت الراهن من تحديات كبرى، تلك التحديات التي تجعلنا في أمس الحاجة إلى الاصطفاف الواعي خلف قيادتنا السياسية الحكيمة، واجتناب أسباب التشرذم والشتات، وتكثيف الجهود نحو استثمار العقول والأفكار والطاقات استثمارًا جادًّا وفعالًا، يهدف إلى صناعة العمران، وحماية الأوطان، وخلق بيئة آمنة تتمدد فيها التنمية بجميع مجالاتها، من أجل تحقيق بناء إنسان متزن ومستقيم نفسيًّا وفكريًّا وصحيًّا واقتصاديًّا.
وحَظِيَتْ جَلَسَاتُ المؤتمرِ بمشاركةِ نخبةٍ من السَّادةِ العلماءِ والباحثينَ المتخصصينَ من الجامعاتِ، والهيئاتِ القضائيةِ، ودُورِ الفتوى، والساسةِ، والحقوقيينَ، من داخلِ مصرَ وخارجِها، حيث أُثرِيَتْ جلساتُ المؤتمرُ بأبحاثِهم ومناقشاتِهم ومداخلاتِهم حول محاورِ المؤتمرِ وموضوعاتِه.
وأوضح أن الهدف من المؤتمر هذا هو إبرازُ موقفِ الشريعةِ الإسلاميةِ، وكذلك موقفِ القوانينِ الإنسانيةِ من قضيةِ بناء الانسان، بما يتضمَّنُه ذلك من حمايةَ الإنسانِ ورعايةَ حقوقِه وصولًا إلى إعداد جيل واع مستنير قادر على مواكبة تحديات العصر، ومؤهل للإسهام في مسيرة البناء والتنمية، وفق رؤية واضحة، تضع الإنسان في مقدمة الأولويات.
وانطلاقًا من هذه الأهداف، وفي ضوء ما تضمنتهُ البحوثُ المقدَّمةُ من نتائج، ومن خلال ما زخرت به جلساتُ المؤتمرِ من مداخلاتٍ ومناقشاتٍ ومساجلاتٍ، خَلَصنَا إلى مجموعةٍ من النتائج والتوصيات، أهمُّها ما يلي:
- إبراز مرونة الشريعة الإسلامية واستيعابها لجميع المستجدات والنوازل ومعالجتها بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، والعناية بالجانب الإنساني في صياغة الأحكام الفقهية، وترسيخ قيمة الإنسان كونها محور التشريع الإسلامي.