فى القواميس والمعاجم؛ يتم تعريف «الرَّدْعُ» على أنه الكف عن الشىء، حيث يقولون: الحدود رادعة مانعة، أى: تكف الفاعل عن العودة إلى فعله وتمنع غيره من الوقوع فيها. والفعل رَدَعَ: ردَعَ يَردَع، رَدْعًا، فهو رادع ورَدَعَ جِمَاحَهُ أى كَبَحَهُ، أوْقَفَ انْدِفَاعَهُ، كَفَّهُ، ورَدَّهُ.
تُعرِّف وزارة الدفاع الأمريكية الردع بأنه «منع العمل من خلال وجود تهديد موثوق به بردود أفعال مضادة غير مقبولة و/أو الاعتقاد بأن تكلفة العمل تفوق الفوائد المتصورة».
الاقتصادى الأمريكى توماس شيلينج الخبير فى الشؤون الخارجية والأمن القومى، وأحد أبرز منظرى نظريات الردع قال إن الردع لا يتعلق بالحرب، بل يتعلق بـ «فن الإكراه والترهيب». وتعترف نظرية الردع بنهجين أساسيين. فالردع بالإنكار يقوم على القدرة على ردع الأفعال من خلال جعلها غير قابلة للتنفيذ أو غير مرجحة للنجاح. والردع بالعقاب يهدد بعقوبات شديدة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية، والأساس فى كلا النهجين هو المصالح الوطنية المحددة بوضوح، أو «الخطوط الحمراء»، والتى يتم تسليط الضوء عليها عادة فى وثائق الأمن القومى ويتم توصيلها من قبل القيادة. ويذهب «شيلينج» إلى أن سياسة الردع الفعّالة يجب أن تجمع بين القدرة والاستعداد للفوز على جميع مستويات التصعيد مع خصم محتمل، مع الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة من أجل توصيل رسائل واضحة ومباشرة لمنع التصعيد غير المقصود.
مع التصعيد من بعض الأطراف الإقليمية، إثيوبيا وإسرائيل على وجه التحديد، كان الردع المصرى واجبا، خاصة تجاه نتنياهو الذى أظهر عداءً مقترنا بالنوايا التوسعية القائمة على النصوص التوراتية، وحلم الدولة اليهودية من البحر للنهر. والذى نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن المصريين أرسلوا «رسائل رهيبة» بعد تصريحات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا.
فى مواجهة كل تلك الاستفزازات عاد «الردع» مرة أخرى إلى الأجندة السياسية المصرية كمفهوم توجيهى للاستراتيجية المصرية فى المنطقة، مع ارتفاع وتيرة المنافسة الجيوسياسية، وسياسة حافة الهاوية التى يصر عليها الفاعلون فى المنطقة فى مسلك سياسى وعسكرى غير عقلانى على الإطلاق.
مصر مارست أولاً «الردع بالاطمئنان» من خلال التأكيد الدائم بمختلف الوسائل والرسائل على التوجهات السلمية للدولة المصرية، والتأكيد على سرديات التعاون والشراكة لا الصراع. لكن يبدو أن ذلك تم فهمه على نحو خاطئ؛ لذلك كان التحول نحو «الردع المحدث / المعدل» القائم على توظيف شامل القدرات وليست العسكرية فقط بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية للدولة المصرية وفى مقدمتها حفظ الأمن والسلم الدوليين. قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة الخاصة بـ “الردع بالعقاب» وما يستتبعه من إجراءات أكثر خشونة. لكن رغم كل الاستفزازات لا تزال القاهرة تحافظ على تطبيق أكثر عقلانية للردع.
وفى إطار سياق دولى وإقليمى تحكمه الواقعية البحتة التى ترى أن المصلحة والقوة هما جوهر السياسة، وأن العلاقات الدولية هى صراع محموم نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها لصالح تحقيق أهدافها. أصبح الردع أحد المحددات الرئيسية فى مجال العلاقات الدولية. فالبيئة الأمنية الإقليمية والدولية، وما ينتج عنها من مهددات مباشرة وضمنية للمصالح المصرية، ومتطلبات الأمن القومى المصرى تفرض العودة إلى تطبيقات الردع. نعم نحترم السلام واتفاقياته، بل ونعمل على حفظه وصيانته، لكن لم ولن نقبل أبدا انتهاك السيادة المصرية وتجاوز المصالح الوطنية بأى شكل كان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د وليد عتلم الر د ع المصرى وزارة الدفاع الأمريكية من خلال
إقرأ أيضاً:
ماكرون يخاطب ترامب وزيلينسكي بعد موقعة البيت الأبيض
دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، السبت، نظيريه الأمريكي دونالد ترامب، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى "الهدوء والاحترام"، عقب المشادة الكلامية في البيت الأبيض، الجمعة، التي أثارت مخاوف من انسحاب الولايات المتحدة من الملف الأوكراني، وحدوث قطيعة مع حلفائها الأوروبيين.
وقال ماكرون لصحيفة "لا تريبون ديمانش" الأسبوعية، وعدة صحف أخرى تصدر، الأحد: "أرى أنه بغض النظر عن الغضب، فإن الجميع بحاجة إلى العودة إلى الهدوء والاحترام والتقدير، حتى نتمكن من المضي قدماً بشكل ملموس، لأن ما هو على المحك مهم للغاية".
وأضاف أن "تراجع الولايات المتحدة المحتمل عن دعم أوكرانيا، ليس في مصلحة واشنطن"، موضحاً "ما لم يلجم بوتين، سيقوم بمهاجمة مولدافيا وربما رومانيا". وذكر قصر الإليزيه أن ماكرون تحدث، الجمعة، مع الرئيسين الأوكراني والأمريكي.
Visite d’État au Portugal, Ukraine et sécurité de l’Europe : depuis Porto j’ai répondu aux questions de Paulo Dentinho pour la RTP. pic.twitter.com/9QPlSZvK6R
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) March 1, 2025 الردع النوويوفي سياق منفصل، أوضح ماكرون أنه مستعد لبدء مناقشات بشأن قدرات الردع النووي من أجل أوروبا، مشيراً إلى أن فرنسا يمكن أن تسهم في حماية دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، مع أخذ التهديدات الأمنية التي تشكلها روسيا بعين الاعتبار.
وسيجتمع زعماء أوروبيون في لندن، الأحد، لمناقشة خطة من أجل السلام في أوكرانيا، كما سيحضرون قمة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس المقبل. ويحاول التكتل التعامل مع استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لانتهاج الدبلوماسية مع روسيا والتداعيات الناجمة عن صدام غير مسبوق، بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض، أمس الجمعة.
وقال ماكرون لهيئة الإذاعة والتلفزيون البرتغالية، في مقابلة نشرها على منصة إكس إن "أوروبا إذا كانت تريد التحرك نحو مزيد من الاستقلالية في مسألتي الدفاع والردع النووي، فيجب على قادتها بدء نقاش حول ذلك"، وأضاف "أنا مستعد لفتح هذا النقاش إذا كان ذلك يسمح ببناء قوة أوروبية"، وتابع "هناك دائماً بُعد أوروبي للمصالح الحيوية لفرنسا ضمن عقيدتها النووية".
Notre dissuasion nucléaire est française, et elle le restera : de la conception et la production de nos armes, jusqu’à leur mise en œuvre sur décision du Président de la République.
Elle protège les intérêts vitaux de la France, que le chef de l’Etat est seul à définir : c’est… pic.twitter.com/BfZ2hbbBWQ
وسرعان ما جاء رد فعل زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان على تعليقات ماكرون. وقالت خلال زيارتها للمعرض الزراعي في باريس،: "يجب أن يظل الردع النووي الفرنسي ردعاً نووياً فرنسياً، ولا ينبغي أن يتم تقاسمه، ناهيك عن تفويضه".
وأكد وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو موقف ماكرون، بأن المصالح الحيوية لفرنسا تشمل "بعداً أوروبياً"، لكنها أيضاً تخضع للسيطرة الحصرية لرئيس الدولة الفرنسية. وقال على منصة إكس: "ردعنا النووي فرنسي، وسيبقى كذلك، من تصميم أسلحتنا وإنتاجها، إلى تنفيذها بقرار من رئيس الجمهورية".
وأضاف "يحمي ذلك المصالح الحيوية لفرنسا، التي يستطيع رئيس الدولة وحده تحديدها".