اعتداءات على المخطوطات العربية
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
أمام تلك الوفْرة من المخطوطات اهتمت الأجيال بها فخصصوا لها الأماكن لاستيعاب الكتب والمخطوطات، حتى لقد اتسمت هذه الحضارة بحب الكتب والمكتبات، والعلم والعلماء.
ويذكر المؤرخون أن «الإسكندر المقدونى» لما غزا الشرق وأخضعه للسيطرة الثقافية، والسياسية، والعقلية قرابة ألف سنة (330ق.م - 632م) ظن الناس أنه لم يعد شرقًا ولا غربًا، وأن شخصية الشرق قد امّحتْ برغْم ردود الفعل التى قام بها الشرق لاسترجاع شخصيته وتحرره من ربقة الغرب حسب تعبير المؤرخ الشهير «توينبى»، غير أن الذى أعاد للشرق شرقيته وشخصيته كان الإسلام، لقد وقفت اللغة العربية فى مواجهة اللغة اليونانية، والعادات اليونانية، ووقف الإسلام من الحضارات موقفا حضارياً من لغات: يونانية، وقبطية، وهندية، وأشورية، وفارسية، وكلدانية، وسريانية، وحرصا على المخطوطات، وحفْظا لها استمرتْ عادة إخفاء الكتب، ويذْكر «روكسن بن زائد العزيزى « أنه عثر فيى أوائل القرن الرابع الهجرى على مخابئ فى رستاق (جي) بفارس على أزج (وهو بيت مبنى طولا) مقصورة بالحجارة، فوجدوا فيه كتبا كثيرة فى لحاء التّوز (شجر)، وفيها من علوم الأوائل بالفارسية القديمة (الفهلوية)، وعثروا على مخطوطات فى ( أزج) آخر، وهكذا كانت عادة إخفاء الكتب فى الكهوف، وكان ابن النديم قد ذكر فى (الفهرست): « والذى رأيته أنا بالمشاهدة أنّ « أبا الفضل بن العميد» أنْفذ إلى هنا سنة نيّف وأريعين كتبا مقطّعة أصيبتْ فى « أصفهان» فى سور المدينة فى صناديق» روكسن بن زائد العزيزى، الفيصل، العدد 32، ص 26.
كان ذلك حصاد جهود الإنسانية منذ أقدم العصور؛ إذْ تمثّل العرب ما استوعبوه ولم يقتصروا على ذلك بل أضافوا إليه، ووقف الإسلام وريثاً - آنذاك - لحضارات البحر الأبيض المتوسط القديمة العظيمة السامية، على الرغم من أننا إذا رجعنا بذاكرتنا إلى الوراء عند فجر الإسلام فى مكة المكرمة، لوجدنا انتشار الأمية بحيث لم يوجد فى قريش من يحسن القراءة والكتابة إلا بضعة عشر نفرا.
مضت مسيرة المخطوطات العربية فى طريق بناء صرح المعرفة الإنسانية منذ العصور الوسطى، ولم يكن طريقها مفروشا بالورود. بل داهمته أحداث وويلات وكوارث وحروب وعداوات، كان أشدها هولا ما صنعه هولاكو، وجنكيز خان من إعدام المخطوطات حتى شكلتْ جسرا بين ضفّتيْ دجلة بالعراق، حيث كانت بغداد العاصمة الذهبية لعصر الذهبى للعلوم والمعارف آنذاك.
وكما عدا المغول والتتار عدا الإسبان على المخطوطات العربية، ونقلوها إلى الأسكوريال، عدا الفرنسيون على المخطوطات العربية المحفوظة فى المساجد والمدارس وبيوت الأعيان من الأمراء المماليك، وكبار التجار والعلماء، ونقلوها من مصر إلى المكتبة الأهلية بباريس، ويوجد فى أمريكا وأوربا نحو 160 مكتبة كبرى تحوى أعدادا من المخطوطات العربية، تقدّر بنحو 40 ألْف مخطوطة، على الرغم من صعوبة حصر المخطوطات المنهوبة فى أنحاء العالم، منذ ما حل بنا وبأمتنا وتراثنا من نكبات منذ الهجوم البربرى الذى شنه «هولاكو» (نحو 1217ـ 1265م) على بغداد، عاصمة الخلافة العباسية سنة656هـ/ 1258م، والشام، حتى قضى عليه المصريون فى الشام وأبادوا جيشه سنة 1260م، بعد ما أحدثه من تدمير للحضارة والتراث والمكتبات، حتى صار ماء دجلة بالعراق مكسوّا بالحمرة، وشذلتْ الكتب جسرا بين ضفذتيْ النهر عبرتْ عليه خيوله، ثم كانت الحروب التى اتصلت فى ثمانى حملات صليبية طيلة قرنين (1096 ـ1299م) التى شنها الغرْب المسيحى للاستيلاء على الأراضى المقدسة، حتى طردهم المماليك فى أواخر القرن الثالث عشر الميلادى، بعد أن عاثوا فى الأرض والحضارة والتؤاث فسادا، فأحرقوا طرابلس كلها سنة 503هـ/1110م، ضمْن ما أحرقوا من مدن وكتب ومكتبات ومخطوطات فى الساحات، كان ذلك تكملة لما حلّ بالمسلمين مع خروجهم من الأندلس بعد سقوط غرناطة، فضاع معظم ما صنفه المصنفون، وانتهز الأوربيون الفرصة قتسارعوا إلى نهب المخطوطات، وساعدهم، من بعْد، الاحتلال بأنواعه، ومنه حملة «نابليون بونابرت» 1798م، ورحلات المستشرقين والمستعربين ورجال المخابرات الأجنبية، ويكفى أنْ نضرب مثلا بشراء جامعة برنستون الأمريكبة مجموعة مخطوطات، قدّرتْ بستّة آلاف مخطوطة سنة 1942م مرة واحدة. تلك المخطوطات التى تمثّل حصاد محاولات الإنسان العربى توثيق المعرفة باللغة العربية برغم ما جابه ذلك من تحديات وصعوبات واعتداءات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المخطوطات العربية مكة المكرمة لغتنا العربية جذور هويتنا د يوسف نوفل المخطوطات العربیة على المخطوطات
إقرأ أيضاً:
قمة الرياض
بعد مرور عام على القمة العربية الاسلامية التى استضافتها الرياض يعود النشاط العربى الإسلامى مجددا من خلال قمة تستضيفها الرياض أيضا حيث يجتمع قادة الدول العربية والاسلامية الأسبوع القادم بالعاصمة السعودية والهدف الأساسى هو وقف العدوان على غزة وبحث تطورات الأوضاع فى المنطقة بعد امتداد العدوان إلى لبنان.
تأتى قمة الرياض هذه المرة فى ظروف مختلفة عن القمة الأولى وان كانت الأهداف واحدة.. فالعدوان الإسرائيلى على غزة وصل إلى مرحلة الإبادة بعد وقف دخول المساعدات وارتكاب مجازر وحشية ضد المدنيين.. وفى نفس الوقت تتصاعد الأوضاع فى المنطقة بوتيرة متسارعة وهو ما يتطلب سرعة ترتيب الأوراق.
وتأتى القمة أيضا فى وقت يشهد فيه محور القاهرة الرياض تلاحم ووحدة وتطابق كامل فى وجهات النظر خاصة فى ظل الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى كان آخرها زيارة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان إلى القاهرة الشهر الحالى وهى الزيارة التى قوبلت بحفاوة بالغة من جانب القيادة المصرية.. وكذلك باهتمام دولى بالغ خاصة فى ظل النجاح الذى حققته المباحثات التى جرت خلال الزيارة سواء على صعيد التطورات الدولية أو على مستوى العلاقات الثنائية خاصة العلاقات الاقتصادية ودعم حركة التجارة والاستثمار بين البلدين.
الدعوة السعودية لعقد قمة عربية اسلامية والتى تم الإعلان عنها الأربعاء الماضى من خلال وزارة الخارجية لاقت استجابة واسعة من جانب القادة وذلك لما تفرضه الظروف الراهنة من ضرورة الاصطفاف العربى الإسلامى من أجل مواجهة استمرار العدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية ولبنان، وتطورات الأوضاع الراهنة فى المنطقة.
الخارجية السعودية أوضحت فى بيان لها أن القمة المرتقبة تمثل امتدادًا للقمة العربية الإسلامية المشتركة التى عُقدت بالرياض فى 11 نوفمبر العام الماضى.
لا شك أن انعقاد هذه القمة فى هذا التوقيت وفى ظل هذه الأوضاع المتردية يفرض على قادة الدول العربية والاسلامية مسئولية كبيرة من أجل التحرك لوقف العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة ولبنان.
لقد أصبح من الضرورى أن تتبنى القمة القادمة قرارات جديدة تفرض على المجتمع الدولى سرعة التحرك لوقف العدوان والتصدى لهمجية نتنياهو وحكومته من أجل إنقاذ أرواح الابرياء وعودة الاستقرار إلى المنطقة.
إذا كانت الدعوة السعودية لعقد القمة قد أشارت إلى أنها قمة متابعة لقمة العام الماضى.. الا اننى أرى انها ستكون أقوى سواء على مستوى المناقشات أو القرارات.
الآن تتطلع الأنظار إلى الرياض حيث الاصطفاف العربى الإسلامى فى القمة المرتقبة وهو الاصطفاف الذى يبعث الأمل فى نفوس العرب والمسلمين بعبور هذه المحنة ويحمل معه آفاقا جديدة لمستقبل أفضل.