لجريدة عمان:
2024-09-18@04:18:26 GMT

كيف غَيَّر الأمنُ القومي السياسةَ الاقتصادية؟

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

كيف غَيَّر الأمنُ القومي السياسةَ الاقتصادية؟

ترجمة: قاسم مكي -

يضع البيت الأبيض حاليا اللمسات الأخيرة لأحدث جولة في سجال بايدن الاقتصادي مع بكين بفرض رسم جمركي بنسبة 25% على واردات الرافعات الصينية التي تهيمن على نشاط إنزال الحاويات في الموانئ الأمريكية.

ظاهريا، لهذا الرسم الجمركي مبرر تقليدي، فبايدن يأمل في أن يساعد بمرور الوقت في إعادة إنتاج الرافعات إلى الولايات المتحدة وتعزيز القاعدة الصناعية للبلاد، لكن هذا الإجراء يعكس أيضا الطريقة التي تسللت بها مخاوف الأمن القومي إلى السياسة الاقتصادية.

فقد شكا المسؤولون الأمريكيون من أن الصين يمكنها توظيف الرافعات الضخمة لأغراض التجسس في الموانئ الأمريكية مثلا باستخدام برمجياتها اللوجستية المعقدة لمراقبة الشحنات المرتبطة بالقطاع العسكري.

تشكل الرسوم على الرافعات نافذة للإطلال على التغير الزلزالي في التفكير الاقتصادي للولايات المتحدة والذي غالبا ما سيتعزز كما يبدو بعد الانتخابات في نوفمبر مع عواقب مثيرة ستترتب عنه لمستقبل الاقتصاد العالمي.

خلال العقد الماضي كانت هنالك رغبة أكبر بكثير لاستخدام الرسوم الجمركية كجزء من السياسة الصناعية والتجارية، وتحت ظل إدارة بايدن كان هنالك أيضا تأكيد موازٍ على توظيف الدعومات وأشكال التدخل الحكومي الأخرى لتعزيز الاستثمار في القطاعات الرئيسية، هذه العملية عززتها الطريقة التي ترسخت بها القضايا الأمنية في تفكير الحكومة الأمريكية حول القطاعات الكبيرة للاقتصاد من التصنيع والى التقنيات الجديدة.

جذور عديدة

التقاطع المتعاظم للسياسة الاقتصادية والأمن القومي له جذور عديدة، لقد تسارع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على "الإرهاب" وجائحة كوفيد التي أبطأت سلاسل التوريد وعداء روسيا وحرب أوكرانيا، لكن العامل الأكبر كان الصين، فالمسؤولون الأمريكيون شاهدوا في انبهار وهلع نجاحات رأسمالية الدولة الصينية في العديد من الصناعات التي يرجح أن تهيمن على النصف الأول من هذا القرن، وأصبح يُنظر إلى استعادة التنافسية الصناعة الأمريكية والحفاظ عليها باعتبارهما تحديا جيوسياسيا حاسما.

في ذات الوقت تزايد قلق المسؤولين من عدد المنتجات والتقنيات التي يخشون من أنها قد يكون لها استخدام موازٍ في المجال العسكري أو توظَّف كأدوات تجسس. وكانت النتيجة تشكُّل عقلية انصهرت فيها الأولويات الاقتصادية مع المخاوف الأمنية على نحو يجعلها تختلف تماما عن مقاربة السوق الأكثر تحررا والتي ترسخت عند نهاية الحرب الباردة.

يقول دانييل دريزنر أستاذ السياسة الدولية بجامعة تافتس" الآن كل شيء يُعتبر قضية أمن قومي".

قرار فرض الرسوم على الرافعات يؤكد ذلك، فبعد أن حدد موظفو البيت الأبيض المخاطر المحتملة من استخدام رافعات الموانئ الصينية وضعوا استراتيجية للحصول على الاستثمار من الشركات الصناعية في البلدان الحليفة وتحديدا من اليابان أولا وفنلندا لاحقا. إنها "ذلك النوع من الأشياء الذي يمكن استنساخه عبر عدد من المجالات المختلفة حيثما تكون هنالك مخاوف تتعلق بالأمن قومي،" كما يقول أحد المسؤولين الأمريكيين.

وفي مقابلة مع الفاينانشال تايمز ذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يربط باطراد بين الأمن الاقتصادي والقومي ويستطرد قائلا:" دور الأمن القومي في سياسة واستراتيجية التجارة والاستثمار يشهد صعودا في كل مكان، فهنالك تحولات في طريقة مقاربة الناس للسياسة التجارية والسياسة الاقتصادية الدولية، هذا يحدث حقا في اقتصادات السوق حول العالم".

قومية اقتصادية

بالنسبة لبعض المراقبين ستحفز المقاربة الجديدة للإدارة الأمريكية على قدر أكبر من التنافس الاقتصادي، حيث يقول ريان مولهولاند وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض وزميل أول السياسة الاقتصادية الدولية بمركز التقدم الأمريكي إن فريق بايدن أوجد قواعد إرشادية غالبا ما ستحتذيها بقية البلدان. ويضيف قائلا: " الولايات المتحدة حققت نجاحا كبيرا في مزاوجة الاستثمارات الحقيقية في قاعدتنا الصناعية مع بعض الاستراتيجيات الدفاعية مثل الرسوم الجمركية وقيود التصدير". لكن التحول في السياسة الأمريكية تترتب عنه آثار ضخمة لباقي العالم ليس فقط مع المنافسين كالصين ولكن أيضا مع الحلفاء الأقرب للولايات المتحدة والذين يشعر العديد منهم بالقلق من أن واشنطن تتخلى عن دورها كمرساة موثوقة للاقتصاد العالمي.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية يستعد حلفاء أمريكا لمزيد من التشدد في هذه السياسات بصرف النظر عن الفائز. فالولايات المتحدة تبدو عازمة على تبني استراتيجية تحركها اعتبارات أمنية تتعلق بالصين إلى جانب قومية اقتصادية ستزيد من زعزعة العلاقات مع الشركاء في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.

تقول اميلي كيلكريز المسؤولة الأمريكية السابقة وخبيرة التجارة والأمن بمركز الأمن الأمريكي الجديد "لا توجد أية مجموعة من المعايير أو القواعد أو المؤسسات لتوجيه هذه التدخلات بعد أن اضطررنا الآن إلى فتح باب التشدد على مصراعيه بمبرر الحفاظ على الأمن القومي. فهنالك خطر حقيقي في اعتبار أي شيء أمن قومي واستخدامه لتبرير أي شيء تريد أن تفعله".

قوبلت مغادرة دونالد ترامب سدة الحكم في عام 2021 بارتياح واسع النطاق وسط حلفاء الولايات المتحدة، واعتقد عديدون أن إدارة بايدن ستتخذ مقاربة أقل فظاظة حول أي شيء من التجارة والى الصين. ففي بروكسل وصفت خطة للمفوضية الأوروبية وصول بايدن إلى الحكم بأنه فرصة نادرة " لتنشيط الشراكة عبر الأطلسية"، هكذا كانت التوقعات إلى حد أن المسؤولين اليابانيين اشتكوا من أن بايدن سيبالغ في التساهل مع الصين، لكن اتضح أن الواقع مختلف تماما. فخلال السنوات الثلاث الماضية فاق بايدن كثيرا ترامب في ربط الأمن الاقتصادي بالأمن القومي بطرائق عقَّدت سياسات الحلفاء من برلين ولاهاي والى طوكيو وسول، فقد

تم تدبير العديد من هذه الإجراءات لإبطاء التحديث العسكري للصين ومعالجة ما تقول واشنطن إنه سياسة صناعية صينية غير عادلة وخصوصا دعومات بكين للصناعة المحلية، لكن الحلفاء حتى عندما يوافقون على هدف التصدي للصين يتبدى أمام أعينهم شبح الحمائية مختبئا تحت السطح.

لقد حظي قانون خفض التضخم الشامل الذي صدر في عام 2022 بهدف خفض انبعاثات التضخم وحفز صناعة الطاقة النظيفة المحلية في الولايات المتحدة بالتقريظ لتصديه لأزمة المناخ، لكنه أيضا أثار الغضب داخل الاتحاد الأوروبي بسبب الحوافز التي يقدمها للإنتاج داخل الولايات المتحدة، ففي مايو الماضي فرض بايدن رسوما جمركية بنسبة 100% على واردات السيارات الكهربائية الصينية، وكانت تلك الخطوة محاولة لإتاحة مساحة لنمو الاقتصاد الأخضر المحلي لكنها أيضا كانت مدفوعة بمخاوف أمنية حول إمكانية حصول الصين على بيانات من حواسيب هذه السيارات.

إلى ذلك، قرار اعتراض الرئيس بايدن على الصفقة المقترحة لاستحواذ شركة "نيبون ستيل" اليابانية على شركة "يو اس ستيل" الأمريكية بحوالي 14.9 بليون دولار (والتي من المتوقع أن تواصل أيضا كامالا هاريس الاعتراض عليها إذا فازت في الانتخابات) اتخذ باسم حماية الأمن القومي، أغضبت هذه الخطوة اليابان الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي والتي تتصدى للصين هناك.

مبررات "توافق واشنطن" الجديد

في حديث في أبريل 2023 لتوضيح الأساس المنطقي لتوافق واشنطن الجديد، ذكر جيك سوليفان أربع تحديات تواجه الولايات المتحدة وأمْلَت التحول في السياسة الاقتصادية، من بين هذه التحديات اضمحلال القاعدة الصناعية للولايات المتحدة والحاجة إلى تطوير سلع عامة عالمية كالطاقة النظيفة والتي تفتقر السوق إلى الكفاءة اللازمة للحفز على إنتاجها ومعالجة اللامساواة الاقتصادية التي أحد أسبابها التجارة. التحدي الرابع كان "التكيف مع بيئة جديدة حددها تنافس جيوسياسي وأمني ينطوي على آثار اقتصادية مهمة"، وهو تنافس يركز أساسا على الصين.

إلى ذلك تصرّ إدارة بايدن على أن المقاربة الجديدة لا تقلب رأسا على عقب نظام التجارة العالمية وأن الاستخدام الجديد للسياسة الصناعية تم إعداده بالتعاون مع الحلفاء الرئيسيين. يقول المسؤول الأمريكي " إنه ليس رمْيا للطفل مع ماء الاستحمام".

إحدى تحركات بايدن الأكثر بروزا كان استحداثه ضوابط شاملة لتصدير الرقائق الإلكترونية في أكتوبر 2022 والتي تم تمديدها بعد عام لاحقا، حيث يقول المسؤولون: هذه الضوابط أعدت بعناية لكي تركز فقط على الرقائق الأكثر تقدما، وكجزء من هذه الاستراتيجية توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقية مع اليابان ونيذرلاند بعد مفاوضات معقدة استغرقت وقتا طويلا لكي تجعل من الصعب على الصين الحصول على المعدات اللازمة لصناعة أشباه الموصِّلات المتقدمة.

وفي مسعى للضغط أكثر على طوكيو ولاهاي حذر فريق بايدن قبل عدة أشهر من احتمال تفعيل إجراء خارج نطاق الولاية القضائية الأمريكية يعرف باسم "قاعدة المنتج الأجنبي المباشر"، فتسمح هذه القاعدة لوزارة التجارة الأمريكية بمنع الشركات الأجنبية من تصدير منتجات تحتوي على تقنية أمريكية.

ثم تم سحب هذا التهديد، وفقا لأشخاص عليمين، لكن ضوابط إدارة بايدن على صادرات التقنيات الرئيسية للصين هزَّت الصناعة العالمية بما في ذلك صناعات الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة كألمانيا.

" ترومف" إحدى الشركات التي وجدت نفسها في وسط هذه المعمعة، إنها شركة عائلية متخصصة في صناعة الليزر ومقرها بالقرب من شتوتجارت، فقد أسست الشركة نفسها كمُورِّد رئيسي لصناعة أشباه الموصلات بإمدادها شركة "إي إس أم إل" النيذرلاندية بالغة الأهمية.

وتحت ضغط الولايات المتحدة فرضت الحكومة الألمانية قيودا على العديد من صادرات "ترومف" إلى الصين باعتبارها "مزدوجة الاستخدام" ولديها تطبيقات عسكرية محتملة.

يقول هاغن زيمر رئيس عمليات الليزر بشركة "ترومف" إن صبرها نفد مع التأخير الباهظ التكلفة الذي تتسبب فيه هذه القيود محذرا من أن الارتفاع السريع للأجور في ألمانيا جعل منها سلفا بلدا غير تنافسي، حيث يقول "إذا تعرضنا إلى المزيد من العقوبات من هذه القيود والى تأخير في الصادرات إلى الصين ببساطة سننتقل إلى الصين، مضيفا أن الشركة نقلت مؤخرا عمليات تصنيع آلات القطع بالليزر ثلاثي الأبعاد إلى موقع قريب من شنجهاي. ويقول "ذلك يعني فقدان وظائف ألمانية. هذا ما لا تفهمه حكومتنا الألمانية".

ضوابط تصدير أشباه الموصلات

لذلك يقول المسؤولون هذه السياسات الجديدة تساعد أيضا حلفاء أمريكا، لقد استكمل الكونجرس تشريع ضوابط تصدير أشباه الموصلات بقانون الرقائق والعلوم لعام 2022، فقدم هذا القانون دعما بقيمة 39 بليون دولار لتطوير صناعة الرقائق الأمريكية، لكن الأموال ذهبت أيضا لشركات صناعة الرقائق في كوريا الجنوبية وتايوان.

في حين يقول سوليفان "نحن نؤمن بالاستثمار والبناء هنا في الولايات المتحدة وبمحاولة تمكين حلفائنا من الاستثمار والبناء في بلدانهم، فهذا لا يتعلق فقط بكيفية تأكدنا من أننا لا نؤذي أصدقاءنا باتباع استراتيجية معينة، لكن بالمجالات التي نستطيع أن نجدد فيها الصناعة في الولايات المتحدة وتحديدا عبر الشراكات مع أصدقائنا".

كما تشير الإدارة الأمريكية إلى سياستها تجاه الموانئ كمثال، ففي وقت سابق من هذا العام ذكرت إدارة بايدن أنها ستستثمر 20 بليون دولار للمساعدة في إنتاج الرافعات محليا مع "شركاء مؤتمَنين" وأن شركة باسيكو وهي فرع في الولايات المتحدة لمجموعة "ميتسوي إي اند اس" اليابانية ستساعد في إعادة صناعة الرافعات إلى أمريكا لأول مرة خلال ثلاثة عقود.

لاحقا، ذكر البيت الأبيض أن الشركة الفنلندية "كوني كرين" ستبدأ أيضا تصنيع رافعات موانئ في الولايات المتحدة، لكن مسؤولي الصناعة يقولون هذه الاستثمارات ستحتاج إلى سنوات قبل أن تؤتي أُكُلها، ويصرّون على وجود طرق أخرى لعلاج أية مخاوف أمنية.

تكلفة إضافية للمستهلكين الأمريكيين

"الغالبية الغالبة" من الرافعات الموجودة حاليا مصنوعة في الصين، بحسب مايك جيكوب رئيس رابطة الشحن البحري في المحيط الهادي والتي تمثل مُلاَّك ومشغلي المنصات البحرية على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة.

فيقول جيكوب هذه الخطوة (فرض الرسم الجمركي على الرافعات الصينية) مع وجود بدائل أخرى قليلة خلاف الشراء من الصين لن تترك لهم خيارا سوى تمرير التكلفة لزبائنهم (وفي نهاية المطاف لمستهلكي الولايات المتحدة) واستثمار أموال أقل في تحديث بنيتهم التحتية. ويستطرد قائلا "أنت (بهذا) توجد المزيد من التعقيدات في نظامك والمزيد من التكاليف والمزيد من عدم الكفاءة".

إلى ذلك يقول رايان مارياتشير كبير مسؤولي العمليات التشغيلية بميناء هيوستن في تكساس "مخاوفنا بشأن هذا الرسم الجمركي الجديد بنسبة 25% (على الرافعات الصينية) هي عدم وجود بدائل مجدية للوفاء ليس فقط بالطلب في ميناء هيوستن ولكن طلب كل الموانئ الأمريكية الشمالية في الأجل القصير".

مع تبقي 9 أسابيع فقط لموعد الانتخابات الأمريكية يحاول الحلفاء الآن استنتاج الكيفية التي ستنتهي إليها هذه المقاربة. إذا فاز ترامب بفترة رئاسية ثانية غالبا ما ستكون السياسة الاقتصادية الدولية للولايات المتحدة أكثر نزوعا نحو المقايضة ولا يمكن التنبؤ بمسارها مع اتجاه حمائي أكثر وضوحا، فقد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات القادمة من الصين، لكن مقاربته الأوسع نطاقا للصين وأيضا لتقاطع الأمن الاقتصادي والأمن القومي أقل وضوحا.

من جهة أخرى، لاتزال المؤشرات قليلة على أن هاريس ستنتهج نهجا مختلفا عن بايدن، إنها ستعتمد على مجموعة من المستشارين الذين يتشاطرون إلى حد بعيد نفس وجهات النظر حول الصين. فيقول مسؤول أمريكي "لديها عقلية شبيهة تماما (بعقلية بايدن) حول القضايا الكبرى وشاركت في الحوارات التي دارت حول التحركات الاستراتيجية الكبيرة التي اتخذناها"، ويعتقد مولهولاند أن رئاسة هاريس ستستمر في نفس الاتجاه الذي حدده بايدن لأن مقاربة الرئيس الحالي كانت "فعّالة". ويضيف المسؤول قائلا: "بصراحة ستتدفق أموال كثيرة نحو الصناعة الأمريكية لأول مرة منذ عقود".

تحذير من الشَّطَط

لكن يحذر بعض المراقبين من مخاطر الانحراف التدريجي عن الهدف المقصود مع هيمنة مخاوف الأمن القومي على المزيد من قضايا السياسة الاقتصادية، حيث يقول دريزنر "إذا كان كل شيء قضية أمن قومي ستصبح المشكلة عدم وجود أولوية أمنٍ قومي".

كما في اعتقاد ماثيو جودمان وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض والآن بمجلس العلاقات الخارجية من الصعب القول إن نهج ترامب كان "انحرافا" عن السياسة التجارية للولايات المتحدة، حيث يقول "حاليا هنالك اتجاه أعمق في الولايات المتحدة نحو الحمائية وسيستمر بصرف النظر عن الفائز في الانتخابات في نوفمبر." ويرى المسؤول أن فهم السياسة الاقتصادية الأمريكية يزداد صعوبة، لذلك يقول "هل الهدف تعزيز الوظائف الصناعية في الولايات المتحدة أم تعزيز الأمن القومي أم تسريع الطاقة النظيفة؟ ذلك ليس واضحا".

إلى ذلك فقد جزعت أوروبا في البداية من السياسة الصناعية الأكثر تشددا لإدارة بايدن وسارعت للرد عليها، فحاولت التشدد في مقاربتها بما في ذلك تبني طرائق تعكس جوانب من المقاربة الأمريكية مثلا بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، كذلك حثت بروكسل أيضا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدعم مقترحات باتخاذ إجراءات اقتصادية حمائية أكثر تشددا ضد البلدان المنافسة بما فيها الصين في مجالات مثل تدقيق الاستثمارات الخارجية وضوابط تصدير التقنية فائقة الحساسية.

لكن الدول الأعضاء تتحسَّب من تدخل الاتحاد في مجالات حساسة تتعلق بأمنها القومي ومنقسمة بشدة حول مدى تشددها في السياسة التي ينبغي عليها اتباعها ضد الصين. وفي حين كانت بروكسل قادرة في وقت ما على توظيف دورها كواضعة معايير للإجراءات التنظيمية لكي تؤثر بقوة على الجدل العالمي يتوقع بعض المحللين أن تواجه متاعب في حقبة تتسم بنزعة أكثر قومية في رسم السياسات الاقتصادية.

وذكر فالديس دومبروفسكيس نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية للفاينانشال تايمز أن المفوضية حتما ستتخذ المزيد من الإجراءات في ظل سياقات سياسية أكثر صِدامية، فيقول "فيما يتعلق بالأمن وضوابط التصدير من الواضح أننا نتوقع بروزا قويا لهذه القضايا في الدورة السياسية التالية في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".

من جهتها تراقب بروكسل في قلق عودة ترامب المحتملة وشرعت سلفا في إعداد إجراءات تجارية انتقامية، إذا مضى الرئيس السابق قُدُما في تنفيذ تهديداته بفرض رسوم جمركية شاملة على واردات الولايات المتحدة. كما يثير هذا السيناريو القلق أيضا في بلدان عديدة في آسيا، لكن هنالك إدراكا متزايدا بأن كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي شرعا في تبني مقاربة أكثر تقيدا بشعار "أمريكا أولا" في رسم السياسة الاقتصادية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة السیاسة الاقتصادیة للولایات المتحدة الأمن القومی البیت الأبیض على الرافعات إدارة بایدن العدید من المزید من حیث یقول أمن قومی إلى ذلک

إقرأ أيضاً:

تقرير: الصراع بين الولايات المتحدة والصين يضرّ العالم

لا تتوقف فصول الصراع بين الولايات المتحدة والصين على الزعامة العالمية في شتى المجالات، لكن على ما يبدو أن العالم كله يواجه خطر الخسارة بسبب التنافس بين واشنطن وبكين، وفق ما يذكره جدعون رحمان في مقال له في صحيفة "فايننشال تايمز".

ووفق الكاتب، في بعض الأحيان، تبدو السياسة الخارجية الأمريكية والصينية وكأنها صورتان متطابقتان، فالأمريكيون مهووسون باحتواء القوة الصينية، والصينيون مهووسون باحتواء القوة الأمريكية.

ولكن الانعكاس يتوقف عندما يتعلق الأمر بكيفية تنفيذ هذه السياسات، فواشنطن وبكين تستخدمان نقاط قوة مختلفة في معركتهما من أجل القوة والنفوذ؛ ونتيجة لهذا، فإنهما تتبنيان استراتيجيات مختلفة.

China, America and a global struggle for power and influence https://t.co/Kv6Mbn9Edy

— FT China (@ftchina) September 16, 2024 نقاط القوة

يرى رحمان أن القوة الوحيدة التي تتمتع بها أمريكا، تتمثل في قوتها العسكرية واستعدادها لتقديم ضمانات أمنية لحلفائها. فقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات دفاعية جماعية مع 56 دولة في مختلف أنحاء العالم، في أوروبا وآسيا والأمريكيتين.

كما تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية حاسمة لدول أخرى، ليست حليفة رسمية لها مثل إسرائيل وأوكرانيا.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الصين لديها معاهدة دفاع مشترك مع دولة واحدة فقط وهي كوريا الشمالية. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، فإنها تخوض أيضاً نزاعات إقليمية مع العديد من جيرانها، وهو ما يميل إلى دفعهم في اتجاه أمريكا.

Chinese ambassador lays down ‘red lines’ in US-China relationship https://t.co/7qbZBDG4UX

— South China Morning Post (@SCMPNews) September 12, 2024 العلاقات الاقتصادية

وعندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية، فإن الصين تتمتع بميزات أكبر، بحسب الكاتب.

وتشير حسابات معهد لووي الأسترالي، إلى أن 128 دولة تتاجر الآن مع الصين أكثر من تجارتها مع الولايات المتحدة. وعلى مدى العقد الماضي، أنفقت الصين أكثر من تريليون دولار في أكثر من 140 دولة على الاستثمار في البنية الأساسية، لتصبح بذلك أكبر دائن في العالم وأكبر قوة تجارية في العالم.

وتتجلى النتائج في مختلف أنحاء العالم، سواء في السكك الحديدية عالية السرعة في إندونيسيا، أو الموانئ والجسور في أفريقيا، أو الطرق السريعة العابرة للقارات التي تعبر آسيا الوسطى.

الواقع أن الدول الغربية قادرة على الإشارة إلى العيوب في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي تفعل ذلك بالفعل، وخاصة الديون الضخمة المستحقة للمقرضين الصينيين والتي تثقل كاهل دول مثل باكستان وسريلانكا وزامبيا.

ولكن بالنسبة للدول النامية التي تسعى إلى تحقيق تقدم اقتصادي سريع، يظل العرض الصيني جذاباً. وكما قال دانييل روندي، المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، للكونغرس هذا العام: "من تحديد المشروع إلى التوقيع عليه، والبدء فيه وإكماله.. الصين أسرع وأرخص كثيراً من الولايات المتحدة في كل مرحلة تقريباً".

وتحاول الولايات المتحدة صد هذه المحاولات، ففي العام الماضي، وقع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي اتفاقية لتمويل مشاريع نقل وطاقة في أنغولا تتجاوز قيمتها المليار دولار.

The US, EU, & China are pursuing policies to diversify their import sources with varying degrees of success: The US has made some progress, but the EU & China have become more reliant on each other for imports since 2018. #PIIECharts
Read more: https://t.co/OxaunDViDE pic.twitter.com/5nbOkEk2Be

— Peterson Institute (@PIIE) September 14, 2024 استراتيجيات واشنطن وبكين

ولكن في ظل العجز الهائل في الميزانية الأمريكية، وعدم وجود اتفاقيات تجارية جديدة على طاولة الكونغرس، فسوف يصبح من المستحيل تقريباً على أمريكا أن تنافس العرض الاقتصادي الصيني.

إلا أنه بدلاً من ذلك، يضاعف الأمريكيون جهودهم فيما يجيدونه، فمع سعي إدارة بايدن إلى احتواء القوة الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عززت الولايات المتحدة علاقاتها الأمنية الإقليمية و"وضعت الكثير من النقاط على السبورة"، على حد تعبير مسؤول كبير.

وخلال سنوات حكم جو بايدن، فإن الولايات المتحدة عملت على تشديد معاهدة الأمن بين الولايات المتحدة واليابان، وإطلاق اتفاقية أوكوس الأمنية مع أستراليا وبريطانيا، وتعزيز العلاقات الأمنية مع الفلبين والهند، والتقارب بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.

ولكن الاستراتيجية الأمنية التي تنتهجها أمريكا لبناء نفوذها ربما بلغت حدودها القصوى. فالصين تستعرض عضلاتها حالياً في بحر الصين الجنوبي. وتهدد الاشتباكات العنيفة بين السفن الصينية والفلبينية باختبار مدى التزام واشنطن بالأمن.

وفي محاولة لاحتواء النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط وتأمين اتفاق سلام إقليمي، تدرس إدارة بايدن بجدية أيضاً تقديم ضمانات أمنية للمملكة العربية السعودية. ولكن هذا قد يزيد من الأعباء على القوات المسلحة الأمريكية، التي تعاني بالفعل من استنزاف التزاماتها في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ومع وصول الولايات المتحدة إلى حدود دبلوماسيتها القائمة على الأمن، فإن استراتيجية الصين القائمة على التجارة والاستثمار تواجه أيضاً مشاكل، خصوصاً وأن جهود الرئيس الصيني شي لإحياء الاقتصاد المحلي للصين، من خلال حملة تصدير متجددة تزعج العديد من البلدان النامية، التي تخشى تقويض صناعاتها المحلية.

وعلى سبيل المثال، رفعت إندونيسيا والمكسيك والبرازيل والهند وتشيلي مؤخراً التعريفات الجمركية على السلع الصينية، مما يسلط الضوء على ما أسماه المؤلف جيمس كرابتري "معضلة استراتيجية كبرى للصين، حيث تهدد السياسات المصممة لاستعادة اقتصادها المحلي بتقويض علاقاتها مع الجنوب العالمي".

صحيح أن الدعم الأمريكي لإسرائيل ألحق الضرر بالولايات المتحدة في الجنوب العالمي، وخاصة في البلدان الإسلامية، ولكن الصين دفعت ثمناً باهظاً لسمعتها في أوروبا بسبب دعمها لروسيا.

Amid the US's rising competition with the PRC, many developing nations believe that their interests better align with what Beijing is promising than with what DC is delivering.

John Lee explains how the US and allies should respond to this reality: https://t.co/1s9NOgqcTg pic.twitter.com/aaQlC90GrK

— Hudson Institute (@HudsonInstitute) September 10, 2024 نقاط إيجابية وأخرى سلبية

ويرى الكاتب، أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ليست كلها سيئة، وذلك فيما يتصل بالعديد من البلدان الثالثة. فدول مثل جنوب أفريقيا والفلبين والبرازيل تشعر بأنها تتمتع بقدر أكبر من الحرية لتحدي واشنطن أو بكين في ظل نظام ثنائي القطب.

ولكن حتى بالنسبة لدول عدم الانحياز، هناك سلبيات كبيرة للتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.

ويقول الكاتب إن "الحمائية وتقسيم الاقتصاد العالمي من شأنهما في نهاية المطاف أن يلحقا الضرر بالنمو الاقتصادي للجميع. والواقع أن سباق التسلح الجديد يشكل إهداراً للموارد ويزيد من خطر اندلاع حرب كارثية".

كما أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة، يجعل من غير المرجح كثيراً أن تعمل الدولتان معاً على مواجهة التحديات العالمية التي تهدد الجميع، مثل الذكاء الاصطناعي غير المنظم والاحتباس الحراري العالمي غير المقيد.

مقالات مشابهة

  • هل العنف السياسي غريب على الولايات المتحدة؟
  • تقرير: الصراع بين الولايات المتحدة والصين يضرّ العالم
  • استمارة المشاركة بجائزة الرؤية الاقتصادية لفئة الأمن الإلكتروني (مؤسسات-مشاريع)
  • اسوشيتد برس: حدثان يوضحان التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والعالم مع الحوثيين
  • رئيس البرلمان العربي: سيادة الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي
  • من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية
  • الولايات المتحدة تتجه إلى رفع مستوى سلاح الجو الإسرائيلي
  • الحزب القومي يبارك العملية النوعية للقوات المسلحة التي استهدفت يافا المحتلة
  • «الدبيبة» يدعو لمعالجة المعوقات التي تواجه المعهد القومي لعلاج الأورام
  • مناظرة هاريس - ترامب تكشف عن أهمية السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية