«تطوير ومعالجة النصوص والسيناريوهات»..هل هي ظاهرة صحية أم تهدد الإبداع؟
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
يقول الكاتب والأكاديمي د. شوقي المعري: «لا يزال الإنسان يبحث عن المكانة والمنزلة الرفيعة سواء في مجتمعه أم خارجه، والشهرة التي يتمناها كل شخص لا تتوقف ولا حدود لها، ولكن هل فكرنا كيف نصل إلى الشهرة؟ وهل عندنا مقوماتها؟، ويبدو أن شهرة الأدباء والفنانين مغرية أكثر من غيرها، ومؤخرا طفا على سطح المجتمع فئة من الأدباء والشعراء والكتاب الذين احتلوا الساحة، ساعدتهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فصار لدى البعض رغبة في الانتشار والشهرة، فلمَ لا أكون أديبا أو روائيا أو أستاذا جامعيا؟! ولفت نظري في السنوات الأخيرة العدد الكبير ممن يحملون الدكتوراة، وربما كانوا لا يحملون الثانوية، وممن سمى نفسه أديبا وهو لا يتقن اللغة، وممن صار شاعرا في زمن صار صف الكلام شعرا.
المعالج قاتل للإبداع
جورج عربجي كاتب درامي يوضح رأيه: بدايةً يجب تعريف كل من: الكاتب: صاحب الفكرة وكاتب السيناريو وهو الأب الشرعي للعمل. والمطور: من يرافق الكاتب بمرحلة الكتابة حصرا، وليس بعد الانتهاء منها وأسميه (الناصح) وبمرحلة الكتابة هناك عقل يعمل ومشاعر تُكتب وروح تُستنزف وهم دماغ ومشاعر وروح الكاتب، ولكن أين الخطأ إن كان هناك عقلان وشعوران وروحان يُستنزفان ليُخرجا النص بشكلٍ أبهى؟ مهمة المطور ليست بأن يكون شريكا للكاتب، وهو شبيه بالطبيب الناصح الذي يرافق المرأة الحامل طوال حملها ويعطيها النصائح من غذاء ودواء، ولا يجبرها على شيء، وفي النهاية لها الحرية أن تأخذ بها أم لا، ولا يُنسب المولود للدكتور. المطور شخص خبير بمجال السيناريو وتطويره، وكل ما يُدلي به يصب في مصلحة النص، ومن ثم بذائقة الجمهور، ولا ينوب عن الكاتب بكتابة مشهد أو فكرة واحدة، بل يطور فكرة ما موجودة أساسا بالنص الذي يُكتَب الآن، ويأخذ بيد الكاتب ليأخذا معا النص لأفضل مكان، وهذا يعني أن تتم العملية بالاتفاق مع الكاتب الذي يجب أن يتمتع بالمرونة الكافية والقناعة التامة، فكرة مسلسلي جميلة إن جاء أحد وأضاف عليها جماليةً فلِمَ لا؟ هذا لمصلحة النص أولا، وبالتالي لمصلحتي والمطوّر مفيد جدا كشريك بمرحلة العصف الذهني التي يقوم بها الكاتب بمرحلة الكتابة وما قبلها، المطور مهنة وليست صفة، مهنة معتمدة وبشدة في أكثر البلدان تقدما من ناحية السينما والتلفزيون. والمعالج: هو كوالدة الزوج النرجسية التي تمارس سلطة ليست من حقها وتتعدى حدودها في أغلب الأحيان في التدخل في مرحلة ما بعد الولادة، هو كاتب لا يمتلك موهبة الإبداع يقرأ نص، (وبسبب موقعه ووظيفته بشركة الإنتاج) يجب عليه أن يضع ملاحظات سلبية وأن ينقلها للمعنيين بالإنتاج وتأخذ بها لثقتها به وبفصاحته بالكتابة الفصحى (والفصحى ليست مقياسا للإبداع) وتوكل إليه بعد إقناعهم بالسلبيات مهمة المعالجة، وتشعر الشركة أنه يحتاج لبعض التعديلات والحل بيد المعالج الذي تدفع له راتبه الشهري وسيحمل العمل اسمها؛ وبرأيي المعالج هو قاتل للإبداع إن كانت (الأنا) لديه مرتفعة لأنه يضر بالعمل ككل، وببساطة لو كان يمتلك موهبة الإبداع كالكاتب لأصبح كاتبا يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه كمعالج. إن رافق المعالج الكاتب ببداية العمل فقد أصبح إسمه مطورا، ولكن مهنة التطوير تحتاج لعقلية مختلفة عن عقلية المعالج، فالمطور ليس لديه عقدة الكاتب الذي لم يأخذ فرصته، بل هو (كطبيب) مستمتع جدا بمهنته بمشاركة الإبداع الذي أبدعه كاتب النص؛ وعليه إن رافق المعالج الكاتب في مرحلة الكتابة هذه أشبه بالوقود والنار لن تؤدي إلا أن يحترق العمل والإبداع قبل أن يبدأ، وبالمناسبة أنا لا أتكلم عن تجربة شخصية أتكلم بنظرة موضوعية ورأي شخصي بحت.
أغلب شركات الإنتاج الكبيرة زالت منها وظيفة المعالج لعدم فاعليتها؛ أما مهنة المطور الحديثة فأصبحت معتمدة على اقتناعها بأن الأمرين مختلفان كليا وهذا يأخذنا إلى أن الدراما وصناعها متجهون للتطور لا التراجع وهذا مبشر.
وإن نظرنا لمعنى المُسمَّيين سنجد أن صفة المطور صفة إيجابية من حيث المعنى، وصفة المعالج سلبية، وكأنَّ النص مريض ويحتاج لعلاج. أما إن كان النص منتهيا ويحتاج لبعض التعديلات المحقة لا يجب أن ننسى أن هناك مخرجا ورؤية مخرج.
المال يشتري فقر الكاتب
يسرد الكاتب الروائي حسين عبد الكريم توصيفه لهذه المسألة بالقول: «الكتابة إبداع يخص روح وتجربة الكاتب، والمبدع الحق لا يسوق قطيع مفرداته إلى أي نبع لغوي. الكتابة عزف على أعصاب التأملات ودراية بفنون العواصف، والعلاقات الوجدانية تتعكز على الفطرة النبيهة ثم تتقوى بالهموم والثقافة وروح الحنين والحياة.
الكتابة حقيقة وجدانية وسطوع فكري... تأليفات تلوذ بالدهشة وتنشر البهجة عكس ما يحصل في العصر المتورط بعولمة التفاهات بدل القناعات.
وأحيانا المال يشتري فقر الكاتب، ولكن لا يوجد مبدع بالوكالة عن مبدع، أو لغة بالوكالة عن لغة، العواطف مزاجية والحبر مزاجي ولا يصح استبدال هذا بذاك.
أقدار الكتابة شخصية وكذلك أمزجة الحبر وعواطف الحب والأحزان تلوذ بالدهشة وتهدي الدهشة، ولا يمكن لكتابة أن تهدي حالها لغير حال، عمليات التشويه النسوية التي يسمونها زورا عمليات تجميل، مثل عمليات الكتابة عن الكتابة، تجميل كتابة ضئيلة بكتابة جميلة تتشوه الأمزجة حين تترخص بحالها الأحوال.
وأخشى على لغتي أن تتنفس خطأ غير هوائي، الحاجات المريرة ترغم عقل الواقع على البؤس والخرف لكنها تبقى حاجات واقعية ضارية ولا يمكن تسميتها إبداعا أو كتابة أو فنا، أنها صرعات الحاجات المادية وتسويق العيوب. الكتابة حب بسيط بهيج كالينابيع الجبلية لا يمكن شراء أمزجتها بالمال. أما كتابة السيناريو فهي فن حسابي كتفاصيل الألبسة الجاهزة، أنه مشادات كتابية بين التمثيل والصورة والتقسيمات الأخرى. ويختلف مزاج الكتابة الأدبية عن كتابة السيناريو... ليس عبئا أو عيبا أن يتعاون السيناريو مع روح الرواية، أما أن يكتب كاتب نيابة عن كاتب فهذا عيب.
المرأة تقلد التشويه، والمال يشتري الكتابة ويبيعها، دور النشر عملها تسويقي، هناك امرأة تكتب قليلا موهبتها قليلة وتتعكز على خبرة الآخرين ومواهبهم، لا يمكن اعتماد موهبة على موهبة، وهنا تكمن ضحالة الإبداع».
أمر إيجابي برضا الطرفين
يصف الكاتب والإعلامي عمر محمد جمعة الموضوع بطريقته: «إذا سلّمنا بأن بعض الكتّاب والمؤلفين يجهلون بعض القضايا والمسائل التي تتعلّق بالمستوى الفكري واللغوي والفني للنص المكتوب، فإنه سيغدو مبررا -برأينا- أن يتدخل كاتب آخر في تقييم وتقويم وترميم مواطن الضعف، ولا بأس في ذلك، وربما في زعمنا هذا إيجابي بين الأصدقاء الذين يعملون في الحقل ذاته، على ألا يؤدي ذلك إلى استمراء الاتكالية عند الكاتب الأصلي، فما سيفعله الصديق أو الزميل هو تحرير النص من بعض الهنات والتكرارات أو الحشو أو الفائض السردي وتصويب الأخطاء السياقية واللغوية، وشدّ البنية الفنية للنص القصصي أو الروائي أو السيناريو المستهدف، في حال كان يطغى الترهل على هذه البنية. الكثير من دور النشر والمؤسسات الثقافية، وبعض شركات الإنتاج الفني، تسعى إلى هذا الفعل في سبيل تقديم محتوى جيد جدا يرضى عنه ويقبله المتلقي، وتستعين لتحقيق هذا الهدف بكتّاب ومحرّرين ذوي كفاءة وخبرة، ولاسيما عندما تُقدم لها نصوص تحتاج إلى إعادة كتابة، أنجزها كتّاب محدودو الموهبة أو قصيرو النظر في بعض المواضع.
على أنه لا مشروعية لأي مؤسّسة ثقافية أو دار نشر التدخل في النص وتغيير بعض ترسيماته ومقولاته، بما يتطابق مع أهدافها وسياساتها دون مشورة الكاتب والرجوع إليه والحصول على موافقته المكتوبة، الأمر الذي يحدث كثيرا في شركات الإنتاج الفني أو الدرامي من تدخل في بناء ومحاور وشخصيات السيناريو المكتوب، والتسبّب بخلافات كبيرة قد تصل إلى القضاء بين الكاتب والشركة المنتجة.
أعود وأكرر بأن الأمر إيجابي ومشروع برضا الطرفين الكاتب والكاتب المطور أو المحرر الذي يمتلك رؤية أوسع وأشمل، وهذا في زعمي في مصلحة النص وجودته أولا ومصلحة الكاتب الأصلي ثانيا كي ينتبه ويسعى إلى تطوير أدواته الفكرية والفنية واللغوية».
الإبداع جهد فردي
يعتبر الناقد والكاتب احمد هلال هذا الموضوع أنه «ظاهرة ليست جديدة في المشهد الثقافي لا سيما الغربي الذي ارتبطت داخل أروقته الأكاديمية والبحثية بظاهرة أخرى أكثر شيوعا هي ظاهرة الظل أو الكاتب الشبح، وأصبحت مهنة بذاتها، وأمثلة ذلك في نوع السير الذاتية والمذكرات السياسية لزعماء عالميين، لكن الفارق هنا إن ذلك يتم باتفاق مسبق دون إعلان اسم الكاتب أو المحرر الذي يكتفي بمكافأة مادية فقط مع ما يرافق هذه الظاهرة من مفارقات في ذلك المشهد، فالكاتب الخفي سينطوي سلوكه على مفارقة للأخلاق ولمفهوم الأخلاق، وهذا ما سيعكس ذاته بضروب من التغييب القسري للمؤلف الحقيقي، وفي مشهدنا الثقافي العربي يجب أن نميز هنا بين مسألتين الأولى تحرير النص وصياغته بالاتفاق مع الكاتب وبعلمه المسبق، والأمر الثاني الاكتفاء بالمكافأة التي تمنحها دور النشر اعتمادا على صمت الكاتب الخفي أو مطور النص الذي يضع خبرته وثقافته لغيره.
والاستعانة بكاتب أخر لإنجاز رواية أو مجموعة قصصية لا ينطوي بالأغلب الأعم على مفهوم الإبداع وفرديته، لأن الجهد الحقيقي هو لكاتب الظل الذي يعيد التأليف بأسلوبيته وما يخصه هو أكثر مما يخص كاتبا ناشئا، فالإبداع هو جهد فردي بالمحصلة لا ينمو ويتطور إلا بالتفاعل والحوار بعد الإنجاز وليس قبله، ومشهدنا الثقافي يعج ببعض هذه المفارقات فيه، وبعض دور النشر تتقصد الربحية واستثمار الشهرة على حساب جودة النص وقيمته، وما يؤسف في هذه الظاهرة اختلاط الأصوات واعتباطية التجارب التي لا تضيف بقدر ما تربك، للجهد الفردي أهميته ودلالته من العسير هنا أن ينجح صاحب الموهبة الفقيرة في إثبات هويته المبددة ما لم يكن هو صاحب الإبداع اسما وهوية، والصحيح أن يظهر صوت المبدع الحق وخبرته وأصالته، وهذا ما سيبقى بعيدا عما تمارسه بعض دور النشر في سياساتها واستراتيجياتها، فالمعنى الأوسع للاستعانة هو بجلاء الأصوات القادرة على إنجاز تجربتها سلبا أو إيجابا لا الاتكاء على أصوات أخرى من شأنها أن تبدد مفهوم الإبداع، وإذا قيل جهرا أو مواربة بأن ثمة من يكتبون لكاتبات أو كتاب فذلك ليس شائعا بل هو محدود ويتلاشى ولا جذور له في مشهدنا الثقافي المركب والمختلط حيث لا اعتداد بالكم على حساب الكيف أو ما يسفر عنه الكم من نوع أصيل، وهنا نقول: إن مفهوم الاستعانة له سياقات ضيقة لا تخفي جهود كتاب حقيقيين ما زالوا يمتلكون صنع الفارق في هذا المشهد.
ثمة مسؤولية أخلاقية ومعرفية برسم سلبية هذه الظاهرة أي مقاربتها موضوعيا كشفا لآثارها وتجلياتها من أجل وعي ثقافي لا يحتفي بهذه الظواهر وإقصائها عن الواجهة».
احتيال أخلاقي ونجاح مزيف
تقول الكاتبة والإعلامية أماني المانع: «الكتابة كالحب، لا ندري لماذا وقعنا به؟ ولماذا نحتاجه؟ ولا نعرف سر ميلنا نحوه، وإنما ننساق إليه دون أن ندري فهل يستطيع شخص آخر أن يحب عوضا عنا؟ وهل يمكن للذكاء الصناعي أو لتطبيق أو برنامج أن يعيش مشاعرنا ويفسرها ويترجمها لأفكار وكلمات؟ في الكتابة هناك شعور لا يخضع لمنطق المحرر الأدبي، وهناك صرخات ألم أو نداء لا تنطلق إلا من قلب كاتب النص نفسه بعد أن أحكم كتمه، ومثلما يكون إخفاء ذات الكاتب أمرا يكاد يكون ضروريا، فإن ظهور ذات الكاتب بوضوح كامل في النص أحيانا يجعل الكاتب ونصه يتكاتفان معا للوصول لفكر القارئ ومخيلته وعواطفه، والكاتب ربما كان أقدر القراء على معرفة أن هذا النص لم يكتبه صاحبه من خلال الهفوات التي تبدو في ربط الأفكار بروابط لغوية متعددة، اعتماد حجج وبراهين مناسبة لإقناع المتلقي بوجهة نظر الكاتب، ويبدو الأمر جليا أكثر في استخدام المحرر الأدبي وإعادة الصياغة عبر تقنيات الذكاء الصناعي الحديثة التي يمكن أن تعمل مع النصوص دون أي تعقيد تقدم النص نفسه بكلمات مختلفة دون فقدان معنى النص نفسه لكن بفقدان الروح فيه، فيكاد يكون من المستحيل إيجاد لمسة إنسانية أو أسلوب فريد وجذاب، كما أن الكتابة بواسطة هذه التقنيات تعتمد على المنهجية نفسها، وغير قادرة على استخدام الفروق الدقيقة في اللغة التي تربط بين أجزاء المحتوى وتجعله مميزا بأسلوب كاتبه، على الكاتب أن يستشعر المسؤولية عن هذا القلم، وأن يتحرى أكثر درجات الموضوعية والصدق مع نفسه ومع غيره من الكتاب والقراء... ففي استخدام كاتب آخر أو محرر أدبي لكتابة عمل أدبي نوع من الاحتيال الأخلاقي لن يصل بصاحبه إلا إلى ما يسمى بالنجاح المزيف».
العملية تشاركية ومثمرة
من أجل إلقاء الضوء أكثر على هذه المهنة أخذنا رأي الكاتبة صبا منذر حسان التي تعمل أيضا بصفة محرر أدبي فقالت:
«الكاتبَ المتمكّنَ لا يستعينُ بمحرِّر لكي يرفعَ شأنَ لغتِه أو يضفي عليها نفحةً من الإبداع الذي من المُفترَضِ أن يكونَ موجودًا لديه. حاليا، أصبحَ المحرِّر عنصرًا مهمًّا جدًا في دور النّشر، بسبب رغبة كثيرٍ من الناس في أن يصبحوا كتّابًا من دون أن تكون لديهم ملكةُ الكتابة الإبداعيّة، فقد يكونُ إسهامُهم في الكتاب أو القصص أو الروايات مقتصرًا على الفكرة، أمّا المحرِّرُ فيقَع على عاتقِه بناءُ النصّ كاملًا وَفق تلكَ الفكرة، وهذا التعاون قد يكونُ مثمرًا؛ إذ إنّ بعضَ الناس لديهم فِكَرٌ إبداعيّةٌ أو حبكاتٌ غريبةٌ لكنّهم يفتقرون إلى اللّغة الأدبية المتمكّنة، لذا يستعينون بالمحرّر الذي -بحسب رأيي- هو شريكُهم الإبداعي الذي من المفترض أن يكون معروفًا للقارئ. وهنا، لا يمكننا أن نهمّشَ صاحبَ الفكرة الإبداعيّة، فهو مبدعٌ لكنّه محتاجٌ إلى محرِّرٍ يصوغ أفكارَه كلماتٍ.
أمّا مقدارُ تدخّل المحرّر في النص، فيختلفُ باختلاف نوع الكِتاب؛ وبحسب مستوى العمل الأدبي، فبعضها تحتاجُ إلى إعادة صياغةٍ عامةٍ إضافةً إلى التدخلِ في حبكتها التي تكونُ غيرَ شائقة؛ لكنّ هذا التدخّل الكبير يحتاجُ إلى موافقة الكاتب أولًا، وهنا، يمكننا القولُ: إنّ المحرّر يؤدّي بدايةً دورَ النّاقد، فينقد النصّ مبيّنًا مواطن قوّتِه وضعفِه، ثمّ يعرضها للكاتب الذي له الحق في أن يرفض أو يقبل، وفي النّهاية، يعمل المحرّر وَفق رغبةِ الكاتب، فإمّا يحرّر النصّ تحريرًا عاديًّا (إعادة صياغة النصّ) من دون أن يتدخّل في الأحداث، وإمّا يحرره تحريرًا عميقًا به ينسج خيوط حبكته على وَفق ما يراهُ مناسبًا ومشوِّقا، وقد يُعطى الكاتبُ تلكَ المهمّةَ بإشراف المحرِّر، وهناك أعمالٌ أُخَر كُتبت بحبّ ولغةٍ جميلة لكنّها تحتاجُ إلى إعادة نظرٍ فيها؛ فقد يكون فيها حشو أو إسهاب لم ينتبه لهما الكاتب، فيطلب من المحرّر التدخل في هذه الأمور ليس غير.
ولا أجدُ أن الاستعانة بالمحرِّر تؤثّرُ سلبيًّا في المشهد الثقافيّ، فهو مقوِّمٌ ومسهمٌ في إخراجِ عملٍ أدبيٍّ جميل للقارئ ليس بجهودِه وحدَه بل بجهودِ الكاتب أيضًا؛ فالعمليّة هنا تشاركيّةٌ ومثمرةٌ. لكنّ الحالة الوحيدة التي يمكنُ أن يكون تأثيرُها سلبيًّا، هي أن تكونَ فكرةُ الكِتاب بلا قيمة، حينها، حتّى إن ارتقى المحرّرُ بالمستوى اللّغوي، فإنه لن يستطيع أن يغطي رداءة المضمون، لأنّهُ خالٍ من أيّ فائدة تُذكَر».
ضرورة لإنقاذ الكتب من عبثيتها
وللتعرف أكثر على هذه المهنة من داخل مطبخ الناشر التقينا أيمن غزالي مدير دار نينوى للنشر حيث قال:
«مهنة المحرر الأدبي تم استحداثها في الدار منذ ثماني سنوات حيث أن إنجاز الكتاب وتصديره مسألة معقدة وتحتاج إلى عناية واهتمام وانتباه ووقت حتى يصدر
ومن هذه الأشياء مسألة التدقيق والتحرير ليستوي النص بالشكل المطلوب الذي يجعل منه كتابا مضبوطا من حيث المضمون والشكل. ويضيف أيمن: إن عمل المحرر الأدبي عندنا لا يقل بجوهره عن الكاتب إذ إن مسألة تحرير نص أدبي أو مذكرات أو كتب أكاديمية، وقد لا يكون لدى المؤلف الوقت أو الدراية أو اللغة التي يستطيع من خلالها ضبط النص لإيصال الفكرة والجوهر بشكل واضح وصريح لذلك يلجأ أغلب الكتاب وخاصة في الغرب للمحرر حيث تكون مهمته تدقيق وإخراج النص بشكله الصالح للطباعة وهو أمر طبيعي ويوجد علاقة طيبة بين الكاتب والمؤلف ويذكر اسم المحرر بشكل صريح في الكتاب.
في الوطن العربي تعتبر هذه المهنة جديدة، ويعتبر الكاتب العربي نصه مقدس ولا يحتاج إلى أي شيء رغم وجود مشاكل كثيرة سواء في الصياغة أو المعلومات أو اللغة، وعندما يدفع بكتابه للنشر لا يتحرر من نصه ولا يعتبر المحرر الأدبي شريك له في النجاح. ويشير غزالي إلى أن وجود المحرر الأدبي يعتمد على مهنية دور النشر التي لم تعد تقبل بإصدار كتب مخالفة للمواصفات العالمية بالشكل والمضمون لذلك لجأنا في البداية للمدقق والذي ساهم بشكل جيد بتحرير النص وضبطه لعدم وجود مهنة محرر أدبي سابقا، لكن مع الوقت أوجدنا متخصصين، وأصبح الكتاب مقتنعين بالشراكة مع المحرر الأدبي لإنجاز النص بالشكل المطلوب.
ويؤكد غزالي أن دار نينوى كان لها دور مبكر في هذا المجال وأن المسألة ليست سهلة لكنها لا تزال في البدايات ونأمل تطورها لأنها ضرورة ملحة لإنقاذ الكتب من عبثيتها، ونقوم بذلك بالاتفاق مع الكاتب لمعالجة وضبط النص والجمل والربط واللغة ولا يتعدى أكثر من ذلك، وأحيانا يتدخل في الحذف والإضافة واللغة لكنه لا يتدخل في السرد والفكرة الأساسية إلا نادرا. وما زالت المهنة في بداياتها ولم يتعرف بعد المحرر الأدبي على دوره الأساسي في النص، لكنه يقوم بواجبه تماما، ونتمنى أن تتبلور المهنة أكثر لفائدة كل الأطراف وعلى الكاتب أن يفكر بأن مهنة التحرير ليست اعتداء على نصه».
أكثر من محرر
ليس بعيدا عن تلك التسميات التي ذكرناها في بداية التحقيق، هناك من يلجأ لهؤلاء كي يقوم له بحياكة عمله الأدبي مقابل مبلغ مالي متفق عليه على أن يتوارى كاتب الظل وراء حجاب، ولا يفشي السر لكون هذا الباب مصدر رزق له، ومن واجبه وحفاظا على تقاليد مهنته أن يحفظ السر ولا يعلن عن نفسه، إلا في حالات اضطرارية قد تصل إلى الابتزاز أو التهكم مثلا، وهذه من الحالات التي تهدد مسيرة الأدب بشكل عام حيث يتسلق أدعياء الأدب متسلحين برواية من هنا أو ديوان شعري من هناك، أو عملا ما ينسبه لنفسه مقابل حفنة من الدراهم المعدودات. هناك من يشير بأصابع الاتهام إلى النساء اللاتي يقمن بهذا العمل، في حين يتناول البعض في مجالسهم بعض الرجال ممن استعانوا بغيرهم للوصول إلى هذا المجد الأدبي الزائف، وغاية الاثنين ربما بعض الشهرة أو الوصول لمكاسب آنية، ولكن الغش سرعان ما ينكشف مادام فيه طرفان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دور النشر فی النص أن یکون المحر ر تحریر ا لا یمکن ر الذی إن کان ر النص الذی ی
إقرأ أيضاً:
«ديب سيك» مقابل «شات جي بي تي».. أيهما الأفضل وكيف تستخدمه؟
تطورات متسارعة يشهدها عالم الذكاء الاصطناعي على الساحة العالمية؛ إذ تظهر من يوم لآخر أدوات جديدة تغير طريقة التعامل مع التكنولوجيا واستخدامها، ومن بين هذه الأدوات، يبرز كل من «شات جي بي تي» الأمريكي و«ديب سيك» الصيني كأحد أبرز الأمثلة على نماذج اللغة الكبيرة التي أحدثت ثورة في الفهم والقدرة على معالجة النصوص، ومع هذه المنافسة، زاد التساؤل: أيهما أفضل؟ وكيف يمكن استخدام كل من النموذجين والاستفادة من قدراتهما؟
نموذج «شات جي بي تي»يعد «شات جي بي تي» نموذجًا لغويًا ضخمًا تم تطويره بواسطة شركة «OpenAI» الأمريكية، ويتميز بقدرته على فهم اللغة الطبيعية وتوليد نصوص تشبه النصوص البشرية بشكل كبير، ويمكن استخدامه في مجموعة متنوعة من المهام، مثل:
- المحادثة: يمكن لـ«شات جي بي تي» إجراء محادثات طبيعية مع المستخدم، والإجابة على أسئلته، وتقديم المعلومات.
- الإبداع: يمكنه أيضًا تقديم مهام إبداعية من خلال توليد نصوص جديدة، ومن هذه المهام كتابة الشعر، إنشاء القصص، تأليف الأغاني، وكتابة السيناريو.
- الترجمة: يمكن لـ«CHAT GPT» ترجمة النصوص من وإلى لغات مختلفة.
- التلخيص: يمكنه تلخيص النصوص الطويلة وتقديم ملخصات موجزة.
نقاط القوة والضعف لـ«شات جي بي تي»وحسب ما أوضحته الدكتورة أسماء سعد، مدرس بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي جامعة مدينة السادات وعضو المدرسة العلمية البحثية المصرية، خلال حديثها لـ«الوطن»، يتميز «CHAT GPT» ببعض نقاط القوة، وهي:
براعة في المحادثة: يتفوق «شات جي بي تي» في فهم اللغة الطبيعية وإنتاج استجابات شبيهة بالبشر؛ ما يجعله ممتازًا للمحادثات غير الرسمية والإبداعية. تنوع الاستخدامات: يمكن استخدامه في كتابة النصوص، وترجمة اللغات، وتوليد الأفكار، والإجابة على الأسئلة، وغيرها من المهام المتنوعة. شهرة واسعة: يتمتع «شات جي بي تي» بشهرة واسعة؛ ما يعني وجود مجتمع كبير من المستخدمين والمطورين والكثير من الموارد التعليمية المتاحة.ورغم كل هذه المميزات والخدمات الواسعة التي يقدمها «شات جي بي تي» لمستخدميه، فإنه يعاني بعض نقاط الضعف، وهي:
عدم دقة المعلومات: قد يقدم معلومات غير دقيقة أو متحيزة، لا سيما في المواضيع المعقدة أو المتخصصة. التحيز: قد يُظهر تحيزًا في استجاباته بناءً على البيانات التي تم تدريبه عليها. محدودية المعرفة: قد لا يكون على دراية بالأحداث الجارية أو المعلومات الحديثة. نموذج «ديب سيك»«ديب سيك» هو نموذج لغة كبير آخر يتميز بقدرته على فهم اللغة الطبيعية، ومع ذلك، يركز «ديب سيك» بشكل خاص على:
- تحليل البيانات: يمكن لنموذج «ديب سيك» تحليل كميات هائلة من البيانات النصية واستخلاص رؤى قيمة منها.
- البحث العميق: يمكنه أيضًا البحث في قواعد البيانات الضخمة وتقديم إجابات دقيقة وشاملة لأسئلتك.
- البرمجة: يمكنه فهم الأكواد البرمجية وإنشائها وتصحيحها.
نقاط القوة والضعف لـ«ديب سيك»ويتميز «DeepSeek» ببعض نقاط القوة، وهي:
دقة المعلومات: يركز «ديب سيك» على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة، ويستخدم مصادر موثوقة للتحقق من صحة المعلومات. التركيز على البحث: يتميز «ديب سيك» بقدرته على البحث عن المعلومات وتقديمها بطريقة منظمة وسهلة الفهم. التحليل: يمكن لـ«ديب سيك» تحليل المعلومات وتقديم رؤى جديدة.ورغم الظهور القوي والمفاجئ الذي حققه نموذج «ديب سيك» وإمكانياته الهائلة، فإنه يعاني بعض نقاط الضعف، وهي:
محدودية القدرة على المحادثة: قد لا يكون «ديب سيك» ببراعة «شات جي بي تي» نفسها في المحادثات غير الرسمية. قلة الموارد: لا يزال «ديب سيك» جديدًا نسبيًا، وقد لا يتوفر له القدر نفسه من الموارد والدعم الذي يتمتع به «شات جي بي تي». الأفضل بين «شات جي بي تي» و«ديب سيك»لا يمكن القول بشكل قاطع إن أحد النموذجين أفضل من الآخر؛ فكلٌ منهما يتميز بنقاط قوة فريدة؛ فيعد «شات جي بي تي» مثاليًا للمحادثات الإبداعية والتطبيقات التي تتطلب فهمًا عميقًا للغة الطبيعية، بينما يعتبر «ديب سيك» مناسبًا للتطبيقات التي تتطلب تحليلًا متقدمًا للبيانات والبحث العميق، ولذلك يعتمد اختيار الأفضل بين «شات جي بي تي» و«ديب سيك» على احتياجات المستخدم؛ فإذا كان يبحث عن محادثات ممتعة وإبداعية، فقد يكون «شات جي بي تي» هو الخيار الأفضل، أما إذا كان بحاجة إلى معلومات دقيقة وموثوقة، فقد يكون «ديب سيك» هو الأنسب.
كيفية استخدام «شات جي بي تي» و«ديب سيك»يمكن الوصول إلى «شات جي بي تي» لاستخدامه من خلال موقع «OpenAI» أو من خلال تطبيقات أخرى تستخدم تقنية «GPT»، كما يمكن أيضًا الوصول إلى «ديب سيك» من خلال موقع «DeepSeek» أو من خلال واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بهم.
وهناك بعض التعليمات التي يُفضل اتباعها عند استخدام «شات جي بي تي» أو «ديب سيك» للحصول على النتيجة المرجوة أو أقرب نتيجة لها، أهمها الوضوح في الطلب؛ إذ كلما كان الطلب أكثر وضوحًا، كانت النتائج أفضل، كما يُفضل تحديد المعلومات التي يتم البحث عنها، وأيضًا استخدم الكلمات المفتاحية ذات الصلة بالموضوع للحصول على نتائج أكثر دقة، وفي النهاية لا بد من مراجعة النتائج والتحقق من دقة المعلومات التي يقدمها كل من «شات جي بي تي» و«ديب سيك» وعدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل؛ إذ أنه ليس مثاليًا أو دقيقًا بشكل كامل، بل أحيانًا كثيرة يرتكب أخطاء.