لجريدة عمان:
2025-04-19@19:23:13 GMT

هل قلوبنا كبيرة .. فعلا؟

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

يتحدث الناس كثيرا عن القلوب، وينيخون رحال ركابهم التي أعياها السير على مشارف هذه القلوب «الحاضرة الغائبة» وأصفها بهذا الوصف، لأنها أعضاء غير ملموسة، وبالتالي فهي غائبة، ولأنها تعقد عليها كل هذه الآمال فهي حاضرة، وبين هذا الحضور والغياب تعيش قصة إنسانية متسلسلة منذ ذلك الزمن البعيد، حيث النشأة الأولى، وإلى يومنا هذا، والحال لا يزال يراوح مكانه، ولا تزال الآمال منعقدة على أن تكون القلوب هي الملاذ الأخير لـ(تجاوز الزلات، التغاضي عن الأخطاء، غفران الذنوب، العفو عند المقدر،ة مسح الدموع الهاطلة من أثر الندم، اتساع الأحضان بعد طول غياب، ميلاد عمر جديد، بدأ مرحلة أكثر آمانا عما كان) وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فالقلوب تتسع، ألم نقل لآخر: أنت قلبك كبير؟

من جميل ما قرأت: «قلوبنا كبيرة ولكن لا تستهينوا بحجم أخطائكم فالبحر لا يحمل السفينة إن ثقبت»- انتهى النص - حيث تلعب الضنية هنا دورا كبيرا، لأنه من الغباء أصلا أن يتوقع أحدنا أن مجموعة الأخطاء والمآسي التي يرتكبها في حق الآخرين سوف «تذروها الرياح» ومن اعتاد ألا يلمس إلا الصمت من أي طرف آخر يتعامل معه، فليس معنى ذلك أن الطرف الآخر يستنشق عطر المباهج، وهو يتلقى ضرباتنا القاسية بصمت، فكل تغريدة تكون خارج السرب -والسرب هنا المساحة الآمنة للتفاعل- هي بلا شك تقضي على الأخضر واليابس، وتوسع دائرة تخزين التحمل، ومعنى هذا أن الحالة معرضة للانفجار، ومتى يحصل الانفجار، فعلينا ألا نتفاجأ مما حدث، لأن مساحة التفاعل المتاحة بين الطرفين قد امتلأت بما فيه الكفاية، وحينها آن الأوان أن ترسو السفينة على رصيف الذكريات، فهذا يكفي، لأن في الخطوة التالية، لبناءات جديدة في العلاقة معناه انتحار.

عندما نشاهد حالة التشنج بين طرفين متنازعين، فإن ذلك يعبر عن كمية المخزون القاسي الذي تحمله القلوب «الكبيرة» وليست المسألة فقط مرتبطة بالحالة الصدامية تلك، والناتجة عن خطأ جسيم وقع في تلك اللحظة الزمنية، فالزمن بدوره يقوم بمعالجات نفسية كثيرة، حيث يستنجد دائما بصديقه «النسيان» والحالات النفسية تهدأ مع تحقق هذا النسيان وتسيده على الموقف حيث يأمل الجميع أن تكون «سحابة صيف» وهي الغطاء الذي يوفره طول الزمن، ولكن هذه المعالجات التي يقدمها الزمن مع أهميتها لن تستطيع أن تكون بديلا مطلقا لما تختزنه القلوب، ولذلك يتم استدعاء كل الأرصدة في لحظات النزاع الحرجة، ولعل الصدمة تصل ذروتها هنا، لأنه يتوقع كل طرف من الآخر، قلبه كبير، وأن ما حدث قد طواه الزمن، ولم يعد له أثر، والحقيقة أن الزمن معالج نفسي في بعده الأفقي، وهذا البعد الأفقي يسيرا تكونه، وإزالته في آن واحد، لكن ما تختزنه القلوب يلعب على الوتر العمودي، وهذا ليس بالأمر اليسير اقتلاعه، فاقتلاع الأعمدة يحدث كثيرا من التشققات الجانبية، ويؤثر بصورة مباشرة على كل الجوانب المحيطة، وبالتالي فالقلوب الكبيرة على الرغم من أهميتها في إيجاد مساحة للنور، إلا أن ما تختزنه - بناء على كبرها - يوجه دفتها في لحظات التصادم القاتلة حيث يتم استدعاء كامل الرصيد لتعزيز موقع الدفاع.

تحدث مغازلات كثيرة لاستمالة القلوب على أنها كبيرة، ولا يمكن أن تعصف بها الزلات الصغيرة، وينسى هؤلاء المغازلون أن الزلات الصغيرة لا تقف عند حد، بدءا من كلمة جارحة، غير محسوبة، أو موقف يراد منه «الفرفشة» وأحيانا حتى نظرة مصوبة تجاه حركة معينة، يجعل من اتساع القلوب ضيق وكدر، فلتهنأ القلوب الكبيرة إن استطاعت تجاوز معضلات حامليها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عندما تكون الجغرافيا قدرك


د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

استضافت سلطنة عُمان المحادثات الأمريكية الإيرانية يوم السبت الماضي بشأن برنامج إيراني النووي وملفات أخرى عالقة بين الطرفين تلافيًا للتصعيد في المنطقة التي نعيش فيها، والتي لا تحتمل مزيدًا من التوترات الإقليمية.

ورغم أنّ عُمان احتضنت سابقًا تلكم المحادثات في عام 2015 والتي توجت بالاتفاق النووي؛ إلا أنّه بعد مضي ثلاثة أعوام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من هذا الاتفاق؛ مما أجّج التوترات مجددًا بين الجانبين، وعودة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي. ومنذ ذلك التوقيت وحتى اللحظة أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن، وازدادت احتمالية انفجار الأوضاع فيها بسبب زيادة وتيرة السباق النووي خاصة بعد الظروف السياسية والعسكرية المُلتهبة في المنطقة.

بيد أنّ السؤال الجوهري والذي يفرض نفسه وبقوة لماذا تستضيف عُمان هذه المحادثات مجددًا؟ حقيقة لا مراء فيها أنّ عُمان تعي تموضعها الجغرافي جيدًا، وفي ذات الوقت تتكئ على إرثها التاريخي، وعمقها الحضاري وبالتالي تمثل هذه الأبعاد منطلقات أساسية في الدبلوماسية العُمانية. ولا ريب أنّ هذا الموقع كان سببًا رئيسًا لتنافس القوى الإمبريالية على مدار التاريخ لتجد لنفسها موطئ قدم للسيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها. ومن جانب آخر ساعد الموقع على التأثير الواضح على الشخصية العُمانية فخلال آخر ثلاثة قرون زار عُمان العديد من الرحالة والدبلوماسيين والسياسيين الأجانب الذين وصفوا العُمانيين بالتسامح والمودة وكرم الضيافة.

وبحكم موقع عُمان الجغرافي تمثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية جارة شمالية لعُمان، وشرقية لدول الخليج العربية، وتعبر السفن من مختلف دول العالم قبالة المياه العُمانية وهي في طريقها إلى داخل الخليج العربي ذهابًا وإيابًا أو تلك المتجهة إلى الهند ودول جنوب شرق آسيا والصين. كما إنّ عُمان تُشرف على مضيق هرمز الذي يُعد واحدًا من أهم الممرات البحرية العالمية وبخاصة تصدير النفط الذي يشكل حوالي 40% من النفط العالمي. ونتيجة لذلك ومنذ القدم شهدت هذه المنطقة صراعات دولية متواصلة وما زالت، وإزاء ذلك كان لسلطنة عُمان مواقف إيجابية مستمرة في عدم الانخراط في أي نزاعات أو حروب هذا من جهة، ومن جهة أخرى السعي دائمًا لإطفاء الحرائق التي تشتعل بين فترة وأخرى، وإخماد أية توترات قد تنشأ في هذا الإقليم.

ويؤكد موقع "الحرة" الإخباري الأمريكي أن "عُمان تتمتع بمكانة فريدة باعتبارها وسيطًا موثوقًا ومحايدًا في أزمات الشرق الأوسط، وهذا الموقف الوسطي ينبع من أنها لا مواقف ضد إيران وفي الوقت ذاته لا تتفق كلية مع المواقف الأمريكية". بينما تقول هيئة الإذاعة البريطانية BBC عبر موقعها الإخباري إنّ لعُمان علاقات دبلوماسية جيدة، وتعتمد الحياد والمصداقية في تعاملاتها الدولية، إلى جانب الاستقرار السياسي الداخلي.

ومن هنا ورغم ما يُثار أحيانًا في بعض الوسائل الإعلامية من همز ولمز، واتهام الدبلوماسية العُمانية بميلها نحو الكفّة الإيرانية؛ إلا أنّه لا يصح إلا الصحيح في النهاية، والسياسة العُمانية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومواقفها ثابتة لا تتزع قيد أنملة رغم العواصف السياسية، وبمرور الوقت تتبين صحة الرؤية العُمانية تجاه مختلف القضايا الإقليمية. وتأسيسًا على ذلك لا غرر أن تتجه الأنظار نحو كعبة السلام العاصمة العُمانية مسقط لاستضافة المفاوضات الأمريكية الإيرانية؛ إذ تبدو الثقة حاضرة في عُمان وحياديتها ونزاهتها من كلا الطرفين.

ومن المُؤمل أن تُفضي هذه المباحثات إلى نتائج إيجابية، وإيجاد حلول دائمة للملفات الشائكة حتى تنعم دول المنطقة بالأمن والاستقرار وهذا بطبيعة الحال سينعكس إيجابًا على الأمن والسلم العالمي.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • البطريرك إبراهيم إسحق في عظته بعيد القيامة: “القيامة رجاء حيّ يتجدد في قلوبنا كل يوم”
  • عندما تكون الجغرافيا قدرك
  • في قاعة المغادرين
  • "التنمية" تطّلع على تجربة "نادي القلوب العذبة" ببهلاء
  • أجمل رسائل التهنئة بمناسبة عيد القيامة المجيد
  • «وجعت قلوبنا وفراقك صدمة».. يسرا تنعى سليمان عيد
  • محمد ممدوح أفضل ممثل دور ثان في مهرجان جمعية الفيلم
  • محمد ممدوح أفضل ممثل دور ثاني في مهرجان جمعية الفيلم
  • 50 مليار نبضة قلب.. من مملكة القلوب إلى حضن العرب
  • نتنياهو يُسابق الزمن لإقالة رئيس الشاباك قبل هذا الأمر