سواليف:
2025-05-02@09:38:14 GMT

 أردني يروي معاناة نساء غزة في الحرب / تفاصيل صادمة

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

#سواليف

عمل مهند هادي، الذي يحمل الجنسية الأردنية، في منصب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية المعني بالأزمة في سوريا منذ العام 2020 بعدما قضى فترة من العمل لدى برنامج الأغذية العالمي. ومنذ يوم 12 نيسان/أبريل 2024، يتولى هادي منصب المنسق المقيم/منسق الشؤون الإنسانية في #فلسطين ونائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط.

وكان هادي في بروكسل في 10 أيلول/سبتمبر، حيث اجتمع مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي وقدم إحاطة صحفية في مقر مركز الأمم المتحدة الإقليمي للإعلام، وقدم شهادة مؤثرة للغاية حول الحالة الراهنة في #غزة والصعوبات التي يواجهها السكان والعاملون في المجال الإنساني.

وصرّح هادي بقوله: «ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يسبق له مثيل. والمعاناة التي يكابدها الرهائن منذ ما يقارب سنة ليست مقبولة. يجب إطلاق سراح الرهائن. وعندما نتحدث عن المعاناة الإنسانية، فنحن نتحدث عن معاناة الناس كافة. فينبغي ألا تلحق المعاناة بأي إنسان بسبب الحرب. ويجب ألا يعاني أحد بسبب السياسة الخاطئة. إننا، بوصفنا بشرًا، نتعامل مع النتائج التي تخلّفها السياسة الفاشلة.»

مقالات ذات صلة حكومة نتنياهو تعترف باستمرار حكم حماس في غزة وضراوة المقاومة 2024/09/13

«مثل #فيلم_رعب من إنتاج هوليوود»

كان السيد هادي، خلال زيارته الأخيرة إلى غزة في نهاية شهر آب/أغسطس، في دير البلح و #خانيونس مع منظمة الصحة العالمية من أجل الإعداد لإطلاق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال. «عندما اجتزتُ الحدود أول مرة، كان الأمر يشبه فيلم رعب من إنتاج هوليوود، من الدمار الذي شاهدته. بدا الأمر كما لو أنك تشاهد فيلمًا. تفقد إحساسك بالواقع في بعض الأحيان، ويصعب عليك أن تفهمه. وما إن تلتقي بالناس وتتحدث إلى النساء والأطفال، تعتمد طريقة مختلفة في العمل. ولكن الحالة مؤلمة حقًا.»

وتذكّر السيد هادي رجلًا التقى به في غزة، وكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ووصف الحالة بهذه العبارات: «عليك أن تنظر إلينا كما لو كنا مليونين من الموتى الأحياء ونعيش وحدنا. المجتمع المحلي محطم، والأسرة محطمة، والمجتمع محطم. جميع العلاقات محطمة.»

ويتزايد عدد #اليتامى الذين يعيشون وحدهم. «ثمة عدد يتراوح من 17,000 إلى 18,000 من الأطفال الذين ليسوا بصحبة ذويهم، والفتيان والفتيات يجوبون شوارع غزة دون أي حماية ودون مرافقة أفراد أسرهم. هل في وسعكم أن تتخيلوا الاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي؟ هل تستطيعون أن تتخيلوا ما يمرون به؟ إنه أمر مريع.»

« #النساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل ونقص الشامبو»

قال السيد هادي إن المياه النظيفة أو فنجانًا بسيطًا من القهوة أو الفطور: هذه الأشياء العادية غدت «أحلامًا» بالنسبة للسكان الفلسطينيين في غزة بعد مرور 11 شهرًا على اندلاع الحرب.

«ثمة أمور لا نستطيع أن نفكر فيها. الإحساس بالأمن. حقيقة أنكم تجلسون في هذه الغرفة دون أن يساوركم القلق جراء #قنبلة أو انفجار بجواركم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أقاربكم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أطفالكم وأفراد أسركم. هذا ليس متاحًا في غزة، هذه مشكلة تخص السكان في غزة.»

وأكد هادي أن إمكانية الوصول إلى حمّام لائق دون التعرض للمضايقات أو الاستغلال أو العنف القائم على النوع الاجتماعي تعد أيضًا مشكلة كبيرة تواجه النساء والفتيات. «فالنساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل وغياب النظافة الصحية ونقص الصابون.»

الأطفال يجمعون الحطب

كما تحدث السيد هادي عمّا يواجهه السكان الذين يعيشون في مراكز الإيواء التي تحفّها المخاطر من إحساس باليأس وافتقار إلى الهدف في حياتهم اليومية في غزة، إذ «لا يعرفون ما إذا كانوا سيكونون في عداد الأحياء في نهاية اليوم أم لا.» ولاحظ هادي أن «الشغل الشاغل للأطفال لا يزيد عن الذهاب إلى جمع الحطب لكي تتمكن أمهاتهم من طهي الطعام لهم. فليس ثمة غاز للطهي، ولا وجود للكهرباء. والأطفال يجمعون الخشب والكرتون وأحيانًا البلاستيك.»

«يحاول الأطفال أن يشغلوا أنفسهم. ولذلك، قد تقود سيارتك في شوارع خانيونس وسط كل هذا الدمار، ثم ترى فتاة صغيرة على قارعة الطريق وأمامها طاولة صغيرة وتحاول أن تبيع أشياء مثل مقبض باب مكسور أو كوب أو أي شيء. لا أستطيع أن أتصور من قد يشتري هذه الأشياء لأنه لا توجد عملة في غزة على أي حال. فالأوراق النقدية اختفت.»

التحديات التي تواجه المعونات الإنسانية

حضر السيد هادي إلى بروكسل لكي «يبيّن العذاب الذي ألمّ بالناس ويتأكد من أننا لا نزال نحصل على الدعم المالي والسياسي ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الدعم الذين يمكّننا من أداء عملنا.»

«عندما تعمل في ميدان إنقاذ الحياة، فأنت لا تترك شاردة ولا واردة (…). فالأمر لا يتعلق بالسكان الذين نخدمهم، وإنما بهؤلاء الذين لا نملك القدرة على خدمتهم. وعندما تحاول الأمم المتحدة أن تنفّذ برنامج العمل وميثاق الأمم المتحدة، فهي بحاجة إلى دعم بروكسل والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ليس في وسعنا أن نستسلم. فالسكان في غزة يعلّقون آمالهم علينا. وقد قلنا مرارًا وتكرارًا، وقال الأمين العام للأمم المتحدة، إننا سوف نبقى وسوف ننجز عملنا. (…) إن ما يقلقني على الدوام هو أن تغيب غزة عن رادار العمل الإنساني، وعن رادار المجتمع الدولي وعن الأخبار التي تُبَثّ في ساعة الذروة. وينبغي لها ألا تغيب طالما استمرت الحرب والمعاناة والقتل.»

إمكانية محدودة لوصول المعونات الإنسانية

وقد بيّن السيد هادي أن «وصول المعونات الإنسانية يساء استخدامه في بعض الأحيان، أو يساء فهمه على نحو أكثر تواترًا. فالوصول ينطوي على ما يتجاوز الوصول المادي مثلما يعتقد الناس. ففي حالتنا، يُستهل الوصول بتأشيرات السفر التي تُمنح دون قيد أو شرط للعاملين في المجال الإنساني، وهذا أمر لا نملكه. والوصول المادي على الطرق التي لا نملكها، لأن المعابر ليست مفتوحة جميعها.

يتعلق الوصول بالمساءلة التي لا تتيسر لنا. فمن اجل ان نتمكن من الوفاء باحتياجات السكان، نحتاج إلى إجراء التقييمات، ولكن لا يتوفر لدينا الحيز الذي يتيح لنا إجراءها. ولا تسمح لنا الحالة في غزة أن ننفذ أعمال الرصد المسبق لكي نرصد عمليات التوزيع، ونُعِدّ الرصد اللاحق بعدها. وهذه مشكلة أخرى ترتبط بالوصول الذي لا تخفى أهميته. ويشكّل الوصول رحلة طويلة بالنسبة لنا، ولكن النتيجة النهائية للوصول تكمن أساسًا في تقديم المساعدات والمساعدات الضرورية للسكان الذين يحتاجون إليها في الوقت المطلوب، وعلى النحو الذي يرون أنه يليق بهم.

إننا نحتاج بصفة خاصة إلى التحدث مع النساء والأطفال لكي نقف على ما يحتاجون إليه ونقدم تلك المعونة لهم. ونحن لا نملك الميزة التي تيّسر لنا ذلك الآن.

لذلك، فنحن في الأساس نعطي هؤلاء ما نستطيع تقديمه: دقيق القمح، والصناديق، وصناديق الأغذية المعلبة وغيرها من المواد الغذائية، ولكننا نفتقر إلى الحرية التي تمكّننا من تحديد ما نُحْضِره.»

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف فلسطين غزة فيلم رعب خانيونس اليتامى النساء قنبلة السید هادی فی غزة

إقرأ أيضاً:

شريط الأشباح رقم 10 الذي خاضت به أميركا الحرب النفسية مع فيتنام

"لقد رحل جسدي. أنا ميت يا عائلتي، إنها مأساة، يا لها من مأساة! فيا أصدقائي، ما دمتم على قيد الحياة، عودوا إلى دياركم! عودوا إلى دياركم يا أصدقائي قبل فوات الأوان".

ليس ذلك جزءا من رواية أو فيلم رُعب، بل صيحة حقيقية قُدِّمت في صورة صدى أصوات على مدار أيام طويلة، وُجِّهت إلى آذان مقاتلي الڤيت-كونغ (Viet Cong)، شبكة التنظيمات الشيوعية التي حاربت الولايات المتحدة والنظام الموالي لها جنوب فيتنام بين عامي 1955-1975، على أمل أن يرتدع هؤلاء المقاتلون، ويعودوا إلى ديارهم ويتخلّوا عن المقاومة، وذلك في إطار خطة واسعة للحرب النفسية طبَّقتها الولايات المتحدة في فيتنام.

حاربت شبكة الڤيت-كونغ  الولايات المتحدة والنظام الموالي لها جنوب فيتنام بين عامي 1955-1975 (أسوشيتد برس) ثقافة الأموات

لطالما أكَّد جانب من الثقافة الفيتنامية طيلة عقود على طقوس الرعاية اللائقة بالموتى، في جمع بين التقاليد البوذية والشعبية. ومن المعتقدات الشائعة أنه إذا مات شخصٌ ما نتيجة العنف، أو في مكان بعيد عن منزله، ولم يُدفن بشكل لائق في مقبرة عائلته، فإن روحه ستُصاب بالقلق و"تتجوَّل" بين الأحياء في معاناة.

وكان يُعتقد أن هذه الأرواح الجوَّالة في الفولكلور الفيتنامي تجلب الحظ السيئ، وتلعن الناس وتجلب المصائب حتى تُهدَّأ. وقد برزت هذه المعتقدات بالأخص أثناء الحروب، فالجنود الذين يموتون في ساحات القتال البعيدة يُخاطرون، ليس بحياتهم فحسب، بل وبأن يصبحوا أرواحا ضائعة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"رجل الإبادة الجديد".. ماذا سيرى إيال زامير في مرآة غزة؟list 2 of 210 مراحل تشرح لك ما جرى في حرب فيتنامend of list إعلان

وقد تحدث الأدب الفيتنامي في تلك الحقبة عن هذه المعتقدات كثيرا، مثلما تسرد رواية "حزن الحرب" للأديب باو نينْه، والصادرة عام 1991. وتبدأ الرواية بتصوير جنود في مهمة ما بعد الحرب لجمع عظام رفاقهم الذين قُتلوا من أجل إعادة دفنهم، ثم تبدأ قصة كين، الجندي الفيتنامي الشمالي الذي فقد البراءة والحب بسبب الحرب، ومعاناته مع ذكريات الحرب.

ويركب كين الشاحنة باحثا عن رفات الجنود الذين سقطوا فيما يتخيل أنه "غابة أرواح صارخة" ويتذكر أن هذا هو المكان الذي دُمِّرَت فيه الكتيبة رقم 27، ولم يبقَ منها سوى حِفنة من الناجين.

وقد مهَّدت هذه الخلفية الثقافية الطريق لعملية "الروح المُتَجوِّلة" -التي بدأها الجيش الأميركي في فيتنام أثناء النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي- عن طريق استغلال الخوف من الموت بعيدا عن الوطن، والتحوُّل إلى شبح مُعذَّب وفقا للاعتقاد الشائع حينها، ومن ثمَّ سعى مخططو العمليات النفسية الأميركيون إلى استغلال نقطة ضعف في الثقافة الشعبية للعدو للتأثير عليه نفسيا.

ولم يكن الأمر مجرد طُرفة كما يبدو لأول وهلة، بل إن المستشارين العسكريين الأميركيين كانوا على دراية بهذه المعتقدات الثقافية ومدى تأثيرها العميق على الروح المعنوية الفيتنامية. وفي الواقع، درست قيادة الدعم العسكري الأميركي في فيتنام "إم إيه سي في" (MACV) التقاليد المتعلقة بتلك الأشباح المحلية المزعومة، وصنَّفت أنواعا منها للتأثير على المعتقدين فيها.

وقد حدَّد تقرير صادر عن قيادة الدعم العسكري في ديسمبر/كانون الأول 1969 أرواحا مختلفة من الفولكلور الفيتنامي يمكن الترويج لاستحضارها من أجل التأثير النفسي، لتشجيع الانشقاقات في صفوف الڤيت-كونغ، وإضعاف معنويات العدو دون قتال مباشر.

وطُوِّرت من هنا عملية "الروح المُتَجوِّلة" بواسطة المجموعة الرابعة للعمليات النفسية بالجيش الأميركي، وكانت الخطوة الأولى إعداد تسجيل صوتي يبدو للمُستَمِعين الفيتناميين وكأنه صوت الشبح المُتعارف عليه في الثقافة الشعبية. وأمضى المهندسون في إستوديو بمدينة سايغون (عاصمة جنوب فيتنام قبل إعادة تسميتها باسم هو شي مِنه) أسابيع في تسجيل ومزج مؤثرات صوتية غريبة لأجل ذلك الهدف.

إعلان

وجُنِّد جنود فيتناميون من الجنوب الموالي لواشنطن، ومنشقون عن الڤيت كونغ، للتسجيل بأصواتهم كي يضمن الأميركيون أن تكون اللغة فصيحة والنبرة حقيقية. ولتحسين جودة الصوت، شغَّل الفنيون بعض الأصوات عبر غُرَف صدى الصوت، وأضافوا مؤثرات مشوهة.

وكانت النتيجة سلسلة من "أشرطة الأشباح" كما عُرفت، أشهرها "شريط الأشباح رقم 10". ويبدأ هذا الشريط بموسيقى جنائزية بوذية كئيبة، وصرخات حزينة لامرأة فيتنامية وطفل يناديان الجنود (على سبيل المثال، صوت طفل يتوسل قائلا: عُد إلى المنزل يا أبي!)، وتخلَّل ذلك عويل ورنين أجراس، مما خلّف ضوضاء يمكن الاعتقاد بأنها من العالم السفلي وفقا للمعتقد الشعبي الشائع وقتها.

وفي شريط الأشباح رقم 10، كان الصوت الرئيسي لجندي يُفترض أنه ميت من الڤيت كونغ وباللغة الفيتنامية، حيث أخذ يرثى موته وروحه في الجحيم، ويتوسَّل إلى رفاقه أن يعودوا إلى ديارهم كي يتجنَّبوا مصيره. ويقول نصُّ أحد المقاطع "لقد رحل جسدي، أنا ميت يا عائلتي" وقد كُتب النص بعناية ليلامس مشاعر مستمعيه، فهو يدعو مثلا إلى بر الوالدين، ويحذر من العذاب الروحي، ويحث على الفرار من المعركة بوصفه السبيل الوحيد للنجاة من الهلاك.

تكتيكات الحرب النفسية

بعد تجهيز الأشرطة، نفَّذت القوات الأميركية العملية ميدانيا، وكانت مكبرات الصوت الوسيلة الرئيسية لإيصال أصوات تسجيلات الأشباح لجنود شمال فيتنام، وركَّبت الولايات المتحدة حينها مُكبِّرات صوت قوية على مروحيات وقوارب الدوريات البحرية السريعة التي كانت قادرة على تغطية المنطقة المطلوبة بالكامل.

واستخدمت واشنطن أيضا مُكبِّرات صوت صغيرة محمولة، حيث تسلَّل الجنود الأميركيون قرب معسكرات الفيتناميين، أو إلى مناطق أنفاقهم وسط الظلام، ثم علقوا مكبرات الصوت على الأشجار أو وضعوها قرب المخابئ.

وكان البث يبدأ عادة حوالي الثامنة مساءً، بعد حلول الليل وهدوء الغابة، ثم يستمر بشكل متقطع طوال الليل، إذ كان مقاتلو الشمال المُنهَكون أكثر عُرضة للارتباك والخوف عند استيقاظهم على أصوات غريبة تتردَّد في ظلمة الغابة، وكان أحد أهداف العملية كذلك تشويش راحة الفيتناميين. ولزيادة الخداع، أضافت فرق العمليات النفسية بعض التعديلات مع الوقت، فمع المونولوج الرئيسي "الروح المُتَجوِّلة" تضمَّنت الأشرطة عناصر من الفولكلور الفيتنامي.

إعلان

فمثلا، استُحضِرت أشباح حيوانات مألوفة في التراث الشعبي الريفي في فيتنام، ومن بين الأرواح الأكثر شرا استُخدم "شبح شد العقدة" الذي يغمغم "كو كو" (رقبتان، رقبة) كي يحث الناس على شنق أنفسهم والانتحار.

وتمثلت الإستراتيجية العامة في خداع متعدد الأوجه، يجمع بين الرمزية الثقافية (الأشباح، واللعنات المتوارثة) والاضطراب الحسي (أصوات غريبة في الظلام) والرسائل الإقناعية (أصوات تحث على الاستسلام) لتقويض إرادة العدو في القتال.

وقد حقَّقت عملية "الروح المُتَجوِّلة" نتائج متباينة على أرض الواقع، حيث أثارت طيفا من ردود الفعل الفيتنامية، تراوحت بين الرعب والاستسلام والتحدي، وهناك أدلة على أن بث الأشباح حقق في بعض الحالات تأثيره المقصود، وكانت هناك حالات ذعر وفرار في صفوف الڤيت-كونغ بالفعل.

ووفقا لضابط متقاعد من مجموعة العمليات النفسية الرابعة، فإن أول تجربة لشريط الأشباح -الذي شُغِّل من قارب في ليلة مظلمة- أعقبها استسلام 13 مقاتلا. غير أن فريقا من المسؤولين عن عملية "الروح المُتَجوِّلة" أفادوا بأن مقاتلي الشمال سرعان ما أدركوا الأساليب الأميركية، ومن ثمَّ فقد تأثيره، بل وأصبح رد الفعل الفوري في كثير من الأحيان إطلاق النار باتجاه مصدر الصوت، حتى أوقِف البرنامج أوائل السبعينيات.

جسَّدت عملية الروح المتجولة التي نفذها الجيش الأميركي موضوعا أوسع في الحرب النفسية يتعلق باستغلال المعرفة الثقافية المحلية لتحقيق ميزة إستراتيجية. (غيتي) الأسوانغ ومحاربة الشيوعية بالفلبين

جسَّدت عملية "الروح المُتَجوِّلة" موضوعا أوسع في الحرب النفسية يتعلق باستغلال المعرفة الثقافية المحلية لتحقيق ميزة إستراتيجية، وهو أمر لم يكن جديدا بالكُليَّة. فأثناء الحرب العالمية الثانية، حاولت العمليات النفسية الأميركية استغلال مخاوف اليابانيين الثقافية وشعورهم بالعار أثناء المجهود الحربي، وهو نهج افترض إمكانية تحويل معتقدات العدو غير العقلانية ضده.

إعلان

وفي خمسينيات القرن العشرين إبَّان الحرب الباردة، استخدمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أساليب غير تقليدية لمواجهة التمرُّد الشيوعي بالفلبين، منها الخرافات المحلية، مثل أسطورة "الأسْوانغ" (Aswang) وهو مخلوق أسطوري يشبه مصاص الدماء وكان يُعتقَد بأنه يتغذى على الدم والأعضاء، خاصة من الحوامل والأطفال، وأنه يمكن أن يتحوَّل إلى أشكال متعددة، مثل خنزير أو كلب أو نسر بحجم إنسان، وعادة ما شاعت هذه الأساطير لتفسير الأمراض المفاجئة والوفيات الغامضة في الريف الفلبيني.​

وقد نفَّذ إدوارد لانسديل، وهو ضابط بسلاح الجو الأميركي، خطة نفسية تعتمد على خرافة الأسوانغ، فحين اختطف الجنود الأميركيون أحد المتمردين الشيوعيين وقتلوه بطريقة تحاكي هجوم الأسوانغ، ثقبوا رقبته بثقوب تشبه آثار أنياب مصاص الدماء، وعلقوا جثته مقلوبة على شجرة، حتى نزف دمه بالكامل.

وعندما عثر زملاؤه على الجثة، اعتقدوا بأن الأسوانغ هو المسؤول بالفعل، مما أثار الذعر ودفع كثيرين للهروب من المنطقة. ​وكان نجاح لانسديل بمثابة مقدمة لعملية "الروح المُتَجوِّلة" في فيتنام.

ومن بين أساليب لانسديل الأخرى في العمليات النفسية ما أسماه "عين الله" حيث كانت القوات الحكومية تُحدِّد القرى المعروفة بتعاطفها مع الشيوعيين. وفي الليل، كانت فرق العمليات النفسية تتسلل إلى المدينة وترسم عينا على الجدران المواجهة لمنازل الناس.

وفي ثقافة تلك المناطق، كانت هذه "العين التي ترى كل شيء" ومن ثمَّ ساد الاعتقاد أنها ترى هذا الشخص وتخبره بأنها تعرف أنه خائن. وفي حالة أخرى، عندما أراد لانسديل من جميع الكاثوليك شمال فيتنام الانتقال جنوبا، أذاع مرارا وتكرارا للكاثوليك عبر وسائل عدة رسالة تقول "مريم العذراء المُبارَكة تتجه جنوبا".

وقد تورَّط لانسديل في العديد من العمليات النفسية الغريبة، حيث دبَّر عملية "النمس" للإطاحة بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو عبر إقناع الشعب الكوبي الكاثوليكي بأنه المسيح الدجال. وكان من المفترض أن تبث هذه الرسالة ليلا ونهارا، بالتزامن مع إطلاق قذائف الفسفور في سماء هافانا إيذانا بعودة المسيح كما يُفترض، ولكن العملية لم تُنفَّذ في الأخير.

نفَّذ إدوارد لانسديل، وهو ضابط بسلاح الجو الأميركي، خطة نفسية تعتمد على خرافة الأسوانغ، وهو مخلوق أسطوري يشبه مصاص الدماء (مواقع التواصل) الاستغلال الثقافي إستراتيجية حرب

في العقود التالية على حرب فيتنام، ناقش المتخصصون بالجيش الأميركي فعالية العمليات النفسية المُستندة إلى الثقافة المحلية، وإلى الآن لا تزال عملية "الروح المُتَجوِّلة" كاشفة لأي مدى قد تذهب الجيوش للتسلُّل إلى عقول خصومها، ومُحفِّزة لبناء أساليب جديدة تستغل العناصر الثقافية والعاطفية في الصراعات السياسية.

إعلان

وأثناء حربي العراق وأفغانستان، استمرت العمليات النفسية الأميركية على النمط ذاته، حيث ركَّزت على المنشورات والبث الإذاعي ووسائل الإعلام المتنوِّعة للتأثير في المجتمعات المحلية. وهناك مثالٌ صارخ من أفغانستان عام 2005، عندما ورد أن فريقا للعمليات النفسية للجيش الأميركي قام بتشويه جثث مقاتلين من طالبان واستخدمها رسالة نفسية لترهيب خصومه، بحسب تقارير استقصائية أسترالية.

ووفقا للتقارير، أحرق جنود أميركيون قرب قندهار جثتي مقاتلين من طالبان عَمْدا، ثم أذاعوا عبر مكبرات الصوت سخرية باللغة البشتونية المحلية، قائلين "لقد سمحتم لمقاتليكم بأن يُرموا ويُحرَقوا، أنتم خائفون من استعادة جثثهم". وكان انتهاك المواثيق القانونية التي تُوجب مراعاة التقاليد عند دفن الموتى يهدف إلى إضعاف معنويات مقاتلي طالبان، ورد الجيش الأميركي بأن تحقيقاته في الحادث أظهرت أن الجنود أحرقوا الجثث المتحللة لأسباب صحية وبالتالي فإنهم لم ينتهكوا مواثيق جنيف الخاصة بالحرب.

وإبَّان غزو العراق عام 2003، بثَّت وحدات العمليات النفسية الأميركية رسائل إلى الجنود العراقيين تحثهم على الاستسلام بدلا من الموت، مع نداءات صيغت أحيانا بدافع إنقاذ الأسرة وعدم تفويت فرصة رؤية أطفالهم يكبرون، وغالبا ما كانت المنشورات التي أُلقيت على الخطوط العراقية عامي 1991 و2003 تُصوِّر سيناريوهات موتٍ عبثي في ​​الصحراء، والحث على عدم إهدار الحياة في سبيل قضيةٍ محكوم عليها بالفشل.

وإلى جانب ذلك، كانت فرق مكبرات الصوت الأميركية تشكك في شجاعة المقاتل وإيمانه ورجولته، على أمل استدراجه نحو الاستسلام أو تقويض عزيمته.

ونشأت عن تلك الأساليب مشاريع عمليات نفسية متنوِّعة. فمثلا، منتصف العقد الأول من القرن الـ21، ابتكرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية "عملية عيون الشيطان" التي تضمَّنت تصنيع دمى متحركة على هيئة أسامة بن لادن مع طلاء الوجه بمادة حساسة للحرارة تُحوِّل وجه بن لادن عند تعرضها للحرارة إلى شخصية شيطانية حمراء الوجه ذات عيونٍ خضراء.

إعلان

وقضت هذه الخطة بتوزيع هذه الألعاب في باكستان وأفغانستان لإرهاب الأطفال وآبائهم، وتأليب الرأي العام على زعيم القاعدة، لكن العملية أوقِفت ولم تنفذ في الأخير.

العقيدة المعلوماتية

وتُشدِّد العقيدة العسكرية الأميركية الحديثة على فهم عملية صنع القرار لدى الخصم والأبعاد الثقافية التي ينتمي إليها، ويكمُن الترابط بين حرب فيتنام وحربي العراق وأفغانستان في إدراك أن الحروب تُخاض على الصعيد النفسي بقدر ما تُخاض على الصعيد المادي. ولا يزال تدريب الجيش الأميركي على العمليات النفسية يتضمن دراسة أساطير ومعتقدات الثقافات المُستَهدفة.

ففي سبتمبر/أيلول 2022، أمر البنتاغون بمراجعة شاملة للعمليات النفسية التي تنفذها القوات الأميركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد اكتشاف منصات مثل تويتر وفيسبوك لشبكات حسابات مزيفة مرتبطة بالجيش الأميركي.​

وقد كشف تقرير مشترك من مركز ستانفورد لمراقبة الإنترنت وشركة "جرافيكا" عن حملات تأثير سرية تهدف إلى تعزيز السرديات المؤيدة للغرب في دول مثل روسيا والصين وأفغانستان، وذلك عبر استخدام الأنماط الثقافية السائدة في تلك المجتمعات.

واستخدمت هذه الحملات حسابات مزيفة بوجوه أُنشِئت بواسطة الذكاء الاصطناعي، وروَّجت لمحتوى يدعم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وتُظهر هذه الأحداث في الأخير كيف أصبحت وسائل التواصل ساحة معركة جديدة في الحروب النفسية والمعلوماتية والثقافة، بديلا عن مكبرات الصوت والراديو والتلفزيون التي شاع استخدامها طيلة القرن العشرين.

والحقيقة أن الكثير من تلك المسالك لم تؤد إلى نجاحات تضاهي التكاليف التي سخرت لها، فمثلا في فيتنام خاضت واشنطن حربا على عدو لم تفهمه، في بيئة لا تدرك تعقيداتها، بحسب ما عبرت عنه الصحفية الأميركية الحاصلة على جائزة "بوليتزر" فرانسيس فيتزجرالد، في كتابها "حريق في البحيرة.. الفيتناميون والأميركيون في فيتنام"، حين وصفت مأساة "الغربة المعرفية" الأميركية تلك بقولها: "إن الأميركيين تاهوا بغباء في تاريخ شعب آخر".

إعلان

مقالات مشابهة

  • شريط الأشباح رقم 10 الذي خاضت به أميركا الحرب النفسية مع فيتنام
  • تفاصيل صادمة في اغتصاب رجل لطفلة بمساعدة أطفاله
  • هل نجح الفيتناميون الذين فروا إلى أميركا في التعايش؟
  • قضاء مصر العظيم أخد حق ياسين.. أول تعليق من مرتضى منصور يروي تفاصيل المحاكمة
  • ما الذي تفعله الأطعمة فائقة المعالجة بجسمك؟.. تأثيرات صادمة لاستهلاكها من أول يوم حتى عدة أشهر
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • أردني يترشح مستشارآ لترمب ويتأهل ليترشح للرئاسة القادمة.. تفاصيل
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار والإبادة الإسرائيلية
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار وإبادة الاحتلال