السودان: استنساخ للمشروع الصهيوني في فلسطين!
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
خلال الأيام الأولى للصراع في السودان، كان لافتًا ما عمدت إليه قوات الدعم السريع من عمليات تخريبية أقل ما يقال عنها بأنها تستهدف دولة 1956 في السودان. إذ قامت بالسيطرة على مقر وزارة الداخلية وتدمير السجل المدني، كما عمدت إلى إحراق دار الوثائق القومية التي تعتبر الذاكرة التاريخية للسودان، وتدمير سجلات الأراضي والعقارات، كما أرشيف السلطة القضائية وسجلاتها ومتحفها.
الاستيطان والتطهير العرقي في السودان
بالإضافة إلى الحاضنة السياسية، يعتبر الخطاب السياسي من ركائز الحرب، وقد ركّز على عناوين رئيسة منها إعادة السودان إلى المجتمع الدولي وتبني النيوليبرالية بأبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقيمية. بالإضافة إلى قبول وصفات وشروط البنك الدولي والتطبيع مع الكيان المؤقت، وقد مثلت تلك العناوين مضامين خطاب تحالف الحرية والتغيير “المجلس المركزي” الذي يُعتبر الحاضنة السياسية لمشروع الحرب في السودان بطبيعتها الاستعمارية الاستيطانية. يرى الدكتور حسب الرسول أن هذا المشروع لا يمكن أن يكتمل من دون توفر العامل الديموغرافي المفضي إلى صناعة سودان جديد يفاصل تاريخه السياسي والثقافي والاجتماعي والتاريخي والحضاري، “لهذا تمت عمليات تهجير مدروسة من عربان الشتات الذين تعثر عليهم الاندماج في مجتمعات دول الساحل والصحراء الأفريقية بعد هجرتهم إليها منذ القرن الخامس عشر الميلادي، فتم تهجيرهم من تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى وليبيا، ومن بقية دول الساحل الأفريقي إلى السودان، وقد وفرت دولة خليجية المال اللازم لعمليات التهجير والاستيطان داخل السودان”. يقول حسب الرسول. ويشير إلى أنّه في السنوات الأربع الماضية، تمّ توطين بضعة ملايين من المهاجرين من أعراب الشتات في السودان أو “أرض الميعاد الجديدة”، في دارفور وفي وسط وشمال السودان، وعلى امتداد نهر النيل. وذكر أن مليوناً ومئة ألف من هؤلاء المهجرين استخرجت لهم قوات الدعم السريع أرقامًاً وطنية وجوازات سودانية من مركزين أسستهما لهذا الغرض، أحدهما في جنوب ليبيا، والآخر في دولة مالي.
استنساخ المشروع الصهيوني في فلسطين
يرى الباحث والكاتب محمد حسب الرسول بأن محاولة السيطرة على السودان تمرّ الآن بالمراحل نفسها التي استخدمتها الحركة الصهيونية في فلسطين. وما قامت به عصابات “هاغانا” التي تأسست في فلسطين عام 1921 في تأسيس “دولة” الكيان يشابه ما تقوم به منظومة الدعم السريع، بل إن الأخيرة تضطلع بالدور ذاته الذي قامت به الأولى، إذ قامت بدور عسكري مشابه للدور العسكري لـ”الهاغانا”، وكررت الدور نفسه الذي قامت به “الهاغانا” في عمليات تهجير الفلسطينيين، وفي عمليات التطهير العرقي، وفي عمليات الاستيطان، وفي إنشاء المستوطنات. ولئن ارتبطت “الهاغانا” بمنظمة “الهستدروت” (النقابات الصهيونية) و”الماباي”، فإن الدعم السريع يرتبط بنظراء لهذه المنظومات على المستوى المحلي إذ تشكل له ظهيراً سياسياً، ومثلما أصبحت “الهاغانا” نواة لـ”جيش” الكيان المؤقت، فإن الظهير السياسي للدعم السريع أعلن عن ضرورة تشكيل جيش (وطني) جديد تكون قوات الدعم السريع نواةً له، فكم هي أوجه الشبة بين حالة فلسطين قبل 1948 وحالة السودان الآن؟!
السودان من المنظور الاستراتيجي للكيان المؤقت
يحظى السودان بأهمية كبيرة في منظومة التفكير والعقائد الصهيونية، ويعد الكتاب المقدس أهم مصدر لهذا الاهتمام، فقد ورد اسم السودان فيه 55 مرة تحت اسم كوش، ويحظى السودان كذلك باهتمام خاص من بعض الجماعات الدينية الصهيونية التي ترى أن أجزاء واسعة من السودان هي جزء من جغرافيا حياة نبي الله موسى، وبشكل خاص مولده وإلقاؤه في اليم والتقاطه جنوب مصر ولقاؤه بالرجل الصالح في مقرن النيلين الأزرق والأبيض، والصخرة العظيمة التي تدل على موقع هذا اللقاء، والتي يزورها اليهود كل عام، فضلاً عن اهتمام هذه الجماعات بمنطقة شرق السودان، التي تعتقد أن نبي الله موسى قد كلم الله في بعض جبالها (علمًاً بأن الجماعات اليهودية لا تجتمع على هذا الرأي، كما أن غالب المسلمين لا يوافقونه).
وقد شاعـت أنباء عن عمليات قطع طالت جبلاً في هذه الولاية منذ حقبة حكم الرئيس جعفر نميري، واستمرت حتى بداية الألفية الجديدة، وتم تصدير حجارته إلى دولة أوروبية. ومن تلك الحجارة تم قطع وتجهيز مكونات هيكل سليمان البديل، وتم ترحيل هذه القطع إلى داخل فلسطين لأن الأحكام التي استنبطها الحاخامات تقتضي بناء الهيكل من حجارة مباركة وفق الأحكام التوراتية. يرى الدكتور حسب الرسول أنّ الصهيونية جعلت حدود دولة الكيان من النيل إلى الفرات ورمزت لهما بخطين أزرقين في أعلى وأسفل العلم بينهما نجمة داؤود، في تكامل بين الديني والاستراتيجي. ووضع في هذا السياق ما ذكره وزير أمن الاحتلال عام 2008 آفي دختر عندما تحدث عن إضعاف دول ما بين النهرين لتعظيم قوة إسرائيل، وقال إن السودان، بموارده ومساحته الشاسعة، من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول مثل مصر والعراق والسعودية، وإنه يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر، وهو ما تجسّد بعد حرب 1967، عندما تحول إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري والقوات الليبية، كما أنه أرسل قوات مساندة لمصر في حرب الاستنزاف عام 1968. وبناء عليه، لا بدّ من إضعاف السودان كضررورة من ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي.
أوجه الشبه بين ما يجري في السودان وما جرى في فلسطين قبل عام 1948
أبرز أوجه الشبه بين تجربة استيطان عربان الشتات ويهود الشتات تتمثل في التشابه إن لم يكن التطابق في خطط الاستيطان كما يراها الدكتور محمد حسب الرسول. وتتشابه في واقع المهجرين من عربان الشتات ويهود الشتات في عدم انسجامهم في المجتمعات التي عاشوا فيها قبل تهجيرهم إلى السودان وفلسطين، كما أن التشابه يشمل أهداف الاستيطان وآلياته التي حولته من خطة إلى واقع معاش. وذلك على الشكل التالي:
– هجرت قوات الدعم السريع التي ينتمي غالب أفرادها إلى دول الساحل والصحراء الأفريقية، هجرت الملايين من عربان الشتات الذين تحدروا منهم إلى السودان بعد ان تعذر عليهم العيش في تلك الدول، وتعذر عليهم الانسجام مع مجتمعاتها أو الاندماج فيها برغم إقامتهم الطويلة فيها، الأمر الذي صنع لهم حالة ووضعاً أشبه ما يكون بحالة اليهود الذين ضاقت بهم المجتمعات الغربية وصنع ذلك ما عرف بالمسألة اليهودية. رأت نخب عربان الشتات أن حل أزمة وجودها في دول الساحل والصحراء الأفريقية يكمن في إقامة وطن بديل أطلقت علية اسم دول قريش، وقد وجدت تشجيعًاً من الغرب في ذلك وتأييدًاً ودعمًاً، وهنا يتبدى وجه شبه بين ما قامت به قوات الدعم السريع وما قامت به منظمات أرغون والهاغانا في فلسطين قبل عام 1948.
– وسعت قوات الدعم السريع من جغرافيا الاستيطان، فقامت بشراء البيوت والأراضي الزراعية في مناطق ذات أبعاد تاريخية وحضارية، وبشكل خاص على امتداد نهر النيل وبين النيلين وعلى امتدادهما، وجعلتها مسرحًا للتوطين والاستيطان، وهو الذي قامت بها المنظمة الصهيونية في فلسطين عامة وفي المدن الفلسطينية، وبخاصة جماعة شوفوبانيم، ومنظمة لاهافا.
– محو الذاكرة الوطنية ومحاولة صناعة سردية تاريخية جديدة يدعي فيها المستوطنون الجدد امتلاكهم لأرض السودان، والادعاء بعدم أحقية السكان الاصليين بحقوقهم التاريخية وكافة حقوق المواطنة، وفي ذلك صدى للسرديه الصهيونية التي إدعت وتدعي أحقيتها التاريخية لفلسطين والذي ترجمته عبر تهجير الفلسطينيين واقتلاع بيوتهم ومحاولات السطو على تراثهم وإرثهم الحضاري، وترجم كذلك في منعهم من حقوقهم كافة بما في ذلك حقوقهم المدنية، وهو يشبه ما قامت به جمعية عطيرا اليوشنا في فلسطين.
أسئلة ملحة
يتساءل الباحث والكاتب في الشؤون الإقليمية الدكتور محمد حسب الرسول عن التشابه في تجربتي الاستيطان فهل هي محض صدفة؟ وكيف لقائد الدعم السريع ونائبه وأسرته وهم من غير المتعلمين، ولم تتوافر لديهم القدرة على التعرف على طرق التخطيط وأنماطه، كيف لهم أن يضعوا خطة لتأسيس دولة يجتمع فيها ذويهم من دول غرب أفريقيا على هذا النحو الدقيق من التخطيط والتنفيذ؟، وهل لمشروع الاستيطان في السودان صلة بالمشروع الذي تم تنفيذه في فلسطين؟.
الكاتب: زينب عقيل – alkhanadeq.com
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع دول الساحل فی السودان فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
بعد تقارير عن موافقة الجيش.. السودان يرد على دعوة أممية بشأن مفاوضات مع الدعم السريع في جنيف
رد وزير الخارجية السوداني علي يوسف على تقارير إعلامية قالت إنّ لعمامرة يقود جهوداً لإحياء محادثات غير مباشرة في جنيف السويسرية خلال يناير المقبل، و أن الدعم السريع وافقت، فيما أبدى الجيش موافقة شبه “مبدئية على المشاركة”، دون تأكيد رسمي
متابعات – تاق برس – وكالات – كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن المبعوث الأممي إلى السودان، رمطان لعمامرة، بدأ الترتيب لتوجيه دعوات إلى طرفي النزاع السوداني: الجيش و«قوات الدعم السريع»؛ لاستئناف محادثات غير مباشرة بمدينة جنيف السويسرية خلال يناير (كانون الثاني) المقبل، تركز على ملف حماية المدنيين.
الا ان وزير الخارجية السفير علي يوسف الشريف قال حسب (السوداني)، إنّ الحكومة السودانية لم تتلق أي دعوة من المبعوث الخاص للأمين العام للامم المتحدة رمطان لعمامرة، بشأن استئناف مفاوضات جنيف.
ورفضت الحكومة المشاركة في منبر للتفاوض مع الدعم السريع في جنيف برعاية سعودية ــ أمريكية في أغسطس المنصرم.
وأضاف الشريف : “موقفنا لا يزال كما هو بشأن منبر جنيف ولم يتغير لأنه موقف صحيح”.
وفي وقت سابق، قال رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش: “تمسكنا بموقفنا المبدئي وهو عدم حضور مفاوضات جنيف إلا في حال تنفيذ مقررات جدة”.
وانخرطت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان (ALPS)»، في الأيام الماضية، في مشاورات جديدة مع جهات فاعلة في المجتمع المدني السوداني تمثل النساء والشباب والمنظمات، لأخذ تصوراتها وملاحظاتها وعرضها ضمن أجندة المحادثات المرتقبة.
ونقلت المصادر لــ«الشرق الأوسط» عن المسؤول الأممي أن «(قوات الدعم السريع) وافقت على استئناف المحادثات، فيما أبدى الجيش موافقة شبه مبدئية على المشاركة، دون تأكيد رسمي من جانبه حتى الآن».
وقالت إن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، لعمامرة، «سيقود بنفسه المحادثات بين الطرفين للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص حماية المدنيين، ربما يفتح الباب لتفاهمات في قضايا أخرى بشأن الأعمال العدائية».
وخلال المفاوضات التي جرت بجنيف في أغسطس (آب) الماضي، أفلحت مجموعة «ALPS»، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في الحصول على موافقة قوية من طرفي القتال على تأمين إعادة فتح وتوسيع طرق الوصول الإنساني دون عوائق بناء على أسس «إعلان جدة»، مهدت لاحقاً لوصول محدود للإغاثة إلى المدنيين بمناطق النزاعات في دارفور وكردفان.
ورغم ذلك، فإن المتحدث الرسمي باسم وفد «الدعم السريع» المفاوض، محمد المختار النور، قال في تصريح مقتضب لــ«الشرق الأوسط»: «لم تصل إلينا دعوة رسمية بعد من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، بخصوص المحادثات المزمعة. وفي حال تمت دعوتنا، فسنرد عليها بعد دراستها».
وحدّ غياب وفد الجيش السوداني عن المشاركة في تلك المحادثات من الوصول إلى اتفاق حول الآليات المقترحة من قبل الشركاء في المجموعة الدولية بشأن حماية المدنيين، المتمثلة في تلقي الشكاوى ومعالجة المشكلات الناشئة بشأن تنفيذ الالتزامات المتعلقة بذلك الملف بموجب الاتفاقيات القائمة.
وتعثرت اجتماعات تشاورية رفيعة المستوى جرت بين قادة «مجلس السيادة السوداني» ومسؤولين أميركيين ضمن اجتماعين منفصلين في جدة والقاهرة خلال الأشهر الماضية، ولم تتوصل إلى تفاهمات بشأن مشاركتهم في مفاوضات جنيف السابقة، فقد أصر هؤلاء على المشاركة بوفد يمثل الحكومة السودانية، لكن الجانب الأميركي تحفظ على ذلك.
ووفقاً للمصادر، فإن جولة المحادثات المرتقبة في يناير المقبل «ستركز على إحراز اختراق كبير يقود إلى حمل الطرفين المتقاتلين على حماية المدنيين من خلال الاتفاق على إجراءات وقف العدائيات على المستوى الوطني بوصفها مدخلاً لوقف إطلاق النار».
وقالت إن لعمامرة تحدث عن زيارة مرتقبة إلى مدينة بورتسودان؛ العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، خلال الأيام القليلة المقبلة، ومن المقرر أن يلتقي خلالها قادة «مجلس السيادة» وكبار المسؤولين في الحكومة السودانية.
وأضافت أن المبعوث الأممي سيوجه، خلال زيارته إلى بورتسودان، الدعوة مباشرة للحكومة السودانية للمشاركة في المحادثات، وأنه لم يستبعد أن تتمسك بشروطها السابقة، «لكنه أكد أن محادثات جنيف تستند في الأساس على ما تم التوصل إليه في (إعلان مبادئ منبر جدة)، وهو اتفاق لا خلاف عليه بين الطرفين».
وكانت «الدعم السريع» شاركت بوفد رفيع المستوى في محادثات جنيف السابقة، مؤكدة التزامها بتحسين حماية المدنيين، وضمان الامتثال لـ«إعلان جدة» وأي اتفاقيات مستقبلية أخرى، كما تعهدت لشركاء جنيف بإصدار توجيهات صارمة لقادتها وقواتها في الميدان للامتناع عن ارتكاب انتهاكات أو التعرض للعمليات الإنسانية التي جرى الاتفاق عليها.
السودانرمطان لعمامرةمفاوضات جنيف