أرجو أن تسمح لي صديقي القارئ العزيز أن أخرج عن السياق قليلا هذه المرة عما اعتدت عليه في اختيار موضوعات الكتابة - والتي تتسم بالواقعية والمعاصرة والتفكير في المستقبل إلى تسليط الضوء على ذكريات ذاتية من الزمن الماضي، ولكنها لازالت حاضرة بقوة في العقل والوجدان، وباتت تلك الذكريات مكونا راسخا في ملامح الشخصية.
وما من شك أن شخصياتنا الحاضرة هي نتاج تفاعل عوامل وراثية وتربوية وتعليمية وخبرات ومواقف حياتية عدة عبر الزمن.
ولم أكن أبدا اتخيل في 11 سبتمبر عام 2001 وبينما أنا استقل القطار من الأقصر متجها إلى القاهرة للالتحاق بجامعة القاهرة للدراسة بكلية الإعلام.. أنني أيضا على موعد مع مرحلة جديدة من حياتي تماما مثل المرحلة الجديدة التي عاشها ولازال يعيشها العالم بعد أحداث هجمات سبتمبر من نفس العام، على الولايات المتحدة الأمريكية، والتي علمت بحدوثها مساء ذلك اليوم وانا في القطار عبر الطبعات المسائية للصحف آنذاك.
وكأن تلك الأحداث كانت رسالة جديدة لي بأنني ذاهب إلى معركة جديدة من معارك الحياة من أجل الحفاظ على الثوابت والأصول والتقاليد الريفية الراسخة في ظل مجتمع القاهرة المكتظ بكل الأجناس وأنماط الحياة المختلف كليا عن المجتمع الذي ولدت ونشأت فيه.
وذات الوقت معركة أخرى هي إثبات الذات والنجاح في المهمة والهدف الذي رحلت وتركت من أجله دفء الأهل والأصدقاء.. لازلت أتذكر جيدا تلك اللحظات عندما وطأت قدماي رصيف محطة القطار بالجيزة لاستقل مترو الأنفاق متجها إلى الجامعة لإنهاء إجراءات السكن بالمدينة الجامعية.. أفكر في كيف سأعيش مع هذا المجتمع بضجيجه وصخبه ومفاجآته السخيفة أحيانا في كل خطوة تمشيها بشوارعه.
ذهبت إلى الجامعة وإذ بالمفاجأة الأكثر سخافة بأن السكن بالمدينة الجامعية للطلاب الجدد لن يكون قبل شهرين على الأقل من بداية الدراسة حسب لوائح أولويات التسكين!! مفاجأة لم تكن في الحسبان، وهنا شعرت بأنني وأمتعتي أصبحت في ورطة!! أين أذهب وماذا أفعل ولم يتبقى على انطلاق الدراسة سوى يومان فقط!!
وهنا أتذكر أن أخي الأكبر "حسين" كان قد أعطاني في وداعي قصاصة بها اسم وعنوان الأستاذ "خالد" نسيبه (شقيق خطيبته آنذاك وزوجته وأم وألاده حاليا ) كان أخي قد أعطاني بيانات الأستاذ "خالد" تحسبا لأي طارئ في رحلتي، والتي لا يخلو منها مجتمع مثل القاهرة ذات الزخم والضجيج المستمر.
ومن حسن الحظ والقدر أن عنوان الأستاذ "خالد" لم يكن يبعد عن الجامعة سوى أمتار قليلة بحي "بين السريات" العتيق والتاريخي.
ذهبت إلى العنوان وإذ بي أجد الشقة مغلقة حيث أنه هو وأشقائه "أحمد والسادات" في الخارج بالعمل ولن يعودوا سوى في المساء.. ولأن "خالد" كان حسن السيرة والسمعة ويحسن الجوار، لم يتردد جيرانه في الشقة المجاورة وكانوا من الشباب العزاب أيضا - في إصرارهم على استضافتي لحين عودة الأستاذ "خالد" من عمله، وعند عودته استقبلني "خالد" بخفة ظله وبشاشته التي اعتاد عليها بكل ترحاب وحفاوة مخففا عني عناء السفر والتعب والرهبة والخجل.
استضافني الأستاذ خالد معه لمدة تزيد عن الشهرين حتى التحاقي بالمدينة الجامعية، كان فيها كريما سخيا نزيها موجها وناصحا تماما وكأنه أخي الأكبر.
رحم الله الأستاذ خالد محمد عبد المنعم ابن مركز أبو تشت محافظة قنا رحمة واسعة، ورحم الله أباه المدير الأستاذ محمد عبد المنعم الرجل الصالح الطيب، وبارك الله في أشقاء الأستاذ "خالد" الكرام وفي ذريته الباقية، وفي كل طيب معطاء مثل "خالد "
اقرأ أيضاًالحصاد الأسبوعي لجامعة حلوان.. توقيع بروتوكولات تعاون وإعادة منح الجامعة شهادة الأيزو
الرئيس الألماني يفتتح الجامعة الألمانية الدولية في العاصمة الإدارية الجديدة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: العام الدراسي الجامعة القطار الزمن الجميل بين السرايات
إقرأ أيضاً:
«السوربون أبوظبي» تُكرّم كوكب الشرق أم كلثوم في أمسية فنية استثنائية
أبوظبي (الاتحاد) نظّمت جامعة السوربون أبوظبي أمسية فنية متميزة احتفاءً بالإرث الفني والإنساني الخالد لكوكب الشرق أم كلثوم، ضمن ليلة موسيقية وشاعرية مفعمة بالإبداع والتأمل الثقافي، وذلك بحضور معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة دولة، والشيخة علياء بنت خالد القاسمي مدير عام الأوركسترا الوطنية، وسط أجواء فنية ملهمة جمعت بين عبق الماضي وأصالة الطرب الأصيل.. وقد أحيت الحفل الفنانة البلجيكية-التونسية العالمية غالية بن علي، التي قدّمت مجموعة من روائع أم كلثوم في عرض مؤثّر استضافه مسرح زايد في الجامعة مساء الأربعاء 16 أبريل، بمرافقة الموسيقيين مفضل أدهوم على العود، خالد أبوحجازي على الطبول، وفنسنت نوارت على التشيللو.
شهدت الأمسية حضوراً لافتاً تجاوز 450 شخصاً، ضم نخبة من الطلبة، وأعضاء الهيئة التدريسية، وشخصيات ثقافية، إلى جانب عدد من أفراد المجتمع المحلي في أبوظبي. وجاءت الفعالية برعاية من نادين كعكي النويّس، وبدعم من أبوظبي مول، إحياءً للذكرى الخمسين لرحيل أم كلثوم، وفي إطار مبادرة الجامعة الأوسع للاحتفاء بالرموز النسائية تحت شعار تكريم رائدات الأعمال ودعم الأجيال القادمة من القيادات النسائية.
وفي لفتة رمزية متميزة، أعلنت الجامعة خلال الأمسية عن إعادة تسمية قاعتها البيضاوية الشهيرة لتصبح قاعة أم كلثوم تكريماً للفنانة الاستثنائية وتخليداً لإرثها الثقافي والفني العابر للأجيال، وتقديراً لمكانتها كرمز ملهم في العالم العربي.
كما نظّمت الجامعة في وقت سابق من هذا الأسبوع ورشة فنية تفاعلية أتاحت للطلبة والزوار التعبير عن روح موسيقى أم كلثوم من خلال الرسم، مضيفةً بعداً إبداعياً وتجريبياً إلى أجواء التكريم.