الحركات الإسلامية وفلسطين: قصة تراجع وأمل في النهوض
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
تقف فلسطين في قلب الشرق الأوسط المضطرب شامخة كرمز للنضال والصمود، ولطالما كانت الحركات الإسلامية في طليعة الداعمين لها، لكن الأيام الأخيرة كشفت عن واقع مختلف. دعونا نلقي نظرة على هذه القصة المعقدة، بعيون إنسانية وقلب مفتوح.
من النصرة إلى التراجع: رحلة الحركات الإسلامية
دعونا نتخيل مشهدا من الماضي: حشود غفيرة تهتف بحماس، رايات خضراء ترفرف في الهواء، وخطباء يلهبون المشاعر بكلمات عن تحرير القدس.
لكن اليوم، المشهد مختلف تماما. فأين ذهبت تلك الحماسة؟ وكيف تحول الدعم الصاخب إلى همس خافت لا يدل عليه إلا بضع كلمات في بيانات إعلامية حفاظا على ماء الوجه؟
اليوم، المشهد مختلف تماما. فأين ذهبت تلك الحماسة؟ وكيف تحول الدعم الصاخب إلى همس خافت لا يدل عليه إلا بضع كلمات في بيانات إعلامية حفاظا على ماء الوجه؟
لنضع أنفسنا مكان قادة هذه الحركات للحظة، تخيلوا أنكم تقودون سفينة في بحر هائج، تحاولون الحفاظ على توازنها وسط عواصف سياسية عاتية، فمن جهة، ضغوط حكومية قاسية تهدد وجودكم، ومن جهة أخرى، أجيال شابة متعطشة للتغيير، تنظر إليكم بعين الشك والتساؤل.
عندما تتحول البوصلة: الانشغال بالبقاء
"البقاء للأقوى"، هكذا يقول داروين، وهذا ما وجدت الحركات الإسلامية نفسها تفعله، فبدلا من التركيز على فلسطين، أصبح همها الأول هو البقاء على قيد الحياة السياسية، وأن الحياة ما زالت موجودة في أطراف جسدها القعيد.
تخيلوا أنفسكم في غرفة مغلقة، تحاولون إيجاد مخرج، هذا هو حال العديد من قادة الحركات الإسلامية اليوم، يعيشون داخل هذه الغرفة وانشغلوا بمحاولات الخروج من أزماتهم الداخلية، حتى كادوا ينسون القضية التي طالما نادوا بها.
الصراع الحتمي بين الأجيال: قديم يرفض الرحيل وجديد يتوق للتغيير
ينشأ حوارا بين جد وحفيده؛ الجد يتمسك بحكمة السنين وتجارب الماضي، بينما الحفيد يحلم بعالم جديد ومختلف. هذا الصراع يتجلى داخل الحركات الإسلامية اليوم.
القيادات القديمة، بخبرتها وحذرها، تقف في وجه تيار شبابي متحمس للتغيير. النتيجة؟ جمود فكري وتنظيمي يعيق أي محاولة للتجديد أو التكيف مع الواقع الجديد.
عندما يصمت الصوت: غياب الدعم في أحلك الأوقات
قصة الحركات الإسلامية وفلسطين هي درس في الصمود والحاجة للتجدد، إنها تذكرنا بأن الثبات على المبادئ لا يعني الجمود، وأن التغيير ليس عيبا بل ضرورة، وليس معناه التخلي عن المبادئ
يشاهد الجمهور العربي والإسلامي التلفاز، يتداولون مشاهد الدمار في غزة عبر كل الوسائل الإعلامية ويتساءلون: أين تلك الحركات التي كانت تملأ الشوارع احتجاجا ودعما؟
الحرب الأخيرة على غزة كانت بمثابة مرآة عاكسة لحال الحركات الإسلامية. صمت مخيّم هنا، تصريح خجول هناك، لكن الغياب الفعلي كان هو السمة الأبرز.
نظرة للمستقبل: هل من أمل في النهوض؟
رغم كل ما سبق، دعونا نتحلى بالتفاؤل للحظة، تخيلوا معي حركة إسلامية جديدة، تجمع بين حكمة الماضي وطموح المستقبل، حركة تقدم حلولا عملية لمشاكل الناس، وتعيد الاعتبار لقضية فلسطين بأسلوب عصري ومؤثر.
هل هذا ممكن؟ نعم، ولكنه يتطلب شجاعة كبيرة، شجاعة لمراجعة الذات، للاعتراف بالأخطاء، وللتكيف مع عالم متغير.
درس في الصمود والتجدد
في النهاية، قصة الحركات الإسلامية وفلسطين هي درس في الصمود والحاجة للتجدد، إنها تذكرنا بأن الثبات على المبادئ لا يعني الجمود، وأن التغيير ليس عيبا بل ضرورة، وليس معناه التخلي عن المبادئ.
وهنا يأتي السؤال: هل ستنجح هذه الحركات في إعادة اكتشاف نفسها وإحياء دورها في دعم فلسطين؟
الإجابة لا تزال مجهولة، لكن التاريخ يعلمنا أن الأمل دائما موجود، طالما هناك من يؤمن بالتغيير ويسعى إليه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات فلسطين غزة التغيير فلسطين غزة الإسلاميين التغيير مدونات مدونات مدونات صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
تقرير: بيت لاهيا .. المدينة المثمرة تحاول النهوض من تحت الركام
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: تجلس أم أحمد العطار، سيدة خمسينية، أمام ما تبقى من منزلها في بيت لاهيا، وقد نصبت خيمة على الأنقاض. لا تستطيع التعبير عن الصدمة، التي انتابتها، عند العودة، كونها «صدمة لا توصف»، حسب تعبيرها، فلم يعد هناك منزل يحتويها، ولا أي غرض معيشي يساعدها على الحياة.
لكنها رغم ذلك ترفض المغادرة. تقول بحزن لـ«عُمان»: «نصبت خيمة أمام بيتي، إلى أين أذهب؟ لم يبق لي مكان آخر، حالتي النفسية لم تعد تحتمل النزوح أكثر».
تفقدت ما تبقى من ذكرياتها بين الركام، إلا أن الألم الأعظم كان حين لم تجد قبر ابنتها التي استشهدت خلال حرب السابع من أكتوبر.
تشير إلى المساحة التي دفنتها فيها، وتضيف بصوت مختنق: «دفنتها هنا، لكنني لم أجد القبر عند عودتي، كأن كل شيء قد مُحي تمامًا».
تواصل حديثها مؤكدة أن حياتها لم تعد كما كانت، فزوجها اعتُقل خلال الحرب وتم نقله إلى أحد السجون الإسرائيلية، لتجد نفسها اليوم وحيدة مع بناتها وسط هذا الدمار.
أنقاض لا تصلح للحياة
وسط الركام، تحاول سعاد المصري، سيدة أربعينية، أن تستعيد جزءًا من حياتها السابقة. تروي كيف اضطرت إلى مغادرة بيت لاهيا مع عائلتها إلى رفح بحثًا عن الأمان، لكن العودة كانت أكثر إيلامًا مما تخيلت.
تقول لـ«عُمان»: «ما وجدناه لم يكن منزلًا، بل أكوامًا من الحجارة، نصبنا خيمة جواره، فلا يوجد لنا مكان آخر».
تحاول مع جيرانها البحث عن أي مورد يمكنهم استخدامه للبقاء، فالمياه شحيحة والكهرباء غائبة تمامًا، فيما لا تزال أبسط الاحتياجات غير متوفرة.
تضيف: «الدمار طال كل شيء، حتى الأرض لم تعد كما كانت، وكأن بيت لاهيا محيت من الوجود». مشددة على أن العيش في هذه الظروف القاسية يمثل معركة يومية من أجل البقاء.
بين الإصرار واليأس
يحاول محمود العطار، شاب في الثلاثينات من عمره، إزالة الركام من أمام منزله، لكنه يدرك أن المهمة تفوق قدراته. يشير إلى الحطام المكدس حوله، ويقول: «ليس هناك متسع للحركة، الركام يملأ كل الطرقات والمنازل، لكننا سنواصل العمل».
يرى في رفع الحجارة أول خطوة نحو إعادة بناء حياته، رغم إدراكه أن الأمر قد يستغرق سنوات.
يضيف لـ«عُمان»: «حتى لو احتاج الأمر مليون سنة، لن نغادر. سنبني من جديد، لأن هذه أرضنا ولن نتخلى عنها مهما حدث». رغم صعوبة الوضع، يحرص على مساعدة جيرانه في إزالة ما يستطيعون من الدمار، في محاولة لإعادة الحياة إلى البلدة المنكوبة.
العودة إلى زمن غابر
يبحث أبو خالد السلطان، رجل خمسيني، عن أي مصدر للمياه، في ظل توقف جميع الشبكات بسبب القصف. يشير إلى أحد الآبار القديمة التي يحاول تشغيلها.
يقول لـ«عُمان»: «رجعنا للزمن القديم، لا مياه ولا كهرباء، نحاول تشغيل الآبار البدائية لنحصل على القليل مما يمكننا العيش عليه».
يشرح كيف تحولت الحياة في بيت لاهيا إلى معاناة يومية، حيث لا توجد أي مقومات أساسية للعيش. يؤكد أن الوضع لا يطاق، فحتى الطعام أصبح نادرًا، والمساعدات لا تصل بالقدر الكافي. يلخص معاناته قائلًا: «المدينة كلها مدمرة، لم يبق شيء صالحًا للحياة، لكننا هنا، وسنبقى هنا».
البحث عن أمل بين الركام
يحاول أحمد غبن، شاب في العشرينات، أن يجد بين الأنقاض أي غرض معيشي، سواء ملابس، أو أدوات منزلية، أو أي شيء، يعينه على الحياة. يشير إلى منزله المدمر.
ويقول لـ«عُمان»: «كل شيء ضاع، حتى أبسط الاحتياجات لم تعد موجودة، نحاول استخراج ما يمكننا الاستفادة منه، أي أمل بين الركام».
يشدد على أن حجم الدمار يفوق التوقعات، فحتى البنية التحتية انهارت بالكامل. يضيف: «لم يسلم شيء، المستشفيات، المدارس، شبكات المياه والكهرباء، وحتى الطرق، وكأننا عدنا مئات السنين إلى الوراء».
ويصف يومياته بأنها صراع مستمر مع الدمار، إذ يتحتم عليه السير لعدة كيلومترات لإيجاد مستشفى أو مركز طبي لمساعدة المرضى والمصابين.
مدينة تتوارث المقاومة
بيت لاهيا ليست مجرد بلدة زراعية مثمرة، بل تاريخ طويل من الأحداث والصراعات. مر عليها الرومان والفرس والمسلمون، وسكنها العرب الكنعانيون، واحتلها الإسرائيليون عام 1948، قبل أن تصبح جزءًا من قطاع غزة في 2005. تتميز بأراضيها الخصبة، ومشروع الخياطة الذي كان أحد أكبر مصادر الدخل لسكانها.
لكن قربها من المناطق الحدودية جعلها في مرمى نيران الاحتلال على الدوام، حيث تعرضت لموجات متكررة من القصف والتجريف، خاصة بسبب دعم سكانها للمقاومة. اليوم، باتت المدينة أشبه بأطلال، لكن سكانها مصرون على البقاء رغم الخراب.
بيت لاهيا.. مدينة منكوبة
يؤكد علاء العطار، رئيس بلدية بيت لاهيا، أن المدينة أصبحت منكوبة بالكامل، وأن إعادة الحياة إليها تتطلب جهودًا ضخمة. يوضح: «95% من مباني المدينة دمرت بالكامل، وأكثر من 80% من آبار المياه الرئيسية خرجت عن الخدمة».
يضيف لـ«عُمان» أن الاحتلال لم يكتف بتدمير المنازل، بل استهدف البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك قطاعي المياه والصرف الصحي. يشير إلى أن 60% من المضخات الرئيسية تعطلت، ما أدى إلى أزمة مياه خانقة.
يتحدث عن قطاع الزراعة، الذي كان يمثل مصدر رزق لكثير من السكان، مؤكدًا أن الاحتلال تعمد تدمير الآبار الزراعية وتجريف الحقول.
يقول بأسف: «بيت لاهيا كانت السلة الغذائية الأولى لغزة، لكن الآن لم يعد هناك أي إنتاج زراعي، وكل شيء دُمر».
أما على صعيد الخدمات الصحية، فيشير إلى أن مستشفى كمال عدوان دُمر بالكامل، فيما لحقت أضرار جزئية بمستشفى العودة. يختتم حديثه بالقول: «الاحتلال تعمد القضاء على كل مقومات الحياة، لكننا مصرون على إصلاحها، رغم قلة الإمكانات».
الدمار ليس النهاية
رغم الخراب الذي يحيط بكل زاوية، يرفض أهالي بيت لاهيا أن يكون الدمار هو النهاية. في كل شارع مهدم، وفي كل منزل تحول إلى ركام، هناك قصة صمود تحكى، وإرادة تُجدّد. لا شيء في المدينة يوحي بالحياة كما كانت، فالمياه شحيحة، والكهرباء غائبة، والطرقات غير صالحة حتى للمشي، لكن وسط هذه الفوضى، يتجلى تصميم لا مثيل له على البقاء.
يستيقظ السكان كل يوم ليجدوا أمامهم مشهدًا يوحي بنهاية العالم، ومع ذلك، فإنهم لا يختارون الرحيل، بل يبحثون بين الحجارة عن بداية جديدة. النساء اللواتي فقدن أبناءهن ما زلن يخبزن الخبز على النار المشتعلة بالحطب، الرجال الذين فقدوا منازلهم يعملون على نصب خيام بسيطة لتحمي عائلاتهم من البرد، والشباب الذين رأوا أحلامهم تنهار تحت القصف يزيلون الركام، حجرًا بعد حجر، بأيديهم العارية.
بيت لاهيا، التي كانت يومًا جنة خضراء، باتت الآن مدينة من الرماد، لكن من بين هذا الرماد، ترتفع أصوات الحياة. ورغم انعدام الإمكانات، فإن الأهالي يراهنون على قدرتهم على إعادة إعمار ما تهدم، ولو بأدوات بدائية.
لا أحد ينتظر معجزة، ولا أحد يعوّل على المساعدات وحدها، بل يعتمدون على عزيمتهم وإيمانهم بأن هذه الأرض لهم، ولن يتركوا فيها فراغًا يسكنه الدمار.
في بيت لاهيا، لا يوجد وقت للبكاء طويلاً، فالحياة رغم كل شيء يجب أن تستمر. قد تمر سنوات قبل أن تعود المدينة كما كانت، وقد تتغير ملامحها إلى الأبد، لكنها ستظل رمزًا للصمود، ودرسًا في الإصرار، وعنوانًا لشعب لا يعرف الاستسلام.