غزة: «الضحية الأولى للحرب هي الحقيقة»
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
سرايا - عمل مهند هادي، الذي يحمل الجنسية الأردنية، في منصب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية المعني بالأزمة في سوريا منذ العام 2020 بعدما قضى فترة من العمل لدى برنامج الأغذية العالمي. ومنذ يوم 12 نيسان/أبريل 2024، يتولى هادي منصب المنسق المقيم/منسق الشؤون الإنسانية في فلسطين ونائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وكان هادي في بروكسل في 10 أيلول/سبتمبر، حيث اجتمع مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي وقدم إحاطة صحفية في مقر مركز الأمم المتحدة الإقليمي للإعلام، وقدم شهادة مؤثرة للغاية حول الحالة الراهنة في غزة والصعوبات التي يواجهها السكان والعاملون في المجال الإنساني.
وصرّح هادي بقوله: «ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يسبق له مثيل. والمعاناة التي يكابدها الرهائن منذ ما يقارب سنة ليست مقبولة. يجب إطلاق سراح الرهائن. وعندما نتحدث عن المعاناة الإنسانية، فنحن نتحدث عن معاناة الناس كافة. فينبغي ألا تلحق المعاناة بأي إنسان بسبب الحرب. ويجب ألا يعاني أحد بسبب السياسة الخاطئة. إننا، بوصفنا بشرًا، نتعامل مع النتائج التي تخلّفها السياسة الفاشلة.»
«مثل فيلم رعب من إنتاج هوليوود»
كان السيد هادي، خلال زيارته الأخيرة إلى غزة في نهاية شهر آب/أغسطس، في دير البلح وخانيونس مع منظمة الصحة العالمية من أجل الإعداد لإطلاق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال. «عندما اجتزتُ الحدود أول مرة، كان الأمر يشبه فيلم رعب من إنتاج هوليوود، من الدمار الذي شاهدته. بدا الأمر كما لو أنك تشاهد فيلمًا. تفقد إحساسك بالواقع في بعض الأحيان، ويصعب عليك أن تفهمه. وما إن تلتقي بالناس وتتحدث إلى النساء والأطفال، تعتمد طريقة مختلفة في العمل. ولكن الحالة مؤلمة حقًا.»
وتذكّر السيد هادي رجلًا التقى به في غزة، وكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ووصف الحالة بهذه العبارات: «عليك أن تنظر إلينا كما لو كنا مليونين من الموتى الأحياء ونعيش وحدنا. المجتمع المحلي محطم، والأسرة محطمة، والمجتمع محطم. جميع العلاقات محطمة.»
ويتزايد عدد اليتامى الذين يعيشون وحدهم. «ثمة عدد يتراوح من 17,000 إلى 18,000 من الأطفال الذين ليسوا بصحبة ذويهم، والفتيان والفتيات يجوبون شوارع غزة دون أي حماية ودون مرافقة أفراد أسرهم. هل في وسعكم أن تتخيلوا الاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي؟ هل تستطيعون أن تتخيلوا ما يمرون به؟ إنه أمر مريع.»
«النساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل ونقص الشامبو»
قال السيد هادي إن المياه النظيفة أو فنجانًا بسيطًا من القهوة أو الفطور: هذه الأشياء العادية غدت «أحلامًا» بالنسبة للسكان الفلسطينيين في غزة بعد مرور 11 شهرًا على اندلاع الحرب.
«ثمة أمور لا نستطيع أن نفكر فيها. الإحساس بالأمن. حقيقة أنكم تجلسون في هذه الغرفة دون أن يساوركم القلق جراء قنبلة أو انفجار بجواركم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أقاربكم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أطفالكم وأفراد أسركم. هذا ليس متاحًا في غزة، هذه مشكلة تخص السكان في غزة.»
وأكد هادي أن إمكانية الوصول إلى حمّام لائق دون التعرض للمضايقات أو الاستغلال أو العنف القائم على النوع الاجتماعي تعد أيضًا مشكلة كبيرة تواجه النساء والفتيات. «فالنساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل وغياب النظافة الصحية ونقص الصابون.»
الأطفال يجمعون الحطب
كما تحدث السيد هادي عمّا يواجهه السكان الذين يعيشون في مراكز الإيواء التي تحفّها المخاطر من إحساس باليأس وافتقار إلى الهدف في حياتهم اليومية في غزة، إذ «لا يعرفون ما إذا كانوا سيكونون في عداد الأحياء في نهاية اليوم أم لا.» ولاحظ هادي أن «الشغل الشاغل للأطفال لا يزيد عن الذهاب إلى جمع الحطب لكي تتمكن أمهاتهم من طهي الطعام لهم. فليس ثمة غاز للطهي، ولا وجود للكهرباء. والأطفال يجمعون الخشب والكرتون وأحيانًا البلاستيك.»
«يحاول الأطفال أن يشغلوا أنفسهم. ولذلك، قد تقود سيارتك في شوارع خانيونس وسط كل هذا الدمار، ثم ترى فتاة صغيرة على قارعة الطريق وأمامها طاولة صغيرة وتحاول أن تبيع أشياء مثل مقبض باب مكسور أو كوب أو أي شيء. لا أستطيع أن أتصور من قد يشتري هذه الأشياء لأنه لا توجد عملة في غزة على أي حال. فالأوراق النقدية اختفت.»
التحديات التي تواجه المعونات الإنسانية
حضر السيد هادي إلى بروكسل لكي «يبيّن العذاب الذي ألمّ بالناس ويتأكد من أننا لا نزال نحصل على الدعم المالي والسياسي ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الدعم الذين يمكّننا من أداء عملنا.»
«عندما تعمل في ميدان إنقاذ الحياة، فأنت لا تترك شاردة ولا واردة (...). فالأمر لا يتعلق بالسكان الذين نخدمهم، وإنما بهؤلاء الذين لا نملك القدرة على خدمتهم. وعندما تحاول الأمم المتحدة أن تنفّذ برنامج العمل وميثاق الأمم المتحدة، فهي بحاجة إلى دعم بروكسل والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ليس في وسعنا أن نستسلم. فالسكان في غزة يعلّقون آمالهم علينا. وقد قلنا مرارًا وتكرارًا، وقال الأمين العام للأمم المتحدة، إننا سوف نبقى وسوف ننجز عملنا. (...) إن ما يقلقني على الدوام هو أن تغيب غزة عن رادار العمل الإنساني، وعن رادار المجتمع الدولي وعن الأخبار التي تُبَثّ في ساعة الذروة. وينبغي لها ألا تغيب طالما استمرت الحرب والمعاناة والقتل.»
إمكانية محدودة لوصول المعونات الإنسانية
وقد بيّن السيد هادي أن «وصول المعونات الإنسانية يساء استخدامه في بعض الأحيان، أو يساء فهمه على نحو أكثر تواترًا. فالوصول ينطوي على ما يتجاوز الوصول المادي مثلما يعتقد الناس. ففي حالتنا، يُستهل الوصول بتأشيرات السفر التي تُمنح دون قيد أو شرط للعاملين في المجال الإنساني، وهذا أمر لا نملكه. والوصول المادي على الطرق التي لا نملكها، لأن المعابر ليست مفتوحة جميعها.
يتعلق الوصول بالمساءلة التي لا تتيسر لنا. فمن اجل ان نتمكن من الوفاء باحتياجات السكان، نحتاج إلى إجراء التقييمات، ولكن لا يتوفر لدينا الحيز الذي يتيح لنا إجراءها. ولا تسمح لنا الحالة في غزة أن ننفذ أعمال الرصد المسبق لكي نرصد عمليات التوزيع، ونُعِدّ الرصد اللاحق بعدها. وهذه مشكلة أخرى ترتبط بالوصول الذي لا تخفى أهميته. ويشكّل الوصول رحلة طويلة بالنسبة لنا، ولكن النتيجة النهائية للوصول تكمن أساسًا في تقديم المساعدات والمساعدات الضرورية للسكان الذين يحتاجون إليها في الوقت المطلوب، وعلى النحو الذي يرون أنه يليق بهم.
إننا نحتاج بصفة خاصة إلى التحدث مع النساء والأطفال لكي نقف على ما يحتاجون إليه ونقدم تلك المعونة لهم. ونحن لا نملك الميزة التي تيّسر لنا ذلك الآن.
لذلك، فنحن في الأساس نعطي هؤلاء ما نستطيع تقديمه: دقيق القمح، والصناديق، وصناديق الأغذية المعلبة وغيرها من المواد الغذائية، ولكننا نفتقر إلى الحرية التي تمكّننا من تحديد ما نُحْضِره.»
المسائل المتعلقة بسلامة الموظفين
«كما ينبغي أن ترتبط إمكانية الوصول بواجب الرعاية. فالموظفون بحاجة إلى الحماية. ونحن بحاجة إلى معدات الاتصالات، ولكننا لا نملك كل شيء نحتاج إليه. ونحتاج إلى المركبات المصفّحة ومعدات الحماية الشخصية، والقائمة تطول.
إننا نُجبَر على الانتظار على الحواجز لستّ أو سبع أو ثماني ساعات في بعض الأحيان. من الطبيعي أن يجلس الموظف في مركبة مصفحة وينتظر الضوء الأخضر للتوجه إلى شمال غزة أو أي بقعة في غزة لمدة سبع أو ثماني ساعات. صدّقوني، إن الجلوس في مركبة مصفحة وانتظار الضوء الأخضر للتحرك في منطقة تدور رحى الحرب فيها أمر يدمر الأعصاب. وبينما تجلس في المركبة وتتلقى هذه المركبة بعض الرصاصات، فذلك ينقلك إلى مستوى آخر من التوتر.
إن المخاطر التي تواجهها المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة في غزة في سبيل إنقاذ الحياة لم يسبق لها مثيل. فنحن لم نقبل هذا المستوى من الخطر على حياة موظفينا في أي مكان في العالم.
في 27 آب/أغسطس، أُصيبت إحدى مركبات برنامج الأغذية العالمي التي حصلت على تصريح للمرور بعشر رصاصات حالما بدأت التحرك. خمسة على جانب السائق والبقية على جانب الركاب. ومنذ بداية النزاع، أُزهِقت أرواح سبعة زملاء من منظمة المطبخ المركزي العالمي غير الحكومية وزميل من أمن الأمم المتحدة (إدارة الأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن) و214 زميلًا من موظفي وكالة الأونروا.
لا يسعكم أن تتصورا مدى تفاني موظفي الأمم المتحدة. عليَّ أن أحمي موظفي الأمم المتحدة من أنفسهم في بعض الأحيان لأضمن سلامتهم وأمنهم. أقول لهم: «لا، عليكم أن تنجزوا هذا العمل وذاك قبل أن تذهبوا. لا يمكنكم السفر يوم غد إلى خانيونس لأن عمليات عسكرية تدور فيها، عليكم أن تعتنوا بأنفسكم.»
وعليَّ أن أجبر الناس على المغادرة في بعض الأحيان لأن صلة عاطفية عميقة للغاية تربطهم بعملهم. إنهم هؤلاء الذين يؤدون العمل أكثر مما أؤديه أنا بالمناسبة. إنهم أولئك الذين يخاطرون بحياتهم ويعملون على مدار الساعة.»
«الضحية الأولى للحرب هي الحقيقة»
أجاب السيد هادي، عندما سُئل عن الطرف المحارب الذي جاءت الرصاصات من جهته: «الضحية الأولى للحرب هي الحقيقة. إنك تسمع أكثر من رواية للحادثة نفسها، ولكن الأحداث تأتي من الجانب الإسرائيلي في الكثير من الأحيان، مشكلة فض الاشتباك.»
لم يُفقد الأمل برمته، كما أثبتته حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي انطلقت مؤخرًا. «جرى وقف إطلاق النار في مناطق معينة للسماح لنا بأداء عملنا. لذا، عندما يتفق طرفا النزاع على شيء ما، فهم يفعلونه.»
مخاطر التصعيد
فيما يتعلق بالضفة الغربية، قارن السيد هادي الحالة فيها «بإناء الضغط الذي يزيد عمره على نصف قرن. وعندما ينفجر، فقد تكون الحالة في الضفة الغربية أسوأ منها في غزة.»
كما تفرز الحالة في غزة والضفة الغربية أثرًا على المنطقة بأسرها. «فما نشهده على الحدود الإسرائيلية اللبنانية قد ينفجر في أي لحظة. والمنطقة متشابكة لدرجة أن ما يحدث في غزة قد يكون له أثر في طهران، ونحن جميعًا نرى ذلك. آمل أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار عاجلًا وليس آجلًا، وأن يدرك الناس في الشرق الأوسط أن السبيل إلى الوجود وضمان سلامتهم هو سبيل السلام.»
وصرّح السيد هادي في معرض تعقيبه على المساعي التي تُبذل للتوصل إلى وقت لإطلاق النار: «إن الأمريكيين يضطلعون بدور جيد، وكذلك القطريين والمصريين وأطراف آخرين في المنطقة، وبالتأكيد العديد من البلدان الأوروبية. وما نود أن نراه هو أن يتأكد الساسة من أنهم يوحّدون جهودهم لممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى وقف إطلاق النار.»
الإنسانية على المحك
يناشد السيد هادي «الشعوب في المنطقة لتفهم شيئًا واحدًا: الإنسانية فوق جميع الأديان. وما لم ندرك جميعًا هذا الأمر، فلن ينفك الناس يعثرون على سبب للقتال في الشرق الأوسط. الحرب تولّد التطرف لدى جميع الأطراف.»
«ولكي نتمكن من معرفة النقطة التي نلتقي فيها، علينا أن نجتمع بوصفنا بشرًا على القيم التي نملكها بوصفنا بشرًا. يجب أن توضع الإنسانية قبل جميع الأديان وفوقها لكي يتسنى لنا أن نعيش بعضنا مع بعض في تلك المنطقة. المسلمون والمسيحيون واليهود.»
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: فی بعض الأحیان الأمم المتحدة الحالة فی جمیع ا فی غزة
إقرأ أيضاً:
«النصب أونلاين».. كيف يسقط الضحية في فخ المستريح الإلكتروني؟
في عالم اختلطت فيه الحقيقة بالزيف نرى ظاهرة جديدة تحمل في طياتها خيوطًا من الغدر والخداع يتم نسجها عبر الفضاء الإلكتروني الذي اخترق حياتنا وأصبح جزءا لا يتجزأ منها.
لصوص يبيعون الوعود الكاذبة بفوائد تجارية ضخمة، يجذبون من خلالها الأفراد إلى دوامة الطمع والجشع ثم يختفون في لحظة، تاركين وراءهم غبار الخيبة والدمار.
إنها ظاهرة «المستريح الإلكتروني»، التي بدأت تتوغل أكثر فأكثر مما كان للأمر انعكاس على المجتمع، حيث بدأ مجلس النواب في اتخاذ خطوات جادة لمناقشة تعديل قانون العقوبات الخاص بمثل هذه الأنسجة الرقمية، كي يضع حدًا لهذا الجشع الإلكتروني الذي يهدم الثقة في الفضاء الرقمي.
من جانبه يقول أيمن محفوظ، المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا: إن الجريمة تطورت بتطور التكنولوجيا لذا تحاول الجهود الأمنية مكافحة الجريمة وملاحقة هذا التسارع في النشاط الإجرامي، وتعد جريمة المستريح الإلكتروني من أخطر الجرائم الواقعية التي تستخدم فيها التكنولوجيا كأداة لسلب أموال الناس بالباطل ومخاطبة بعض الأشخاص المتهورين ممن لديهم حلم الثراء السريع، فتسيطر عليهم.
مشيرًا إلى أن الدولة تكافح بكل السبل عمليات توظيف الأموال أو ما يسمى بظاهرة "المستريح"، وذلك لما لها من ضرر على الاقتصاد القومي، كما أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون مدفوعين لجمع الأموال من المواطنين من أجل استخدامها في أغراض إجرامية أو إرهابية، ولهذا شدد القانون على تلك الجريمة بعقوبات رادعة، فكل من يتلقى أموالا خارج إطار القانون أو بدون ترخيص من المواطنين ويمتنع عن ردها يعاقب بالسجن المشدد وغرامة ضعف ما تلقاه.
وهذه الجريمة يشترط لقيامها أن يكون المتهم قد تلقى أموالا من الناس بدون تمييز، وليس من خلال منظومة أو جماعة محددة، بل إن الجاني يكون له عقل ومراوغة الثعالب للهرب بأموال المواطنين، فلذلك جرم القانون جمع الأموال بغرض توظيفها دونما الحصول على إذن من الجهة الإدارية"، مؤكدا على تجريم عملية تلقي وتوظيف الأموال طبقا لنص المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 والتي تصل العقوبة وفقا لها إلى 15 عامًا وغرامة مالية 100 ألف جنيه، وقد تصل إلى ضعفي الأموال التي تلقاها الجاني بالإضافة إلى رد قيمة ما تحصل عليه الجاني "المستريح" من أموال الضحايا.
ويرى محفوظ أن القوانين الحالية رادعة ولا نحتاج إلى قوانين أخرى لتجديد العقوبات، ولكن الهدف الرئيسي هو توعية المواطنين بعدم الوقوع في شرك المستريح، موضحا أن استخدام الإنترنت في الدعاية لأي مستريح يقع تحت تأثيم نصوص قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 175 لسنه 2018، والذي يحتوي على العديد من المواد إلا أن أخطرها هو نص المادة 27 من ذات القانون، والتي تفيد بأن إنشاء حساب على الإنترنت بهدف تسهيل جريمة فالمحاكم الاقتصادية هي من تختص بالعقوبة والمحاكمة، وهناك مواد تعاقب على التحايل الإلكتروني سواء على الأفراد أو على مؤسسات الدولة وتتراوح ما بين الحبس والسجن مما يؤكد أن هناك قوانين تكافح تلك الظاهرة بعقوبات رادعة".
ويقول محمد الحارثي، استشاري الذكاء الاصطناعي وخبير المعلومات: إن «المستريح الإلكتروني» غير متداول في نطاق التشريعات الإلكترونية إلا أنه يوجد في القوانين الخاصة أو الجنائية والمدنية والقانون 175 لمكافحة جرائم المعلومات ما يتعلق باستخدام الأدوات الرقمية في الاحتيال والحصول على البيانات والمعلومات وخلافه، وهنا نتحدث عن استخدام وسيط إلكتروني أو رقمي فيما يتعلق بجمع أموال بغير نطاق مرخص به، وبالتالي هذا يعد نمط احتيال إلكتروني قد يكون له عقوباته الموجودة بالفعل إلا أننا قد نحتاج لأن يتم تغليظها، فعملية الاحتيال والنصب هي موجودة بالفعل في البنود التشريعية والقانونية".
ويضيف "الحارثي" إن عمليات الاحتيال والنصب تلك يمكن إثباتها إلكترونيا فالجهات الخاصة لديها القدرة على إثبات عمليات النصب والاحتيال الإلكتروني أو إدارة شبكات إلكترونية في أغراض خاصة بالاحتيال أو تداول أموال بغير نطاق مرخص لها، فهناك ما يسمى "أدلة جنائية رقمية" وهذه الأدلة فيما يتعلق بالحسابات الخاصة بالأفراد واستخدامها في عمليات الانتحال أو الوسيط أي الجهاز المستخدم للدخول على منصات الحسابات الرقمية أو الحسابات التي يتم من خلالها تحويل الأموال عبر المحافظ الإلكترونية أو حسابات أخرى.
مؤكدا أن المستخدم العادي ليس بإمكانه معرفة تلك المنصات الاحتيالية، إلا أنه لا بد من إعمال العقل فلا يوجد آلية أو وسيلة عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات عامة مرخص أن يتم من خلالها تبادل الأموال، فتلك الوسائل معروفة وتتمحور حول الحسابات البنكية أو الإنستا باي، أو المحافظ المخصصة لتحويل الأموال للأشخاص ولكن بمبالغ بسيطة، إلا أن وجود تطبيق يتم من خلاله تقديم الفلوس مقابل استثمار، فهذا نمط من أنماط الاحتيال، فتلك الخدمات لابد أن تكون من البنك المركزي المصري أو هيئة الرقابة المالية أو الجهات المنوط بها هذه المسألة".
وأما عن طرق التخلص من تلك الصفحات إلكترونيا، فيرى الحارثي أنه يمكن حظر تلك الصفحات الاحتيالية مشيرا إلى أن الوعي يعلو فوق كل شيء، فإذا قمنا بإغلاق عدد من الصفحات أو الحسابات أو التطبيقات المعينة فهذا لن يقضي عليها، فسنجد الكثيرين الذين تم إنشاؤهم من جديد، لذا فالوعي هو الذي يغلق الطريق على هذه المسألة".
ومن منظور علم النفس يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: مع أي تطور تكنولوجي أو شيء مستحدث لخدمة البشرية لا بد أن تبرز معه الشخصيات غير السوية التي ستبدأ في استغلال هذا الشيء، فعلى سبيل المثال عند بداية تكوين الجمعيات الأهلية لمساعدة الناس كان يترأسها سيدات فضليات من العائلة المالكة وكان يتم التبرع من خلالها بالفلوس لخدمة الأسر الفقيرة وإمداد المستشفيات ببعض المستلزمات الناقصة، إلا أنه بمرور الوقت تطور الأمر ولم تعد كل الجمعيات المتواجدة حاليا تقوم بالدور الذي أنشئت من أجله، فهناك من يستغل المتبرعين وهناك من يستغل الظروف ويأخد الأموال لنفسه، فنحن نعيش في مجتمع يحمل الجيد والسيئ، فليس كل من يصنع الخير جيدا وليسوا كلهم سيئين، ونفس الأمر ينطبق على السوشيال ميديا".
مضيفا: إن شخصية المستريح تتسم بالسلبية وعدم الارتياح واللامبالاة بنتيجة تصرفاته فليس لديه أي نوع من المشاعر أو الأحساسيس أو القيم دينية أو الأخلاقية، ونفس الأمر ينطبق على الضحية فهو شخص منساق وراء مطامعه الشخصية يسعى من أجل المكسب السريع، فالطبيعي أن يتدرج الشخص في مناصبه ومكاسبه إلا أن هناك أشخاصا يودون أن يتسلقوا السلم مرة واحدة، فهذه الشخصيات مضادة للطبيعي، لذا يتعرضون للنصب والاحتيال، فدائما النصاب يقابله الطماع الذي يبحث عن المكسب السريع الكبير، حيث يسير على خطوط غير سوية مما يعرضه للخداع، لذا لابد من إعمال العقل والصبر والتريث في جلب الرزق".
من جانبه، قال "ع.م" أحد ضحايا ظاهرة المستريح الإلكتروني: «كنت دايمًا بحلم أحقق مكاسب إضافية بجانب شغلي، وفي يوم من الأيام شفت إعلان على الفيسبوك لفرصة استثمارية مغرية جدًا، كان الإعلان عبارة عن صفحة ممولة بشكل عام، والوعود كانت ضخمة بتحقيق الأرباح في أقل من شهر.
كان التسويق وقتها جذابا جدا، شاملا صورا ومقاطع فيديو للناس بيقولوا إنهم جربوا المشروع وحققوا أرباحًا ضخمة، بدأت بعدها أتابع الصفحة ولقيت ناس كتير راضيين عن النتائج، فقررت المشاركة في الاستثمار، في البداية كان الشخص المسؤول يتواصل مع المتابعين، لأن الاتصال كان سريعًا وكانوا دايمًا بيجاوبوا على طلبات، طلبوا مني مبلغًا بسيطًا في البداية. ونتيجة لذلك، كانت البداية جيدة جدًا، إلا أنه بعد فترة وبعد ما المبلغ اللي دفعته كبر اختفى المسؤول عن الصفحة تماما، حاولت اتواصل معه إلا إن كل المحاولات باءت بالفشل.
وعندما قررت البحث عن تفاصيل أكتر، اكتشفت أن الشخص اختفى فجأة من فيسبوك، فقدمت بلاغ في مباحث الإنترنت واللي بجهودهم المبذولة المكثفة قدروا يحددوا هوية الشخص وأعدوا قوة متخصصة وتتبعت محل تواجد المتهمين وألقوا القبض عليه ليقع في قبضة القضاء.
اقرأ أيضاًيتضمن عقوبات رادعة.. تفاصيل مشروع قانون المستريح الإلكتروني
من البط إلى الطحالب والعقارات والنصب الإلكتروني.. تعددتِ الأشكال والمستريح واحد
اتصالات النواب تناقش مشروع قانون تغليظ عقوبة النصب الإلكتروني