سينما – فيلم ( سودان يا غالى ) !
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
عدنان زاهر
Sudan, Remember Us
عرض الفيلم في مهرجان تورنتو السينمائي العالمي في دورته الحالية ال 49 ، و يقام هذا المهرجان كل عام في سبتمبر و يستمر لمدة احدى عشر يوما، و قد بدأت فعاليات هذه الدورة في 5 سبتمبر و تنتهى يوم الخامس عشر من الشهر الجاري.
قبل الدخول في عرض أحداث الفيلم لدى تعليق بسيط حول اسم الفيلم الوثائقي و ترجمته ، يبدوا ان من قام بترجمة اسم الفيلم قد لجأ الى الترجمة الفنية و ليست الحرفية التي يمكن أن تترجم الى ( تذكرنا يا سودان )، بالطبع من جانبي و بعد مشاهدتي لأحداث الفيلم أحبذ الترجمة الفنية، و أعتقد أن الاسم الأمثل للفيلم ( السودان ، الحلم و الأمل ).
الفيلم الوثائقي يستعرض احداث الثورة السودانية في الأعوام 2018 – 2019 و ذلك من خلال تداعى و منولوج أبداعي تتخلله مقابلات مع بعض شباب الثورة و الأماكن التي شملتها الثورة بما في ذلك ميدان الاعتصام الذى حدثت به " المجزرة " لاحقا.
تستند المخرجة في استعراضها لوقائع الفيلم على الشعر الذى لعب دورا محوريا و وجدانيا في تأجيج مشاعر الثوار ...النهوض بجسارتهم و اقدامهم. في رحلتها مع أحداث الثورة من مرحلة الى مرحلة لاحقة... أتت بمحجوب شريف، محمد الحسن سالم حميد و أزهري محمد على........ لكن ما أثار دهشتي حقا، الوعى الذى يتمتع به أولئك الشباب الذين التقت بهم، فقد ذكر أحدهم معلقا على شعر هؤلاء الشعراء الأفذاذ ما معناهو
( الشعراء يناضلون و يكتبون الشعر و لكن ليس بالضرورة أن يشهدوا أو يعاصروا ما نادوا به قد تحقق على أرض الواقع، فقد كتب محجوب شريف، أزهري و حميد شعرا ثوريا رائعا، كان الزاد و المحفز للثوار في كل شبر من أرض السودان ولكنهم لم يشهدوا الثورة، و هي توقظ الشوارع النائمة الراكدة و تنتصر ، لذلك سنكتب الشعر الثوري ليحفز الثوار لمواصلة الثورة حتى تتحقق جميع شعارتها ).
المخرجة في تنقلها الذكي اللماح ، زرنا معها ميدان الاعتصام أو ( المدينة الفاضلة ) التي أقامها الثوار في تحدى و رغم أنف الديكتاتورية وسط الخرطوم و امام القيادة العامة. تعايشنا مع شعار الثوار ( عندك خت ما عندك شيل ) و هم يفترشون " البروش " و يتشاركون الطعام . شاهدناهم و هم يقومون برسم الشهداء على الحوائط...... نظرنا اليهم بإعجاب مشوب بالدهشة و هم يفتحون صدورهم في جسارة للرصاص، و من ثم يقومون بإرجاع قذائف " الملتوف " المنهمر تجاههم، على الجنود المتحفزين للقتل و الذين قاموا بإلقائها عليهم.
شاهدنا في ميدان الاعتصام أطفال الشوارع و هم جزء من الثوار، و العناية التي تم شملهم بها حتى صار هؤلاء الضائعون جزءا من الثورة و الثوار. لقد أحس كل من شاهد الفيلم بمشاركته في المظاهرات العارمة الضخمة و هو يردد مع الثوار ( حرية ...سلام و عدالة ) .
شاهدنا الشباب من الجنسين و هم يتعاونون و يتبادلون الخبرات في علاقة رفاقية تهز القلوب و تلفت الانتباه و هم يدندنون بأغاني " الراب " الثورية. بالطبع في زمن عرض الفيلم الذى استمر لمدة ساعة و ربع، لم يتح للمخرجة أن تغطى كل احداث الثورة بالرغم من معايشتها جزء من تلك الاحداث. و اعتمادها على مصادر بلغت الخمسين مصدرا كما قالت هي في حديثها بعد نهاية الفيلم و محاولتها القاء الضوء على بعض أحداث الفيلم. قالت في حديثها معللة بتر بعض الأحداث بانه كان تأمينا للمصادر، خاصة أن الديكتاتورية في السودان من خلال حكم العسكر تحاول في يأس ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء.
بعد هذا التناول المختصر لأحداث الفيلم حان الوقت لتناول السيرة الذاتية للمخرجة لأنها تلقى الضوء و تجيب على التساؤل الذى يلح في إصرار في ذهن المشاهد مطالبا بالإجابة عليه و هو ........ لماذا تناولت المخرجة تحديدا ثورة السودان ؟!
مخرجة الفيلم هي الصحفية ( هند ميداب ) و هي فرنسية تونسية من مواليد 1978 .....من أب تونسي و أم مغربية. الأب و الأم هم ناشطان سياسيان وقفا ضد الأنظمة القهرية في بلادهما و هاجرا الى فرنسا. الأب لم يستطع العيش في فرنسا و رجع الى تونس ليموت شهيدا امام منزله برصاص أمن ( الحبيب بورقيبة ) !!
لها ثلاث أفلام أخرى الأول ( باريس – استالينغراد ) تتناول فيه قضية المهاجرين الى فرنسا و معاناتهم و قد نال الفيلم جائزتين في المهرجانات المختلفة، الثانى بعنوان ( الإلكترو - شاب ) و الثالث ( أحداث في تونس ) هذا الفيلم يتحدث عن مغنين ( الراب ) في تونس و تطالب بالحرية لهم.
يلاحظ ان كل أفلامها الوثائقية تتحدث عن حرية الرأي و الكلمة وهى تعتقد أن تترك الشعوب لتحديد مصيرها. المخرجة على الدوام تقف ضد الديكتاتوريات في مختلف بقاع العالم و كانت تأمل أن تنتقل أحداث ثورة السودان الى كل البلدان العربية. يتضح من افلامها تضامنها مع المضطهدين و المظلومين.....ذلك تأثير و ظلال أسرتها عليها.
في تقديري أن الفيلم جيد و هو توثيق متوازن من مشاهد و معاصر غير سوداني، يتناول و يتحدث عن عظمة الثورة السودانية و الشعب السوداني، كما يلفت الانتباه الى أن ما يدور في السودان الآن هي محاولات لؤاد تلك الثورة و استمراريتها و من ثم منع انتشارها الى دول الأقاليم المتاخمة. الفيلم يستحق المشاهدة و التضامن معه.
عدنان زاهر
سبتمبر 2024
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أحداث الفیلم
إقرأ أيضاً:
الصديق الفطين!!
جلست أستمع إلى رأى بعض الأصدقاء فيما أكتب، سمعت آراء مختلفة.. هذا طبيعى، ولكن أستوقفنى رأى أحدهم إذ قال ساخراً كيف أقرأ «كلام فى الهواء»!! وكيف أمسك به وهو طائر فى الهواء!! وابتسمت وتذكرت حكاية كنت قراءتها فى أحد الكتب العظيمة «كليلة ودمنة» عنوانها «الإخوة الثلاثة» الذين ترك لهم أبوهم مالاً كثيراً، وبعد نزاع قاموا بقسمته فيما بينهم، فقام اثنان منهم بإنفاقه فى غير وجهه، أما الأخ الثالث فكان يعلم أهمية المال وفائدته لبقاء حاله وصلاح دنياه، فالمال يغنى الشخص عن السؤال، وإذا كان لديك مال لم تنفقه لصالحك فى الدنيا والآخرة، كان الفقير الذى هو معسر الحال، وإن أتلفه وصرفه فى غير محله ينتهى إلى حسرة وندم، لذلك قام الأخ الثالث بإحضار أخويه وأعطاهما من المال الذى معه، الذى حصلوا على مثله من مال أبيهم، لأن الأولى الصرف على صلة الرحم، ويستكمل راوى الحكاية ليقول: على قارئ هذه الحكاية أن يديم النظر من غير ضجر ويلتمس جواهر معانيها، ولا يظن أن مغزاها هو الإخبار فقط، وكونوا مثل صياد الصدف، الذى يلقى بشبكته كل يوم وإذ بيوم فأصاب صدفة لم يلتف أحد لها فأخذها وكانت تساوى مبلغاً كبيراً جداً. فإذا أغفلت يا صديقى التفكير فى أمر ما أكتب، ولم تقف أمام أسرار معانيه، وعدم الأخذ بظاهر اللفظ دون الأخذ بباطنه.. أنت هنا من النبهاء.
لم نقصد أحداً!!