"زواج في طور التكوين".. بهذه العبارة وصف الكاتب والأكاديمي الأمريكي جون كالابريس، التعاون المتنامي بين اليابان ودول الخليج في مجال الهيدروجين الأخضر والأزرق، قائلا – في مقال نشره "معهد الشرق الأوسط" (MEI) – إن هذا التعاون يحتل مكانا مهما في مساعي طوكيو لهيلكة اقتصادها القائم في الأساس على موارد الطاقة التي لا تستغني عنها البلاد.

وأضاف أن النمو السريع لاقتصاد الهيدروجين، وسعي دول الخليج لتبوأ الصدارة عالميا في إنتاج هذا النوع من الطاقة النظيفة، وتدشينها استراتيجيات طموحة في هذا المضمار، يمكن أن يفرز أنماطًا جديدة من الاعتماد المتبادل بين اليابان ودول الخليج، والقائم على مبدأ المصلحة المشتركة.

وشدد قادة اليابان ودول الخليج، على حد سواء، على الحاجة إلى تبني مقاربات "واقعية" لحياد الكربون، وهم يتشاركون في الرأي القائل بأن الهيدروجين لديه إمكانات عالية كمحرك للنمو الاقتصادي وكحل مناخي فعال ويتخذون خطوات لتعزيز التعاون في إزالة الكربون، بما في ذلك توحيد الجهود لتسريع تطوير الهيدروجين الأخضر.

وبالتالي، فإنهم يضعون الأساس لنمط جديد من الاعتماد المتبادل على الطاقة، كما يقول الكاتب في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد".

اقرأ أيضاً

اليابان والإمارات والطاقة الخضراء.. التكنولوجيا من طوكيو والتمويل من أبوظبي

الطاقة في اليابان

وتعد الطاقة أمرا حيويا لاقتصاد اليابان، الذي لا يمتلك مواردا لها، نظرا لطبيعة الجغرافية القاسية، وقد تعهدت طوكيو بأن تكون محايدة للكربون بحلول عام 2050.

ولتحقيق هذا الهدف الطموح، وضعت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية (METI) استراتيجية نمو أخضر جديدة تتضمن دعم ابتكارات الحد من الكربون في المجالات الصناعية الرئيسية في شكل 2 تريليون ين (19 مليار دولار)، تضمنت إنشاء "صندوق ابتكار أخصر"، من المتوقع أن يقوم في الأساس على الهيدروجين وتقنيات احتجاز الكربون.

وتعتمد تلك الاستراتيجية على الحصول على الهيدروجين الأزرق والأخضر من منتجين مستقرين ومنخفضي التكلفة في جميع أنحاء العالم، ونقله مرة أخرى إلى اليابان باستخدام الهيدروكربونات أو الأمونيا أو الميثان كناقل للطاقة.

سيتطلب ذلك تعزيز العلاقات مع الدول المُحتملة لتصدير الهيدروجين، وهي دول الخليج التي تستثمر بكثافة في هذا الاتجاه.

وفي ظل سيطرة دول الخليج على واردات اليابان النفطية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، طورت طوكيو استراتيجيتها للتقارب مع دول الخليج خلال الأشهر الماضية، مدفوعة بقلقها من تزايد نفوذ الصين، غريمها اللدود، في المنطقة، وأيضا لكي يكون هذا التعاون أساسا جيدا لبناء تعاون أوثق في مجال الهيدروجين، لتحقيق هدف طوكيو للحياد الكربوني بحلول 2050.

اقرأ أيضاً

زيارة كشيدا للسعودية والإمارات وقطر.. تحول كبير في دبلوماسية اليابان للشرق الأوسط

مظاهر التعاون الياباني الخليجي

أولا: التعاون مع السعودية

ففي سبتمبر/أيلول 2020، تعاون معهد اقتصاديات الطاقة باليابان و"أرامكو" السعودية، بالشراكة مع شركة "سابك" و"ميتسوي" وشركة النفط اليابانية، لإنتاج وشحن أول شحنة من الأمونيا الزرقاء من المملكة إلى اليابان لاستخدامها في طاقة خالية من الكربون.

امتد هذا المسعى الرائد إلى سلسلة القيمة الكاملة، بما في ذلك تحويل الهيدروكربونات إلى الهيدروجين ثم إلى الأمونيا، وكذلك التقاط ثاني أكسيد الكربون المرتبط بها.

وبعد ستة أشهر، وقعت أكبر شركة تكرير في اليابان، شركة "إينيوس"، مذكرة تفاهم مع "أرامكو" للنظر في تطوير سلسلة توريد الهيدروجين والأمونيا الخالية من ثاني أكسيد الكربون.

وفي يوليو/تموز الماضي، وقعت شركة جيرا (JERA)، أكبر شركة لتوليد الطاقة في اليابان، مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمارات العامة في السعودية لتطوير مشاريع ومشتقات الهيدروجين الخضراء بشكل مشترك.

وتوصلت شركة "ماروبيني" اليابانية إلى اتفاق مع صندوق الاستثمارات العامة لإجراء دراسة جدوى لإنتاج الهيدروجين النظيف للأسواق المحلية والدولية.

وصلت الشحنة الأولى من الأمونيا منخفضة الكربون التي تنتجها (سابك) مع اللقيم من "أرامكو" والتي اشترتها شركة "فوجي أويل" إلى اليابان في أبريل/نيسان الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت اليابان والسعودية عن جهد مشترك جديد، مبادرة "المنارة"، والتي تضم مجموعة من المشاريع التي تدفع بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، مع التركيز على مجالات مثل تقنيات الهيدروجين والأمونيا.

اقرأ أيضاً

رئيس وزراء اليابان: اتفقت مع قطر والسعودية والإمارات على التعاون بالطاقة والدفاع

ثانيا: التعاون مع الإمارات

كما تبذل اليابان والإمارات العربية المتحدة جهودًا مشتركة لتعزيز التعاون الصناعي وإطلاق فرص جديدة في الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة.

ففي عام 2021، أبرمت شركة إنبكس (إنبكس) و"جيرا" ووكالة حكومية، هي المؤسسة الوطنية للنفط والغاز والمعادن اليابانية اتفاقية دراسة مشتركة مع "أدنوك" الإماراتية لاستكشاف الإمكانات التجارية لإنتاج الأمونيا الزرقاء في الإمارات.

وفي عام 2021 أيضًا ، اشترت INPEX اليابانية و Idemitsu و Itochu شحنات من الأمونيا الزرقاء من "أدنوك".

في الآونة الأخيرة، اتفقت شركة "ميتسوي" اليابانية، جنبًا إلى جنب مع GS Energy الكورية الجنوبية، على شراء حصص في مصنع الأمونيا الزرقاء الذي يجري تطويره في الرويس، بالاشتراك مع "إينيوس" و"أدنوك" لتقييم تطوير سلسلة توريد الهيدروجين التجاري النظيف بين الإمارات واليابان.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أسست METI و ADNOC برنامج التعاون الياباني الإماراتي للتكنولوجيا المتقدمة ، والذي يتضمن التعاون في تقنيات إزالة الكربون.

وقال رئيس الوزراء كيشيدا في رسالة مفتوحة إنه يعتزم تقديم "تقنيات إزالة الكربون المتطورة" في اليابان كجزء من مبادرة الطاقة الخضراء للشرق الأوسط، والتي بموجبها ستتعاون طوكيو وأبوظبي في مجالات "إنتاج واستخدام الهيدروجين والأمونيا وكذلك إعادة تدوير الكربون".

اقرأ أيضاً

رويترز: اليابان تغازل قطر ودول الخليج لشراء الغاز المسال

ثالثا: التعاون مع سلطنة عمان

تشارك الشركات اليابانية أيضًا في قطاع H2 في عُمان، والتي - مثل السعودية والإمارات - تتطلع إلى أن تصبح رائدة في الشرق الأوسط في مجال الهيدروجين.

تعاونت شركة "سوميتومو كوربوريشن" مع شركة "آرا بتروليوم"، التي تسعى جاهدة لتصبح منتج هيدروكربوني متعادل الكربون، لتطوير منشأة لإنتاج الهيدروجين في السلطنة.

انضمت شركة IHI Corporation اليابانية المصنعة للهندسة الثقيلة إلى مجموعة ACME الهندية لتطوير الطاقة الخضراء، ومقرها عمان، لاستكشاف المشاركة في مشاريع إنتاج الأمونيا الخضراء.

وكانت زيارة رئيس الوزراء الياباني كيشيدا إلى المنطقة في يوليو/تموز الماضي، تهدف إلى تأمين إمدادات مستقرة من النفط والغاز، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الياباني الخليجي في مجال الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

أثناء وجوده في جدة وأبوظبي ، وقع عددًا كبيرًا من الاتفاقيات لتطوير الهيدروجين النظيف والأمونيا والوقود الكربوني المعاد تدويره.

المصدر | جون كالابريس / معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العلاقات اليابانية السعودية الهيدروجين الأخضر الطاقة النظيفة ودول الخلیج دول الخلیج فی الیابان اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

الأمن المائي في الخليج التحدي الأكبر

كلما حدّث العالم قائمة أخطاره الوجودية، التفتت دول الخليج العربي إلى التحدي الأكبر الذي يواجهها وهو الأمن المائي الذي بات أحد أكبر أخطارها الوجودية الذي بقي طويلا في الظل خلف قضايا الطاقة والنمو الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية التي تحيط بالمنطقة.

ومع تزايد النمو السكاني الداخلي أو المستورد نتيجة احتياجات النمو الاقتصادي، ومع اتساع المدن والتغيرات المناخية التي يشهدها العالم وفي قلبه الجزيرة العربية تتعاظم الحاجة إلى وجود رؤية استراتيجية متكاملة تضمن استمرار الحياة والنمو دون تهديد مستقبلي يوصل السكان إلى حد ظهور أزمة عطش حقيقية.

وناقش أسبوع عمان للمياه ضمن الاجتماع الإقليمي الأول للجان الوطنية للبرنامج الهيدروجيني الدولي لدول الخليج العربية هذه القضية عبر قراءة تحديات ندرة المياه والتلوث المائي والبحث عن حلول مستدامة من خلال تعميق الوعي العام بأهمية الحفاظ على موارد المياه.

ورغم أهمية مثل هذه الاجتماعات وما تضعه على الطاولة من تحديات إلا أن الأمر يبدو أكثر إلحاحا مما يعتقد البعض في ظل حالة الجفاف التي تمر بها المنطقة متأثرة بالتغيرات المناخية.

وإذا كانت دول الخليج في سياق عملها من أجل المساهمة في حل قضايا التغيرات المناخية تحاول الذهاب نحو الطاقة الخضراء البديلة فإن بقاء اعتمادها على تحلية مياه البحر كمصدر رئيسي وأساسي لتأمين احتياجاتها من الماء يحيطها بتعقيدات كبيرة؛ سواء من حيث التكلفة الباهظة أو التقنيات التي ليست دائما صديقة للبيئة، كما أن منشآتها تحتاج إلى طاقة ضخمة في وقت تتجه فيه دول العالم نحو خفض الانبعاثات. لكن هناك مخاطر أخرى غير تقليدية قد تبرز في المرحلة القادمة في ظل الصراع السياسي المتزايد فيما لو حدثت تسريبات أو انبعاثات نووية الأمر الذي معه يمكن أن تتوقف عملية التحلية وتدخل المنطقة في وضع حرج جدا.

إن الأزمة المائية في الخليج لا تقف عند حدود الموارد فقط لكنها تتصل، دائما، بثقافة الاستهلاك. فمعدلات استهلاك الفرد للمياه في عدد من دول الخليج تُعد من الأعلى عالميا، وتتم في كثير من الأحيان دون مقابل مادي حقيقي يُشعر المستهلك بقيمة المورد. وهنا تكمن أهمية إصلاح السياسات المائية، ليس عبر فرض الضرائب أو الرسوم فقط، بل من خلال التوعية، وتحسين البنية الأساسية، وتوظيف التكنولوجيا الذكية في رصد التسربات، وإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة.

وأكد الاجتماع الإقليمي الخليجي أن ضمان أمن المياه يتطلب تعاونا خليجيا واسع النطاق، تُبنى فيه شراكات استراتيجية للمياه كما هو الحال مع مشاريع الطاقة والدفاع. كما أن الاستثمار في الزراعة الذكية، والتقنيات البديلة للري، والبحوث في الطاقة المتجددة لتحلية المياه، يشكّل مداخل واقعية لحلول مستدامة.

وإذا كان الخليج يخشى من أن معركته الأهم تكمن في التحول من الاعتماد على طاقة النفط إلى تنويع مصادر الدخل المستدامة فإن البعض يتصور أن المعركة الأخطر تتعلق بمياه الشرب النظيفة، والانتصار في هذه المعركة يتطلب رؤية وإدارة ومجتمع واع بهذا الخطر الكبير.

مقالات مشابهة

  • شركة ناشئة في الإمارات تقدم حلاً لأزمة الكربون والأمن الغذائي
  • الأمن المائي في الخليج التحدي الأكبر
  • بتمويل فرنسي.. تفاصيل إقامة محطة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
  • الهيدروجين الأخضر والمترو الذكي والتعليم التكنولوجي.. مكاسب مصر من زيارة ماكرون
  • مدبولي يتابع موقف مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر
  • رئيس الوزراء يتابع موقف مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر
  • كامل الوزير يشهد توقيع اتفاقية لبناء وتشغيل محطة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته
  • صفقة ضخمة بين مصر وفرنسا لبناء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
  • توقيع اتفاقية تعاون مع فرنسا لتمويل محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر برأس شقير
  • وليد جمال الدين: مصر مركز إقليمي للطاقة الخضراء.. و قناة السويس تقود التحول نحو الهيدروجين الأخضر