عندما نستطلع الأفكار منذ القدم سنجد انتقالات مهمة مع الزمن، فلا شيء ثابت ولا يمكن الثبات، وإنما الكون بكل تفاصيله في حالة حراك وتغيير، حتى الفكر فهو يتوسع ليتغير الفهم عند الإنسان بعد أن ظن فيه الثبات بفهم خاطئ ودافع عنه وضحّى، فالساكن لا ينتج قطعا حتى وإن لم يك ميتا.
فلو نظرنا إلى أفلاطون وعالم المثل عنده وأسلوبه في الاستقراء ما بين العقلانية التي تبتعد عن الرومانسية، وإقرار أرسطو طاليس عن طبيعة الأرض محور الكون، والذي تبنته الكنيسة وكأنه منزّل لتحكم بالهرطقة والموت على من يخالف هذا كغاليليو، وما تبناه الفقهاء والفرق الإسلامية من أفكار تسقط كلما ازدادت المعرفة بالماهية.
فالفلسفة العقلية بُنيت بوضوح مع هيكل في النظر إلى الأفكار والمادة، ثم الواجب والمحسوس عند كانط، وانقلاب هذا كله مع ماركس الذي حصر الأمور كلها بجدلية واقعية أو كما افترض هو للمادة ووسائل الإنتاج وفسّر الماضي وحاضره من خلال فكرة الصراع هذه، لكن ما تبين لاحقا أن التفكير بهذا الاتجاه ليس إلا نوعا من المصفوفات الإحصائية التي لا ترتكز إلى الحقائق وإنما إلى التجربة والتي تحتاج دوما إلى ترشيد، فالمفكر كالقائد الذي يتصور أرض المعركة، لكن حقيقة الموقف التعبوي عند العريف أو الجندي.
قام أحد الباحثين المعروفين هذه الفترة بإجراء إحصائية حول طبيعة التصلب في المجتمع العراقي ويفترض أن الغاية هي البحث عن علاج، لكن هل يمكن اعتماد هذا المنهج في بيئة مجتمعنا التي تعطي انطلاقة سلبية حزينة برد الفعل أو ما يسمى لغةً "الخُلق"؟ فمجتمع تعرض لصدمات عبر التاريخ بلا توقف بحكم كون المنطقة هي إحدى منطقتين عالميتين تعتبر مكان الاصطدام (Crash zone)، والانطباع المتشكل من الرد الأولي لأي مجموعة أو شريحة في بيئتها تجاه ما يعرض عليها من أسئلة سيكون متجها للسلبية والشك والظن.
أزعم أننا نحتاج تدقيق الخلاصات، هذا الإحصاء يسمى الإحصاء التجريبي والأساس أن تكون هنالك فرضية يتأكد من صحتها من خلال هذه العملية الإحصائية، لكن باستخدام الأساليب المتبعة في الإحصاء الظاهراتي ستجد نتيجة متباينة وأحيانا مختلفة كليا، فعندما تتعامل مع منظومة متعرضة للانتقاد دوما واللوم من الجمهور وجئت أنت باستفسارك، فهي لن تأخذ استفسارك أوليا بحسن نية.
وأنا أكتب المقال جربت هذا الأسلوب عبر فيسبوك مع جمعية خدمات مولدات الكهرباء فكان الفهم عكس مقصدي والرد جاف وفيه عدوانية، فأجبته بلطف أني مستغرب لجفاف أسلوبه مع مواطن لم يقصد إلا السؤال، وأنه قد فهم سؤالي عكس المطروح، فانقلب كلامه تماما بل كرر اعتذاره وضخّم من لطف أسلوبه وتجاوبه، وانتقل بجوارحه ليقدم لي أية خدمة كتعبير عن إحساسه أنه كان سلبيا ويريد أن يقول إني لست كذلك. أثق بأنه شخص طيب وإيجابي لكن الظرف والضغط جعل أسلوبه بالتعامل بما يراه ناجعا مع البعض. إذن الظاهراتي إيجابي، لكن الخُلق أو رد الفعل الأولي أعطى سلبية، فمجتمعاتنا لا يُحكم عليها بأسلوب علمي رقمي جاف وإنما يُتجه إليها إنسانيا والأمثلة لا تحصى.
بلادنا طاردة لطاقاتها لظرف إبداعهم المفقود ومكانتهم المختزلة، لكن مجتمعهم له ارتباط وتأسيس في نفوسهم. فهذه الطاقات تريد أن تعود وتتغنى بحياتها ضمن مجتمع ظاهره متعصب صلد، وعند فرحه فهو في منتهى الرقة والكرم والإيثار، وقد يكون نفس الشخص يحمل السلوكين. إذن المشكلة في تكييف هذا المجتمع بتعريفه بنفسه وإشعاره بأهميته وفاعليته ونجاحه عندما يكون لطيفا، وأن يفهم قواعد الخلق والسلوك وألا يأخذ الأمور بقسوة الأحكام على فعل قبل أن يرى رأيه إن كان هو من مرتكب الفعل أو هل يمكن أن يفعل هذا، وأن لا يطلب المثالية والتطابق في غيره، بينما هو ومن خلال أسلوب حكمه ومحاسبته هو غير مكلف بالحكم والحساب لم يطابق ما تعصب له.
ترى إنسانا يتعصب لفكره وهو يعيب على الآخرين العصبية، الحقيقة هذا لفاعلية الغريزة وسيطرتها على المنظومة العقلية، يصدر أحكاما عاطفية انطباعية في مفاصل أساسية لا يمكن أن يُنظر إليها ناهيك عن تطبيقها، ثم يتهم بفجور وفحش من يفكر لتكييف ما، ينكل هو بالناس وسمعتهم لأجله غير منتبه لأسلوبه الفج في طرح فكره الخارج عن الواقع والتاريخ بالأسلوب الذي يعرضه فيه. وهذه ظاهره في المجتمع وليست فردية نتيجة أن هذا المجتمع مأزوم نفسيا وفكريا ويحتاج إلى صبر في معالجته وقبوله لتصويب مسار أفكاره، وهذا ليس مناقضا للفكرة السابقة فهذه نتائج تختلف في مكانتها في التقييم عن الأساسيات كالفكر والغرائز والحاجات.
نستخلص:
الأفكار تتوسع في منظومة العقل، وما كان يعتبر من الثوابت ومتبنى كنسيا في مثل أرسطوطاليس هو إنتاج بشري له منطقه لكنه يصوب بالتفكير والنظر إلى الماهية. ثم نأتي إلى فكر الإسلام، الذي فهمه كبار الصحابة ومقاصده، ومن ينظر إلى سيرة الخلفاء الراشدين وسلوك الحسن والحسين، ربما يرى سلوك الحسن نقيض سلوك الحسين رضي الله عنهما، لكن واقعا في المقاصد واحد، كذلك تصلب أبوبكر رضي الله عنه في الأحكام والمرتدين، وتساهل عمر في الحدود عام الرمادة، ورفض توزيع الأرض على الفاتحين حماية لمصالح أهل المناطق المفتوحة وما زال الحكم قائما، ووقف العطاء للمؤلفة قلوبهم وهو فهم لمعاني التمكين في المقاصد واحد، وإلا في زمننا لحُكم البعض على أبي بكر بالتعصب ولحكم على عمر بالتبديد والابتداع. وتصور أن يأتي شخص أو حاكم في زمننا يجتهد اجتهاد كاجتهاده فهو حتما سيحكم عليه بالردة والكفر.
مع كل هذا النموذج الطيب فهم اجتهدوا لعصرهم. ولا بد أن نعلم أن القرآن لا يمر عليه الزمن لكن الاجتهاد يمر عليه الزمن ويغادره، لذا لا بد أن نجتهد لعصرنا ونفكر بشكل يمكننا من إدارة الحياة والحفاظ على أهلية الإنسان الضرورية ليكون الإنسان مكلفا. وهذا هو واجبنا فالشريعة من أجل الإنسان وليس العكس، ذلك منظور يمكن أن يحل مشكلة الإنسانية والبشرية التائهة رغم تطورها التقني فقد وصلت مرحلة التصادم الخطر الذي لا يعلم نتيجته إلا الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الكون الفكر العقلية الفكر العقل الكون الفلسفة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات من هنا وهناك صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة من هنا وهناك رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
«الاتحاد» لحقوق الإنسان تُعزز دور المجتمع المدني الإماراتي
القاهرة: «الخليج»
شاركت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، كممثلةٍ للمجتمع المدني الإماراتي، في أعمال اجتماع الدورة (27) للجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الخاصة بمناقشة التقرير الدوري الثاني المقدم من دولة الإمارات، والتي عُقدت في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، يوميّ 27 و28 يناير 2025.
وشملت مشاركة الجمعية في تقديم تقرير وطني موازٍ ومستقل للجنة الميثاق، وأيضاً المشاركة في المشاورات المتعلقة بمناقشة التقرير الدوري، وتضمّن مجموعة ملاحظات وتوصيات عززت من جودة التقرير وشموليته في استعراض جوانب وخطوات ومبادرات حقوق الإنسان.
واعتبرت الجمعية مشاركتها، خطوة بالغة الأهمية لضمان احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، والتأكيد على الالتزامات الدولية المقررة بموجب الاتفاقيات الأُممية. وتأتي هذه المشاركة في إطار بيان دور الإمارات، ومشاركتها كدولة عربية، عضو فاعل في منظمة جامعة الدول العربية، في مجال احترام وتعزيز منظومة حقوق الإنسان.
وكانت الجمعية قد اطلعت على التقرير الدوري الثاني، وأكدت على أهميته وشموليته في استعراض مختلف جوانب مسيرة وتطور حقوق الإنسان في دولة الإمارات، كما تم البناء على نتائج ومخرجات استعراض التقرير الدوري الأول الذي تم في عام 2019.
وأشادت مريم الأحمدي، نائب رئيس جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، خلال مشاركتها الدولية، بالجهود التي بذلتها اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، والإدارات المعنية بوزارة الخارجية في دولة الإمارات بإعداد التقرير الدوري، وتضمينه كل ما يُعنى بمسيرة وتطوّر حقوق الإنسان بالدولة، في سِياق الامتثال للميثاق العربي لحقوق الإنسان.
وكانت الإمارات قد بذلت دوراً بارزاً في إعداد التقارير الدورية بشأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان، واتساق التشريعات الداخلية لديها مع أحكام الميثاق، والتي تؤكد عمق الالتزام بما ورد في الميثاق من مبادئ وأحكام.
وأكدت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، الحرص على إثراء مشاركتها في مختلف مراحل استعراض ومناقشة التقارير الدورية لحقوق الإنسان، سواءً على صعيد المشاورات أو إعداد تقارير الظل أو المشاركة في جلسات استعراض ومناقشة التقارير أمام لجنة الميثاق العربية، بمشاركة مختلف الأطراف الفاعلة ومؤسسات المجتمع المدني.